حقوق المسلم - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1430 - عددالزوار : 140991 )           »          معالجات نبوية لداء الرياء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          التربية بالحوار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          صور من فن معالجة أخطاء الأصدقاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          في صحوةِ الغائب: الذِّكر بوابة الحضور (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          آيات السَّكِينة لطلب الطُّمأنينة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (العليم, العالم. علام الغيوب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          سبل إحياء الدعوة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          التساؤلات القلبية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          الحب الذي لا نراه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23-04-2025, 12:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,204
الدولة : Egypt
افتراضي حقوق المسلم

حقوق المسلم: رد السلام

د. أمير بن محمد المدري
الحمد لله الذي أحاط بكل شيءٍ علمًا، وجعل لكل شيءٍ قدرًا، خلق من الماء بشرًا فجعله نسبًا وصهرًا، أحمده سبحانه وأثني عليه شكرًا، كرمه يتوالى ونعمه علينا تَترى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، اصطفاه ربُّه واجتباه، فكان أشرف البرية وأعلاهم ذكرًا صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، ومَن تبِعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فمن كمال هذا الدين وعظيم محاسنه أن بيَّن حقوق المسلم على أخيه، ومن أعظم ثمرات حفظ هذه الحقوق: حصول ترابط المجتمع وألفته واجتماعه على الخير، حتى يكون مجتمعًا قويًّا تتجلى فيه أسمى الأخلاق وأحسنها، وتعلو فيه مبادئ سامية، كلها عدلٌ ومحبَّة وأخوَّة وتكافل وتناصح وتواصٍ بالحق وتواصٍ الصبر.

بمجرد أن يدخل المسلم دائرة الإسلام، فقد وجبت له حقوق على المسلمين ولو كان في أقاصي الأرض،
لو كبرت في جموع الصين مئذنةٌ
سَمِعت في المغرب تهليلَ المصلين
إذا اشتكى مسلم في الهند أرَّقني
وإن بكى مسلمٌ في الصين أبكاني

وسيُسأل المسلم عن هذه الحقوق إذا كانت واجبة، هل أدَّاها لأخيه أم قصَّر فيها، إنها مسؤولية تدفع المسلم لتأدية الحقوق على أتَم وجه، وبهذا يكون المجتمع مترابطًا إذا اشتكى منه عضوٌ تألَّم له باقي الأعضاء كما قال النبي المصطفى.

اليوم نعيش وإياكم مع حقٍّ من حقوق المسلم على المسلم، وهو حق السلام عليه إذا لقِيه، ورده إذا سلم عليه، وما أجمل السلام إذا حُلِّي بابتسامة، وزُين بطلاقة وجه، وكمِّل بالمصافحة، مع إخلاص لوجه الله تعالى، نورٌ على نور، تتساقط فيه الخطايا كما تتساقط أوراق الشجر.

أيها الأحباب، حديثنا عن السلام تفاؤلًا ورجاءً من الله أن يجعل أيامنا أيام خيرٍ وسلام، ومحبةٍ ووئام.

نتحدث عن السلام ونرجو من الله أن ينتهي هذا الوباء والبلاء، وتنتهي هذه الحرب والشحناء، بين أبناء أمة الإسلام وتتحول إلى سلام وصفاء.

إن السلام من خير الأعمال عند الله، فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ب أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله وعليه وسلم -: أَيُّ الإسلام خَيْرٌ؟ قَالَ: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ»؛ [صحيح البخاري (12)، صحيح مسلم (39)].

وتقرأ السلام؛ أي: تنشر السلام، وتبادر به، على الناس جميعًا، سواء عرفتهم أم لم تعرفهم؛ فجميع المسلمين إخوة، والله تعالى يقول: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ﴾ [الحجرات: 10]، وعن عمار بن ياسر - رضي الله عنه - قال النبي عليه الصلاة والسلام: « ثَلاثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الإِيمَانَ: الإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ، وَبَذْلُ السَّلامِ لِلْعَالَمِ، وَالإِنْفَاقُ في الإِقْتَارِ»؛ [رواه البخاري].

وأخرج الإمام البخاري في صحيحه قال: لَمَّا خلَق اللهُ تعالى آدم، قال: اذهب فسَلِّمْ على أولئك من الملائكة، فاسْتَمِعْ ما يحيونكَ، تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليكَ ورحمة الله، فالسلام هو تحية أبينا آدم والأنبياء مِنْ بَعْدِه، وبه تُحيي الملائكةُ المؤمنين في الجنة، وهو تحية أهل الجنة يوم يَلْقَوْنَ ربَّهم، ﴿ تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا ﴾ [الأحزاب: 44]، وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿ إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا ﴾ [الواقعة: 26].

السلام شعارُ الإيمان، وتحية أهل الإسلام.

السلام اسم من أسماء الله تعالى الحسنى، فالله – عز وجل - هو السلام، ومنه السلام، ويدعو إلى دار السلام، ﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إلى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [يونس: 25]، وبعد الصلاة علمنا النبي المصطفى أن نقول: "اللهم أنتَ السلامُ، ومنكَ السلامُ، تباركتَ ذا الجلال والإكرام"؛ [رواه الإمام مسلم].

ليعيش المسلم بسلام ويحيا بسلام، وينشر السلام ليدخل دار السلام.

اللهم اجمعنا في الحنة دار السلام.

اسمع إلى هذين الحديثين الشريفين اللذين هما أصلان من أصول حقوق المسلم على المسلم، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول - صلى الله وعليه وسلم - قال: «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ رَدُّ السَّلامِ وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ»؛ [صحيح البخاري].

وروى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله وعليه وسلم - قَالَ: «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ، قِيلَ: مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَسَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعه»؛ [صحيح مسلم].

ورُوي عن عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - أنه قال: لَما قدم النبي المدينة انجفل الناس قِبله، وقيل: قد قدم رسول الله، فجئت في الناس لأنظر، فلما تبينت وجهه عرَفت أن وجهه ليس بوجه كذَّاب، فكان أول شيء سمعته تكلم به أن قال: «يا أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام».


وعن عمران بن حصين - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله وعليه وسلم - فقال: السلام عليكم، فرد، ثم جلس، فقال النبي - صلى الله وعليه وسلم -: «عشر، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه فجلس، فقال: عشرون، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فردَّ فجلس، فقال: ثلاثون»؛ [أبو داود والترمذي وصححه الألباني].

فكم يحرم المسلم نفسَه من أجور يوم يترك السلام والرد على السلام.

كان عدد من أصحاب النبي - صلى الله وعليه وسلم - يخرجون إلى السوق لا لشيء إلا لإلقاء السلام على الناس، فيعودون إلى بيوتهم ولهم أجور عظيمة، وقد أمر الله بالسلام عند دخول المسلمين بعضهم على بعض في بيوتهم؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النور: 27]، وقال تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [النور: 61].

حتى الأمواتَ نسلم عليهم وَنَدعُ اللهَ لهم بِقَولِنا: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، نَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمُ الْعَافِيَةَ»


هذا هو الإسلام دين السلام والأمن والوئام، لا دين العنف والقتل والإجرام، نعم دين السلام مع الناس جميعًا، مع كل الأديان إلا مع المحتل، إلا مع الذي اغتصب أرضنا واحتل ديارنا، وأخرجنا من أرضنا، وظاهر على إخراجنا؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴾ [الممتحنة: 1]، ومن السنة أن يُسلِّم الصغير على الكبير، والقليل على الكثير، والراكب على الماشي، والماشي على الواقف، وخير الرجلين من يبدأ صاحبه بالسلام، كما قال عليه الصلاة والسلام.

ويقول الله تعالى: ﴿ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا ﴾ [النساء: 86].

الحكم الفقهي أن إلقاء السلام سنة ورد السلام واجب، بل هو فرض للآية السابقة ﴿ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا ﴾، هذا أمر، والأمر في القرآن يقتضي الوجوب بأحسن منها؛ قال لك: السلام عليكم، تقول له: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، قال لك: أسعد الله صباحك، تقول له: أسعد الله جميع أوقاتك.

فلنتَّق الله في إخوتنا، ولنُفشِ السلام بيننا، ولنترك النزعات الجاهلية والأحقاد والضغائن، والأمور التي ربما ترك البعض منا السلام من أجلها، فهذا لا يسلم إلا على من يعرف، وذاك لا يسلم إلا على أهل بلدته وأصحابه، وذاك لا يسلم إلى على من كان من جماعته وقبيلته، وهذا عجزٌ وبخلٌ وجهل.

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله وعليه وسلم -: «أعجز الناس من عجز في الدعاء، وأبخل الناس من بخل بالسلام»؛ [رواه الطبراني في الأوسط وقال المنذري في الترغيب: إسناده جيد قوي]، وعن أبي أيوب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله وعليه وسلم - قال: «لا يَحِل لمسلم أن يَهجُر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام»؛ [البخاري ومسلم].

انها رسالة للمتهاجرين بسبب الدنيا أيام وشهور وسنين، إنها رسالة للمتقاطعين بسبب الخلافات المذهبية والنزعات الجاهلية أيام وشهور وسنين، إنهم واقعون في حرام، وإنهم خالفوا هدي النبي المصطفى؛ عن أبي أُمامة - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله وعليه وسلم -: «إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِاللَّهِ مَنْ بَدَأَهُمْ بِالسَّلامِ»؛ [رواه أبو داود]؛ أي: إن هذا الذي يسلم على الناس، ويبدؤهم بالسلام، أولى الناس وأقربهم إلى الله عز وجل، وكان أبو أمامة - رضي الله عنه - راوي الحديث إذا انصرف إلى بيته لا يمر بمسلم صغير ولا كبير إلا سلَّم عليه، فقيل له في ذلك، فقال: أُمرنا أن نفشي السلام، والله جعل السلام تحية لأمتنا وأمانا لأهل ذمتنا».

وعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنهما -: عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله وعليه وسلم - قَالَ: «مَا حَسَدَتْكُمْ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ مَا حَسَدَتْكُمْ عَلَى السَّلاَم وَالتأْمِينِ».

وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله وعليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ السَّلاَمَ اسمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ وَضَعَهُ فِي الأرْضِ فَأَفْشُوهُ بَينَكُمْ، فَإِنَّ الرَّجُلَ الْمُسْلِم إِذَا مَرَّ بِقَومٍ فَسَلَّمَ عَلِيهِم فَرَدُّوا عَلَيهِ، كَانَ لَهُ عَلَيهِم فَضْلُ دَرَجَةٍ بِتَذكِيرِهِ إِيَّاهُمُ السَّلاَمَ، فَإِنْ لَمْ يَرُدُّوا عَلَيهِ، رَدَّ عَلَيهِ مَنْ هُوَ خَيرٌ مِنْهُمْ وَأَطْيِب»؛ أي الملائكة؛ [رواه الطبراني والبزار بأسانيد رجالها رجال الصحيح].

وعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: عَنْ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله وعليه وسلم -: «إِذَا لَقِيَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَإِنْ حَالَتْ بَيْنهمَا شَجَرَةٌ أَوْ جِدَارٌ أَوْ حَجَرٌ، ثُمَّ لَقِيَهُ، فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ أَيْضًا»، وقال: «إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلِّم، فإذا أراد أن يقوم فليسلم؛ فليست الأولى بأحق من الآخرة».

ومن السنة أن يسلِّم المسلم على الصبيان إذا لقِيهم اقتداءً برسول الله - صلى الله وعليه وسلم - وفيه دليل على التواضع والرحمة، كما إن فيه تربية الناشئة على تعاليم الإسلام.

وهناك أحوال لا يشرع فيها السلام، منها:
ما إذا كان الإنسان على حاجته من بول أو غائط، ومنها حال خطبة الجمعة، فلا يسلِّم على المستمعين للخطبة، ومنها حال الاشتغال بتلاوة القرآن، فالتالي لا يُسلِّم عليه.

أخي الحبيب، هل تريد ضمان بدخول الجنة؟

عَنْ أَبِي أُمَامَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صلى الله وعليه وسلم - قَالَ: «ثَلاثَةٌ كُلُّهُمْ ضَامِنٌ عَلَى اللهِ إِنْ عَاشَ رُزِقَ وَكُفِي، وَإِنْ مَاتَ أَدْخَلَهُ اللهُ الْجَنَّة، مَنْ دَخَلَ بَيْتَهُ فَسَلَّمَ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللهِ، وَمَنْ خَرَجَ إلى الْمَسْجِدِ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللهِ، وَمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَهُوَ ضَامِنٍ عَلَى اللهِ»؛ [رواه أبو داود بإسناد حسن].

والمصافحة عند اللقاء سُنة مرغَّب فيها، ففي سنن الترمذي وأبي داود وابن ماجه عن البراء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله وعليه وسلم -: «ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان، إلا غُفِر لهما قبل أن يتفرَّقا».

وهي رسالة لمن يقولوا السلام في المسجد والمصافحة بدعة، إذا لم نتصافح ويسلِّم بعضنا على بعض في المسجد، فأين يكون ذلك.

والسلام جالب للبركة، فإذا أردت أخي المسلم أن يبارك الله في نفسك وأهل بيتك، فسلِّم عليهم كلما دخلت بيتك، فإن ذلك من أعظم أسباب البركة؛ فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال لي رسول الله - صلى الله وعليه وسلم -: «يا بني، إذا دخلت على أهلك فسلِّم يكون بركة عليك وعلى أهل بيتك».

وعن الزبير - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله وعليه وسلم - قال: « دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمُ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ، وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ حَالِقَةُ الدِّينِ لا حَالِقَةُ الشَّعَرِ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لتدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَفَلا أُنَبِّئُكُمْ بِشَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ».

حديث شريف يبدأه الرسول الكريم بالقسم، فيحلف النبي - صلى الله وعليه وسلم - على حقيقتين متلازمتين: الأولى أنه لا سبيل إلى دخول الجنة إلا بالإيمان، أما الحقيقة الثانية أن هذا الإيمان لا يتحقق بتمامه وكماله إلا إذا ارتبطت القلوب برباط المحبة في الله والأخوة في الله، وإن هذا الإيمان لا يتحقق مع العداوة والتدابر والبغضاء، ثم يدلنا الرسول صلى الله وعليه وسلم على ما يزيد في المحبة: (أَفَلا أُنَبِّئُكُمْ بِشَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ، أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُم).

لكن بعض الناس ترك السلام كبرًا وغرورًا إذا سلَّمت عليه؛ كأنك تسحب منه الرد سحبًا، ومن الناس إذا صافحته صافحك برؤوس أصابعه، شُلَّت أصابعه! وهذا من جهله بسنة محمد - صلى الله وعليه وسلم - ومنهم من ترك السلام جهلًا، واستبدل مكانه كلمات ليست واردة؛ كأن يقول: صباح الخير، وأهلًا وسهلًا.

وهذه تأتي كلها بعد السلام الشرعي الذي سنه عليه الصلاة والسلام.

وأخيرًا فلا نَنس كثرة السلام على نبينا الكريم صلوات الله وسلامه عليه ما تعاقَب الليل والنهار، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله وعليه وسلم - قال: «ما من أحد يسلِّم عليَّ، إلا رد الله عليَّ رُوحي حتى أرد»؛ [رواه أبو داود واللفظ له، وأحمد في المسند وحسنه الألباني].

اللهم ألِّف بين قلوب المسلمين، واهْدهم سُبل السلام، وجنِّبهم الفتن والآثام.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 26-04-2025, 10:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,204
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حقوق المسلم

حقوق المسلم: عيادة المريض


الحمد لله ذي القوة المتين، أحمَده سبحانه وأشكُره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، الصادق الأمين، وبارَك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، ومَن تبِعهم بإحسان إلى يوم الدين؛
أما بعد:
فما زلنا مع حقوق المسلم على المسلم، واليوم ننتقل إلى حقٍّ ثانٍ من حقوق المسلم على المسلم ألا وهو عيادته إذا مرِض.

بعض المسلمين لا يعطون قيمةً لهذا الحق، ولا يعرفون قيمة عيادة المريض إلا إذا مرِضوا ومضى يومان وثلاثة وأربعة أيام ولم يأتِهم أحدٌ.

المريض من أشد الناس حاجةً إلى المواساة، المريض من أشد الناس حاجةً إلى مَن يؤنِسه، إلى من يدعوه إلى الصبر، إلى من يعطيه شحنةً رُوحيةً تُعينه على تحمل المرض.

عيادة المريض سنةٌ مؤكدة، فعلها النبي - صلى الله وعليه وسلم - وداوَم عليها للمسلم والكافر، فقد صحَّ أن النبي - صلى الله وعليه وسلم - عاد عمَّه أبا طالب وهو كافر، وصح كما عند ابن حبان وعبد الرزاق الصنعاني أنه عاد جارًا له يهوديًّا، فجاءه وَقَالَ لَهُ: «كَيْفَ أَنْتَ يَا فُلَانُ؟» ثُمَّ عَرَضَ عَلَيْهِ الشَّهَادَتَيْنِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ فِي الثَّالِثَةِ: قُلْ مَا قَالَ لَك، فَفَعَل، ثُمَّ مَاتَ، فقال - صلى الله وعليه وسلم -: «الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَعْتَقَ بِي نَسَمَةً مِنْ النَّارِ».

وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أن النبي - عليه الصلاة والسلام - قال: «أَطْعِمُوا الْجَائِعَ وَعُودُوا الْمَرِيضَ وَفُكُّوا الْعَانِي»؛ (رواه البخاري).

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - عليه الصلاة والسلام - أنه قال: «خَمْسٌ تَجِبُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ: رَدُّ السَّلامِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِز»؛ (أخرجه الشيخان واللفظ لمسلم).

المقصود من عيادة المريض: "تعهٌّده، وتفقُّد أحواله، وإيناسه والتلطف به"، فقد يكون في أمسِّ الحاجة إلى شيء، هذا معنى عيادة المريض.

ولقد كان من أدب السلف - رضوان الله عليهم - إذا فقدوا أحدًا من إخوانهم سألوا عنه، فإن كان غائبًا دعوا له، وخلفوه خيرًا في أهله، وإن كان حاضرًا زاروه، وإن كان مريضًا عادوه.

يقول الأعمش - رحمه الله -: «كنا نقعُد في المجلس، فإذا فقدنا الرجل ثلاثة أيام سألنا عنه، فإن كان مريضًا عدناه»؛ (شعب الإيمان للبيهقي:11/430).

في عيادة المريض ثمارٌ وفوائدُ عظيمة:
أولًا: تتجلى الأخوَّة بمعانيها وتظهر الأخلاق وسموها، حين يكون المسلم في حالةٍ من العجز وانقطاعٍ عن مشاركة الأصحاب، حبيس المرض، وقعيد الفراش.

ثانيًا: في عيادة المريض إيناسٌ للقلب، وإزالةٌ للوَحشة، وتخفيفٌ من الألم، وتسليةٌ للنفس والأقارب.

ثالثًا: في زيارة المريض الجلوس في معية الله عز وجل: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله وعليه وسلم -: «إِنَّ اللَّهَ عز وجل يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: «يَا بْنَ آدَمَ، مرِضت فلم تعدني، قال: يا رب، كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلانًا مرِض فلم تَعُدْه، أما علِمت أنك لو عُدته لوجدتني عنده»؛ (رواه مسلم)، لوجدت الثواب عنده، لوجدت الراحة عنده، لوجدت الأنوار عنده، لوجدت تجلِّي رب العالمين عنده..

المريض لوجدتني عنده؛ لأن المريض منكسر القلب، نفسه رقيقة قريبة من الله عز وجل، ينادي: يا ألله يا ألله، ما لي سواك، مَن يفرِّج همي إلا أنت؟ والله الذي لا إله إلا هو لو كشف الغطاء لرأينا أن المرض مِن نعم الله الكبرى على الإنسان، لعل المرض هو الذي حثَّه على التوبة، لعل المرض هو الذي عرَّفه بعبوديته، وقرَّبه من مولاه، وكفَّر عنه خطاياه..

قال يزيد بن ميسرة - رحمه الله -: "إن العبد ليمرَض وماله عند الله من عمل خيرٍ، فيذكره الله سبحانه بعض ما سلف من خطاياه، فيَخرُج من عينه مثل رأس الذباب من الدمع من خشية الله، فيبَعثه الله مطهرًا؛ أي: نقيًّا من الذنوب".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "مصيبة تُقبل بها على الله خيرٌ لك من نعمة تُنسيك ذكر الله".

رابعًا: في عيادة المريض السعادة والنعيم والجنة: فهو في ممشاه إلى المريض يمشي في رياض الجنة, ويتبوأ منها منزلًا, عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله وعليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا عَادَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ»؛ (أخرجه أحمد 5/276(22731)، و"مسلم" 8/12(6643)).

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله وعليه وسلم - قَالَ: «إِذَا عَادَ الْمُسْلِمُ أَخَاهُ أَوْ زَارَهُ، قَالَ اللهُ عز وجل: طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ، وَتَبَوَّأْتَ فِي الْجَنَّةِ مَنْزِلًا»؛ (أخرجه أحمد 2/326(8308)، و"البخاري" في "الأدب المفرد" 345، و"ابن ماجه" 1443).

خامسًا: في عيادة المريض نزول الرحمة والمغفرة:
عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله وعليه وسلم -: «من عاد مريضًا لم يزل يَخوض في الرحمة حتى يرجع، فإذا جلس اغتمَس فيها»؛ (صحيح، موطأ مالك وأحمد والبزار وابن حبان)، وعَنْ مَرْوَانَ بْنَ أَبِي دَاوُدَ قَالَ: أَتَيْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، إِنَّ الْمَكَانَ بَعِيدٌ، وَنَحْنُ يُعْجِبُنَا أَنْ نَعُودَكَ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله وعليه وسلم - يَقُولُ: «أَيُّمَا رَجُلٍ يَعُودُ مَرِيضًا، فَإِنَّمَا يَخُوضُ فِي الرَّحْمَةِ، فَإِذَا قَعَدَ عِنْدَ الْمَرِيضِ غَمَرَتْهُ الرَّحْمَةُ»، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا لِلصَّحِيحِ الَّذِي يَعُودُ الْمَرِيضَ، فَالْمَرِيضُ مَا لَهُ؟ قَالَ: «تُحَطُّ عَنْهُ ذُنُوبُهُ»؛ (أخرجه أحمد 3/174(12813)).

سادسًا: في زيارة المريض وعيادته صلاة الملائكة؛ أي: دعاؤها:
فقد أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عن علي - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله وعليه وسلم - يقول: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا غُدْوَةً -أي صباحًا- إِلا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ وَإِنْ عَادَهُ عَشِيَّةً إِلا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ»؛ (حَدِيثٌ حَسَنٌ رواه الترمذي).

يا ألله، ما هذا الأجر العظيم على عيادة المريض، إنها رسالة أن الإسلام يهتم بأخوَّتنا ووَحدتنا واجتماعنا واعتصامنا.

سابعًا: في عيادة المريض معرفة نعمة الله عليك: حين ترى ما ابتُلي به غيرك وأنت عافاك الله، فتقول: الحمد لله الذي عافاني مما ابتُلي به كثيرٌ من خلقه، وفضَّلني عليهم تفضيلًا.

رُوي أن رجلًا جاء إلى عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، فقال: يا أم المؤمنين، إن بي داءً فهل عندك دواء؟ قالت: وما داؤك؟ قال القسوة، قالت: (بئس الداءُ داؤك، عُدِ المرضى واشهَد الجنائز، وتوقَّع الموت؛ (ابن الجوزي: بستان الواعظين ورياض السامعين 146).

وقال أحد الصالحين: زُر السجن مرة في العمر لتعرِف فضل الله عليك في الحرية، زُر المحكمة مرة في العام لتعرف فضل الله عليك في حسن الخُلق، زُر المستشفى مرة في الشهر لتعرف فضل الله عليك في الصحة والعافية، زُر ربَّك كلَّ آنٍ لتعرف فضله عليك في نعم الحياة.

تلك سبعة كاملة ثمار عظيمة، وفوائد جليلة لعيادة المريض، أخوةٌ وأخلاقٌ عالية، إيناس للقلب وإزالةٌ للوحشة، معية الله رب البرية، سعادة ونعيم وخريف في الجنة، خوض في الرحمة واغتماس فيها، صلاة الملائكة ومعرفة فضل الله عليك.

هذه الثمار، فما آداب عيادة المريض؟

أولًا: اختيار الوقت المناسب:
بعض الناس يتعجل عيادة المريض, فبمجرد سماعه أن فلانًا قد خرج من غرفة العمليات يذهب إليه مباشرة، وقد يكون هذا المريض يحتاج إلى الراحة, فيسبِّب له الناس حرجًا، والتوسط هنا هو المطلوب، فلا نتعجل الزيارة، كما لا نُهمل فيها حتى يفوت موعدها، كما أن عليه أن يختار الوقت المناسب لها، فلا يختار وقتًا قد يكون نائمًا فيه، أو يكون ذلك وقت طعامه.

ثانيًا: من الآداب: سؤال المريض عن حاله: ولا يُثقل عليه في السؤال؛ كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله وعليه وسلم - إِذَا مَرَّ سعد بن معاذ رضي الله عنه بعد ما أُصيب، يَقُولُ: كَيْفَ أَمْسَيْتَ؟ وَإِذَا أَصْبَحَ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ فَيُخْبِرُهُ؛ (أخرجه البُخَارِي، في الأدب المفرد1129).

ثالثًا: رقية المريض والدعاء له:
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله وعليه وسلم - كَانَ إِذَا دَخَلَ عَلَى الْمَرِيضِ، قَالَ: «أَذْهِبِ الْبَأْسَ، رَبَّ النَّاسِ، اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لاَ شَافِيَ إِلاَّ أَنْتَ، اشْفِ شِفَاءً لاَ يُغادِرُ سَقَمًا»؛ (أخرجه أحمد 3/267(13859)، والنَّسَائِي، في "عمل اليوم والليلة" 1042).

وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله وعليه وسلم -أَعُودُهُ وَبِهِ مِنَ الْوَجَعِ مَا يَعْلَمُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِشِدَّةٍ ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَيْهِ مِنَ الْعَشِيِّ وَقَدْ بَرِئَ أَحْسَنَ بُرْءٍ، فَقُلْتُ لَهُ: دَخَلْتُ عَلَيْكَ غُدْوَةً وَبِكَ مِنَ الْوَجَعِ مَا يَعْلَمُ اللَّهُ بِشِدَّةٍ، وَدَخَلْتُ عَلَيْكَ الْعَشِيَّةَ وَقَدْ بَرِئْتَ، فَقَالَ: يا بْنَ الصَّامِتِ إِنَّ جِبْرِيلَ رَقَانِي بِرُقْيَةٍ فبرِئْتُ، أَلاَ أُعَلِّمُكَهَا قُلْتُ بَلَى، قَالَ: «بِسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ حَسَدِ كُلِّ حَاسِدٍ وَعَيْنٍ، بِسْمِ اللَّهِ يَشْفِيكَ»؛ (أخرجه أحمد 5/323(23139)، و"النَّسَائي" في "عمل اليوم والليلة" 1004).

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله وعليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَعُودُ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ، فَيَقُولُ سَبْعَ مَرَّاتٍ: أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ، إِلاَّ عُوفي»؛ (أخرجه أحمد 1/239(2137)، والتِّرْمِذِي "2083 و"النَّسائي" في "عمل اليوم والليلة" 1045).

ومما يُهدى إلى المريض تذكيرُه بوصية النبي- صلى الله وعليه وسلم - في الاستشفاء، فقد جاء عثمان بن أبي العاص إلى النبي - صلى الله وعليه وسلم - يشكوه وجعًا في جسده، فقال له: ضَعْ يدك على الذي يألَم من جسدك، وقل: بسم الله ثلاثًا، وقل: سبع مرات أعوذ بالله وقدرته من شرِّ ما أجد وأُحاذر [ (رواه مسلم 14/189) ].

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أَنَّ النبي - صلى الله وعليه وسلم - كان إذا دخل على مريض يعوده قال: «لاَ بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ»؛ (أخرجه البخاري 4/246(3616) و"النَّسائي" 7457، وفي عمل اليوم والليلة 1039).

رابعًا: من آداب زيارة المريض: تذكير المريض بأجر الصبر على المرض، وجزاء الصابرين الذي وصفه ربُّنا في كتابه الكريم، فقال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} [البقرة: 175]، وعنْ أَبي هُرَيْرَة - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِي صلى الله وعليه وسلم - قَالَ: «مَا يُصِيبُ الْمسلِمَ مِنْ نَصَب، وَلاَ وَصَب، وَلاَ هَمٍّ، وَلاَ حَزن، وَلاَ أَذًى، وَلاَ غَمٍّ، حَتى الشوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلا كَفَّرَ اللهِ بِهَا مِنْ خَطَايَاه»؛ (أخرجه أحمد 2/303(8014)، و"البُخَارِي" 7/148(5641 و5642)، و"مسلم" 8/16(6660)).

وروي عنُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله وعليه وسلم -: «إِذَا ابْتَلَى اللَّهُ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ بِبَلاَءٍ فِي جَسَدِهِ، قَالَ اللَّهُ لِلْمَلَكِ: اكْتُبْ لَهُ صَالِحَ عَمَلِهِ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ، فَإِنْ شَفَاهُ، غَسَلَهُ وَطَهَّرَهُ، وَإِنْ قَبَضَهُ، غَفَرَ لَهُ وَرَحِمَهُ»؛ (أخرجه أحمد 3/148(12531)، و"البُخاري"، في (الأدب المفرد) 501).

خامسًا من آداب عيادة المريض: عدم إطالة الزيارة:
بعض الناس يكون ثقيلًا في الزيارة، فيطيل الجلوس عند المريض، وهذا مخالف لهدي الإسلام في عيادة المريض، بل في الزيارة عمومًا، فعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله وعليه وسلم -: «يَا أَبَا ذَرٍّ، زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا»؛ (رواه الطبراني 10/565 صحيح الترغيب والترهيب 2/350).

سادسًا: من آداب العيادة: تقليل السؤال:
بعض الناس يُكثر من سؤال المريض عن حاله، بل يريد منه أن يحكي له قصة مرضه من أولها إلى آخرها، ولا يراعي حالته الصحية وهذا مما يُرهق المريض، بل مما يزيد من علته،

سابعًا: من آداب العيادة: أن يُفسح له في الأمل والعافية:
ولا يؤذيه بتذكيره بأن فلانًا قد مات بنفس العلة، دخل رجلٌ على عمر بن عبد العزيز يعوده في مرضه، فسأله عن علته فأخبره، فقال الزائر: إن هذه العلة ما شُفي منها فلان، ومات منها فلان، فقال عمر: إذا عُدت مريضًا فلا تَنع إليه الموتى، وإذا خرجت عنا فلا تَعد إلينا.

فمن الآداب أن يُطمعه في الحياة، وينفِّس له في الأجل، إن شاء الله عز وجل يُكرمك وتزوِّج عيالك وتَفرَح فيهم، وتفعل وتفعل.

ثامنًا: من آداب العيادة: طلب الدعاء من المريض:
يُستحب طلب الدعاء من المريض؛ لأنه مضطر ودعاؤه أسرع إجابةً من غيره؛ قال تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل: 62].

وأخيرًا، فإن على من يعود مريضًا أن يجعل زيارته خالصةً لوجه الله تعالى، فإن الله لا يَقبَل من العمل إلا ما كان خالصًا لوجهه سبحانه، وذلك حتى يؤجر من الله على تلك الزيارة، وحتى يَقبل دعاءَه لأخيه.

أسأل الله أن يوفِّقني وإياكم لِما يُحب ويرضى، وأن يَهديَنا وإياكم لصالح الأقوال والأعمال والنيات، ولِما اختُلف فيه من الحق بإذنه، إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 29-04-2025, 11:42 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,204
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حقوق المسلم

حقوق المسلم: النصيحة

د. أمير بن محمد المدري



الحمد لله الذي جعل المؤمنين إخوةً في الإيمان، وشبههم في دعم بعضهم بعضا وشد بعضهم بعضا بالبنيان، وشرع لهم من الأسباب ما تقوم به تلك الأخوة وتستمر على مدى الزمان.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الألوهية والأسماء والصفات والسلطان. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المبعوث إلى جميع الإنس والجان صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليما.

وبعد:
ما زال الحديث معكم مع حقوق المسلم على أخيه المسلم، واليوم نعيش مع الحق الثالث: ألا وهو حق النصيحة، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله وعليه وسلم - قال: «حق المسلم على المسلم ست»، قيل: وما هن يا رسول الله قال إذا لقيته فسلم عليه وإذا دعاك فأجبه وإذا استنصحك فانصح له وإذا عطس فحمد الله فشمته وإذا مرض فعده وإذا مات فاتبعه».

إن من أعظم القربات عند الله بعد التوحيد: رص صفوف المسلمين وتوحيد كلمتهم، وإشاعة الألفة والمحبة بينهم، وهذا لا يكون ولا يتأتى إلا بعد مراعاة ما أوجبه الله من حقوق الأخوة.

والنصيحة والتناصح من أعظم مقومات الأخوة في الله، ولها شأنٌ عظيم، فهي أساس بناء الأمة، وهي السياج الواقي بإذن الله من الفرقة والتنازع والتحريش بين المسلمين.

والمسلمُ الحق إن رأى في أخيه قصورًا أو خَللًا وجبَ عليه أن يعينه على إصلاحِه، يفعلُ ذلك من منطلق إيمانه وإسلامه، إذِ النصيحة أصل الدين، قال عليه الصلاة والسلام: "الدين النصيحة" [رواه مسلم].

والنصيحة كلمةٌ جامعة تتضمن قيام الناصح للمنصوح له بوجوه الخير ارادةً وفعلا.

أيها الكرام: قد يفهم البعض الدين أنه صلاةً وصياما وحجا وزكاة فقط، وهذا فهمٌ خاطئ، يقول عمر - رضي الله عنه - قال: «من شاء صام ومن شاء صلى ولكنها الاستقامة».

أيها الحبيب: إذا وقفت لتصلي فاعلم أن الصلاة امتحان، بل إنها ميزانٌ إن ما بين الصلاتين؛ استقامتك، صدقك، غضُّك للبصر، نُصحك للمسلمين، ورعك في تجارتك، وبيعك، وشرائك.

الدين ليس شعائر تؤدى وكفى، أو كتابٌ يُقرأ، أو مجلس علمٍ يُحضر، أو حجٌ يُؤدى، أو احتفالٌ بعيد المولد يُقام وانتهى الأمر، ونحن على ما نحن عليه، هذا هو الفهم السقيم للدين.

الدين شيءٌ يدخل في كل حياتك، في كل حركاتك وسكناتك، في كل نشاطاتك، في كل علاقاتك.

قال الفضيل بن عياض: "ما أدرك عندنا من أدرك بكثرة الصلاة والصيام، وإنما أدرك بسخاء الأنفس وسلامة الصدور والنصح للأمة" [((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (1 /224)]. وعن الحسن البصري أنه قال: "لو شئتم أن أقسم لكم لأقسمن: إن أحب عباد الله إلى الله الذين يحببون الله إلى عباده، والذين يحببون عباد الله إلى الله، ويمشون في الأرض بالنصيحة" [ أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب الأولياء (36)].

فالنبي عليه الصلاة والسلام قال:
«الدِّينُ النَّصِيحَةُ». عبارةٌ جامعة مانعة، بقاء الدين كاملا بالنصيحة بقاء الدين ظاهرا بالنصيحة، نقاء الدين من الشوائب مرتبطٌ باستمرار النصيحة.

وهذا الحديث العظيم عليه مدار الإسلام، كما قال أهل العلم، فهو ينص على: أن عماد الدين وقوامه بالنصيحة، فلو عمل أفراد المسلمين وجماعتهم بما تضمنه هذا الحديث من معاني النصيحة لنالوا سعادة الدنيا والآخرة ولعاشوا إخوةً متحابين تجمعهم عقيدة واحدة وراية، واحدة ومنهجا واحدا في حياتهم.

«الدِّينُ النَّصِيحَةُ. قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ»...، فينصَح المسلم لنفسِه ولغيره بطاعة الله وتوحيده وخشيته والبُعدِ عن معصيته، والنصيحة لكتابه بتعلُّمه وتعليمه وفهمه والعمل به، والنصيحة لرسولِه بامتثال أوامره، ونشر سنته، والنصيحة لأئمَّة المسلمين بإعانتهم على الحقِّ وتذكيرهم به والدّعاء لهم، والنصيحة لعامّة المسلمين بجلب الخير لهم ودعوتهم إليه، ودَرء الشر عنهم وتحذيرهم منه.

النصيحة وظيفة من وظائف الانبياء،: فقد قال سبحانه على لسان نوح عليه السلام مخاطبًا قومه: ﴿ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 62].

وقال تعالى عن هودٍ عليه الصلاة والسلام: ﴿ أُبَلّغُكُمْ رِسَـالـاتِ رَبّى وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ ﴾ [الأعراف:68]، وقال عن صالح عليه السلام: ﴿ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبّى وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّـاصِحِينَ ﴾ [الأعراف:79].

وبايع النبي - صلى الله وعليه وسلم - أصحابه على النصح لكل مسلم، قال جابر رضي الله عنه: «بايعت رسول الله صلى الله وعليه وسلم على السمع والطاعة والنصح لكل مسلم». [متفق عليه].

والله أمر بالنصح حتى مع من علا وطغَى، وقال انا ربكم الأعلى قال الله لموسى وهارون: ﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ﴾ [طه: 43]، بل أمر بالرفق معه واللين وهو من هو: ﴿ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طه: 44].

حاجة الانسان للنصيحة كحاجته للأكل والشرب والهواء لا غنى له عنها؛ لأنها هي التي تبين الطريق وتبصر الانسان بأخطائه، وما يحيط به من مخاطر ومهالك.

المسلم محتاج الى النصح حاكما كان أو محكوما رجلا كان أو امرأة عالما أو متعلما.

وكان السلفُ يحبُّون من يُبصِّرهم بعيُوبهم، ويرفعون شعار: (رحِم الله من أهدَى إليَّ عُيوبي في سرٍّ بيني وبينه).


النصيحة ذكرى والذكرى تحتاج الى أذنٍ صاغية، وقلبٌ واع لتأتي أكُلها قال تعالى: ﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الذاريات: 55]، وقال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 18].

بالنصيحة يتنظف المجتمع من المحرمات والمنكرات والسلبيات والموبقات، إذا غابت من المجتمع النصيحة تقدمت الغيبة والفضيحة، وتراجعت الاخوة وإذا تراجعت الأخوة تقدمت الأنانية والمصلحة.

النصيحة دليل المحبة والتالف قال الحارث المحاسبي: "اعلم انه من نصحك فقد أحبك ومن داهنك فقد غشك" [ رسالة المسترشدين"، ص (71)].

أخي الكريم: للنصيحة آداب وشروط فالنصيحة تحتاج إلى ضوابط لتكون نصيحة مؤثرة، نصيحة نافعة، نصيحة مباركة.

أول شروط وآداب النصيحة: أن تكون لوجه الله وحده، لا لدنيا ولا رياء، ولا سمعة فمن كانت نصيحته لله ومحبة لعباد الله فهنيئا له.

ومن آداب النصيحة ثانيا أن تكون النصيحة خالية من التشهير والتعيير والشماتة.

ثالثًا أن تكون النصيحة سرًا: فالنصيحة سرًا أبلغ للقبول قال تعالى: ﴿ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا ﴾ [النساء: 63].

قال السعدي: أي: انصحهم سرًا، بينك وبينهم.

قال ابن رجبٍ - رحمه الله -: (كان السّلَف إذا أرادوا نصيحةَ أحدٍ وعظوه سرًّا)؛ فهناك فرقٌ بين النصيحة والفضيحة، يقول الفضيل بن عياض: (إن المؤمن يستر وينصح، وإن المنافق والفاجر يهتك ويعير ويفضح).


يقول الإمام الشافعي – رحمه الله -:
تعمدني بنصحك في انفرادي
وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوع
من التوبيخ لا أرضى استماعه


فإن خالفتني وعصيت قولي فلا تجزع إذا لـم تـُعط طاعة.

ومن آداب وشروط النصيحة رابعا أن تكون بلطف وأدب ورفق:
صدق الله القائل: ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا ﴾ [الإسراء: 53].

﴿ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا ﴾ [الإسراء: 28].

حتى تصل النصيحة للقلب لابد لهذا القلب من مفتاح، ولن تجد له مفتاحًا أحسن ولا أقرب من اللطف والأدب والرفق، كيف لا والنبي - صلى الله وعليه وسلم - يقول: «ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه».

ابراهيم عليه السلام ينصح أباه المشرك:
﴿ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا ﴾ [مريم: 42].

﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا ﴾ [مريم: 43].

انظر إلى أدب الخطاب يا أبت، ولقمان يوصي ابنه: يا بني يا بني، أدبٌ وتلطف.

دخل واعظ على هارون الرشيد فقال: يا أمير المؤمنين اني واعظك ولكني سأشدد عليك فاسمع لي، قال: لا اسمع لك قال ولم؟ قال: يا هذا أرسل الله من هو خير منك إلى من هو شر مني، فـقـال: ﴿ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طه: 44].

جاء شاب إلى النبي - صلى الله وعليه وسلم - يستأذنه في الزنا يقول: يا رسول الله ائذن لي في الزنا، هو يعلم تحريم الزنا لكنه جاء يستأذن رسول الله،، فدعاه النبي وقال: «يا هذا، أترضى بالزنا لأمك؟!» قال: لا، قال: «والناس لا يرضونه لأمهاتهم، أترضاه لزوجتك؟!» قال: لا، قال: «والناس لا يرضونه لزوجاتهم، أترضاه لابنتك؟!» قال: لا، قال: «والناس لا يرضونه لبناتهم، أترضاه لعمتك؟!» قال: لا، قال: «والناس لا يرضونه لعماتهم، أترضاه لخالتك؟!» قال: لا، قال: «والناس لا يرضونه لخالاتهم»، ثم إنه ضرب صدره وقال: «اللهم أعفه وحصنه وطهر قلبه»، قال - رضي الله عنه -: فما هممت بفاحشة بعد ذلك.

كلنا يحفظ حديث الأعرابي الذي وقف في مسجد النبي - صلى الله وعليه وسلم -وبال إلى جوار رسول الله - صلى الله وعليه وسلم -، هل تتصور هذا المشهد؟ أعرابيٌّ يدع هذه الصحراء المترامية ولا يجد مكانًا يقضي فيه حاجته إلا في مسجد رسول الله - صلى الله وعليه وسلم -، بل وفي حضرته الشريفة - صلى الله وعليه وسلم -، ويقول الصحابة مه مه، ماذا تصنع أيها الرجل؟! ، والرسول - صلى الله وعليه وسلم -سيد الدعاة يقول «لا تزرموه»، أنا لا أقول هذا من باب الإعجاب السالب أيها الأحبة، أو لمجرد الثقافة الذهنية الباردة، بل أنا أبين منهجًا عمليًّا للدعوة إلى الله تبارك وتعالى، وواجبٌ لكل سالكٍ على هذا الطريق والدرب المنير أن يكون على هذا المنهج العظيم.

«لا تزرموه» أي لا تقطعوا عليه بولته، ويقضي الرجل تبوله باطمئنانٍ كامل، حتى يقضي الرجل حاجته فيُنادي عليه رسول الله - صلى الله وعليه وسلم - نهر الرحمة وينبوع الحنان وأستاذ الخلق والأدب ويقول إن المساجد لا تصلح لشيءٍ من هذا، إنما جُعلت للصلاة ولذكر الله وقراءة القرآن، ويأمر النبي - صلى الله وعليه وسلم - صحابيًّا فيأتي الصحابي بدلو من الماء فيشنه على أثر البول ويطهر المكان، وانتهت القضية، وانتهت المشكلة، ما أمر النبي الصحابة أن يلقوا هذا الرجل من يديه وقدميه خارج المسجد، ما عنفه، ما وبخه، ما آذاه بكلمة ولا بلفظة، لا والله، وإنما انفعل هذا الأعرابي بهذا الخلق الكريم فدخل الصلاة خلف رسول الله - صلى الله وعليه وسلم -، ثم دعا الله بهذا الدعوة التي سمعها النبي - صلى الله وعليه وسلم -، سمع الأعرابي يقول "اللهم ارحمني ومحمدًا ولا ترحم معنا أحدًا"، لم يجامله النبي - صلى الله وعليه وسلم - على حساب المنهج أيضًا، وإنما لما قضى النبي- صلى الله وعليه وسلم - صلاته قال: «لقد حجرت واسعًا»، يعني لم تضيق ما وسع الله تبارك وتعالى؟ والله جلّ وعلا يقول:﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف:156].

وفي قصة معاوية بن الحكم وقد عطس أمامه رجل في صلاته فشمته معاوية وهو يصلي يقول: فحدقني القوم بأبصارهم. فقلت: واثكل أمياه مالكم تنظرون إليّ. ؟ قال: فضرب القوم بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم يسكتونني لكني سكت.

فلما انصرف رسول الله - صلى الله وعليه وسلم - دعاني، بأبي هو وأمي، ما ضربني ولا كهرني ولا سبني، ما رأيت معلمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه.

عندما يكون الدواء مُرا يوضع في كبسولة ليسهل على المريض بلعه، فالنصيحة مرة تحتاج إلى تخفيف مرارتها بالسكر والسكر هنا هو: البسمة الطيبة والكلمة الرقيقة والرفق بالمنصوح.

خامسا من آداب النصيحة: أن تكون بالحكمة والموعظة الحسنة: قال تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [النحل: 125]، بالحكمة والموعظة الحسنة وليس الخشنة، وجادلهم بالتي هي أحسن وليس بالتي هي أخشن؛ فإذا كانت النصيحة ستؤدي إلى تفرق الشمل، أو تؤدي إلى منكر أكبر فتركها أولى.

وإذا اضطر الإنسان أحيانًا إلى استخدام الشدة فإنه من المناسب أن يخلط مع أسلوب الشدة شيئًا من اللين، ويستخدم شيئًا من عبارات التلطيف.

ومن الحكمة أن تكون النصيحة على قدر الخطأ. وأن تكون النصيحة خالية من ألفاظ التفسيق والتجهيل، وأن تكون النصيحة بأسلوب التلميح وليس بأسلوب التصريح. علمنا النبي - صلى الله وعليه وسلم - أن نقول: "ما بال اقوام يفعلون كذا".

ومن آداب النصيحة وشروطها سادسا احسان الظن بالمنصوح: يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: "لا تظنن بكلمة خرجت من في امرئ مسلم سوءا وأنت تجد لها في الخير محملا" [1100] ((الاستذكار)) لابن عبد البر (8 /291)]. وعن جعفر بن محمد قال: "إذا بلغك عن أخيك الشيء تنكره فالتمس له عذرا واحدا إلى سبعين عذرا، فإن أصبته وإلا قل لعل له عذرا لا أعرفه".

ومن آداب النصيحة سابعا عدم الإلزام بقبول النصيحة، فمن واجب الناصح أن ينصح غيره، ولكن ليس من حقه أن يلزمه بقبولها، ان عليك الا البلاغ، وما على الرسول، فلا تنصح على شرط القبول منك.

ومن آداب النصيحة ثامنا اختيار الوقت المناسب للنصيحة: لأن المنصوح لا يكون في كل وقت مستعدًا لقبول النصيحة، فقد يكون مكدرًا في نفسه بحزن أو غضب أو فوات مطلوب، أو غير ذلك مما يمنعه من الاستجابة لنصح الناصح.

ومن آداب النصيحة تاسعا الا يكون الناصح مخالفا لنصيحته: قال تعالى: عن شعيب، يقول لقومه: ﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ [هود: 88].

وقال تعالى: ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 44].
وغير ذي تقى يأمر الناس بالتقى
طبيب يداوي الناس وهو مريض





لا تَنهَ عَن خُلُقٍ وَتَأتيَ مِثلَهُ
عارٌ عَلَيكَ إِذا فَعَلتَ عَظيمُ
ابدأ بِنَفسِكَ وَانَها عَن غِيِّها
فَإِذا انتَهَت عَنهُ فَأَنتَ حَكيمُ


ولا يعني هذا أن الناصح لا تقع منه المعصية البتة فكل ابن آدم خطّاء وليس الناصح والواعظ ملكا.

عاشرا من آداب النصيحة التثبت من الشائعات: حتى يُنكر أو ينصح على بصيرة، لا تكون المسألة ظنون. كان النبي- صلى الله وعليه وسلم - اذا أتته الأخبار سأل وتثبت حتى يبلغ به العلم اليقين، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 12].

من آداب النصيحة الحادي عشر المدح مع النصح: رأى ابن عمر رضي الله عنهما رؤيا أنه في مثل التنور فيها نار فخاف فقيل له: لا تخاف، فقُصت على النبي- صلى الله وعليه وسلم - فقال صلى الله وعليه وسلم: "نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل"، قال ابن عمر فما تركت قيام الليل بعدئذ.

النصيحة كلمةٌ طيبة مثلها كحبة القمح قد توضع في مكان لا ينبت تمر الايام وتأتي رياح تأخذها الى ارضٍ طيبة تنبت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة.

ابن مسعود يسمع رجل يغني فقال: "يا له من صوت جميل لو كان بالقرآن" ثم مضى.. فقال لأصحابه: من هذا؟

قالوا: عبد الله بن مسعود..
قال: صاحب رسول الله عليه السلام ؟!!قالوا: نعم..
ثم لازم هذا المغني ابن مسعود حتى تعلم القرآن.. وصار إمامًا في العلم.

ثمار النصيحة:
النصيحة بذرة طيبة يبذرها الناصح، ولابد للبذرة السليمة التي روعي فيها ما يصلح الزرع من ثمرة، وكذا النصيحة، فإذا روعيت آدابها وشروطها رجونا أن تتحصل منها الثمار الطيبة، والآثار الخيرة، ويمكن إجمال ثمار النصيحة في الأمور التالية:
1- تنقية المنصوح من الشوائب:
فإن الناصح عندما يرى من منصوحه غفلة عن خير، أو وقوعًا في شر، فيعمد إلى تقوية وتنقية نفسه من الشوائب سيرًا بها إلى التقليل من القصور في حق الله أولًا، ثم في حق عباده ثانيًا، وهذا مكسب كبير للإنسان لو تمعن فيه، وهذا تكميل لنقص وقع فيه المرء من حيث لا يدري أو لا يدري، فإذا بمتطوع يذب عنه النقص، ويخلصه من الذنب، وأي شائبة أشد من التقصير في حق ذي الحق؟ وأي نقاء أكرم وأبرك من حرص أخيك عليك؟

2- دوام المحبة والألفة:
فإن المنصوح إذا نصحه الناصح بما يسدد خطأه، ويكمل نقصه، كان ذلك طريقًا لدوام الألفة بين الاثنين، ذلك لأن الناصح محب لمنصوحه، ويحب لأخيه ما يحب لنفسه، ولابد أن يقابله صاحبه بمثل ذلك إن كان عاقلًا، وعليه فكم من نصيحة صادقة أدامت بين الأحبة ودًا، وسدت في شخصية أحدهم نقصًا، وأبعدت عن النفس غوائل الشيطان، وألحقت من تأخر وتلكأ بالركب!!

3- أداء حق الأخوة:
إن الناصح حين ينصح غيره إنما يؤدي ما لأخيه من حق عليه، وهذا الحق يتعلق بحب المرء لغيره مثل ما يحبه لنفسه، وهذا الأمر يؤدى بطرق منها النصيحة.

ذلك لأنك لا تحب لنفسك النقص ولا ترضاه، بل تعمل على إزالته وتلافيه، وواجب الأخوة يفرض عليك أن تعامل أخاك المنصوح بمثل ما تعامل به نفسك، وطالما أنك لا ترضى لنفسك النقص، فأنت لا ترضى لأخيك النقص، لذا تقوم بنصحه وإرشاده وإعانته على الخير، وإبعاده عن الشر.

وهذه أمور لابد لمن تآخيا من تحقيقها، وعنوان تحقيق ذلك بذل النصح لمن احتاج إليه ليكون علامة للأخوة، وطريقًا لقرب القلوب، وسدًا أمام الضغائن والمحن.

وفي هذا الباب يحدثنا أبو حاتم محمد بن حبان البستي فيقول: "النصيحة إذا كانت على نعت ما وصفنا تقييم الألفة وتؤدي حق الأخوة"، وفي هذا يقول الخليفة عمر بن عبد العزيز: "من وصل أخاه بنصيحه له في دينه، ونظر له في صلاح دنياه، فقد أحسن صلته، وأدى واجب حقه..." [تاريخ الطبري 6/ 572].

ولعل سائلًا يسأل هناك كيف تكون النصيحة من حقوق الأخوة مع أن فيها ذكر العيوب وهذا يوحش القلب؟

ويجيب عن هذا السؤال الإمام الغزالي فيقول: ((فاعلم أن الإيحاش إنما يحصل بذكر عيب يعلمه أخوك من نفسه، فأما تنبيه على ما لا يعلمه، فهو عين الشفقة، وهو استمالة القلوب، أعني قلوب العقلاء، وأما الحمقى فلا يلتفت إليهم، فإن من ينبهك على فعل مذموم تعاطيته، أو صفة مذمومة اتصفت بها لتزكي نفسك عنها، كان كمن ينبهك عن حية أو عقرب تحت ذيلك، وقد همت بإهلاكك، فإن كنت تكره ذلك فما أشد حمقك، والصفات الذميمة عقارب وحيات، وهي في الآخر مهلكات)) [احياء علوم الدين: 2/ 182].

4- حصول الأجر:
الناصح إذا أسدى لغيره نصحًا استحق عليه الأجر العظيم من الله سبحانه وتعالى، على حرصه على إخوانه، وحبه لهم.

وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 111.43 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 108.80 كيلو بايت... تم توفير 2.63 كيلو بايت...بمعدل (2.36%)]