فابتغوا عند الله الرزق - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         محرمات استهان بها الناس كتاب الكتروني رائع (اخر مشاركة : Adel Mohamed - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          الهوية الإمبريالية للحرب الصليبية في الشرق الأوسط (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          «ابن الجنرال» ونهاية الحُلم الصهيوني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          التغيير في العلاقات الأمريكية الروسية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          هل اقتربت نهاية المشروع الإيراني؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          الشيخ عثمان دي فودي: رائد حركات الإصلاح الديني في إفريقيا الغربية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          دور العلماء الرّواة والكُتّاب في نشأة البلاغة العربية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          مرصد الأحداث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          وقفات مع قول الله تعالى: ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          أصحّ ما في الباب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-01-2021, 02:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,446
الدولة : Egypt
افتراضي فابتغوا عند الله الرزق

فابتغوا عند الله الرزق
الشيخ عبدالله بن محمد البصري



أَمَّا بَعدُ، فَـ ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21].
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، مِن شَوَاغِلِ النَّاسِ وَحَدِيثِ مَجَالِسِهِم في هَذِهِ الأَيَّامِ، مَسأَلَةُ الرِّزقِ كَثرَةً وَقِلَّةً، وَسَعَةً وَضِيقًا، وَزِيَادَةً وَنَقصًا، وَبَرَكَةً وَمَحقًا، وَعَطَاءً وَمَنعًا، وَفي خِضَمِّ التَّعَلُّقِ الشَّدِيدِ بِالدُّنيَا وَالاهتِمَامِ بِمَتَاعِهَا القَلِيلِ، فَإِنَّهَا قَد تَغِيبُ عَنِ البَالِ أُصُولٌ عَقَدِيَّةٌ مُهِمَّةٌ، وَتَعمَى القُلُوبُ عَن مَعَانيَ إِيمَانِيَّةٍ عَمِيقَةٍ، وَتَتَّجِهُ الأَنظَارُ إِلى مَا يُلهِيهَا وَتَتَعَلَّقُ النُّفُوسُ بِأَسبَابٍ تُردِيهَا. وَإِنَّ ثَمَّةَ أُصُولاً أَصِيلَةً وَأُسُسًا جَلِيلَةً، لا بُدَّ أَن نُذَكِّرَ بِهَا أَنفُسَنَا لِكَيلا تَيأَسَ بَعدَمَا تَنسَى، وَنَربِطَ بها عَلَى قُلُوبِنَا لِتَطمَئِنَّ وَلا تَجزَعَ، وَنَشرَحَ بِهِ صُدُورَنَا لِئَلاَّ تَضِيقَ وَيَضعُفَ إِيمَانُنَا؛ ذَلِكُم أَنَّ مِنَ المُتَّفَقِ عَلَيهِ لَدَى المُؤمِنِينَ، أَنَّهُ لم تُخلَقْ نَفسٌ إِلاَّ وَقَد كَتَبَ اللهُ رِزقَهَا، وَلَن تَخرُجَ مِن هَذِهِ الدُّنيَا إِلاَّ وَقَدِ استَوفَت رِزقَهَا وَأَجَلَهَا، فَلا يَزِيدُ في الرِّزقِ حِرصُ حَرِيصٍ وَلا عَنَاءُ ذَكِيٍّ، وَلا يَنقُصُ مِنهُ تَأَنِّي مُتَأَنٍّ أَو مَكرُ مَاكِرٍ خَفِيٌّ، قَالَ - عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ﴾ [هود: 6] وَقَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ ﴾ [العنكبوت: 60] وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا -: ﴿ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [الشورى: 12] وَقَالَ - تَعَالى -: ﴿ وَلا تَقتُلُوا أَولادَكُم مِن إِملاقٍ نَحنُ نَرزُقُكُم وَإِيَّاهُم ﴾ وَقَالَ - تَعَالى -: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الروم: 40] وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 58] وَفي الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ عَن عَبدِاللهِ بنِ مَسعُودٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ الصَّادِقُ المَصدُوقُ: " إِنَّ أَحَدَكُم يُجمَعُ خَلقُهُ في بَطنِ أُمِّهِ أَربَعِينَ يَومًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضغَةً مِثلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبعَثُ اللهُ مَلَكًا فَيُؤمَرُ بِأَربَعِ كَلِمَاتٍ وَيُقَالُ لَهُ: اُكتُبْ عَمَلَهُ وَرِزقَهُ وَأَجَلَهُ، وَشَقِيٌّ أَو سَعِيدٌ... " الحَدِيثَ. وَفي الحَدِيثِ القُدسِيِّ الَّذِي رَوَاهُ مُسلِمٌ، يَقُولُ اللهُ - تَعَالى -: " يَا عِبَادِي، كُلُّكُم جَائِعٌ إِلاَّ مَن أَطعَمتُهُ، فَاستَطعِمُوني أُطعِمْكُم، يَا عِبَادِي، كُلُّكُم عَارٍ إِلاَّ مَن كَسَوتُهُ، فَاستَكسُوني أَكسُكُم " وَعَنِ ابنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا - أَنَّ النَّبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - رَأَى تَمرَةً عَائِرَةً فَأَخَذَهَا فَنَاوَلَهَا سَائِلاً، فَقَالَ: " أَمَّا إِنَّكَ لَو لم تَأتِهَا لأَتَتكَ " رَوَاهُ الطَّبرَانيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَمِنَ الأُصُولِ العَظِيمَةِ الَّتي يَجِبُ أَن نَعلَمَهَا وَنُوقِنَ بها أَنَّ أَعظَمَ مَفاتِيحِ الرِّزقِ هِيَ تَقوَى اللهِ وَطَاعَتُهُ وَشُكرُهُ وَالتَّوَكُّلُ عَلَيهِ، وَسَبَبُ زَوَالِهِ وَمَحقِهِ الإِعرَاضُ عَن وَاهِبِهِ وَمُولِيهِ، قَالَ - جَلَّ وَعَلا -: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3] وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 17] وَقَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [طه: 132] وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا -: "﴿ فَقُلتُ استَغفِرُوا رَبَّكُم إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10، 12] وَعَن أَبي هُرَيرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " إِنَّ اللهَ - تَعَالَى - يَقُولُ: يَا ابنَ آدَمَ، تَفَرَّغْ لِعِبَادَتي أَملأْ صَدرَكَ غِنًى وَأَسُدَّ فَقرَكَ، وَإِلاَّ تَفعَلْ مَلأتُ صَدرَكَ شُغلاً وَلم أَسُدَّ فَقرَكَ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَابنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: " لَو أَنَّكُم تَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ - تَعَالى - حَقَّ تَوَكُلِهِ لَرَزَقَكُم كَمَا يَرزُقُ الطَّيرَ، تَغدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَقَالَ - تَعَالى -: ﴿ وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنَا عَلَيهِم بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكسِبُونَ﴾ وَقَالَ - عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ﴾ [سبأ: 15 - 17] أَجَلْ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - إِنَّ مَا عِندَ اللهِ لا يُنَالُ إِلاَّ بِتَقوَاهُ وَطَاعَتِهِ، وَمِن خَيرِ ذَلِكَ وَأَعظَمِهِ مُجَانَبَةُ الأَثَرَةِ وَحُبِّ الذَّاتِ، وَالبَذلُ في سُبُلِ الخَيرِ وَفَتحُ اليَدَينِ بِالعَطَاءِ، وَصِلَةُ الأَرحَامِ وَالإِحسَانُ إِلى الآخَرِينَ، قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ﴾ [الروم: 39] وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا -: ﴿ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبسُطُ الرِّزقَ لِمَن يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ وَيَقدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقتُم مِن شَيءٍ فَهُوَ يُخلِفُهُ وَهُوَ خَيرُ الرَّازِقِينَ ﴾ وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " مَا مِن يَومٍ يُصبِحُ العِبَادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنزِلانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعطِ مُنفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعطِ مُمسِكًا تَلَفًا " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: " اُبغُوني في ضُعَفَائِكُم؛ فَإِنَّمَا تُرزَقُونَ وَتُنصَرُونَ بِضُعَفَائِكُم " رَوَاهُ أَبُودَاوُدَ وَالتِّرمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " مَن سَرَّهُ أَن يُبسَطَ عَلَيهِ رِزقُهُ، أَو يُنسَأَ في أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. نَعَم، قَد لا يَزِيدُ الرِّزقُ في الدُّنيَا وَلا يَرَاهُ صَاحِبُهُ في مَالِهِ عَدَدًا يُحصِيهِ، وَلَكِنَّ ثَمَّةَ زِيَادَاتٍ هِيَ أَسمَى وَأَعلَى وَأَغلَى، وَالحَاجَةُ إِلَيهَا أَعظَمُ وَأَهَمُّ، فَهُنَاكَ البَرَكَةُ الَّتي تَحُلُّ في المَالِ، وَهُنَاكَ الزِّيَادَةُ الأُخرَوِيَّةُ الَّتي هِيَ خَيرٌ وَأَبقَى، قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ إِنَّمَا المُؤمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَت قُلُوبُهُم وَإِذَا تُلِيَت عَلَيهِم آيَاتُهُ زَادَتهُم إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِم يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقنَاهُم يُنفِقُونَ. أُولَئِكَ هُمُ المُؤمِنُونَ حَقًّا لَهُم دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِم وَمَغفِرَةٌ وَرِزقٌ كَرِيمٌ ﴾ [الأنفال: 2 - 4] وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " مَن تَصدَّقَ بِعَدلِ تَمرَةٍ مِن كَسبٍ طَيِّبٍ، ولا يَقبَلُ اللهُ إِلاَّ الطَّيِّبَ، فَإِنَّ اللهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيِهَا لِصَاحِبِهَا كما يُرَبِّي أَحَدُكُم فَلُوَّهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثلَ الجَبَلِ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. وَأَمَّا الطُّغيَانُ وَسُلُوكُ سُبُلِ الحَرَامِ، وَاكتِسَابُ المَالِ مِن وَجهٍ لا يَحِلُّ، كَالرِّبَا وَحَفَلاتِ المُجُونِ وَالغِنَاءَ، وَعَرضِ المَشَاهِدِ المُحَرَّمَةِ في الأَمَاكِنِ المُختَلَطَةِ، وَأَخذِ الضَّرَائِبِ بِغَيرِ حَقٍّ وَرَفعِ الأَسعَارِ وَالاحتِكَارِ، فَإِنَّمَا هِيَ أَسبَابٌ لِحُلُولِ غَضَبِ اللهِ وَمَقتِهِ، قَالَ - عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿ كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى ﴾ [طه: 81] وَمِنَ الأُصُولِ العَظِيمَةِ الَّتي يَجِبُ أَن نَستَحضِرَهَا، أَنَّ مَن وَسَّعَ اللهُ عَلَيهِ في رِزقِهِ، فَلا أَحَدَ يَستَطِيعُ أَن يُضَيِّقَ عَلَيهِ، وَمَن ضُيِّقَ عَلَيهِ رِزقُهُ، فَلا مُوَسِّعَ لَهُ مِنَ البَشَرِ وَلَوِ احتَالُوا في ذَلِكَ مَا احتَالُوا، قال - تعالى -: ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ ﴾ [فاطر: 2] وَقَالَ - عَزَّ وَجَلَّ - ﴿ وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ﴾ [النحل: 71] وَللهِ - تَعَالى - في تَفَاوُتِ أَرزَاقِ النَّاسِ وَاختِلافِ مَعِيشَتِهِم بَالِغُ الحِكَمِ، وَمِن أَظهَرِهَا تَسخِيرُ بَعضِهِم بَعضًا في الأَعمَالِ وَالحِرَفِ، وَلَو تَسَاووا في الغِنَى وَلم يَحتَجْ بَعضُهُم إِلى بَعضٍ، لَتَعَطَّلَت كَثِيرٌ مِن مَصَالِحِهِم وَمَنَافِعِهِم، قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ﴾ [الزخرف: 32] أَلا فَاتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا عَلَى الآخِرَةِ أَحرَصَ مِنكُم عَلَى الدُّنيَا، فَإِنَّ لِكُلٍّ مِنهُمَا أَهلٌ، وَفي كُلٍّ مِنهُمَا رَابِحُونَ وَخَاسِرُونَ، وَالآخِرَةُ خَيرٌ وَأَبقَى، قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا * انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 20، 21].
♦♦ ♦ ♦♦


أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 4].

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِنَّ رَبَّنَا - جَلَّ وَعَلا - قَادِرٌ عَلَى بَسطِ الرِّزقِ عَلَى العِبَادِ وَتَوسِيعِهِ، وَلَو أَرَادَ ذَلِكَ مَا نَقَصَ مِن مُلكِهِ شَيئًا، قَالَ - تَعَالى - في الحَدِيثِ القُدسِيِّ الَّذِي رَوَاهُ مُسلِمٌ: " يَا عِبَادِي، لَو أَنَّ أَوَّلَكُم وَآخِرَكُم وَإِنسَكُم وَجِنَّكُم قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعطَيتُ كُلَّ إِنسَانٍ مَسأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلاَّ كَمَا يَنقُصُ المِخيَطُ إِذَا أُدخِلَ البَحرَ " نَعَم - أَيُّهَا الإِخوَةُ - إِنَّ عَطَاءَ اللهِ لا يُحَدُّ، وَلَكِنَّ مِن حِكمَتِهِ أَن يُنَزِّلَ رِزقَهُ عَلَى عِبَادِهِ بِقَدَرٍ، لِئَلاَّ تَكُونَ سَعَتُهُ سَبَبًا لِبَغيِهِم في الأَرضِ وَإِفسَادِهِم فِيهَا، بِغَفلَتِهِم عَن الطَّاعَةِ وَإِقبَالِهِمِ عَلَى شَهَوَاتِ الدُّنيَا، وَانشِغَالِهِم بِالتَّمَتُّعِ بِهَا وَلَو كَانَت مَعصِيَةً وَظُلمًا، قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ﴾ [الشورى: 27] وَمِن ثَمَّ فَلا أَسَفَ عَلَى قِلَّةِ ذَاتِ اليَدِ؛ فَإِنَّهَا قَد تَكُونُ خَيرًا لِلعَبدِ، وَالغِنى الحَقِيقِيُّ هُوَ غِنَى النَّفسِ، وَالمَكسَبُ في التَّحَلِّي بِالقَنَاعَةِ وَالرِّضَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " لَيسَ الغِنَى عَن كَثرَةِ العَرَضِ، وَلَكِنَّ الغِنَى غِنَى النَّفسِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ. وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: " قَد أَفلَحَ مَن أَسلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ اللهُ بِمَا آتَاهُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ. وَعَن أَبي الدَّردَاءِ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " مَا طَلَعَت شَمسٌ قَطُّ إِلاَّ بُعِثَ بِجَنْبَتَيهَا مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ يُسمِعَانِ أَهلَ الأَرضِ إِلاَّ الثَّقَلَينِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمُّوا إِلَى رَبِّكُم؛ فَإِنَّ مَا قَلَّ وَكَفَى خَيرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلهَى... " الحَدِيثَ، رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الألبَانيُّ. وَإِنَّهُ لا أَجلَبَ لِلقَنَاعَةِ مِن نَظَرِ المَرءِ إِلى مَن دُونَهُ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " اُنظُرُوا إِلى مَن أَسفَلَ مِنكُم وَلا تَنظُرُوا إِلَى مَن هُوَ فَوقَكُم، فَهُوَ أَجدَرُ أَلاَّ تَزدَرُوا نِعمَةَ اللهِ" رَوَاهُ مُسلِمٌ. وَلَقَد خَشِيَ نَبِيُّنَا - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أُمَّتِهِ الغِنى وَلم يَخشَ عَلَيهَا الفَقرَ فَقَالَ: " فَوَاللهِ مَا الفَقرَ أَخشَى عَلَيكُم، وَلَكِنْ أَخَشَى عَلَيكُم أَن تُبسَطَ عَلَيكُم الدُّنيَا كَمَا بُسِطَت عَلَى مَن كَانَ قَبلَكُم فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهلِكَكُم كَمَا أَهلَكَتهُم " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ. أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ وَلْنَبتَغِ الرِّزقَ بِطَاعَتِهِ ولنحذر معصيته...



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 59.71 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 58.00 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (2.87%)]