الخلال النبوية (18) رفض المساومة على الدين - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 35 - عددالزوار : 12157 )           »          المالك – الملك – المليك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          داء التكفير وخطورته وضوابطه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          رقائق و كلمات صافية من أقوال السلف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          دراسات طبية- خطورة (الشيبس) على أطفالنا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          ضـوابــط فـي العمـل السيـاسي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          كيف عالج الإسلام مشكلات العصر؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          تعريف كتاب أربعون حديثا مخرجة عن كبار مشيخة شيخ الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الضَـــــــوابـــِطُ الشَّـــرعِيَـــةُ..في الدِّفاعِ عَنِ النَبيِّ صلى الله عليه وسل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 136 - عددالزوار : 78802 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 27-03-2021, 12:16 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,881
الدولة : Egypt
افتراضي الخلال النبوية (18) رفض المساومة على الدين

الخلال النبوية (18) رفض المساومة على الدين
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل





الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، نَحْمَدُهُ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ، وَنَسْتَغْفِرُهُ اسْتِغْفَارَ التَّائِبِينَ، وَنَسْأَلُهُ مِنْ فَضْلِهِ الْعَظِيمِ؛ فَقَدْ جَادَ عَلَيْنَا بِالدِّينِ الْقَوِيمِ، وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ، وَالرَّسُولِ الْأَمِينِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ لَا حَاجَةَ لَهُ فِي عِبَادِهِ، وَلَا غِنَى لِعِبَادِهِ عَنْهُ، وَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، فَكَانَ أَمَانًا لِلْمُؤْمِنِينَ، وَرَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَحُجَّةً عَلَى النَّاسِ أَجْمَعِينَ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ - عِبَادَ اللَّهِ - وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ، وَالثَّبَاتِ عَلَى الْحَقِّ مَهْمَا كَانَتِ التَّبِعَاتُ، وَالتَّزَوُّدِ مِنَ الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ؛ فَإِنَّ الْمَوْعِدَ قَرِيبٌ، وَإِنَّ الْحِسَابَ عَسِيٌر، وَإِنَّ جَزَاءَ الثَّابِتِينَ عَلَى الْإِيمَانِ خُلْدٌ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ، وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا [الْإِنْسَان: 20].

أَيُّهَا النَّاسُ: فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ عِبَرٌ وَعِظَاتٌ، وَفِي قِرَاءَتِهَا وَمُدَارَسَتِهَا تَرْقِيقٌ لِلْقُلُوبِ، وَتَثْبِيتٌ لِلدِّينِ، وَتَقْوِيَةٌ لِلْيَقِينِ؛ فَهِيَ سِيرَةُ خَيْرِ الْبَشَرِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْهَا نَتَعَلَّمُ الثَّبَاتَ عَلَى الْإِيمَانِ، وَمُقَارَعَةَ أَهْلِ الْبَاطِلِ بِالْحُجَّةِ وَالْبُرْهَانِ، فَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى خَيْرِ الْأَنَامِ.

وَفِي مَوْقِفٍ حُفِظَ فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ نَرَى كَيْفَ جَادَلَ الْمُشْرِكُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَاوَمُوهُ عَلَى دِينِهِ، وَأَغْرَوْهُ بِمَتَاعِ الدُّنْيَا، وَوَضَعُوا بَيْنَ يَدَيْهِ مَا يَطْلُبُهُ النَّاسُ مِنْ مَتَاعٍ زَائِلٍ لِيَتَخَلَّى عَنْ دَعْوَتِهِ، وَلَكِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَغْتَرَّ بِدُنْيَاهُمْ وَلَا بِمَا عَرَضُوهُ عَلَيْهِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ دَاعِيَةٌ إِلَى الْحَقِّ، يُرِيدُ هِدَايَةَ الْخَلْقِ، وَلَيْسَ دَاعِيَةً لِنَفْسِهِ يُرِيدُ حُظُوظَهَا. ثُمَّ لَمَّا عَجَزُوا عَنْ إِغْرَائِهِ انْتَقَلُوا إِلَى مُحَاوَلَةِ تَعْجِيزِهِ، وَلَكِنَّهُ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ كَانَ ثَابِتًا عَلَى الْحَقِّ، لَا يُجِيبُ مَطَالِبَهُمْ، وَلَا يَفْتُرُ عَنْ دَعْوَتِهِمْ، وَيَجْتَهِدُ فِي بَذْلِ النُّصْحِ لَهُمْ.

نَقَلَ ابْنُ إِسْحَاقَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ جَمْعًا مِنْ سَادَةِ الْمُشْرِكِينَ: «اجْتَمَعُوا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ عِنْدَ ظَهْرِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ابْعَثُوا إِلَى مُحَمَّدٍ فَكَلِّمُوهُ وَخَاصِمُوهُ حَتَّى تُعْذَرُوا فِيهِ، فَبَعَثُوا إِلَيْهِ: إِنَّ أَشْرَافَ قَوْمِكَ قَدِ اجْتَمَعُوا إِلَيْكَ لِيُكَلِّمُوكَ، فَجَاءَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيعًا، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ بَدَا لَهُمْ فِي أَمْرِهِ بَدَاءٌ، وَكَانَ عَلَيْهِمْ حَرِيصًا، يُحِبُّ رُشْدَهُمْ وَيَعِزُّ عَلَيْهِ عَنَتُهُمْ، حَتَّى جَلَسَ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّا قَدْ بَعَثَنَا إِلَيْكَ لِنُعْذَرَ فِيكَ، وَإِنَّا وَاللَّهِ مَا نَعْلَمُ رَجُلًا مِنَ الْعَرَبِ أَدْخَلَ عَلَى قَوْمِهِ مَا أَدْخَلْتَ عَلَى قَوْمِكَ، لَقَدْ شَتَمْتَ الْآبَاءَ، وَعِبْتَ الدِّينَ، وَسَفَّهْتَ الْأَحْلَامَ، وَشَتَمْتَ الْآلِهَةَ، وَفَرَّقْتَ الْجَمَاعَةَ، فَمَا بَقِيَ أَمْرٌ قَبِيحٌ إِلَّا وَقَدْ جِئْتَهُ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ، فَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا جِئْتَ بِهَذَا الْحَدِيثِ تَطْلُبُ مَالًا، جَمَعْنَا لَكَ مِنْ أَمْوَالِنَا حَتَّى تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالًا، وَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا تَطْلُبُ الشَّرَفَ فِينَا سَوَّدْنَاكَ عَلَيْنَا، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِهِ مُلْكًا مَلَّكْنَاكَ عَلَيْنَا، وَإِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي يَأْتِيكَ بِمَا يَأْتِيكَ بِهِ رِئْيًا تَرَاهُ قَدْ غَلَبَ عَلَيْكَ - وَكَانُوا يُسَمُّونَ التَّابِعَ مِنَ الْجِنِّ: الرِّئْيَ - فَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ، بَذَلْنَا أَمْوَالَنَا فِي طَلَبِ الطِّبِّ لَكَ حَتَّى نُبْرِئَكَ مِنْهُ، أَوْ نُعْذَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا بِي مَا تَقُولُونَ، مَا جِئْتُكُمْ بِمَا جِئْتُكُمْ بِهِ أَطْلُبُ أَمْوَالَكُمْ، وَلَا الشَّرَفَ فِيكُمْ، وَلَا الْمُلْكَ عَلَيْكُمْ؛ وَلَكِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ رَسُولًا، وَأَنْزَلَ عَلَيَّ كِتَابًا، وَأَمَرَنِي أَنْ أَكُونَ لَكُمْ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، فَبَلَّغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ، فَإِنْ تَقْبَلُوا مِنِّي مَا جِئْتُكُمْ بِهِ فَهُوَ حَظُّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ تَرُدُّوهُ عَلَيَّ أَصْبِرْ لِأَمْرِ اللَّهِ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، فَإِنْ كُنْتَ غَيْرَ قَابِلٍ مِنَّا مَا عَرَضْنَا عَلَيْكَ، فَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَضْيَقَ بِلَادًا، وَلَا أَقَلَّ مَالًا، وَلَا أَشَدَّ عَيْشًا مِنَّا، فَسَلْ رَبَّكَ الَّذِي بَعَثَكَ بِمَا بَعَثَكَ بِهِ، فَلْيُسَيِّرْ عَنَّا هَذِهِ الْجِبَالَ الَّتِي قَدْ ضَيَّقَتْ عَلَيْنَا، وَيَبْسُطْ لَنَا بِلَادِنَا، وَلْيُفَجِّرْ لَنَا فِيهَا أَنْهَارًا كَأَنْهَارِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ، وَلْيَبْعَثْ لَنَا مَنْ مَضَى مِنْ آبَائِنَا، وَلْيَكُنْ فِيمَنْ يَبْعَثُ لَنَا مِنْهُمْ قُصَيُّ بْنُ كِلَابٍ، فَإِنَّهُ كَانَ شَيْخًا صَدُوقًا، فَنَسْأَلُهُمْ عَمَّا تَقُولُ، حَقٌّ هُوَ أَمْ بَاطِلٌ؟ فَإِنْ صَنَعْتَ مَا سَأَلْنَاكَ، وَصَدَّقُوكَ صَدَّقْنَاكَ، وَعَرَفْنَا بِهِ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ اللَّهِ، وَأَنَّهُ بَعَثَكَ بِالْحَقِّ رَسُولًا كَمَا تَزْعُمُ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا بِهَذَا بُعِثْتُ، إِنَّمَا جِئْتُكُمْ مِنَ اللَّهِ بِمَا بَعَثَنِي بِهِ، فَقَدْ بَلَّغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ، فَإِنْ تَقْبَلُوهُ فَهُوَ حَظُّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ تَرُدُّوهُ عَلَيَّ أَصْبِرُ لِأَمْرِ اللَّهِ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، قَالُوا: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ لَنَا هَذَا، فَخُذْ لِنَفْسِكَ، فَسَلْ رَبَّكَ أَنْ يَبْعَثَ مَلَكًا يُصَدِّقُكَ بِمَا تَقُولُ، وَيُرَاجِعُنَا عَنْكَ، وَاسْأَلْهُ فَلْيَجْعَلْ لَكَ جِنَانًا وَكُنُوزًا وَقُصُورًا مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، وَيُغْنِيكَ بِهَا عَمَّا نَرَاكَ تَبْتَغِي، فَإِنَّكَ تَقُومُ بِالْأَسْوَاقِ، وَتَلْتَمِسُ الْمَعَاشَ كَمَا نَلْتَمِسُهُ، حَتَّى نَعْرِفَ فَضْلَ مَنْزِلَتِكَ مِنْ رَبِّكَ إِنْ كُنْتَ رَسُولًا كَمَا تَزْعُمُ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ، مَا أَنَا بِالَّذِي يَسْأَلُ رَبَّهُ هَذَا، وَمَا بُعِثْتُ إِلَيْكُمْ بِهَذَا، وَلَكِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي بَشِيرًا وَنَذِيرًا، فَإِنْ تَقْبَلُوا مَا جِئْتُكُمْ بِهِ فَهُوَ حَظُّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ تَرُدُّوهُ عَلَيَّ أَصْبِرُ لِأَمْرِ اللَّهِ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، قَالُوا: فَأَسْقِطِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا كِسَفًا كَمَا زَعَمْتَ أَنَّ رَبَّكَ إِنْ شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّا لَا نُؤْمِنُ لَكَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ فَعَلَ بِكُمْ ذَلِكَ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، فَمَا عَلِمَ رَبُّكَ أَنَّا سَنَجْلِسُ مَعَكَ، وَنَسْأَلُكَ عَمَّا سَأَلْنَاكَ عَنْهُ، وَنَطْلُبُ مِنْكَ مَا نَطْلُبُ، فَيَتَقَدَّمُ إِلَيْكَ، وَيُعَلِّمُكَ مَا تُرَاجِعُنَا بِهِ، وَيُخْبِرُكَ مَا هُوَ صَانِعٌ فِي ذَلِكَ بِنَا إِذْ لَمْ نَقْبَلْ مِنْكَ مَا جِئْتَنَا بِهِ، فَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّهُ إِنَّمَا يُعَلِّمُكَ هَذَا رَجُلٌ بِالْيَمَامَةِ يُقَالُ لَهُ الرَّحْمَنُ، وَإِنَّا وَاللَّهِ مَا نُؤْمِنُ بِالرَّحْمَنِ أَبَدًا، أَعْذَرْنَا إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ، أَمَا وَاللَّهِ لَا نَتْرُكُكَ وَمَا بَلَغْتَ مِنَّا حَتَّى نُهْلِكَكَ أَوْ تُهْلِكَنَا. وَقَالَ قَائِلُهُمْ: نَحْنُ نَعْبُدُ الْمَلَائِكَةَ، وَهُنَّ بَنَاتُ اللَّهِ، وَقَالَ قَائِلُهُمْ: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَأْتِيَنَا بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا. فَلَمَّا قَالُوا ذَلِكَ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُمْ، وَقَامَ مَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ وَهُوَ ابْنُ عَمَّتِهِ عَاتِكَةَ فَقَالَ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ، عَرَضَ عَلَيْكَ قَوْمُكَ مَا عَرَضُوا فَلَمْ تَقْبَلْهُ مِنْهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوكَ لِأَنْفُسِهِمْ أُمُورًا لِيَعْرِفُوا مَنْزِلَتَكَ مِنَ اللَّهِ فَلَمْ تَفْعَلْ ذَلِكَ، ثُمَّ سَأَلُوكَ أَنْ تُعَجِّلَ مَا تُخَوِّفُهُمْ بِهِ مِنَ الْعَذَابِ، فَوَاللَّهِ لَا أُومِنُ لَكَ أَبَدًا، حَتَّى تَتَّخِذَ إِلَى السَّمَاءِ سُلَّمًا تَرْقَى فِيهِ وَأَنَا أَنْظُرُ حَتَّى تَأْتِيَهَا، وَتَأْتِيَ مَعَكَ بِنُسْخَةٍ مَنْشُورَةٍ مَعَكَ أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَشْهَدُونَ لَكَ أَنَّكَ كَمَا تَقُولُ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ فَعَلْتَ ذَلِكَ لَظَنَنْتُ أَلَّا أُصَدِّقَكَ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِهِ حَزِينًا أَسِيفًا لِمَا فَاتَهُ مِمَّا كَانَ يَطْمَعُ فِيهِ مِنْ قَوْمِهِ حِينَ دَعَوْهُ، وَلِمَا رَأَى مِنْ مُبَاعَدَتِهِمْ إِيَّاهُ. فَلَمَّا قَامَ عَنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ أَبُو جَهْلٍ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ أَبَى إِلَّا مَا تَرَوْنَ مِنْ عَيْبِ دِينِنَا، وَشَتْمِ آبَائِنَا، وَتَسْفِيهِ أَحْلَامِنَا، وَسَبِّ آلِهَتِنَا، وَإِنِّي أُعَاهِدُ اللَّهَ لَأَجْلِسَنَّ لَهُ غَدًا بِحَجَرٍ قَدْرَ مَا أُطِيقُ حَمْلَهُ، فَإِذَا سَجَدَ فِي صَلَاتِهِ فَضَخْتُ رَأْسَهُ بِهِ»فَحَفِظَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ، وَأَعَزَّ جُنْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، وَبَقِيَ دِينُ اللَّهِ تَعَالَى ظَاهِرًا مَنْصُورًا، فَالْحَمْدُ اللَّه حَمْدًا كَثِيرًا.

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...


الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ، وَتَأَسَّوْا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَبَاتِهِ وَدَعْوَتِهِ وَعِبَادَتِهِ ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الْأَحْزَابِ: 21].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: يُلَاحَظُ فِي مُسَاوَمَةِ الْمُشْرِكِينَ وَمُحَاوَرَتِهِمْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُحَاوَلَةِ إِغْرَائِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَتَنَازَلْ عَنْ شَيْءٍ مِنْ دَعْوَتِهِ، وَلَمْ يَفْتَتْ عَلَى دِينِ اللَّهِ تَعَالَى بِحُجَّةِ تَحْبِيبِ الْمُشْرِكِينَ فِيهِ، فَيَزِيدُ فِيهِ شَيْئًا يُرْضِيهِمْ، أَوْ يَحْذِفُ مِنْهُ مَا لَا يُرِيدُونَ، بَلْ كَانَ مُبَلِّغًا أَمِينًا فِيمَا بَلَّغَ، صَادِعًا بِالْحَقِّ مَهْمَا كَانَتِ النَّتِيجَةُ؛ وَلِذَا عَجَزَ الْمُشْرِكُونَ عَنْ إِغْرَائِهِ كَمَا انْقَطَعُوا فِي مُحَاوَلَتِهِمْ تَعْجِيزَهُ بِطَلَبَاتِهِمْ؛ إِذْ بَلَّغَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ إِلَيْهِ، وَأَنَّهُ رَسُولٌ يُبَلِّغُ رِسَالَةَ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ، وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلدَّاعِيَةِ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى هِدَايَةِ النَّاسِ، وَلَكِنْ لَا يَتَنَازَلُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ دِينِهِ أَوْ دَعْوَتِهِ لِإِرْضَائِهِمْ وَتَحْبِيبِهِمْ فِي الدِّينِ؛ لِأَنَّ الدِّينَ لِلَّهِ تَعَالَى، وَلَيْسَ لَهُ لِيَتَصَرَّفَ فِيهِ بِمَا شَاءَ.

وَيَظْهَرُ فِي هَذِهِ الْمُحَاوَرَةِ رَحْمَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُشْرِكِينَ رَغْمَ أَذَاهُمْ لَهُ؛ وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْأَلْ رَبَّهُ سُبْحَانَهُ مَا طَلَبُوا، وَلَوْ سَأَلَهُ سُبْحَانَهُ لَأَجَابَهُ، ثُمَّ إِذَا لَمْ يُؤْمِنُوا أَهْلَكَهُمْ، فَاخْتَارَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّبْرَ عَلَيْهِمْ، وَتَكْرَارَ دَعْوَتِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ، فَإِذَا لَمْ يَهْتَدُوا أَخْرَجَ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ هُمْ مُؤَهَّلُونَ لِلْهِدَايَةِ، فَكَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ؛ إِذْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ هَؤُلَاءِ الصَّنَادِيدِ الْمُسْتَكْبِرِينَ عِبَادٌ لِلَّهِ تَعَالَى صَالِحُونَ.

هَذَا؛ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذَا الزَّمَنِ لَا يَعْرِفُونَ مِنْ سِيرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا احْتِفَالَاتٍ بِهِجْرَتِهِ وَمَوْلِدِهِ وَإِسْرَائِهِ، تُنْشَدُ فِيهَا الْقَصَائِدُ الْمُغَالِيَةُ فِي مَدْحِهِ وَإِطْرَائِهِ، الْمُخَالِفَةُ لِدِينِهِ وَسُنَّتِهِ؛ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَالْخَيْرُ كُلُّ الْخَيْرِ فِي اتِّبَاعِ سُنَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا كَانَ عَلَيْهِ صَحَابَتُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. وَهَذِهِ الِاحْتِفَالَاتُ الْبِدْعِيَّةُ لَمْ يَفْعَلْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَأْمُرْ بِهَا، مَعَ وُجُودِ الْمُقْتَضَى لِفِعْلِهَا فِي زَمَنِهِ، وَلَمْ يَفْعَلْهَا الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَلَا التَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَلَا الْأَئِمَّةُ الْمَهْدِيُّونَ، وَإِنَّمَا أَحْدَثَهَا الْمُبْتَدِعَةُ الْبَاطِنِيُّونَ بَعْدَ الْقُرُونِ الْمُفَضَّلَةِ، فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ - عِبَادَ اللَّهِ - مِنَ الِاغْتِرَارِ بِهَا، وَلَوْ كَثُرَ الْوَاقِعُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِيهَا؛ فَإِنَّ الْكَثْرَةَ لَا تَدُلُّ عَلَى الْحَقِّ، ﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ [الْأَنْعَامِ: 116]، ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آلِ عِمْرَانَ: 31].

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 61.21 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 59.50 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (2.80%)]