بين الرفق والقسوة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         محرمات استهان بها الناس كتاب الكتروني رائع (اخر مشاركة : Adel Mohamed - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          الهوية الإمبريالية للحرب الصليبية في الشرق الأوسط (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          «ابن الجنرال» ونهاية الحُلم الصهيوني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          التغيير في العلاقات الأمريكية الروسية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          هل اقتربت نهاية المشروع الإيراني؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          الشيخ عثمان دي فودي: رائد حركات الإصلاح الديني في إفريقيا الغربية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          دور العلماء الرّواة والكُتّاب في نشأة البلاغة العربية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          مرصد الأحداث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          وقفات مع قول الله تعالى: ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          أصحّ ما في الباب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30-11-2024, 11:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,446
الدولة : Egypt
افتراضي بين الرفق والقسوة

بين الرفق والقسوة


عباد الله: يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَبْحَثَ عَنِ الْأُمُورِ الَّتِي يُحِبُّهَا اللهُ وَيَأْتِيَهَا، وَالْأُمُورِ الَّتِي يَبْغَضُهَا اللهُ وَيَجْتَنِبَهَا.
فَهُنَاكَ عَشَرَاتُ الْخِصَالِ الَّتِي يُحِبُّهَا اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-؛ فَعَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَتَحَلَّى بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الْعَظِيمَةِ؛ حَتَّى يُحِبَّهُ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-قَالَ –تَعَالَى-: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.

فَاِتِّبَاعُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِتَحْصِيلِ الصِّفَاتِ الْحَسَنَةِ؛ مِنْ أَسَبَابِ مَحَبَّةِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلِ، لِعَبْدِهِ.

عِبَادَ اللهِ: مِنَ الْخِصَالِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي يُحِبُهَا اللهُ تَعَالَى: الرِّفْقُ، قَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ) .

وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

فَمِنْ أَسْمَاءِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-: الرَّفِيقُ، وَلَمَّا نَزَلَتِ الْوَفَاةُ بِالرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي وَاجْعَلْنِي مَعَ الرَّفِيقُ الْأَعْلَى» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وَهُوَ الرَّفِيقُ يُحِبُّ أَهْلَ الرِّفْقِ ** يُعْطِيهِمُ بِالرِّفْقِ فَوْقَ أَمَانِ

فَاللهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- مَوْصُوفٌ بِالرِّفْقِ، وَهَذِهِ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ، وَرِفْقُهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بِعِبَادِهِ يَظْهَرُ فِيمَا لَا يـُحْصَى، وَلَا يُعَدُّ، فَمِنْ رِفْقِهِ أَنَّ الْعِبَادَ يَقَعُونَ فِي الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي وَفِي َأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ، وَلَكِنَّ اللهَ يَرْفُقُ بِهِمْ لِيَتُوبُوا، وَلَوْ شَاءَ لَعَاجَلَهُمْ بِالْعُقُوبَةِ، لَكِنَّهُ رَفَقَ بِـهِمْ وَأَمْهَلَهُمْ؛ لَعَلَّهُمْ يَنَالُونَ السَّعَادَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

فَالرِّفْقُ خَصْلَةٌ طَيِّبَةٌ حَمِيدَةٌ، قَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

وَحَثَّ حَتَّى عَلَى الرِّفْقِ بِالْحَيَوَانِ، وَهَذِهِ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي جَاءَتْ بِهَا الشَّرِيعَةُ.

فَرِفْقُ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضِ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي حَثَّ عَلَيْهَا الشَّارِعُ؛ وَلِذَا نَـجِدُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَصْحَابَهُ عَنْ نَهْرِ الْأَعْرَابِيِّ حِينَ بَالَ فِي الْمَسْجِدِ، وَأَمَرَهُمْ أَلَّا يَقْطَعُوا عَلَيْهِ بَوْلَهُ، فَيَتْرُكُوهُ حَتَّى يَنْتَهِيَ مِنْ بَوْلِهِ، لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ جَسَدِيًّا، وَلَا يَتَضَرَّرَ الْمَسْجِدُ بِتَوسِيعِ دَائِرَةِ النَّجَاسَةِ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «لاَ تُزْرِمُوهُ، ثُمَّ دَعَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَصُبَّ عَلَيْهِ» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

لا تزرموه: أي لا تقطعوا عليه بوله ويقال: زرم البول إذا انقطع، وأزرمته: قطعته، وكذلك يقال في الدمع

فَانْظُرْ كَيْفَ تَعَامَلَ النَّبِيُّ: صلى الله عليه وسلم مَعَ هَذَا الْأَعْرَابِيِّ! وَكَيْفَ رَفَقَ بِهِ! وَلِذَا قَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ، يُحْرَمِ الْخَيْرَ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

فَالَّذِينَ رَزَقَهُمُ اللهُ الرِّفْقَ: يَرْفُقُونَ بِأَوْلَادِهِمْ، وَبِأَهْلِهِمْ؛ فَلَا يُحَمِّلُ زَوْجَهُ مَا لَا تُطِيقُ يَرْفُقُ بِعُمَّالِهِ؛ فَلَا يُكْلِّفُهُمْ مَا لَا يُطِيقُونَ، رَفِيقٌ بِسَائِقِهِ: يُعْطِي لَهُ وَقْتًا للرَّاحَةِ، يُطْعِمُهُ مِنْ طَعَامِهِ؛ فَيُخَفِّفُ عَنْهُ الْأَعْبَاءَ، وَإِنْ خَرَجَ مَعَهُ يُعْطِيهِ مَالًا لِيَشْتَرِيَ لِنْفْسِهِ طَعَامًا، يَرْأَفُ بِهِ؛ فَلَا يَجْعَلَهُ تَحْتَ وَهَجِ الشَّمْسِ بِاْنْتِظَارِهِ، إِذَا ذَهَبَ مَعَهُ لِزِيَارَةٍ أَوْ غَيْرِهُ.

وَتَجِدُ بَعْضَ رَبَّاتِ الْبُيُوتِ رَفِيقَةً بِعَامِلَاتِهَا: تُخَفِّفُ عَنْهُنَّ الْأَعْبَاءَ، وَلَا تُحَمِّلْهُنَّ مَا لَا يُطِقْنَ، تُطْعِمْهُنَّ مِنْ طَعَامِهَا، وَتَنْفَحْهُنَّ بِيْنَ فَيْنَةٍ وَأُخْرَى بِالْهَدَايَا وَالأُعْطِيَاتِ؛ فَتَأَسُرُ قُلُوبَهُنَّ بِحُسْنِ تَعَامُلِهَا، تُمَكِّنُهُنَّ مِنَ الاِتِّصَالِ بِذَوِيهِنَّ مُتَحَمِّلَةً تَكَالِيفَ الاِتَّصَالِ.
فَمَنْ رَزَقَهُ اللهُ الرَّفْقَ تَجْدْهُ يَرْفُقُ بِجِيرَانِهِ، يَرْفُقُ بِمَرْؤُوسِيِهِ.
وَإِمَامُ الْمَسْجِدِ الرَّفِيقُ يَرْفُقَ بِجَمَاعَةِ مَسْجِدِهِ؛ فَلَا يَتَأَخَّرُ بِالإِقَامَةِ، أَوْ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ لِيَنْتَظِرُوهُ، وَلَا يُطِيلُ الصَّلاَةَ، وَلَا يُطِيلُ الْخُطَبَةَ، وَلَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ إِذَا تَأَخَّرَ أَنْ يَنْتَظِرُوهُ؛ مُقْتَدِيًا بِالرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا تَأَخَّرَ عَنِ الْمَوْعِدِ الْمُعْتَادِ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ- لِانْشِغَالِهِ بِالْوُضُوءِ- قَدَّمَ النَّاسُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ؛ فَصَلَّى؛ لَهُمْ فَأَدْرَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ فَصَلَّى مَعَ النَّاسِ الرَّكْعَةَ الْآخِرَةَ، فَلَمَّا سَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ؛ قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُتِمُّ صَلَاتَهُ؛ فَأَفْزَعَ ذَلِكَ الْمُسْلِمِينَ؛ فَأَكْثَرُوا التَّسْبِيحَ؛ فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَلَاتَهُ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَالَ: «أَحْسَنْتُمْ» أَوْ قَالَ: «قَدْ أَصَبْتُمْ» يَغْبِطُهُمْ أَنْ صَلَّوُا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وَقَدْ دَعَا الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم لأَهْلِ الرِّفْقِ؛ وَدَعَا عَلَى أَهْلِ الْمَشَقَّةِ؛ حَيْثُ قَالَ: «اللهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ، فَارْفُقْ بِهِ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

قَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ -رحمنا الله وإياه- هَذَا مِنْ أَبْلَغِ الزَّوَاجِرِ عَنِ الْمَشَقَّةِ عَنِ النَّاسِ، وَأَعْظَمِ الْـحَثِّ عَلَى الرِّفْقِ بْـهِمْ، وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ بِـهَذَا الْمَعْنَى. وَهَكَذَا الرَّفيقُ تَجِدُ حَيَاتَهُ رِفْقًا وَرِقَّةً.
فَلَا يَتَحَلَّى الْمُؤْمِنُ بِصَفَاتِ السُّوءِ الَّتِي تُبْعِدُهُ عَنْ رَبِّهِ.

وَهُنَاكَ مَنْ اُبْتُلِيَ بِصِفَاتِ سُوءٍ، وَيَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْهَا. وَمَا علمَ أَنْ خَالِقَ هَذِهِ الْخِصَالِ هُوَ اللهُ؛ فَهُوَ الَّذِي يَرْزُقُ الْخِصَالَ الْعَظِيمَةَ، وَيَبْتَلِي بِالْخِصَالِ السَّيِّئَةِ؛ فَعَلَيكَ أَنْ تَسْأَلَ اللهَ أَنْ يَرْزُقَكَ الْخِصَالَ الْـحَسَنَةَ، وَتَسْتَعِيذَ بِهِ مِنْ الْخِصَالِ السَّيِّئَةِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ - مَعَ الأسف الشَّدِيدَ- مَنْ جَعَلَ مُعْتَقَدَهُ الْقِصَصَ وَالأَمثالَ؛ فَجَعَلَهَا عَقِيدَةً مُسَيْطِرَةً عَلَى حَيَاتِهِ.
فَإذَا أَرَادَ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا حَسَنًا؛ اِسْتَدَلَّ بِالْمَثَلِ الَّذِي يَجْعَلُ فِعْلَهُ هَذَا مُسْتَحِيلًا، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ الْخِصَالَ الْعَظِيمَةَ؛ وَقَفَتْ أَمَامَهُ الأَمْثَالُ، يُرِيدُ أَنْ يَصِلَ أَقَارِبَهُ؛ فَيَقِفُ أَمَامَه الْمَثَلُ الْقَائِلُ: الأَقَارِبُ عَقَارِبُ، وَهُوَ مَثَلٌ يَتَعَارَضُ بِالْكُلِيَّةِ مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى-: {وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ}.

وَهُنَاكَ مَنْ يُبْتَلَى بِخِصَالٍ سَيِّئَةٍ؛ فَيُنْصَحُ بِالتَّخَلُّصِ مِنْهَا فَيَتَعَلَّلُ بِأَنَّهَا مِنْ طِبَاعِهِ الَّتِي لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْهَا، ثَمَّ يَسْتَشْهِدُ لَكَ بِمَثَلٍ شَعْبِيٍّ يَظُنُّ أَنَّهُ يَحْتَجُّ بِهِ عَلَيكَ، وَمَا عَلِمَ هَذَا الْمِسْكِينُ أَنَّ خَالِقَ الشَّرِّ وَالْخَيْرِ، وَالْحُسْنِ وَالْقَبِيحِ، وَالطَّيِّبِ وَالرَّدِيء؛ هُوَ اللهُ، -جَلَّ وَعَلَا-، قَالَ تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ}، وَقَالَ تعالى: {اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}.

وَلِذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ حِينَمَا أَثْنَى النَّبِيُّ عَلَى خِصَالِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا أَتَخَلَّقُ بِهِمَا أَمِ اللَّهُ جَبَلَنِي عَلَيْهِمَا؟ قَالَ: «بَلِ اللَّهُ جَبَلَكَ عَلَيْهِمَا» (رَوَاهُ أَبُو دَاودَ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ).
فَانْظُرْ إِلَى قَوْلِهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «أَنَا أَتَخَلَّقُ بِهِمَا» ؟ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَخْلَاقَ الطَّيِّبَةَ قَدْ يُجْبَلُ عَلَيْهَا الإِنْسَانُ، وَقَدْ تُكْتَسَبُ.
عباد الله: قَالَ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ يـُحْرَمِ الرِّفْقَ يُـحْرَمِ الْخَيرَ»، وَهُنَاكَ مَنْ حُرِمَ مِنَ الرِّفْقِ؛ فَحُرِمَ مِنَ الْخَيْرِ، وَاُبْتُلِيَ بِالْقَسْوَةِ وَالْعُنْفِ، تَخَلَّقَ بهذه الصِّفَاتِ السَّيِّئَةِ؛ الَّتِي اِسْتَعَاذَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا فَقَالَ: «اللَّهُمَّ، إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْقَسْوَةِ» ؛ (رَوْاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ).

فَتَجِدُ بَعْضَهُمُ اُبْتُلِيَ بقَسْوَةٍ فِي الْقَلْبِ تُضْعِفُ إِيمَانَهُ، وَقَسْوَةٍ فِي التَّعَامُلِ تُنَفِّرُ النَّاسَ مِنْهُ، وَتُخِيفُهُمْ؛ فَتَجِدُ بَعْض النَّاسِ قَاسِيًا مَعَ أَهْلِهِ: فَيُحَمِّلُ زَوْجَتُهُ مَا لَا تُطِيقُ؛ وَتَقْضِي أَكْثَرَ يَوْمِـهَا فِي كَدٍّ وَتَعِبٍ، لَا يُخَفِّفُ عَنْهَا الأَعْبَاءَ، وَلَا يُحْضِرُ لَهَا مَنْ تُسَاعِدُهَا، لَا يَأْذَنُ لَهَا بِزِيارَةِ أَهِلِهَا، وَلَا اِسْتِقْبالَ أَقَارِبِهَا؛ إِلَّا بَعْدَ عَنَاءٍ وَمَشَقَّةٍ؛ فَيَجْعَلُهَا فِي عَذَابٍ بَئيسٍ.

وَبَعْضُهُمْ قَاسٍ مَعَ أَوْلَادِهِ، لَا يَتَعَامَلُ مَعَهُمْ إِلَّا بِعُنْفٍ، لَا يَبْتَسِمُ لَهُمْ، وَلَا يُدَاعِبُهُمْ، وَلَا يُرْفِّهُ عَلَيهِمْ. قَاسِيًا عَلَى طُلَّابِهِ، يُكْلِّفُهُمْ مَا لَا يُطِيقُونَ، لَا يَقْبَلُ مِنْهُمْ أَعْذَارًا، وَلَا يُسَامِحُهُمْ عَلَى أَخْطَائِهِمْ، يَشُقُّ عَلَيْهِمْ بِالأَسْئِلَةِ، يُفَتِّشُ عَنْهَا بَيْنَ الأَسْطُرِ، يُقَارِنُـهُمْ بِقُدُرَاتِهِ؛ فَيَزِيدُ عَلَيْهِمُ الشَّقَاءَ والتعب.

تَجِدُ بَعْضَ النَّاسِ قَاسِيًا مَعَ جِيرَانِهِ، فِي أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ؛ لَا يَتَحَمَّلُ إِيقَافَ أَحَدِهِمْ سَيَّارَتَهُ أَمَامَ مَنْزِلِهِ، وَلَا يَسْمُحُ لِزائِرٍ مِنْ زُوَّارِ جِيرَانِهِ أَنْ يَقِفَ أَمَامَ دَارِهِ وَلَوْ لِدَقَائِقَ مَعْدُودَةٍ، يَتَعَامَلُ مَعَ أَوْلَادِهِمْ بِعُنْفٍ، لَا يَقْبَلُ إِزْعاجًا مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَلَوْ كَانَ إِزْعَاجًا عَابِرًا يَسِيرًا مِنْ طِفْلٍ صَغِيرٍ.

تَجِدُ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ قَاسِيًا عَلَى جَمَاعَةِ مَسْجِدِهِ، يَتَأَخَّرُ بِالإِقَامَةِ، وَيُطِيلُ بِالصَّلاَةِ مُخَالِفًا للسُّنَّةِ، وَيُطِيلُ الْخُطْبَةَ، حَتَّى يُصِيبَهُمْ بِالسَّآمَةِ، وَالْمَلَلِ، وَالتَّضَجُّرِ، وَالتَّمَلْمُلِ.

وَتَجِدُ بَعْضَ النَّاسِ قَاسِيًا عَلَى عُمَّالِهِ: يُكْلِّفُهُمْ مَا لَا يُطِيقُونَ، سَائِقُهُ يَعْمَلُ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ ثَمانِي عَشْرَةَ سَاعَةً، لَا يَجِدُ وَقْتًا يَأْخُذُ فِيهِ قِسْطًا مِنَ الرَّاحَةِ، وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَنَاوَلَ طَعَامَهُ وَلَا شَرَابَهُ، تَجِدُ هَذَا السَّائِقَ لَا يَرْتَاحُ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سِتِّ سَاعَاتٍ. فَمِنْ بُزُوغِ الْفَجْرِ وَهُوَ فِي عَمَلٍ، لَا يَسْمَحُ لَهُ كَفِيلُهُ بِوَقْتِ قَيْلُولَةٍ، وَلَا يُتِيحُ لَهُ وَقْتًا لِصُنْعِ طَعَامِهِ، إِلَّا بَعْدَ مَشَقَّةٍ وَتَعَبٍ.

وَتَجِدُ بَعْضَ رَبَّاتِ الْبُيُوتِ قَاسِيَاتٍ فِي التَّعَامُلِ مَعَ عَامِلَاتِ مَنْزِلِهَا: تَحَمُّلُهُنَّ مَا لَا يُطِقْنْ: الطَّبْخَةَ، وَالْغَسْلَةَ، وَالتَّنْظِيفَ، وَتَرْبِيَةَ الْأَوْلَادِ، وَمُتَابَعَتَهُمْ. مُنْذُ بُزُوغِ الْفَجْرِ إِلَى اللَّيْلِ وَهُنَّ بِكَدٍّ، وَكَدْحٍ، وَعَمَلٍ. بَلْ وَتَأْخُذُهَا مَعَهَا لِتَخْدِمَ فِي بُيُوتِ صُوَيحِبَاتِهَا وَقَرِيبَاتِهَا، هَذِهِ اِمْرَأَةٌ اِمْتَلَأَتْ بِالْقَسْوَةِ، أَعَاذَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْهَا. فَمَنِ اِبْتُلِيَ بِهَذِهِ الْقَسْوَةِ؛ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْ شَرِّهَا، وَلْيَتَخَلَّصْ مِنْهَا عاَجِلًا؛ وَلَا تَأْخُذْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ.
وَبَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ: جُبِلْتِ عَلَى الْقَسْوَةِ، كَيْفَ أَتَخَلُّصُ مِنْهَا؟! فَيُقَالُ لَهُ: إِنَّ الْقَسْوَةَ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ، اِبْتَلَاكَ بِهَا رَبُّ الْعِزَّةِ وَالْجَلاَلِ، وَلَا يُنْجِّيكَ مِنْهَا غَيْرُه؛ فَاِسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْ شَرِّهَا وَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعَوْذُ بِكَ مِنْ سِيِّءِ الأَخْلَاقِ؛ فَهِي مِنَ الأَخْلَاقِ السَّيِّئَةِ الَّتِي يُعِيذُكَ اللهَ، وَيَحْمِيكَ مِنْهَا، وَيَقِيكَ شَرَّهَا، فقد كَانَ، صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو قَائِلَا: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشِّقَاقِ، وَالنِّفَاقِ، وَسُوءِ الْأَخْلَاقِ» (رَوَاهُ أَبُو دَاودَ وَالنَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ). رِزْقَنَا اللهَ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ، وَجَعَلَنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ.
________________________________________________
الكاتب: الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي التميمي



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 57.29 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 55.58 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (2.99%)]