|
|||||||
| ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#151
|
||||
|
||||
|
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك حديث: اذبح ولا حرج عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع فجعلوا يسألونه، فقال رجل: لم أشعر، فحلقت قبل أن أذبح، قال: "اذبح ولا حرج"، وقال الآخر: لم أشعر، فنحرت قبل أن أرمي، فقال: "ارم ولا حرج"، فما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: "افعل ولا حرج". ♦ قوله: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع)؛ أي: بمنى، فجعلوا يسألونه. ♦ قال البخاري: باب الفتيا على الدابة عند الجمرة، وذكر الحديث وفي لفظ: أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم النحر، فقام إليه رجل، فقال: كنت أحسب أن كذا قبل كذا، ثم قام آخر، فقال: كنت أحسب أن كذا قبل كذا، حلقت قبل أن أنحر، نحرت قبل أن أرمي وأشباه ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "افعل ولا حرج" لهنَّ كلهنَّ، فما سئل يومئذ عن شيء إلا قال: "افعل ولا حرج"، وفي رواية: "وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته"، فذكر الحديث، وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما رميت بعدما أمسيت، فقال: لا حرج. ♦ قال الحافظ: (وهذا يدل على أن هذه القصة كانت بعد الزوال؛ لأن المساء يطلق على ما بعد الزوال، وكأن السائل علم أن السنة للحاج أن يرمي الجمرة أول ما يقدم ضحى، فلما أخرها إلى بعد الزوال سأل عن ذلك، ولا يلزم من وقوفه عند الجمرة أن يكون حينئذ رماها في حديث ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات فذكر خطبته، فلعل ذلك وقع بعد أن أفاض ورجع إلى منى)[1]. ♦ قوله: (فقال رجل: لم أشعر)؛ أي لم أفطن، ولمسلم: لم أشعر أن الرمي قبل النحر فنحرت قبل أن أرمي، وقال آخر: لم أشعر أن النحر قبل الحلق، فحلقت قبل أن أنحر، ولمسلم: إني حلقت قبل أن أرمي، وقال آخر: أفضت إلا البيت قبل أن أرمي. ♦ قال البخاري: باب الذبح قبل الحلق، وذكر حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: زرت قبل أن أرمي، قال: لا حرج، قال: حلقت قبل أن أربع، قال: لا حرج، قال: ذبحت قبل أن أرمي قال: لا حرج. ثم ذكر حديث أبي موسى رضي الله عنه وفي آخره قول عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل حتى بلغ الهدي محله[2]. ♦ قال الحافظ: (قوله: باب الذبح قبل الحلق، أورد فيه حديث السؤال عن الحلق قبل الذبح، ووجه الاستدلال به لما ترجم له أن السؤال عن ذلك دال على أن السائل عرف أن الحكم على عكسه، قال: ومطابقة حديث أبي موسى للترجمة من قول عمر فيه لم يحل حتى بلغ الهدي محله؛ لأن بلوغ الهدي محله يدل على ذبح الهدي، فلو تقدم الحلق عليه لصار متحللًا قبل بلوغ الهدي محله، وهذا هو الأصل، وهو تقديم الذبح على الحلق، وأما تأخيره فهو رخصة)[3]. ♦ قوله: (فما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: "افعل ولا حرج"). ♦ قال البخاري: باب إذا رمى بعد ما أمسى، أو حلق قبل أن يذبح ناسيًا، أو جاهلًا، وذكر حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له في الذبح والحلق والرمي والتقديم والتأخير، فقال: لا حرج، وفي لفظ: قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يُسأَل يوم النحر بمنى، فيقول: لا حرج، فسأله رجل، فقال: حلقت قبل أن أذبح، قال: اذبح ولا حرج، وقال: رميت بعد ما أمسيت، فقال: لا حرج. ♦ وقال البخاري: باب السؤال والفتيا عند رمي الجمار، وذكر حديث عبدالله بن عمرو قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم عند الجمرة وهو يُسأل، فقال رجل: يا رسول الله، نحرت قبل أن أرمي، قال: ارمِ ولا حرج، قال آخر: يا رسول الله، حلقت قبل أن أنحر، قال: "انحر ولا حرج"، فما سئل عن شيء قدِّم، ولا أخِّر، إلا قال: "افعل ولا حرج"[4]. قوله: باب السؤال والفتيا عند رمي الجمار. ♦ قال الحافظ: (مراده أن اشتغال العالم بالطاعة لا يمنع من سؤاله عن العلم ما لم يكن مستغرقًا فيها، وأن الكلام في الرمي وغيره من المناسك جائز، قال: وفيه أن سؤال العالم على قارعة الطريق عما يحتاج إليه السائل لا نقص فيه على العالم إذا أجاب، ولا لوم على السائل)[5]. قال الحافظ: ♦ قوله: (اذبح ولا حرج)؛ أي: لا ضيق عليك في ذلك. ♦ وقال الحافظ أيضًا: وظائف يوم النحر بالاتفاق أربعة أشياء: رمي جمرة العقبة، ثم نحر الهدي أو ذبحه، ثم الحلق أو التقصير، ثم طواف الإفاضة. وفي حديث أنس في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بمنى، فأتى الجمرة فرماها، ثم أتى منزله بمنى فنحر، وقال للحلاق: "خذ"، ولأبي داود: "رمى ثم نحر ثم حلق"، وقد أجمع العلماء على مطلوبية هذا الترتيب. ♦ قال الحافظ: واختلفوا في جواز تقديم بعضها على بعض، فأجمعوا على الإجزاء في ذلك، كما قاله ابن قدامة في المغنى، إلا أنهم اختلفوا في وجوب الدم في بعض المواضع. ♦ وقال القرطبي: روي عن ابن عباس ولم يثبُت عنه أن من قدم شيئًا على شيء، فعليه دم وبه، قال سعيد بن جبير، وقتادة والحسن والنخعي، وأصحاب الرأي. ♦ قال الحافظ: (وفي نسبة ذلك إلى النخعي وأصحاب الرأي نظر، فإنهم لا يقولون بذلك إلا في بعض المواضع، وقال القرطبي: قال وذهب الشافعي وجمهور السلف والعلماء وفقهاء أصحاب الحديث إلى الجواز وعدم وجوب الدم؛ لقوله للسائل: لا حرج فهو ظاهر في رفع الإثم والفدية معًا؛ لأن اسم الضيق يشملهما، قال الطحاوي: ظاهر الحديث يدل على التوسعة في تقديم بعض هذه الأشياء على بعض، قال: إلا أنه يحتمل أن يكون قوله: لا حرج؛ أي لا إثم في ذلك الفعل، وهو كذلك لمن كان ناسيًا أو جاهلًا، وأما من تعمَّد المخالفة، فتجب عليه الفدية، وتعقب بأن وجوب الفدية يحتاج إلى دليل، ولو كان واجبًا لبيَّنه صلى الله عليه وسلم حينئذ؛ لأنه وقت الحاجة ولا يجوز تأخيره، وقال الطبري: لم يسقط النبي صلى الله عليه وسلم الحرج إلا وقد أجزأ الفعل إذ لو لم يجزئ لأمره بالإعادة؛ لأن الجهل والنسيان لا يضعان عن المرء الحكم الذي يلزمه في الحج كما لو ترك الرمي ونحوه، فإنه لا يأثم بتركه جاهلًا أو ناسيًا، لكن يجب عليه الإعادة والعجب ممن يحمل قوله: ولا حرج على نفي الإثم فقط، ثم يخص ذلك ببعض الأمور دون بعض، فإن كان الترتيب واجبًا يجب بتركه دم، فليكن في الجميع، وإلا فما وجه تخصيص بعض دون بعض مع تعميم الشارع الجميع بنفي الحرج، وأما احتجاج النخعي ومن تبِعه في تقديم الحلق على غيره بقوله تعالى: ï´؟ وَلَا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ï´¾ [البقرة: 196]، قال: فمن حلق قبل الذبح أهراقَ دمًا عنه؛ رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح، فقد أجيب بأن المراد ببلوغ محله وصوله إلى الموضع الذي يحل ذبحه فيه، وقد حصل، وإنما يتم ذلك لو قال: ولا تحلقوا حتى تنحروا. ♦ قوله: (فما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء قدِّم ولا أخرِّ، إلا قال: "افعل ولا حرج"). ♦ قال الحافظ: في رواية يونس عند مسلم وصالح عند أحمد فما سمعته سئل يومئذ عن أمر مما ينسى المرء أو يجهل من تقديم بعض الأمور على بعض أو أشباهها، إلا قال: "افعلوا ذلك ولا حرج"، واحتج به وبقوله في رواية مالك: لم أشعر بأن الرخصة تختص بمن نسي أو جهل، لا بمن تعمد، قال صاحب المغني: قال الأثرم عن أحمد إن كان ناسيًا أو جاهلًا، فلا شيء عليه، وإن كان عالِمًا، فلا لقوله في الحديث: لم أشعر، وأجاب بعض الشافعية بأن الترتيب لو كان واجبًا لَما سقط بالسهو؛ كالترتيب بين السعي والطواف، فإنه لو سعى قبل أن يطوف وجب إعادة السعي، وأما ما وقع في حديث أسامة بن شريك، فمحمول على من سعى بعد طواف القدوم، ثم طاف طواف الإفاضة، فإنه يصدق عليه أنه سعى قبل الطواف؛ أي: طواف الركن، ولم يقل بظاهر حديث أسامة إلا أحمد وعطاء، فقالا: لو لم يطف للقدوم ولا لغيره، وقدم السعي قبل طواف الإفاضة، أجزأه؛ أخرجه عبدالرزاق عن ابن جريج عنه، وقال ابن دقيق العيد: ما قاله أحمد قوي من جهة أن الدليل دل على وجوب اتباع الرسول في الحج بقوله: "خذوا عني مناسككم"، وهذه الأحاديث المرخصة في تقديم ما وقع عنه تأخيره قد قرنت بقول السائل: لم أشعر، فيختص الحكم بهذه الحالة، وتبقى حالة العمد على أصل وجوب الاتِّباع في الحج، وأيضًا فالحكم إذا رتب على وصف يمكن أن يكون معتبرًا، لم يجز اطراحه، ولا شك أن عدم الشعور وصف مناسب لعدم المؤاخذة، وقد علق به الحكم، فلا يمكن اطراحه بإلحاق العمد به؛ إذ لا يساويه، وأما التمسك بقول الراوي: فما سئل عن شيء ...إلخ، فإنه يشعر بأن الترتيب مطلقًا غير مراعى، فجوابه أن هذا الإخبار من الراوي يتعلق بما وقع السؤال عنه، وهو مطلق بالنسبة إلى حال السائل، والمطلق لا يدل على أحد الخاصين بعينه، فلا يبقى حجة في حال العمد؛ والله أعلم. ♦ قال الحافظ: وفي الحديث من الفوائد: جواز القعود على الراحلة للحاجة، ووجوب اتباع أفعال النبي صلى الله عليه وسلم؛ لكون الذين خالفوها لَمَّا علموا سألوه عن حكم ذلك، واستدل به البخاري على أن من حلف على شيء، ففعله ناسيًا أو جاهلًا أنْ لا شيء عليه)[6]؛ انتهى، والله أعلم. [1] فتح الباري: (3/ 570). [2] صحيح البخاري: (2/ 212). [3] فتح الباري: (3/ 559). [4] صحيح البخاري: (4/ 214). [5] فتح الباري: (1/ 223). [6] فتح الباري: (3/ 571، 572).
__________________
|
|
#152
|
||||
|
||||
|
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك حديث: حج مع ابن مسعود فرآه يرمي الجمرة الكبرى بسبع حصيات عن عبدالرحمن بن يزيد النخعي أنه حج مع ابن مسعود رضي الله عنه فرآه يرمي الجمرة الكبرى بسبع حصيات، فجعل البيت عن يساره ومِنى عن يمينه، ثم قال: هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة صلى الله عليه وسلم. • قوله: (إنه حج مع ابن مسعود)، وفي رواية قال: رمى عبدالله من بطن الوادي، فقلت: يا أبا عبدالرحمن، إن ناسًا يرمونها من فوقها، فقال: والذي لا إله غيره هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة صلى الله عليه وسلم. • قال البخاري: باب رمي الجمار بسبع حصيات. ذكره ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر حديث ابن مسعود[1]. • قال الحافظ: (قوله: جمرة العقبة هي الجمرة الكبرى وليست من منى، بل هي حد منى من جهة مكة، وهي التي بايع النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار عندها على الهجرة، والجمرة اسم لمجتمع الحصى؛ سُميت بذلك لاجتماع الناس بها؛ يقال: تجمر بنو فلان: إذا اجتمعوا. • قال الحافظ: (تمتاز جمرة العقبة عن الجمرتين الأخريين بأربعة أشياء: اختصاصها بيوم النحر، وألا يوقف عندها، وترمى ضحى، ومن أسفلها استحبابًا. قال: وقد أجمعوا على أنه من حيث رماها جاز سواء استقبلها أو جعلها عن يمينه أو يساره أو من فوقها، أو من أسفلها أو وسطها، والاختلاف في الأفضل)[2]. • قال البخاري: باب يكبر مع كل حصاة؛ قاله ابن عمر صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم. حدثنا مسدد عن عبدالواحد، حدثنا الأعمش، قال: سمعت الحجاج يقول على المنبر السورة التي يذكر فيها البقرة والسورة التي يذكر فيها آل عمران والسورة التي يذكر فيها النساء، قال: فذكرت ذلك لإبراهيم، فقال: حدثني عبدالرحمن بن يزيد أنه كان مع ابن مسعود رضي الله عنه، حين رمى جمرة العقبة، فاستبطن الوادي حتى إذا حاذى بالشجرة، اعترضها فرمى بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة، ثم قال: من ها هنا، والذي لا إله غيره، قام الذي أنزلت عليه سورة البقرة صلى الله عليه وسلم[3]. وخص ابن مسعود سورة البقرة؛ لأنها التي ذكر الله فيها كثيرًا من أفعال الحج، وقيل: خص البقرة بذلك لطولها وعِظم قدرها، وكثرة ما فيها من الأحكام. • قال الحافظ: (واستدل بهذا الحديث على اشتراط رمي الجمرات واحدة واحدة؛ لقوله: يكبر مع كل حصاة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "خذوا عني مناسككم"، وخالف في ذلك عطاء وصاحبه أبو حنيفة، فقالا: لو رمى السبع دفعة واحدة أجزَأه، وفيه ما كان الصحابة عليه من مراعاة حال النبي صلى الله عليه وسلم في كل حركة وهيئة، ولا سيما في أعمال الحج، وفيه التكبير عند رمي حصى الجمار، وأجمعوا على أن من لم يكبر، فلا شيء عليه، فائدة: زاد محمد بن عبدالرحمن بن يزيد النخعي عن أبيه في هذا الحديث عن ابن مسعود أنه لَمَّا فرغ من رمي جمرة العقبة، قال: اللهم اجعله حجًّا مبرورًا وذنبًا مغفورًا)[4]. عن الفضل بن العباس رضي الله عنهما، وكان رديف النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في عشية عرفة وغداة جمع للناس حين دفعوا: "عليكم السكينة"، وهو كاف ناقته حتى دخل محسرًا وهو من منى، قال: "وعليكم بحصى الخَذْف الذي يرمى به الجمرة"؛ رواه أحمد ومسلم. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم أذِن لضعفة الناس من المزدلفة بليل؛ رواه أحمد. وعن جابر رضي الله عنه قال: رمى النبي صلى الله عليه وسلم الجمرة يوم النحر ضحى، وأما بعد فإذا زالت الشمس؛ أخرجه الجماعة. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رمى الجمار مشى إليها ذاهبًا وراجعًا؛ رواه الترمذي وصححه، وفي لفظ عنه: أنه كان يرمي الجمرة يوم النحر راكبًا، وسائر ذلك ماشيًا، ويخبرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك؛ رواه أحمد. وعن سالم عن ابن عمر: أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة، ثم يتقدم فيسهل، فيقوم مستقبل القبلة طويلًا، ويدعو ويرفع يديه، ثم يرمي الوسطى، ثم يأخذ ذات الشمال فيسهل، فيقوم مستقبل القبلة، ثم يدعو ويرفع يديه ويقوم طويلًا، ثم يرمي الجمرة ذات العقبة من بطن الوادي ولا يقف عندها، ثم ينصرف ويقول: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله؛ رواه أحمد والبخاري. وعن سعد بن مالك رضي الله عنه قال: "رجعنا في الحجة مع النبي صلى الله عليه وسلم وبعضنا يقول: رميت بسبع حصيات، وبعضنا يقول: رميت بست حصيات، فلم يعب بعضهم على بعض"؛ رواه أحمد والنسائي. وعن وبرة قال: سألت ابن عمر رضي الله عنهما: متى أرمي الجمار؟ قال: إذا رمى إمامك فارْمه، فأعدت عليه المسألة، قال: كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا"؛ رواه البخاري. • قال الحافظ: (فيه دليل على أن السنة أن يرمي الجمار في غير يوم الأضحى بعد الزوال، وبه قال الجمهور، وخالف فيه عطاء وطاوس، فقالا: يجوز قبل الزوال مطلقًا، ورخَّص الحنفية في الرمي في يوم النفر قبل الزوال، وقال إسحاق: إن رمى قبل الزوال أعاد، إلا في اليوم الثالث فيجزئه)[5]؛ انتهى. وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء ورقد رقدة بالمحصب، ثم ركب إلى البيت فطاف به؛ رواه البخاري. وعن عائشة رضي الله عنهما قالت: "إنما كان منزلًا ينزله النبي صلى الله عليه وسلم؛ ليكون أسمح لخروجه"؛ تعني: بالأبطح؛ متفق عليه. وعن عبدالعزيز بن رفيع قال: "سألت أنس بن مالك: أخبرني بشيء عقلته عن النبي صلى الله عليه وسلم أين صلى الظهر يوم التروية؟ قال: بمنى، قلت: فأين صلى العصر يوم النفر؟ قال: بالأبطح، افعل كما يفعل أُمراؤك"؛ متفق عليه، وبالله التوفيق. [1] صحيح البخاري: (2 /218). [2] فتح الباري: (3 /580، 581). [3] صحيح البخاري: (2 /218). [4] فتح الباري: (3 /582). [5] فتح الباري: (3 /582).
__________________
|
|
#153
|
||||
|
||||
|
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك حديث: اللهم ارحَم المحلِّقين عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم ارحَم المحلِّقين"، قالوا: والمقصِّرين يا رسول الله؟ قال: "اللهم ارحَم المحلِّقين"، قالوا: يا رسول الله، والمقصِّرين؟ قال: "والمقصِّرين". ♦ قال البخاري: باب الحلق والتقصير عند الإحلال، وذكر الحديث: قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بِمِشْقَصٍ، ثم ذكر حديث ابن عباس عن معاوية[1]. قوله: باب الحلق والتقصير عند الإحلال. ♦ قال ابن المنيِّر في الحاشية: أفهَم البخاري بهذه الترجمة أن الحلق نُسك؛ لقوله: عند الإحلال وما يصنع عند الإحلال، وليس هو نفس التحلل، وكأنه استدل على ذلك بدعائه صلى الله عليه وسلم لفاعله، والدعاء يشعر بالثواب، والثواب لا يكون إلا على العبادة لا على المباحات، وكذلك تفضيله الحلق على التقصير يشعر بذلك؛ لأن المباحات لا تتفاضل، والقول بأن الحلق نسك قول الجمهور[2]. ♦ قوله: (اللهم ارحَم المحلقين) في حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اغفِر للمحلِّقين"، قالوا: وللمقصرين، قال: "اللهم اغفر للمحلقين"، قالوا: وللمقصرين، قالها ثلاثًا، قال: "وللمقصرين"، وعن ابن عمر قال: حلق النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وأناس من أصحابه، وقصر بعضهم، وزاد فيه مسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يرحم الله المحلِّقين". قوله: "قالوا: والمقصرين يا رسول الله"، قال الحافظ: الواو في قوله: "والمقصِّرين" معطوفة على شيء محذوف تقديره: قل: والمقصِّرين، أو: قلْ: وارحَم المقصِّرين، وهو يُسمى العطف التلقيني؛ انتهى. وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "والمقصرين" إعطاء المعطوف حُكم المعطوف عليه ولو تخلَّل بينهما السكوت لغير عذر؛ انتهى. وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لأهل الحديبية، للمحلقين ثلاثًا وللمقصرين مرة"؛ رواه أحمد. قال الحافظ: ظاهر الروايات أن ذلك كان بالحديبية وفي حجة الوداع، إلا أن السبب في الموضعين مختلف، فالذي بالحديبية كان بسبب توقُّف مَن توقَّف من الصحابة عن الإحلال لما دخل عليهم من الحزن؛ لكونهم مُنعوا من الوصول إلى البيت مع اقتدارهم في أنفسهم على ذلك، فحالفهم النبي صلى الله عليه وسلم، وصالح قريشًا على أن يرجع من العام المقبل، فلما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالإحلال توقَّفوا، فأشارت أم سلمة أن يحل هو صلى الله عليه وسلم قبلهم ففعَل، فتَبِعوه فحلَق بعضهم وقصَّر بعض، وكان من بادر إلى الحلق أسرع إلى امتثال الأمر ممن اقتصر على التقصير، وقد وقع التصريح بهذا السبب في حديث ابن عباس، فإن في آخره عند ابن ماجه وغيره: أنهم قالوا: يا رسول الله، ما بال المحلقين ظاهرت لهم بالرحمة؟ قال: لأنهم لم يشكوا، وأما السبب في تكرير الدعاء للمحلقين في حجة الوداع، فالأولى ما قاله الخطابي وغيره: إن عادة العرب أنها كانت تحب توفير الشعر والتزين به، وكان الحلق فيهم قليلًا، وربما كانوا يرونه من الشهرة ومن زي الأعاجم، فلذلك كرِهوا الحلق واقتصروا على التقصير[3]. قال: وفي الحديث من الفوائد: أن التقصير يُجزئ عن الحلق، وفيه أن الحلق أفضل من التقصير، ووجهه أنه أبلغ في العبادة وأبين للخضوع والذلة، وأدل على صدق النيَّة، والذي يقصر يبقى على نفسه شيئًا مما يتزين به، بخلاف الحالق فإنه يشعر بأنه ترك ذلك لله واستدل بقوله: "المحلقين" على مشروعية حلق جميع الرأس؟ لأنه الذي تقتضيه الصيغة، وقال بوجوب حلق جميعه مالك وأحمد، واستحبَّه الكوفيون والشافعي، والتقصير كالحلق، فالأفضل أن يقصر من جميع شعر رأسه، ويستحب ألا ينقص عن قدر الأنملة، وهذا كله في حق الرجال، وأما النساء فالمشروع في حقهن التقصير بالإجماع، وفيه حديث لابن عباس عند أبي داود، ولفظه: "ليس على النساء حلق، وإنما على النساء التقصير"، وللترمذي من حديث علي: "نهى أن تحلق المرأة رأسها"، وفي الحديث أيضًا مشروعية الدعاء لمن فعل ما شرع له، وتكرير الدعاء لمن فعل الراجح من الأمرين المخيَّر فيهما، والتنبيه بالتكرار على الرُّجحان وطلب الدعاء لمن فعل الجائز وإن كان مرجوحًا[4]؛ انتهى ملخصًا. قوله: عن معاوية قال: قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقصٍ. ♦ قال الحافظ: (وهو يشعر بأن ذلك كان في نُسك؛ إما في حج أو عمرة، وقد ثبت أنه حلق في حجته، فتعين أن يكون في عمرة، ولا سيما قد روى مسلم في هذا الحديث أن ذلك كان بالمروة، ولفظه: قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص وهو على المروة، وهذا يحتمل أن يكون في عمرة القضية أو الجعرانة - إلى أن قال - وقد أخرج ابن عساكر تاريخ دمشق من ترجمة معاوية بأنه أسلم بين الحديبية والقضية، وأنه كان يُخفي إسلامه خوفًا من أبويه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا دخل في عمرة القضية مكة، خرج أكثر أهلها عنها؛ حتى لا ينظرونه وأصحابه يطوفون بالبيت، فلعل معاوية كان ممن تخلف بمكة لسبب اقتضاه، ولا يعارضه أيضًا قول سعد بن أبي وقاص فيما أخرجه مسلم وغيره: فعلناها يعني العمرة في أشهر الحج، وهذا يومئذ كافر بالعُرُش بضمتين يعني بيوت مكة يشير إلى معاوية؛ لأنه يحمل على أنه أخبر بما استصحبه من حاله، ولم يطلع على إسلامه لكونه كان يخفيه)[5]؛ انتهى والله أعلم. [1] صحيح البخاري: (2 /213). [2] فتح الباري: (3 /561). [3] فتح الباري: (3 /564). [4] فتح الباري: (3 /564). [5] فتح الباري: (3 /566).
__________________
|
|
#154
|
||||
|
||||
|
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك حديث: حججنا مع النبي فأفضنا يوم النحر عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: حججنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فأفضنا يوم النحر، فحاضت صفية، فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم- منها ما يريد الرجل من أهله، فقلت: يا رسول الله، إنها حائض، فقال: "أحابستنا هي؟"، قالوا: يا رسول الله، إنها قد أفاضت يوم النحر، قال: "اخرُجوا". وفي لفظ: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "عقري خلقي، أفاضت يوم النحر؟"، قيل: نعم، قال: "فانفري". ♦ قال البخاري: باب الزيارة يوم النحر، وقال أبو الزبير: عن عائشة وابن عباس - رضي الله عنهم - أخر النبي - صلى الله عليه وسلم - الزيارة إلى الليل، ويذكر عن أبي حسان عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يزور البيت أيام منى، وقال لنا أبو نعيم: حدثنا سفيان عن عبيدالله عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه طاف طوافًا واحدًا، ثم يقيل ثم يأتي منى، يعني يوم النحر ورفَعه عبدالرزاق، ثم ذكر حديث عائشة. ♦ قال الحافظ: (قوله: باب الزيارة يوم النحر؛ أي: زيارة الحاج البيت للطواف به وهو طواف الإفاضة، ويسمى أيضًا طواف الصدر وطواف الركن، قوله: وقال أبو الزبير ..إلخ، وصله أبو داود والترمذي وأحمد من طريق سفيان وهو الثوري عن أبي الزبير به قال ابن القطان الفاسي: هذا الحديث مخالف لما رواه ابن عمر وجابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه طاف يوم النحر نهارًا؛ انتهى. ♦ قال الحافظ: فكأن البخاري عقَّب هذا بطريق أبي حسان؛ ليجمع بين الأحاديث بذلك، فيحمل حديث جابر وابن عمر على اليوم الأول وحديث ابن عباس هذا على بقية الأيام)[1]. ♦ وقال البخاري أيضًا: باب إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت، وذكر حديث عائشة ثم حديث عكرمة أن أهل المدينة سألوا ابن عباس - رضي الله عنهما - عن امرأة طافت ثم حاضت؟ قال لهم: تنفر، قالوا: لا تأخذ بقولك وندع قول زيد، قال: إذا قدمتم المدينة فسلوا، فقدموا المدينة فسألوا، فكان فيمن سألوا أم سليم، فذكرت حديث صفية[2]. ♦ قال الحافظ: (قوله: باب إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت؛ أي: هل يجب عليها طواف الوداع أو يسقط، وإذا وجب هل يجبر بدم أم لا، قال ابن المنذر: قال عامة الفقهاء بالأمصار ليس على الحائض التي قد أفاضت طواف وداع، وروينا عن عمر بن الخطاب وابن عمر وزيد بن ثابت أنهم أمروها بالمقام إذا كانت حائضًا لطواف الوداع، وكأنهم أوجبوه عليها كما يجب عليها طواف الإفاضة إذ لو حاضت قبله لم يسقط عنها، ثم أسند عن عمر بإسناد صحيح إلى نافع عن ابن عمر قال: طافت امرأة بالبيت يوم النحر ثم حاضت، فأمر عمر بحبسها بمكة بعد أن ينفر الناس حتى تطهر وتطوف بالبيت، قال: وقد ثبت رجوع ابن عمر وزيد بن ثابت عن ذلك وبقي عمر، فخالفناه لثبوت حديث عائشة. ♦ قولها: (حججنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فأفضنا يوم النحر)؛ أي: طفنا طواف الإفاضة. ♦ قوله: (فحاضت صفية)، وفي رواية: حاضت بعدما أفاضت، ولأحمد أن صفية حاضت بمنى وكانت قد أفاضت. ♦ قوله: (فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - منها ما يريد الرجل من أهله، فقلت: يا رسول الله، إنها حائض فقال: "أحابستنا هي؟"). ♦ قال الحافظ: أي: مانعتنا من التوجه من مكة في الوقت الذي أردنا التوجه فيه ظنًّا منه - صلى الله عليه وسلم - أنها ما طافت طواف الإفاضة، وإنما قال ذلك؛ لأنه كان لا يتركها ويتوجه، ولا يأمرها بالتوجه معه وهي باقية على إحرامها، فيحتاج إلى أن يقيم حتى تطهر وتطوف، وتحل الحل الثاني. ♦ قولها: (قالوا: يا رسول الله، إنها قد أفاضت يوم النحر، قال: اخرجوا)، فأعلمته عائشة أنها طافت معهنَّ، فزال عنه ما خشيه من ذلك والله أعلم، وفي رواية عن عائشة أنه قال لهم: لعلها تحبسنا ألم تكن طافت معكنَّ، قالوا: بلى. وقوله: فلا إذا. ♦ قال الحافظ: أي فلا حبس علينا حينئذ؛ أي: إذا أفاضت فلا مانع لنا من التوجه؛ لأن الذي يجب عليها قد فعلته)[3]. ♦ قوله - صلى الله عليه وسلم -: (عَقْرَى حَلْقَى)؛ أي: عقرها الله وحلق شعرها، والعرب تدعو على الرجل ولا تريد وقوع الأمر به، كما قالوا: قاتله الله، وتربت يداه، ونحو ذلك. ♦ قال القرطبي: (وغيره شتان بين قوله - صلى الله عليه وسلم - هذا لصفية، وبين قوله لعائشة لما حاضت معه في الحج: "هذا شيء كتبه الله على بنات آدم". قال الحافظ: وليس فيه دليل على اتضاع قدر صفية عنده، لكن اختلف الكلام باختلاف المقام، فعائشة دخل عليها وهي تبكي أسفًا على ما فاتها من النسك، فسلَّاها بذلك، وصفية أراد منها ما يريد الرجل من أهله، فأبدت المانع، فناسب كلٌّ منهما ما خاطبها به في تلك الحالة. قوله: فلا بأس انفري، وفي رواية: قال: اخرجوا، وفي رواية قال: اخرجي، ورواية: فلتنفر. ♦ قول الحافظ: ومعانيها متقاربة والمراد بها كلها الرحيل من منى إلى المدينة. ♦ قال الحافظ: وفي أحاديث الباب: أن طواف الإفاضة ركن، وأن الطهارة شرط لصحة الطواف، وأن طواف الوداع واجب، واستدل به على أن أمير الحاج يلزمه أن يؤخر الرحيل لأجل من تحيض ممن لم تطف للإفاضة، وتعقب باحتمال أن تكون إرادته - صلى الله عليه وسلم - تأخير الرحيل إكرامًا لصفية، كما احتبس بالناس على عقد عائشة - إلى أن قال - وقد ذكر مالك في "الموطأ": أنه يلزم الجمال أن يحبس لها؛ أي: لمن لم تطف طواف الإفاضة إلى انقضاء أكثر مدة الحيض، وكذا على النفساء، واستشكله ابن المواز بأن فيها تعريضًا للفساد كقطع الطريق، وأجاب عياض بأن محل ذلك مع أمن الطريق، كما أن محله أن يكون مع المرأة محرم)[4]؛ انتهى. ♦ وقال ابن مفلح في "الفروع": ويلزم الناس في الأصح وجزم به ابن شهاب انتظارها إن أمكن، ونقل المروذي في المريض ببلد العدو يقيمون عليه، قال: لا ينبغي للوالي أن يقيم عليه[5]؛ انتهى. ♦ وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: والمحصر بمرض أو ذهاب نفقة كالمحضر بعدو، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، ومثله حائض تعذَّر مُقامُها وحرُم طوافها، أو رجعت ولم تطُف لجهلها بوجوب طواف الزيارة، أو لعجزها عنه، أو لذهاب الرفقة، والمحصر يلزمه دمٌ في أصح الروايتين، ولا يلزمه قضاء حجه إن كان تطوعًا، وهو إحدى الروايتين؛ انتهى؛ والله أعلم[6]. [1] فتح الباري: ( 3 /567). [2] صحيح البخاري: (2 /220). [3] فتح الباري: (3/ 587). [4] فتح الباري: (3/ 589). [5] الفروع: (6/ 112). [6] الاختيارات الفقهية: (1 /468).
__________________
|
|
#155
|
||||
|
||||
|
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك حديث: جمع بين المغرب والعشاء بجمع عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجَمْعٍ، يجعل لكل واحدة منهما إقامة، ولم يسبح بينهما، ولا على أثر واحدة منهما. • قال البخاري: باب من جمع بينهما ولم يتطوع[1]، وذكر الحديث. • جمع النبي صلى الله عليه وسلم المغرب والعشاء بجمع: قال الحافظ: (أي المزدلفة، وسُميت "جَمعًا" لأن آدم اجتمع فيها مع حواء، وازدلف إليها؛ أي: دنا منها، وروى عن قتادة أنها سميت جمعًا؛ لأنها يجمع فيها بين الصلاتين، وقيل: وُصِفت بفعل أهلها؛ لأنهم يجتمعون بها ويزدلفون إلى الله؛ أي: يتقربون إليه بالوقوف فيها، وسُميت المزدلفة؛ إما لاجتماع الناس بها، أو لاقترابهم إلى منى، أو لازدلاف الناس منها جميعًا، أو للنزول بها في كل زلفة من الليل، أو لأنها منزلة وقُربة إلى الله، أو لازدلاف آدم إلى حواء بها. • قوله: (ولم يُسبِّح بينهما)؛ أي لم يتنفل، وقوله: ولا على إثر كل واحدة منهما؛ أي: عقِبها، ويستفاد منه أنه ترك التنفل عقب المغرب وعقب العشاء ولما لم يكن بين المغرب والعشاء مُهلة، صرح بأنه لم يتنفل بينهما بخلاف العشاء، فإنه يحتمل أن يكون المراد أنه لم يتنفل عقبها، لكنه تنفَّل بعد ذلك في أثناء الليل، ومن ثم قال الفقهاء: تؤخَّر سنة العشاءين عنهما)[2]. • وقال البخاري أيضًا: باب من أذَّن وأقام لكل واحدة منهما. حدثنا عمرو بن خالد، حدثنا زهير، حدثنا أبو إسحاق قال: سمعت عبدالرحمن بن يزيد يقول: حج عبدالله رضي الله عنه، فأتينا المزدلفة حين الأذان بالعتمة، أو قريبًا من ذلك، فأمر رجلًا فأذن وأقام، ثم صلى المغرب وصلى بعدها ركعتين، ثم دعا بعَشائه، فتعشَّى، ثم أمر رجلًا فأذن وأقام، قال عمرو: لا أعلم الشك إلا من زهير، ثم صلى العشاء ركعتين، فلما طلع الفجر، قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي هذه الساعة إلا هذه الصلاة في هذا المكان من هذا اليوم، قال عبدالله: هما صلاتان تُحوَّلان عن وقتهما صلاة المغرب بعد ما يأتي الناس للمزدلفة والفجر حين يبزغ الفجر، قال: رأيت الذي صلى الله عليه وسلم يفعله[3]. قوله: هما صلاتان تُحوَّلان عن وقتهما. • قال الحافظ: (وأما إطلاقه على صلاة الصبح أنها تحوَّل عن وقتها، فليس معناه أنه أوقع الفجر قبل طلوعها، وإنما أراد أنها وقعت قبل الوقت المعتاد فعلها فيه في الحضر، ولا حجة فيه لمن من التغليس بصلاة الصبح؛ لأنه ثبت عن عائشة وغيرها كما تقدم في المواقيت التغليس بها، بل المراد هنا أنه كان إذا أتاه المؤذن بطلوع الفجر، صلى ركعتي الفجر في بيته، ثم خرج فصلى الصبح مع ذلك بغلس، وأما بمزدلفة فكان الناس مجتمعين والفجر نُصب أعينهم، فبادر بالصلاة أول ما بزغ، حتى إن بعضهم كان لم يتبيَّن له طلوعه، وهو بيِّن في رواية إسرائيل الآتية؛ حيث قال: ثم صلى الفجر حين طلع الفجر قائل يقول: طلع الفجر، وقائل يقول لم يطلع)[4]؛ انتهى. • وقال البخاري أيضًا: باب الجمع بين الصلاتين بالمزدلفة. وذكر حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة، فنزل الشِّعب، فبال ثم توضأ، ولم يسبغ الوضوء، فقلت له الصلاة فقال: "الصلاة أمامك"، فجاء للمزدلفة فتوضَّأ فأسبَغ، ثم أُقيمت الصلاة، فصلى المغرب، ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله، ثم أُقيمت الصلاة، فصلى ولم يصل بينهما، ولمسلم: "فأقام المغرب ثم أناخ الناس ولم يَحُلُّوا حتى أقام العشاء، فصلوا ثم حلُّوا". • قال الحافظ: وكأنهم صنعوا ذلك رفقًا بالدواب أو للأمن من تشوُّشهم بها، وفيه إشعار بأنه خفَّف القراءة في الصلاتين، وفيه أنه لا بأس بالعمل اليسير بين الصلاتين اللتين يجمع بينهما ولا يقطع ذلك الجمع[5]؛ انتهى. • وقال ابن رشد في "بداية المجتهد": واختلفوا إذا كان الإمام مكيًّا، هل يقصر بمنى الصلاة يوم التروية وبعرفة يوم عرفة، وبالمزدلفة ليلة النحر إن كان من أحد هذه المواضع؟ فقال مالك والأوزاعي وجماعة: سنة هذه المواضع التقصير، سواء كان من أهلها، أو لم يكن، وقال الثوري وأبو حنيفة والشافعي وأبو ثور وداود: لا يجوز أن يقصر من كان من أهل تلك المواضع، وحجة مالك: أنه لم يرو أن أحدًا أتم الصلاة معه صلى الله عليه وسلم، أعني بعد سلامه منها، وحجة الفريق الثاني البقاء على الأصل المعروف أن القصر لا يجوز إلا للمسافر حتى يدل الدليل على التخصيص[6]؛ انتهى. • قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (ويجمع ويقصر ومزدلفة وعرفة مطلقًا، وهو مذهب مالك وغيره من السلف، وقول طائفة من أصحاب الشافعي، واختاره أبو الخطاب في عبادات ولا يشترط للقصر والجمع نية، واختاره أبو بكر عبدالعزيز بن جعفر وغيره)[7]؛ انتهى، وبالله التوفيق. تتمة: • قال في الاختيارات: (ويُسَنُّ أن يستقبل الحجر الأسود في الطواف، وتُسَنُّ القراءة في الطواف لا الجهر بها، فأما إن غلط المصلين فليس له ذلك إذًا، وجنس القراءة أفضل من جنس الطواف، والشاذروان ليس من البيت، بل جعل عمادًا له، ولا يزرع تقبيل المقام ومسحه إجماعًا، فسائر المقامات أولى، ولا يشرع صعود جبل الرحمة إجماعًا، وتختلف أفضلية الحج راكبًا أو ماشيًا بحسب الناس، والوقوف راكبًا أفضل وهو المذهب، يقصر من شعره، إذا حل لا من كل شعرة بعينها، والحلق أو التقصير، إما واجب أو مستحب، ومن حكى عن أحمد أنه مباح فقد غلِط، ولا يستحب للمتمتع أن يطوف طواف قدوم بعد رجوعه من عرفة قبل الإفاضة هذا هو الصواب، وقاله جمهور الفقهاء وهو أحد القولين في مذهب أحمد، والمتمتع يكفيه سعي واحد بين الصفا والمروة، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، نقلها عبدالله عن أبيه كالقارن، ويحل للمحرم بعد التحلل الأول كل شيء حتى عقد النكاح هذا منصوص أحمد إلا النساء. وليس للإمام المقيم للمناسك التعجيل لأجل من يتأخر، قال أصحابنا: وإن خرج بستان إنسان غير حاج، فظاهر كلام أبي العباس لا يودع، وذكر ابن عقيل وابن الزاغوني لا يولي المودع ظهره حتى يغيب، قال أبو العباس: هذا بدعة مكروهة، ويحرُم طوافه بغير البيت العتيق اتفاقًا، واتَّفقوا أنه لا يقبله ولا يتمسَّح به، فإنه من الشِّرك، والشرك لا يغفره الله لا أن كان أصغر ويكره الخروج من مكة لعمرة تطوع، وأن ذلك بدعة لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أصحابه على عهده لا في رمضان ولا في غيره، ولم يأمر عائشة بها، بل أذِن لها بعد المراجعة تطييبًا لقلبها، وطوافه بالبيت أفضل من الخروج اتفاقًا، وخروجه عند من لم يكرهه على سبيل الجواز، والذين أوجبوا الوضوء للطواف ليس معهم دليل أصلًا، وما رُوِيَ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما طاف توضَّأ، فهذا لا يدل فإنه كان يتوضأ لكل صلاة، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من حج فلم يرفُث ولم يفسُق، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمُّه"، يدخل فيه من أتى بالعمرة، ولهذا أنكر الإمام أحمد على من قال: إن حجة المتمتع حجة مكية، ومن اعتقد أن الحج يسقط ما عليه من الصلاة والزكاة، فإنه يُستتاب بعد تعريفه إن كان جاهلًا، فإن تاب وإلا قُتل، ولا يسقط حق الآدمي من مال أو عِرض أو دم بالحج إجماعًا، ومن جرد مع الحاج أو غيره، وجمع له من الجند المقطعين ما يعينه على كلفة الطريق، أُبيح له أخذُه ولا ينقص أجرُه، وله أجر الحج والجهاد، وليس في هذا اختلاف، وشهر السلاح عند قدوم تبوك بدعة محرمة، وما يذكره الجهال من حصار تبوك كذب لا أصل له) [8]؛ انتهى وبالله التوفيق. [1] صحيح البخاري: (2 /201). [2] فتح الباري: (3 /523). [3] صحيح البخاري: (2 /202). [4] فتح الباري: (3 /525). [5] صحيح البخاري: (2 /201). [6] الأحبار مختصر نيل الأوطار: (3/ 55). [7] الاختيارات الفقهية: (1/ 435). [8] الاختيارات الفقهية: (1/ 466).
__________________
|
|
#156
|
||||
|
||||
|
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك حديث: فكلوا ما بقي من لحمها عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حاجًّا، فخرجوا معه، فصرف طائفة منهم أبو قتادة، وقال: خذوا على ساحل البحر حتى نلتقي، فأخذوا ساحل البحر، فلما انصرفوا أحرموا كلهم إلا أبا قتادة لم يُحرم، فبينما هم يسيرون إذ رأوا حمرَ وحش، فحمل أبو قتادة على الحمر، فعقر منها أتانًا، فنزلنا وأكلنا من لحمها، ثم قلنا: نأكل من لحم صيد ونحن محرمون؟ فحملنا ما بقي من لحمها، فأدركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألناه عن ذلك، فقال: "أمنكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها؟"، قالوا: لا، قال: "فكلوا ما بقي من لحمها"، وفي رواية: "هل معكم منه شيء؟"، فقلت: نعم فناولته العضد، فأكلها. ♦ قال البخاري: باب جزاء الصيد ونحوه، وقول الله تعالى: ï´؟ لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ï´¾ [المائدة: 95] إلى قوله: ï´؟ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ï´¾ [البقرة: 203]. باب: إذا صاد الحلال فأهدى للمحرم الصيد أكله. ولم ير ابن عباس وأنس بالذبح بأسًا، وهو غير الصيد نحو الإبل والغنم والبقر والدجاج والخيل، يقال عدل ذلك مثل، فهو زنة ذلك قيامًا قوامًا يعدلون يجعلون عدلًا. حدثنا معاذ بن فضالة، حدثنا هشام، عن يحيى، عن عبدالله بن أبي قتادة قال: انطلق أبي عام الحديبية، فأحرم أصحابه ولم يحرم، وحدث النبي صلى الله عليه وسلم أن عدوًّا يغزوه فانطلق النبي صلى الله عليه وسلم، فبينما أبي مع أصحابه يضحك بعضهم إلى بعض، قال: فنظرت فإذا أنا بحمار وحش، فحملت عليه، فطعنته فأثبته، واستعنت بهم، فأبوا أن يعينوني، فأكلنا من لحمه، وخشينا أن نقتطع، فطلبت النبي صلى الله عليه وسلم، أرفع فرسي شأوًا وأسير شأوًا، فلقيت رجلًا من بني غفار في جوف الليل، قلت: أين تركت النبي صلى الله عليه وسلم، قال: تركته بتعهد وهو قائل السقيا، فقلت: يا رسول الله، إن أهلك يقرؤون عليك السلام ورحمة الله، إنهم قد خشوا أن يقتطعوا دونك فانتظرهم، قلت: يا رسول الله، أصبت حمار وحش، وعندي منه فاضلة، فقال للقوم: كلوا وهم محرمون[1]. ♦ قال الحافظ: (قال ابن بطال: اتفق أئمة الفتوى من أهل الحجاز والعراق وغيرهم على أن المحرم إذا قتل الصيد عمدًا أو خطأً، فعليه الجزاء، وخالف أهل الظاهر وأبو ثور وابن المنذر من الشافعية في الخطأ، وتمسكوا بقوله تعالى: ï´؟ متعمِّدًا ï´¾، فإن مفهومه أن المخطئ بخلافه، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، وعكس الحسن ومجاهد، فقالا: يجب الجزاء في الخطأ دون العمد، فيختص الجزاء بالخطأ والنقمة بالعمد، وعنهما يجب الجزاء على العامد أول مرة، فإن عاد كان أعظم لإثمه، وعليه النقمة لا الجزاء. قال الموفق في المغني: لا نعلم أحدًا خالف في وجوب الجزاء على العامد غيرهما، واختلفوا في الكفارة، فقال الأكثر: هو مخير كما هو ظاهر الآية، وقال الثوري: يقدم المثل فإن لم يجد أطعم، فإن لم يجد صام، وقال سعيد بن جبير: إنما الطعام والصيام فيما لا يبلغ ثمن الصيد، واتفق الأكثر على تحريم أكل ما صاده المحرم، وقال الحسن والثوري وأبو ثور وطائفة: يجوز أكله وهو كذبيحة السارق، وهو وجه للشافعية، وقال الأكثر أيضًا: أن الحكم في ذلك ما حكم به السلف لا يتجاوز ذلك، وما لم يحكموا فيه يستأنف فيه الحكم، وما اختلفوا فيه يجتهد فيه، وقال الثوري: الاختيار في ذلك للحكمين في كل زمن، وقال مالك: يستأنف الحكم والخيار إلى المحكوم عليه، وله أن يقول للحكمين: لا تحكما عليَّ إلا بالإطعام، وقال الأكثر: الواجب في الجزاء نظير الصيد من النعم، وقال أبو حنيفة: الواجب القيمة، ويجوز صرفها في المثل، وقال: الأكثر في الكبير كبير، وفي الصغير صغير، وفي الصحيح صحيح، وفي الكسير كسير، وخالف مالك فقال: في الكبير والصغير كبير، وفي الصحيح والمعيب صحيح، واتفقوا على أن المراد بالصيد ما يجوز أكله للحلال من الحيوان الوحشي، وأنْ لا شيء فيما يجوز قتله، واختلفوا في المتولد، فألحقه الأكثر بالمأكول)[2]. ♦ قوله: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حاجًّا، فخرجوا معه)، قال الإسماعيلي: هذا غلط، فإن القصة كانت في عمرة، وأما الخروج إلى الحج، فكان في خلق كثير، وكان كلهم على الجادة لا على ساحل البحر، ولعل الراوي أراد خرج محرمًا، فعبَّر عن الإحرام بالحج غلطًا. ♦ قال الحافظ: (لا غلط في ذلك، بل هو من المجاز السائغ، وأيضا فالحج في الأصل قصد البيت، فكأنه قال: خرج قاصدًا للبيت، ولهذا يقال للعمرة: الحج الأصغر، ثم وجدت الحديث من رواية محمد بن أبي بكر المقدمي عن أبي عوانة بلفظ: خرج حاجًّا أو معتمرًا؛ أخرجه البيهقي، فتبيَّن أن الشك فيه من أبي عوانة، وقد جزم يحيى بن أبي كثير بأن ذلك كان في عمرة الحديبية، وهذا هو المعتمد)[3]. ♦ قوله: (فصرف طائفة منهم أبو قتادة، وقال: خذوا على ساحل البحر حتى نلتقي، فأخذوا ساحل البحر، فلما انصرفوا أحرَموا كلهم، إلا أبا قتادة لم يحرم). ♦ قال الحافظ: (وحاصل القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا خرج في عمرة الحديبية، فبلغ الروحاء، وهي من ذي الحليفة على أربعة وثلاثين ميلًا، أخبروه بأن عدوًّا من المشركين بوادي غيقة يخشى منهم أن يقصدوا غرته، فجهز طائفة من أصحابه فيهم أبو قتادة إلى جهتهم؛ ليأمن شرَّهم، فلما أمِنوا ذلك، لَحِقَ أبو قتادة وأصحابه بالنبي صلى الله عليه وسلم فأحرَموا إلا هو فاستمرَّ هو حلالًا؛ لأنه إما لم يجاوز الميقات، وأما لم يقصد العمرة، وبهذا يرتفع الإشكال الذي ذكره أبو بكر الأثري، قال: كنت أسمع أصحابنا يتعجبون من هذا الحديث، ويقولون: كيف جاز لأبي قتادة أن يجاوز الميقات وهو غير محرم ولا يدرون ما وجهه؟ قال: حتى وجدته في رواية من حديث أبي سعيد فيها: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأحرمنا فلما كنا بمكان كذا إذا نحن بأبي قيادة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في وجه الحديث، قال: فإذا أبو قتاده إنما جاز له ذلك؛ لأنه لم يخرج يريد مكة، قلت: وهذه الرواية التي أشار إليه تقتضي أن أبا قتادة لم يخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة، وليس كذلك لِما بيَّناه، ثم وجدت في صحيح ابن حبان والبزار من طريق عياش بن عبدالله عن أبي سعيد، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا قتادة على الصدقة، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم محرمون حتى نزلوا بعسفان، فهذا سبب آخر، ويحتمل جمعهما، والذي يظهر أن أبا قتادة إنما آخر الإحرام؛ لأنه لم يتحقق أنه يدخل مكة، فساغ له التأخير)[4]. ♦ قوله: (فبينما هم يسيرون رأوا حمر وحش)، في رواية: إذ رأيت الناس متشوفين لشيء، فذهبت أنظُر، فإذا هو حمار وحش، فقلت: ما هذا؟ فقالوا: لا ندري، فقلت: هو حمار وحش، فقالوا: هو ما رأيت، وفي رواية: فأبصروا حمارًا وحشيًّا، وأنا مشغول أخصِف نعلي، فلم يؤذنوني به، وأحبوا لي أني أبصرته والتفت، فأبصرته. ♦ قوله: (فحمل أبو قتادة على الحمر، فعقر منها أتانًا)، وفي رواية: فقمت إلى الفرس فأسرجته، ثم ركبت ونسيت السوط والرمح، فقلت لهم: ناولوني السوط والرمح، فقالوا: لا والله لا نعينك عليه بشيء، فغضبت فنزلت فأخذتهما، ثم ركبت، وفي رواية: فركب فرسًا له يقال له: الجرادة، وفي رواية: فشددت على الحمار، فعقرته، ثم جئت به وقد مات، وفي رواية: حتى عقرته، فأتيت إليهم، فقلت لهم: قوموا فاحتملوا، فقالوا: لا نمسه، فحملته حتى جئتهم به. ♦ قوله: (فنزلنا وأكلنا من لحمها، ثم قلنا: نأكل من لحم صيد ونحن محرمون؟)، في رواية: فأكلوا فندموا، وفي رواية: فوقعوا يأكلون منه، ثم إنهم شكوا في أكلهم إياه وهم حرم فرحنا وخبأت العضد معي، وفي رواية: فأكل منه بعضهم وأبى بعضُهم، وفي رواية عند سعيد بن منصور: فظللنا نأكل منه ما شئنا طبيخًا وشواءً، ثم تزودنا منه. ♦ قوله: (فحملنا ما بقي من لحمها، فأدركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألناه عن ذلك، فقال: "أمنكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها؟"، قالوا: لا)، وفي رواية مسلم: هل منكم أحد أمره أو أشار إليه بشيء، وله: هل أشرتم أو أعنتم، أو اصطدتم، ولأبي عوانة من هذا الوجه أشرتم أو اصطدتم أو قتلتم. ♦ قوله: (قال: "فكلوا ما بقي من لحمها"، وفي رواية: "هل معكم منه شيء؟"، فقلت: نعم، فناولته العضد فأكلها)، وفي رواية: فأكلها حتى تعرقها. ♦ قال الحافظ: وفي حديث أبي قيادة من الفوائد: أن تمني المحرم أن يقع من الحلال الصيد ليأكل المحرم منه، لا يقدح في إحرامه، وأن الحلال إذا صاد لنفسه، جاز للمحرم الأكل من صيده، وهذا يقوي من حمل الصيد في قوله تعالى: ï´؟ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا ï´¾ [المائدة: 96] على الاصطياد، وفيه الاستيهاب من الأصدقاء وقبول الهدية من الصديق، وقال عياض: عندي أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب من أبي قتادة ذلك تطييبًا لقلب من أكل منه بيانًا للجواز بالقول والفعل، لإزالة الشبهة التي حصلت لهم، وفيه تسمية الفرس، وألحق المصنف به الحمار، فترجم له في الجهاد، وفيه إمساك نصيب الرفيق الغائب ممن يتعين احترامه، أو تُرجى بركته، أو يُتوقَّع منه ظهور حكم تلك المسألة بخصوصها، وفيه تفريق الإمام أصحابه للمصلحة، واستعمال الطليعة في الغزو، وتبليغ السلام عن قرب وعن بُعد، وفيه أن عقر الصيد ذكاته وجواز الاجتهاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن العربي: هو اجتهاد بالقرب من النبي صلى الله عليه وسلم لا في حضرته، وفيه العمل بما أدى إليه الاجتهاد ولو تضاد المجتهدان، ولا يعاب واحد منهما على ذلك، لقوله: فلم يعب ذلك علينا، وكان الأكل تمسك بأصل الإباحة، والممتنع نظر إلى الأمر الطارئ، وفيه الرجوع إلى النص عند تعارض الأدلة، وركض الفرس في الاصطياد والتصيد في الأماكن الوعرة والاستعانة بالفارس، وحمل الزاد في السفر، والرفق بالأصحاب والرفقاء في السير، واستعمال الكناية في الفعل كما تستعمل في القول؛ لأنهم استعملوا الضحك في موضع الإشارة لِما اعتقدوه من أن الإشارة لا تحل، وفيه جواز سوق الفرس للحاجة والرفق به مع ذلك؛ لقوله: وأسير شأوًا، ونزول المسافر وقت القائلة، وفيه ذكر الحكم مع الحكمة في قوله: "إنما هي طعمة أطعمكموها الله"؛ تكملة لا يجوز للمحرم قتل الصيد إلا إن صال عليه فقتَله دفعًا، فيجوز ولا ضمان عليه"[5]؛ والله أعلم؛ انتهى. [1] صحيح البخاري: (3 /14). [2] فتح الباري: (4/ 21). [3] فتح الباري: (4/ 29). [4] فتح الباري: (4/ 23). [5] فتح الباري: (4/ 31).
__________________
|
|
#157
|
||||
|
||||
|
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك حديث: إنا لم نردَّه عليك إلا أنَّا حُرم عن الصعب بن جثامة الليثي رضي الله عنه أنه أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم حمارًا وحشيًّا، وهو بالأبواء أو بودان، فرده عليه، فلما رأى ما في وجهه قال: "إنَّا لم نرُدَّه عليك إلَّا أنَّا حُرُمٌ". وفي لفظ لمسلم: "رِجل حمار". وفي لفظ: "عجز حمار". • قال البخاري: باب إذا أهدى للمحرم حمارًا وحشيًّا حيًّا لم يقبل[1]، وذكر الحديث. • قال الحافظ: (كذا قيَّده في الترجمة بكونه حيًّا، وفيه إشارة إلى أن الرواية التي تدل على أنه كان مذبوحًا موهمة. • قوله: (أنه أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم حمارًا وحشيًّا). • قال الشافعي في "الأم": إن كان الصعب أهدى له حمارًا حيًّا، فليس للمحرم أن يذبح حمار وحش حي، وإن كان أهدى له لحمًا، فقد يحتمل أن يكون أنه صيد له)[2]. • قوله: (بالأبواء أو بودان) شك من الراوي. والأبواء جبل من عمل الفرع وبودان موضع بقرب الجحفة. • قال الحافظ: (وهو أقرب إلى الجحفة من الأبواء، فإن من الأبواء إلى الجحفة للآتي من المدينة ثلاثة وعشرين ميلًا، ومن ودان إلى الجحفة ثمانية أميال. • قوله: (فلما رأى ما في وجهه) في رواية شعيب: فلما عرف في وجهي ردَّه هديتي، وعند الترمذي فلما رأى ما في وجهه من الكراهية. • قوله: (قال: "إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم")، في رواية: "لو لا أنا محرمون لقبلناه منك"، وعند الطبراني: "إنا لم نرده عليك كراهية له ولكنا حرم". قال عياض: ضبطناه في الروايات لم نرده بفتح الدال، وأبى ذلك المحققون من أهل العربية، وقالوا: الصواب أنه بضم الدال؛ لأن المضاعف من المجزوم يراعى فيه الواو التي توجبها له ضمة الهاء بعدها، قال: وليس الفتح بغلط. • قوله: (وفي لفظ لمسلم: "رِجل حمار")، في رواية له أيضًا عن ابن عباس قال: قدم زيد بن أرقم، فقال له عبدالله بن عباس يستذكره: كيف أخبرني عن لحم صيد أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حرام، قال: أهدي له عضو من لحم صيد فرده، وقال: "إنا لا ناكله، إنا حرم"، وقد جمع العلماء بين هذا الحديث وبين حديث أبي قتادة. • قال الحافظ: جمع الجمهور بين ما اختلف من ذلك بأن أحاديث القبول محمولة على ما يصيده الحلال لنفسه، ثم يهدي منه للمحرم، وأحاديث الرد محمولة على ما صاده الحلال لأجل المحرم، قالوا: والسبب في الاقتصار على الإحرام عند الاعتذار للصعب - أن الصيد لا يحرم على المرء إذا صيد له إلا إذا كان محرمًا، فبيَّن الشرط الأصلي وسكت عما عداه، فلم يدل على نفيه، وقد بينه في الأحاديث الأُخَر، ويؤيد هذا الجمع حديث جابر مرفوعًا: "صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه، أو يصاد لكم"؛ أخرجه الترمذي والنسائي وابن خزيمة، وفي حديث الصعب الحكم بالعلامة لقوله: "فلما رأى ما في وجهي"، وفيه جواز رد الهدية لعلة، وفيه الاعتذار عن رد الهدية تطييبًا لقلب المهدي، وأن الهبة لا تدخل في الملك إلا بالقبول، وأن قدرته على تملكها لا تصيره مالكًا لها، وأن على المحرم أن يرسل ما في يده من الصيد الممتنع عليه اصطياده)[3]، والله أعلم. • وقال ابن مفلح في "الفروع": وإن ملك صيدًا في الحل، فأدخله الحرم لزمه رفع يده وإرساله، فإن أتلفه أو تلف ضمنه كصيد الحل في حق المحرم، نقله الجماعة وعليه الأصحاب وفاقًا لأبي حنيفة، ويتوجه أنه لا يلزمه إرساله وله ذبحه، ونقل الملك فيه وفاقًا لمالك والشافعي؛ لأن الشارع إنما نهى عن تنفير صيد مكة، ولم يبين مثل هذا الحكم الخفي مع كثرة وقوعه والصحابة مختلفون، وقياسه على الإحرام فيه نظر؛ لأنه آكد لتحريمه ما لا يحرم)[4]؛ ا .هـ. [1] صحيح البخاري: (3/ 16). [2] فتح الباري: (4/ 32). [3] فتح الباري: (4/ 33). [4] الفروع: (5/ 497).
__________________
|
|
#158
|
||||
|
||||
|
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك حديث: نهى عن المنابذة عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المنابذة وهي طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى الرجل قبل أن يقلبه أو ينظر إليه – ونهى عن الملامسة. والملامسة: لمس الثوب ولا ينظر إليه. المنابذة والملامسة والحصاة: بيوعٌ كانوا يتبايعون بها في الجاهلية وهي من القمار وبيع الغرر. قوله: (نهى عن المنابذة...) إلى آخره، وفي رواية: (والملامسة: لمس الرجل ثوب الآخر بيده بالليل أو بالنهار ولا يقلبه إلا بذلك. والمنابذة: أن ينبذ الرجل إلى الرجل بثوبه وينبذ الآخر ثوبه ويكون ذلك بيعهما عن غير نظر ولا تراض). ولأبي عوانة: (وذلك أن يتبايع القوم السلع لا ينظرون إليها، ولا يخبرون عنها، والمنابذة: أن يتنابذ القوم السلع لا ينظرون إليها، ولا يخبرون عنها، فهذا من أبواب القمار). ولابن ماجه: (والمنابذة أن يقول ألق إليّ ما معك وألقي إليك ما معي). وللنسائي من حديث أبي هريرة: (أن يقول الرجل للرجل: أبيعك ثوبي بثوبك ولا ينظر واحد منهما إلى ثوب الآخر ولكن يلمسه لمسًا وأما المنابذة أن يقول: أنبذ ما معي وتنبذ ما معك ليشتري أحدهما من الآخر ولا يدري كل واحد منهما كم مع الآخر ونحوا من هذا الوصف). ولمسلم: (أما الملامسة فأن يلمس كل واحد منهما ثوب صاحبه بغير تأمل، والمنابذة أن ينبذ كل واحد منهما ثوبه إلى الآخر ولم ينظر واحد منهما إلى ثوب صاحبه). ولأحمد: (والمنابذة أن يقول: إذا نبذت هذا الثوب فقد وجب البيع، والملامسة: أن يمسه بيده ولا يلبسه، ولا يقلبه إذا مسه وجب البيع.
__________________
|
|
#159
|
||||
|
||||
|
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا تبايع الرجلان، فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرَّقا، وكانا جميعًا أو يخير أحدهما الآخر، فتبايعا على ذلك، فقد وجب البيع". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البيعان بالخيار ما لم يتفرَّقا - أو قال: حتى يتفرقا - فإن صدَقا وبيَّنا، بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذِبا مُحقت بركةُ بيعهما". البيع جائز بالكتاب والسنة والإجماع: قال الله تعالى: ï´؟ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ï´¾ [البقرة: 275]، وقال عز وجل: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ï´¾ [النساء: 29]. والبيوع جمع بيع، وجمع لاختلاف أنواعه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وَكُلُّ مَا عَدَّهُ النَّاسُ بَيْعًا أَوْ هِبَةً مِنْ مُتَعَاقِبٍ أَوْ مُتَرَاخٍ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ انْعَقَدَ بِهِ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ وَيَجُوزُ بَيْعُ الطَّيْرِ لِقَصْدِ صَوْتِهِ إذَا جَازَ حَبْسُهُ، وَفِيهِ احْتِمَالَانِ لِابْنِ عَقِيلٍ، وَاخْتَارَ أَبُو الْعَبَّاسِ صِحَّةَ الْبَيْعِ بِغَيْرِ صِفَةٍ وَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَضَعَّفَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَالْبَيْعُ بِالصِّفَةِ السَّلِيمَةِ صَحِيحٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ. وَإِنْ بَاعَهُ لَبَنًا مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ وَاشْتَرَطَ كَوْنَهُ مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ أَوْ الْبَقَرَةِ صَحَّ)[1]. قوله: (إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا)؛ أي: فينقطع الخيار. وقوله: (وكانا جميعًا) تأكيد لذلك، والخيار طلب خير الأمرين من إمضاء البيع أو فسخه. وقوله: (أو يخير أحدهما الآخر)؛ أي: إذا اشترط أحدهما الخيار مدة معلومة، فإن الخيار لا ينقضي بالتفرق، بل يبقى حتى تمضي مدة الخيار التي شرطها، فالبيع جائز والشرط لازم لقوله صلى الله عليه وسلم: "المسلمون على شروطهم إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا"؛ رواه الترمذي. والحديث دليل على ثبوت خيار المجلس للبائع والمشتري، فلكل واحد منهما فسخ البيع ما دام في مجلس العقد، فإذا تفرقا لزم البيع، وفيه دليل على خيار الشرط؛ قال شيخ الإسلام: (وَيَثْبُتُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فِي الْبَيْعِ، وَيَثْبُتُ خِيَارُ الشَّرْطِ فِي كُلِّ الْعُقُودِ وَلَوْ طَالَتْ الْمُدَّةُ، فَإِنْ أَطْلَقَا الْخِيَارَ وَلَمْ يُوَقِّتَاهُ بِمُدَّةٍ تَوَجَّهَ أَنْ يَثْبُتَ ثَلَاثًا لِخَبَرِ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ، وَلِلْبَائِعِ الْفَسْخُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ إذَا رَدَّ الثَّمَنَ وَإِلَّا فَلَا)[2]؛ انتهى. وخبر حِبَّان أخرجه أصحاب السنن عن ابن عمر: (أن حبان بن منقذ سفع في رأسه في الجاهلية مأمومة، فخبلت لسانه، فكان إذا بايع يخدع في البيع، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بايع وقل لا خلابة، ثم أنت بالخيار ثلاثًا"، قال ابن عمر فسمعته يبايع ويقول: لا خِذابة). قال الحافظ: (وقد اختلف القائلون بأن المراد أن يتفرقا بالأبدان، هل للتفرق المذكور حد ينتهي إليه، والمشهور الراجح من مذهب العلماء في ذلك أنه موكول إلى العرف، فكل ما عد في العرف تفرُّقًا، حُكم به، وما لا فلا، والله أعلم)[3]. قوله: (فإن صدَقا وبيَّنا)؛ أي: صدقا في قولهما، وبيَّن البائع عيب السلعة وبيَّن المشتري عيب الثمن، وقال البخاري على باب إذا بيَّن البائعان ولم يكتما ونصَحا: (ويذكر عن العداء بن خالد قال كتب لي النبي صلى الله عليه وسلم: هذا ما اشترى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم من العداء بن خالد بيع المسلم المسلم لا داء ولا خبثة ولا غائلة، وقال قتادة: الغائلة الزنا والسرقة والإباق. وقيل لإبراهيم: إن بعض النخاسين يسمي آري خراسان وسجستان، فيقول: جاء أمس من خراسان، جاء اليوم من سجستان، فكرهه كراهية شديدة. وقال عقبة بن عامر: لا يحل لامرئ يبيع سلعة يعلم أن بها داء إلا أخبره)[4]، انتهى. وفي الحديث فضل الصدق والحث عليه، وذم الكذب والتحذير منه، وأنه سبب في ذهاب البركة، وأن العمل الصالح يحصل خيري الدنيا والآخرة، والله المستعان. قال الحافظ: (وفي الحديث حصول البركة لهما إن حصل منهما الشرط، وهو الصدق والتبيين، ومحقها إن وجد ضدهما، وهو الكذب والكتم، وهل تحصل البركة لأحدهما إذا وجد منه المشروط دون الآخر ظاهر الحديث يقتضيه، ويحتمل أن يعود شؤم أحدهما على الآخر بأن تنزع البركة من المبيع إذا وجد الكذب أو الكتم من كل واحد منهما، وإن كان الأجر ثابتًا للصادق المبيِّن، والوزر حاصل للكاذب الكاتم، وفي الحديث أن الدنيا لا يتم حصولها إلا بالعمل الصالح، وأن شؤم المعاصي يذهب بخير الدنيا والآخرة)[5]؛ انتهى. [1] الاختيارات الفقهية: (1 /468). [2] الفتاوى الكبرى: (5 /390). [3] فتح الباري: (4 /329). [4] صحيح البخاري: ( 3 /76). [5] فتح الباري: (4 /311).
__________________
|
|
#160
|
||||
|
||||
|
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك لا تلقوا الركبان ولا يبع بعضكم على بيع بعض عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تلقوا الركبان ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا، ولا يبع حاضر لباد، ولا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد ذلك، فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها: إن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها، وصاعًا من تمر". وفي لفظ: "وهو بالخيار ثلاثًا". تلقي الركبان من البيوع المنهي عنها لما يحصل فيها من الغرر على الجالب والضرر على أهل السوق، وروى مسلم عن أبي هريرة يقول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تلقوا الجلب، فمن تلقاه فاشترى منه، فإذا أتى سيده السوق، فهو بالخيار"، وقال البخاري: (باب النهي عن تلقي الركبان، وأن بيعه مردود؛ لأن صاحبه عاص آثم إذا كان به عالِمًا وهو خداع في البيع، والخداع لا يجوز). قوله: (لا تلقوا الركبان) في حديث ابن عمر: "ولا تلقوا السلع حتى يهبط بها إلى السوق"، وعنه قال: (كنا نتلقى الركبان فنشتري منهم الطعام، فنهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى يبلغ به وسق الطعام)، قال البخاري: (هذا في أعلى السوق يبينه حديث عبيدالله، قال: حدثني نافع عن عبدالله رضي الله عنه قال: كانوا يبتاعون الطعام في أعلى السوق، فيبيعونه في مكانهم، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه في مكانه حتى ينقلوه). قوله: "ولا يبع بعضكم على بيع بعض" في حديث ابن عمر: "ولا بيع بعضكم على بيع أخيه"، ولمسلم: "لا يبع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه إلا أن يأذن له"، وللنسائي: "لا يبع الرجل على بيع أخيه حتى يبتاع أو يذر"، وللبخاري من حديث أبي هريرة: "وأن يستام الرجل على سوم أخيه"، ولمسلم: "لا يسم المسلم على سوم المسلم"، قال الجمهور: لا فرق في ذلك بين المسلم والذمي، وذكر الأخ خرج للغالب، فلا مفهوم له. قال العلماء: البيع على البيع حرام، وكذلك الشراء على الشراء، وهو أن يقول لمن اشترى سلعة في زمن الخيار: افسخ لأبيعك بأنقص، أو يقول للبائع: افسخ لأشتري منك بأزيد وهو مجمع عليه، وأما اليوم فصورته أن يأخذ شيئًا ليشتريه، فيقول له: رده لأبيعك خيرًا منه بثمنه أو مثله بأرخص، أو يقول للمالك: استرده لأشتريه منك بأكثر، ومحله بعد استقرار الثمن وركون أحدهما إلى الآخر[1]؛ انتهى. وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم باع حلسًا وقدحًا، وقال: من يشتري هذا الحلس والقدح، فقال رجل: أخذتهما بدرهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من يزيد على درهم؟ من يزيد على درهم؟ فأعطاه رجل درهمين، فباعهما منه)؛ أخرجه أحمد وأصحاب السنن، قال الترمذي: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم ولم يروا باسًا ببيع من يزيد في الغنائم والمواريث، قال ابن العربي: لا معنى لاختصاص الجواز بالغنيمة والميراث، فإن الباب واحد والمعنى مشترك)؛ انتهى. قوله: (ولا تناجشوا) النجش: هو الزيادة في ثمن السلعة ممن لا يريد شراءها ليقع غيره فيها، فإن كان ذلك بمواطأة البائع، فيشتركان في الإثم، وإلا فيختص بذلك النجش، وقال ابن قتيبة: النجش الختل والخديعة، ومنه قيل للصائد: ناجش؛ لأنه يختل الصيد ويحتال له؛ انتهى. وقال البخاري: وقال ابن أبي أوفى: الناجش آكل ربا خائن، وهو خداع باطل لا يحل، قال النبي صلى الله عليه وسلم-: "الخديعة في النار، ومن عمل عملًا ليس عليه أمرنا، فهو رد"، وأخرج عبدالرزاق من طريق عمر بن عبدالعزيز أن عاملًا له باع سبيًا، فقال له: لولا أني كنت أزيد فأنفقه، لكان كاسدًا، فقال له عمر: هذا نجش لا يحل، فبعث مناديًا ينادي: أن البيع مردود وأن البيع لا يحل. قوله: (ولا يبع حاضر لباد)، وفي رواية لمسلم: (لا يبع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض)، وقال البخاري: باب هل يبيع حاضر لباد بغير أجر وهل يعينه أو ينصحه. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا استنصح أحدكم أخاه، فلينصح له"؛ انتهى. وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تلقوا الركبان ولا يبيع حاضر لباد"، قال: فقلت لابن عباس ما قوله لا يبيع حاضر لباد، قال: لا يكون له سمسارًا". وقوله: (ولا يبع) نفي بمعنى النهي، وصورت به الحاضر للبادي: أن يحمل البدوي أو القروي متاعه إلى البلد ليبيعه بسعر يومه، ويرجع فيأتيه البلدي، فيقول: ضع عندي لأبيعه على التدريج بزيادة سعر، وذلك إضرار بأهل البلد، وروى أبو داود: أن أعرابيًّا قدم بحلوبة له، فنزل على طلحة بن عبيدالله، فقال له: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبيع حاضر لباد، ولكن اذهب إلى السوق، فانظر من يبايعك، فشاورني حتى آمرك أو أنهاك. والجمهور على أن النهي على التحريم بشرط العلم به، وأن يكون المتاع المجلوب مما يحتاج إليه، وقوله: "ولا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها بعد ذلك، فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها: إن رضيها أمسكها وإن سخطها ردَّها وصاعًا من تمر"، وفي لفظ: "وهو بالخيار ثلاثًا"، وقوله: "لا تُصروا" بضم التاء من صري يصري بالتشديد تصرية، والمصراة التي صري لبنها وجمع، فلم يحلب أيامًا، وهذا حرام؛ لأنه غش وخداع، وفي رواية: "من اشترى غنمًا مصراة فاحتسبها، فإن رضيها أمسكها وإن سخطها ففي حلبتها صاع من تمر"، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "من اشترى شاة محفلة فردها، فليرد معها صاعًا، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تلقى البيوع"؛ رواه البخاري، وللنسائي عن أبي هريرة: "إذا باع أحدكم الشاة أو اللقحة فلا يحفلها"، قوله: "فهو بخير النظرين"؛ أي الرأيين، قوله: "إن رضيها أمسكها"؛ أي: أبقاها على ملكه. قال الحافظ: (وهو يقتضي صحة بيع المصراة وإثبات الخيار للمشتري، وقال ابن دقيق العيد: حكم التصرية قد خالف القياس في أصل الحكم لأجل النص، فيطرد ذلك ويتبع في جميع موارده. قوله: (وإن سخطها ردها وصاعًا من تمر). قال الحافظ: واستدل به على وجوب رد الصاع مع الشاة إذا اختار فسخ البيع، فلو كان اللبن باقيًا ولم يتغير، فأراد ردَّه هل يلزم البائع قبوله فيه وجهان أصحهما لا لذهاب طراوته ولاختلاطه بما تجدد عند المبتاع، والتنصيص على التمر يقتضي تعيينه. وقال: وقد أخذ بظاهر هذا الحديث جمهور أهل العلم، وأفتى به ابن مسعود وأبو هريرة، ولا مخالف لهم من الصحابة، وقال به من التابعين ومن بعدهم مَن لا يُحصى عددُه، ولم يفرقوا بين أن يكون اللبن الذي احتلب قليلًا أو كثيرًا، ولا بين أن يكون التمر قوت تلك البلد أم لا، وخالف في أصل المسالة أكثر الحنفية، وفي فروعها آخرون؛ انتهى. وحكى البغوي: أنْ لا خلاف في المذهب أنهما لو تراضيا بغير التمر من قوت أو غيره كفى، وقال ابن عبدالبر: هذا الحديث أصل في النهي عن الغش، وأصل في ثبوت الخيار لمن دلَّس عليه بعيب، وأصل في أنه لا يفسد أصل البر، وأصل في أن مدة الخيار ثلاثة أيام، وأصل في تحريم التصرية، وثبوت الخيار بها؛ انتهى. وقال ابن السمعاني: متى ثبت الخبر صار أصلًا من الأصول، ولا يحتاج إلى عرضه على أصل آخر؛ لأنه إن وافقه فذاك، وإن خالفه فلا يجوز ردُّ أحدهما؛ لأنه رد للخبر بالقياس، وهو مردود باتفاق، فإن السنة مقدمة على القياس بلا خلاف، إلى أن قال: والأولى عندي في هذه المسالة تسليم الأقيسة، لكنها ليست لازمة؛ لأن السنة الثابتة مقدمة عليها)[2]، والله تعالى أعلم. [1] فتح الباري: (4 /353). [2] فتح الباري: (4 /362).
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |