أحكام الشتاء - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الهوية الإمبريالية للحرب الصليبية في الشرق الأوسط (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          «ابن الجنرال» ونهاية الحُلم الصهيوني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          التغيير في العلاقات الأمريكية الروسية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          هل اقتربت نهاية المشروع الإيراني؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          الشيخ عثمان دي فودي: رائد حركات الإصلاح الديني في إفريقيا الغربية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          دور العلماء الرّواة والكُتّاب في نشأة البلاغة العربية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          مرصد الأحداث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          وقفات مع قول الله تعالى: ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          أصحّ ما في الباب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          التدريب على العجز!! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19-10-2020, 01:52 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,446
الدولة : Egypt
افتراضي أحكام الشتاء

أحكام الشتاء


أحمد بن عبد الله الحزيمي






إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ... اتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَرَاقِبُوهُ فَإِنَّ تَقْوَاهُ أَفْضَلُ مُكْتَسَبٍ وَطَاعَتُهُ أَعْلَى نَسَبٍ، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]... ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]... ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

اعْلَمُوا - حَفِظَكُمُ اللهُ - أَنَّ لِلشِّتَاءِ أَحْكَامًا شَرْعِيَّةً وَآدابًا نَبَوِيَّةً، وَسُنَنًا مَرْعِيَّةً يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَتَحَرَّاهَا لِتَكْتَمِلَ عِبَادَتُهُ وَيَتِمَّ لَهُ أَجْرُهُ وَثَوَابُهُ، وَيَقْتَدِي بِسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

فَمِمَّا يَجِبُ أنْ يَعْتَنِي بِهِ الْمُسْلِمُ فِي الشِّتَاءِ: إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ وَإتْمَامُهُ، فَلَا يُعَجِّلُهُ الشُّعُورُ بِالْبَرْدِ عَنْ إِكْمَالِ الْوُضُوءِ لِأَعْضَائِهِ وَإتْمَامِهِ، بَلْ إِنَّ ذَلِكَ الْإتْمَامَ وَالْإِسْبَاغَ وَقْتُ الْمَكَارِهِ هُوَ مِمَّا يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَمْحُو بِهِ الزَّلَّاتِ، وَالْمَكَارِهُ قَدْ تَكُونُ بِشِدَّةِ الْبَرْدِ أَوِ الْحَرِّ أَوْ الْأَلَمِ، فَيَحْتَسِبُ الْمُسْلِمُ تِلْكَ الشِّدَّةِ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ بِأَنَّهَا مِنْ مُكَفِّرَاتِ الْخَطَايَا وَرَافِعَاتِ الدَّرَجَاتِ؛ يَقُولُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلامُ: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟» قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَإِذَا اسْتَحْضَرَ الْمُؤْمِنُ أَيْضًا أَنَّ الْمَلأَ الْأَعْلَى فِي السَّمَاءِ يَخْتَصِمُونَ فِي إِسْبَاغِهِ الْوُضُوءَ عَلَى الْمَكَارِهِ - كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَعَلِمَ قِيمَةَ إِسْبَاغِهِ فِي شِدَّةِ الْبَرْدِ، وَوَدَّ لَوْ تَوَضَّأَ لِكُلِّ حَدَثٍ؛ تَحْصِيلاً لِفَضْلِ إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ فِي الشِّتَاءِ.

وَمِمَّا يَجْدُرَ لَفْتُ النَّظَرِ إِلَيْهِ: الْحَذَرُ مِنْ تَرْكَ غَسْلِ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ كَتَرْكِ بَعْضِ الْوَجْهِ أَوِ الْكَعْبَيْنِ، أَوِ الْمِرْفَقَيْنِ لا سِيَّمَا مَعَ كَثْرَةِ اللِّبَاسِ عَلَيْهِمَا، وَمشَقَّةِ حَسْرِ الْأَكْمَامِ عَنْهُمَا، بَلْ لَا بُدَّ مِنِ اسْتِيعَابِ الْأَعْضَاءِ بِالْغَسْلِ، فَإِنَّ تَرْكَ ذَلِكَ مُتَوَعَّدٌ عَلَيْهِ بِالنَّارِ؛ فَلَقَدْ حَذَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُؤْمِنُونَ.. وَمِمَّا يَحْتَاجُهُ الْمُؤْمِنُ كَثِيرًا فِي الشِّتَاءِ وَغَيْرِهِ كَذَلِكَ: الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَمِنْ تَيْسِيرِ اللهِ عَلَيْنَا فِي هَذَا الدِّينِ الْعَظِيمِ أَنْ أَجَازَ لِعِبَادِهِ عَدَدًا مِنَ الرُّخَصِ يَتَرَخَّصُونَ بِهَا، وَمِنْ أَهَمِّهَا: الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ بَدَلاً مِنْ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ، وَيَلْزَمُ الْإِنْسانَ عِنْدَ لِبْسِ الْخُفَّيْنِ أو الْجَوَارِبِ سَوَاءٌ مِنْ جِلْدٍ أَوْ قُمَاشٍ أَنْ يَكُونُ عَلَى طَهَارَةٍ؛ فَإِذَا مَسَحَ عَلَيْهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ بَدَأَتْ مُدَّةُ الْمَسْحِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ الَّذِي مَسَحَ فِيهِ، لِيَسْتَمِرَّ بَعْدَ ذَلِكَ الْمُقِيمُ فِي الْمَسْحِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَصُورَةُ ذَلِكَ أَنْ يَلْبَسَهُمَا فِي الصَّبَاحِ وَهُوَ عَلَى طَهَارَةٍ، فَإِذَا جَاءَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَمَسَحَ عَلَيْهِمَا بَدَأَ وَقْتُ الْمَسْحِ عَلَيْهِمَا مِنْ أَوَّلَ مَسْحَةٍ، فَيَسْتَمِرُّ يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا وَقْتَ الْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالْفَجْرِ فَإِذَا جَاءَ الظُّهْرُ مِنَ الْغَدِ وَجَبَ عَلَيْهِ عِنْدَ إِرَادَةِ الْوُضُوءِ خَلْعُهُمَا وَغَسْلُ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ لَبِسَهُمَا وَأَعَادَ مَا فَعَلَ بِالْأَمْسِ، وَأَمَّا الْمُسَافِرُ فَيَفْعَلُ ذَلِكَ لَكِنْ ثَلَاثَةَ أيَّامٍ بِلَيَالِيهِنَّ. وَإِذَا كَانَتِ الْجَوَارِبُ مُخَرَّقَةً أَوْ فِيهَا شُقُوقٌ غَيْرُ فَاحِشَةً - بِحَيْثُ لَا تَخْرُجُ عَنْ مُسَمَّى الْجَوَارِبِ - فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا؛ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْخَفِيفِ مِنَ الْجَوَارِبِ.

وكَيْفِيَّةُ الْمَسْحِ أَنْ يَبُلَّ الْمُتَوَضِّئُ يَدَيْهِ بِالْمَاءِ ثُمَّ يُمِرَّهُمَا مِنْ عِنْدِ أَصَابِعِ الرِّجْلِ إِلَى السَّاقِ فَقَطْ، وَيَكُونُ الْمَسْحُ بِالْيَدَيْنِ جَمِيعًا عَلَى الرِّجْلَيْنِ جَمِيعًا، فالْيَدُ الْيُمْنَى تَمْسَحُ الرِّجْلَ الْيُمْنَى، وَالْيَدُ الْيُسْرَى تَمْسَحُ الرِّجْلَ الْيُسْرَى فِي نَفْسِ اللَّحْظَةِ، كَمَا تُمْسَحُ الْأُذْنَانِ، وَلَوْ مَسَح الْيُمْنَى ثُمَّ الْيُسْرَى، أَوْ مَسَحَ كِلَيْهِمَا بِيَدِهِ الْيُمْنَى أَوْ بِالْيُسْرَى فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185]، وَمَنْ تَمَّتْ مُدَّتُهُ فَنَسِيَ وَمَسَحَ بَعْدَ تَمَامِ الْمُدَّةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الصَّلاَةَ الَّتِي صَلَّاهَا بِذَلِكَ الْمَسْحِ.

وَمِمَّا يَنْبَغِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ أَيْضًا هُوَ أَنْ لَا تَطُولَ مُدَّةُ لُبْسِ الْجَوْرَبِ عَلَى الْإِنْسَانِ؛ حَتَّى لَا يُؤْذِي الْمُصَلِّينِ بِرَائِحَتِهِ الْكَرِيهَةِ.
وَإِذَا مَسَحَ وَهُوَ مُقِيمٌ ثُمَّ سَافَرَ فَإِنَّهُ يُتِمُّ مَسْحَ مُسَافِرٍ، وَإِذَا كَانَ مُسَافِرًا ثُمَّ أَقَامَ فَإِنَّهُ يُتِمُّ مَسْحَ مُقِيمٍ. وَإِنْ شَكَّ فِي ابْتِداءِ الْمَسْحِ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ وَهُوَ الْأَقَلُّ، فَلَوْ نَسِيَ هَلِ ابْتَدَأَ بِالْمَسْحِ مِنَ الظُّهْرِ أَوِ الْعَصْرِ؟ فَإِنَّهُ يَحْسِبُ مِنْ وَقْتِ الظُّهْرِ بِنَاءً عَلَى الْأَقَلِّ.

وَاعْلَمُوا - عِبَادَ اللَّهِ - أَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْجَوْرَبَيْنِ رُخْصَةٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى لَا تَخْتَصُّ بِفَصْلٍ دُونَ فَصْلٍ أَوْ مَنَاخٍ دُونَ مَنَاخٍ، فَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُ هَذِهِ الرُّخَصِ لِمَنْ لَبِسَ الْخُفَّيْنِ مُطْلَقًا سَواءٌ كَانَ الْجَوُّ حَارًّا أَوْ بَارِدًا، صَيْفًا أَوْ شِتَاءً، رِجَالًا أوْ نِسَاءً.

وَمِنْ رَحْمَةِ اللهِ بِالْعَبْدِ أَيْضًا أَنَّ مَنْ كُسِرَ عَظْمُهُ أُوْ جُرِحَ جَسَدُهُ فَاحْتَاجَ إِلَى رَبْطِهِ أَوْ لَصْقِهِ بِشَيْءٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ فِي وَضْعِ هَذَا الشَيْءِ والْمَسَحِ عَلَيْهِ بَدَلًا عَنْ غَسْلِ الْعُضْوِ سَوَاءٌ فِي الْوُضُوءِ أوِ الْغُسْلِ حَتَّى يَبْرَأَ، تَيْسِيرًا مِنَ اللهِ، وَتَسْهِيلاً عَلَى عِبَادِهِ، وللهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.

إِخْوَةَ الإِسْلَامِ... وَثَمَّ لَوْنٌ آخَرُ مِنْ أَلْوَانِ رَحْمَةِ اللهِ بِعِبَادِهِ، وَهُوَ مِمَّا أَكْرَمَ اللهُ بِهِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَخَصَّهَا بِهِ أَلَا وَهُوَ التَّيَمُّمُ؛ فَفِي شِدَّةِ الْبَرْدِ إِذَا تَعَذَّرَ الْوُضُوءُ، أَوِ الْغُسْلُ = جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ بِالتُّرَابِ. وَلَيْسَ التَّعَذُّرُ هُوَ فَقْدُ الْمَاءِ فَحَسْب، وَإِنَّمَا حَتَّى مَعَ وُجُودِهِ لَكِنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ كَمَا يَحْدُثُ إِذَا لَمْ يَجِدْ مَا يُسَخِّنُ بِهِ الْمَاءُ فِي الْبَرْدِ الشَّدِيدِ، وَيَخْشَى الضَّرَرَ شِبْهَ الْمُحَقَّقِ عَلَى نَفْسِهِ فَلَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ حِينَئِذٍ لِلْحَرَجِ وهَذَا عِنْدَمَا يَكُونُ فِي الْأَمَاكِنِ الْمَكْشُوفَةِ فِي شِدَّةِ الْبَرْدِ ولَا يَجِدُ مَكَانًا يُسَخِّنُ فِيهِ الْمَاءَ وَيَغْتَسِلُ فِيهِ، أَمَّا فِي الْبُيُوتِ فَإِنَّ تَسْخِينَ الْمَاءِ مُتَيَسِّرٌ فِي الْغَالِبِ فَلَا يَكُونُ لِلتَّيَمُّمِ سَبَبٌ صَحِيحٌ حِينَئِذٍ... وَصِفَةُ التَّيَمُّمِ أَنْ يَضْرِبَ كَفِيْهِ عَلَى الْأَرْضِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً ثُمَّ يَمْسَحُ كُلَّ وَجْهِهِ ثُمَّ يَدَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً.

وَمِنَ الرُّخَصِ عِنْدَ نُزُولِ الْمَطَرِ - يَا عِبَادَ اللَّهِ - الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَمِنْ شُرُوطِ الْجَمْعِ فِي الْمَطَرِ أَنْ يَكُونَ الْمَطَرُ مُسْتَمِرًّا مِنِ انْتِهَاءِ الصَّلاَةِ الْأُولَى إِلَى بِدَايَةِ الصَّلاَةِ الثَّانِيَةِ، فَإِذَا كَانَ مُسْتَمِرًّا مِنْ نِهَايَةِ صَلاَةِ الظُّهْرِ إِلَى تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ بِالْعَصْرِ بَعْدَهَا فَإِنَّ الْجَمْعَ صَحِيحٌ، وَكَانَ مَطَرًا يَبُلُّ الْأرْضَ وَالثِّيابَ، أَيْ: أَنَّهُ لَيْسَ رَشًّا خَفِيفًا، يَشُقُّ مَعَهُ الْمَشْيُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَإِنَّ الْجَمْعَ حِينَئِذٍ رُخْصَةٌ، فَيُجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، دُونَ قَصْرٍ فِي الْبَلَدِ، وَإِنَّمَا جَمْعٌ فَقَطْ. وَإِذَا كَانَ الْإِنْسَانُ يُصَلِّى فِي بَيْتِهِ كَالْمَرْأَةِ وَالْمَرِيضِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّهُمْ لَا يَجْمَعُونَ مِنْ أَجْلِ الْمَطَرِ أَوْ مِنْ أَجْلِ الْبَرْدِ الَّذِي يُبِيحُ الْجَمْعَ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ إِنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَالْمَشَقَّةِ فِي تَرْكِهِ، وَالْمَرْأَةُ لَا تَحْتَاجُ إِلَى أَنْ تَجْمَعَ مِنْ أَجْلِ الْمَطَرِ وَالْبَرْدِ لِأَنَّهَا لَا تَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهَا.

وَاعْلَمُوا - رَعَاكُمُ اللهُ - أَنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا كَانَ فِي سَيَّارَتِهِ وَهُوَ فِي طَرِيقٍ فَحَاصَرَتْهُ الْمِيَاهُ، وَلَمْ يَسْتَطِعِ النُّزُولَ لِلصَّلاَةِ أَنَّ لَهُ أَنْ يُصَلِّي فِي سَيَّارَتِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمِيَاهَ وَالطِّينَ لَا تُمَكِّنُهُ مِنَ الصَّلاَةِ فِي الْأَرْضِ، وَأَمَّا الشَّيْءُ الْيَسِيرُ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْبَلَلِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْوُقُوفَ عَلَيهَا وَلَا الصَّلاَةَ.

وَكَذَا - أَيُّهَا الإِخْوَةُ - يُرَخَّصُ لِلْمُسْلِمِ فِي حَالِ الْبَرْدِ الشَّدِيدِ وَالرِّياحِ الْعَاتِيَةِ الشَّدِيدَةِ، وَالْأَعَاصِيرِ الْبَارِدَةِ إِذَا لَمْ يَقْوَى عَلَى الْخُرُوجِ لِصَلاَةِ الْجَمَاعَةِ - يُرَخَّصُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، وَتَكُونُ هَذِهِ الْأَعْذَارُ حِينَئِذٍ مِنْ مُسْقِطَاتِ الْجَمَاعَةِ؛ فَقَدْ جَاءَ فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَذَّنَ بِالصَّلاَةِ فِي لَيْلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ، ثُمَّ قَالَ: أَلاَ صَلُّوا فِي الرِّحَالِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ المُؤَذِّنَ إِذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ ذَاتُ بَرْدٍ وَمَطَرٍ، يَقُولُ: «أَلاَ صَلُّوا فِي الرِّحَالِ».

وَمِنْ السُّنَّةِ التَّبْكِيرُ بِصَلاَةِ الظُّهْرِ عِنْدَ شِدَّةِ الْبَرْدِ، كَمَا يُسْتَحَبُّ الإِبْرَادُ بِهَا عِنْدَ شِدَّةِ الْحَرِّ قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا اشْتَدَّ الحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ»، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ: "وَأَمَّا الْجُمُعَةُ فَالسُّنَّةُ أَنْ تُصَلَّى فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ".

عِبَادَ اللَّهِ... وَيُبَاحُ لِلْمُؤْمِنِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى لِبْسُ الْقُفَّازَيْنِ أَثْنَاءَ الصَّلاَةِ؛ إِذْ لَا مَانِعَ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ. خِلَافًا لِتَغْطِيَةِ الْوَجْهِ أَوْ بَعْضِهِ بِلِثَامٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ فِي الصَّلاَةِ، إِلَّا إِنِ احْتَاجَ لَهُ الْمُصَلِّي لِاِتِّقَاءِ هَوَاءٍ بَارِدٍ كَمَا لَوْ صَلَّى فِي الْخَلاَءِ فَإِنَّهُ لَا كَرَاهَةَ وَجَازَ لَهُ ذَلِكَ.

نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَرْزُقَنَا الْفِقْهَ فِي دِينِهِ، وَأَنْ يُحْيِيَ قُلُوبَنَا بِذِكْرِهِ وَأَفْئِدَتَنَا بِمَعْرِفَتِهِ وَأَبْدَانَنَا بِطَاعَتِهِ، وَأَنْ يُغِيثَ نُفُوسَنَا بِالْيَقِينِ وَالْإِيمَانِ. أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ...


الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَظِيمِ الْإحْسَانِ، وَاسِعِ الْفَضْلِ وَالْجُودِ وَالْاِمْتِنَانِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيه وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أجْمَعِينَ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا... أَمَّا بَعْدُ:
إِنَّ مِمَّا تَقْتَضِيهِ الْمُنَاسَبَةُ - عِبَادَ اللَّهِ -: التَّنْبِيهُ إِلَى مَا يُوقِدُهُ النَّاسُ فِي الشِّتَاءِ مِنَ النِّيرَانِ، أَوِ الْمِدْفَأَةِ، أَوِ الْمَبْخَرَةِ، وَهَذَا عَامٌّ سَواءٌ أَكَانَ فِي الْبُيُوتِ أَوْ الْبَرِّيَّةِ، وَبِخَاصَّةٍ فِي الْخِيَامِ فَيَجِبُ تَوَخِّي الْحَذَرَ؛ فَقَدْ أَرْشَدَ نَبِيُّكُمْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى إِطْفَاءِ النَّارِ قَبْلَ النَّوْمِ؛ فَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: احْتَرَقَ بَيْتٌ بِالْمَدِينَةِ عَلَى أَهْلِهِ مِنَ اللَّيْلِ، فَحُدِّثَ بِشَأْنِهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ هَذِهِ النَّارَ إِنَّمَا هِيَ عَدُوٌّ لَكُمْ، فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ»، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَمَا ذَلِكَ إلَّا لِمَا تُسَبِّبُهُ مِنَ الاحْتِرَاقِ أَوِ الاخْتِنَاقِ.

وَمِمَّا يُنَبَّهُ إِلَيْهِ أَيُّهَا الْكِرَامُ... أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تُسْتَقْبَلَ النَّارُ عِنْدَ الصَّلاَةِ، فَإِنَّ اسْتِقْبَالَ النَّارِ فِي الصَّلاَةِ مِنْ شَعَائِرِ الْمَجُوسِ، فَهُمْ يَعْبُدُونَ النَّارَ، فَلَا يَجْعَلُ الْمُسْلِمُ فِي قِبْلَتِهِ وَهُوَ يُصَلِّي نَارًا أَوْقَدَهَا.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ... قَدْ يَخْفَى عَلَى الْإِنْسَانِ حُكْمٌ مِنَ الْأَحْكَامِ، أَوْ يَعْرِضُ لَهُ سُؤَالٌ أَوِ اسْتِفْتَاءٌ، فَعَلَيْهِ حِينَئِذٍ أَنْ يُسَارِعَ إِلَى أهْلِ الْعِلْمِ وَيَسْأَلَهُمْ عَمَّا أُشْكِلَ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّ مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، فَهَذَا دِينُنَا إِنْ تَعْلَّمْنَا أَحْكَامَهُ وَشَرَائِعَهُ سَعِدْنَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ أَهْمَلْنَاهُ وَغَفَلْنَا عَنْهُ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ كَرِيمٌ عَنَّا.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ... اللهَ اللهَ فِي عِبَادَاتِكُمْ، فِي صَلَوَاتِكُمْ، فِي أَدَائِكُمْ لِهَذِهِ الْفَرِيضَةِ، فِي أَدَائِهَا لِتَكُونَ شَافِعَةً، لِتَكُونُ مُكَفِّرَةً، لِتَكُونُ مَقْبُولَةً عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى... صَلَّوْا وَسَلَّمُوا...



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 62.15 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 60.44 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (2.75%)]