|
ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() أموات في قصور خالد محمود الحماد ذهبتُ إلى الحلاَّق كعادتي؛ لأُهذِّب شعراتٍ تبقَّتْ من شعرٍ تشتَّتَ جُلُّه بعواصف الأيام، وبينما المقص يأخذ جولته، إذ بصوت مُفزِع كأنه قرْعُ الطبول! فقلت لصاحب المقص: وما ذاك، يرحمك الله؟ فابتسم قائلاً: هؤلاء أطفال الشارع اعتدنا عليهم. قلت: أعانك الله! فبادرني بقوله: لا.. لا، هذا صوت إن لم نسمعه نتعب ويصيبنا المللُ! فأخذني الصمتُ متحيِّرًا من جوابه، أقول في نفسي: عجبًا لمستمتع بالضجيج المزعج!! وكأنه فَهِم مقالتي من تقاسيم وجهي، فالوجوه عمله وميدانه. فقال: لا تعجب؛ فقد فتحت محلاًّ للحلاقة في إحدى المناطق الراقية؛ لعلِّي أُجاور السعيدَ فتنالني سعادةٌ تمحو مآسي الحياة، فمكثتُ أيامًا في تلك المنطقة لا أرى أثرًا لبشرٍ، وشوارعهم خالية حتى من القطط، والزبون منهم كأنه أصمُّ أبكم لا يتكلم إلا بالإشارة، حتى دخل عليَّ مجموعةٌ من الأطفال، وكأن صياحهم كان لي طوق النجاة للخروج بي من بحرِ الصمت المهلك! فقلت: أهلاً وحيَّهلا. قالوا: هل تسمح لنا باستخدام المشط؟ قلت: وبكل سرور، وفي أيِّ وقتٍ ومجَّانًا. وقد كنت سعيدًا للضجَّة التي أحدثوها؛ لأن الحياة بين أهل القصور موتٌ بطيء لا يصلح لأمثالي، فبيوتهم متلاصقة؛ ولكن لا أحد يَعرف عن جاره شيئًا، ولقد توفِّي جارٌ لنا وفوجِئتُ أن الجيران لم يسمعوا عن وفاة جارهم إلا بعد مدة من الزمن، وبعضهم إلى هذه الساعة لا يعلم! وأنهى حلاَّقُنا المتميِّز حديثه بعبارة: هل عرفت أن الضجيج في منطقتكم نعمة تُحسدون عليها؟! قلتُ: نعم، يبدو أنه كلما زاد التطور والثراء فينا، غرقنا أكثر فأكثر في بحر الدنيا المتلاطم، ولم نعد نشعر إلا بالماديَّات ومجتمع المصالح، وثمرة ذلك التسابق المحموم بأن يموت الجار ولا يعلم به جاره، بل تعدَّى الأمر إلى قطع الأرحام، وإلى هجر الوالدين، ولا يشغلنا عن كلِّ هذا سوى المادة الزائلة؛ فرويدًا رويدًا. يا أصحاب القصور، فإنكم تسرعون الخطى نحو القبور، ولا تشعرون! والحقيقة المُرَّة أن هذا الداء العُضَال أصبحت عَدْوَاه تسري في جميع أجساد المجتمع، غير أنها تقل هنا وتزداد هناك؛ حتى بات ربُّ الأسرة لا يرى أولاده إلا ما ندر!! فعلينا أن نرحم أنفسنا ومجتمعنا من التخمة الماديَّة؛ فإن الأموال ومهما تكاثرت فلن تدخل معك في حفرة لا تسع إلا أنت وحيدًا فريدًا، لا مؤنس لك فيها إلا ما كان من عملٍ صالح، ودعوات من مجتمع تعاهدناه ولم نفرط به!! هي كلمات قرعت سمعي، فوددت أن تقرع أسماعكم؛ لعلَّها تقرع قلوبكم نحو جيرانكم وأقاربكم وفلذات قلوبكم، والله وحدَه الهادي إلى سواء السبيل.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |