|
ملتقى القصة والعبرة قصص واقعية هادفة ومؤثرة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() القدر دخلت المستشفى بخطوات متمهّلة، تنظر بعيون زائغة لمن حولها من النّاس الّذين يكتظّ بهم المستشفى بين زائرومريض وفضوليّ. شقّت طريقها بين هؤلاء ودلفت إلى حجرة الدّكتور الّذي استقبلها بابتسامة ودودة، ودعاها للجلوس. سألها عن حالها فأجابته قائلة: لست أدري يا دكتور... لم أعد قادرة على معرفة حالتي... يخيّل إليّ أحيانًا أنّي أتلاشى... وأحيانًا.. أشعر بآلام فظيعة لا أطيق احتمالها. ثمّ سكتت فجأة عن الكلام وأخذت تحدّق في يديها المرتعشتين. قال الدّكتور محاولاً تهدئتها: لا داعي للقلق يا سيّدة (ريم).. إنّ كلّ ما تشعرين به هو انفعال نفسيّ عصبيّ.. وهو ناتج عن الأحداث المؤلمة الّتي مررت بها في حياتك... وكما قلت لك سابقًا، إنّ علاجك متوقّف عليك. حاولت أن تجيب بقولها: ولكن يا دكتور أنا... فقاطعها قائلاً: أعرف... أعرف أنّك بحاجة للمساعدة، وأنا مستعدّ لذلك.. ولكن أؤكّد لكِ... العلاج بيدك. عند هذا الكلام توقّف الحديث بينهما لحظات، كتب الدّكتور خلالها (وصفة طبّيّة) للمريضة، وعندماأ أنهى الكتابة وضع قلمه وقدّم لها الورقة قائلاً: خذي هذه إلى قسم الصّيدلة، حيث تحصلين على الدّواء المقوّي. نهضت عن المقعد واستلمت الورقة وقالت: ألا يمكن تغيير هذا الدّواء؟... لقد سئمت المقويّات... وأنا آخذها منذ مدّة طويلة ولم أشعر بتحسّن!. ردّ الدّكتور: اسمعيني... إنّ الحالة المعنويّة لها دور كبير في العلاج... فانسي ما مضى وَأْمَلي خيرًا. هزّت رأسها بضعف وقالت: شكرًا يا دكتور... شكرًا لكلّ ما فعلته لأجلي... وسأحاول!. وفي قسم الصّيدلة صرفت لها الممرّضة الدّواء وأخذتها إلى حجرة صغيرة، حيث استلقت على السّرير بينما الممرّضة تقوم بإعداد حقنة التّغذية. سرحت ريم بأفكارها بعيدًا، ولم تستفق منها إلاّ على وخزة الإبرة... نظرت إليها الممرّضة بعطف وقالت: سأمرّ عليك كلّ خمس دقائق لأطمئنّ على سريان الدّواء في الوريد... شفاء عاجل إن شاء الله. همست ريم شاكرة، وخرجت الممرّضة وتابعتها هي بنظراتها حتّى توارت، ثمّ انتقلت بها عبر النّافذة حيث تنتصب شجرة سرو كبيرة، تكسوها الأوراق الدّائمة الخضرة، وبصوت حزين خاطبتها قائلة: "ما الّذي يجعلك دائمة الخضرة... منتصبة... رغم قسوة الرّياح... أخبريني... علّني أشفى من حالي هذه"، وسكتت كأنّها ترجو جوابًا... وأخذتها الذّكريات في بحرها الزّاخر... وطرق سمعها صوتٌ حبيبٌ يقول: ريم... أنتِ سعادتي... لا يهمّني النّاس... لا يعنيني مر أحدٍ غيرك.. لن أتخلّى عنك.. لن أتخلّى.. أتفهمين؟!. ردّت هي قائلة: ولكن أبويك لن يرضيا.. فأنت ابنهما البكر... وأنا أعرف شعورهما وأقدّره.. ولن أرضى لك أن تعصيهما.. كما لا أرضى.. أن أحرمك شعور الأبوّة وفرحها... قاطعها قائلاً: إن كنت حقًّا تحبّينني... وتريدين سعادتي.. كُفّي عن الحديث في هذا.. واهتمّي بصحّتك. رفعت رأسها إليه والدّموع تغسل وجهها وقالت: صحّتي؟!!. فردّ قائلاً: نعم صحّتك!!. إن ما قاسيته من عناء وآلام أذهب قواك كلّها.. وأنا.. أنا لا أريد أن أفقدك!!. فقالت: يا إلهي... أما لهذا العذاب من نهاية؟!. ثمّ التفتت نحوه: "أتعرف؟!" أفكّر أن أعيد الكرّة... فربّما.. وارتسم على وجهه حينذاك ألم ممض وغضب عنيف، وقال لها: كلاّ... لن أسمح بذلك.. أتسمعين؟!، لن أدعك تدخلين المستشفى لأجل عمليّة أعرف مسبقًا نتيجتها السّلبيّة.. وقد تودي بحياتك!. **** عادت من ذكرياتها وخاطبت نفسها والبكاء يتردّد في صدرها قائلة: - ليتها أودت بحياتي... وهى فى غرفة الإنعاش بعد يومين من إجراء العمليّة لها... دخل الطّبيب إليها منقبض الوجه وألقى عليها التّحيّة بصوت حزين وقال لها بصوت متردّد: - سيّدة ريم... يؤسفني جدًّا... أن.. أن أخبرك بفشل العمليّة.. بُهتتْ وشحب لونها وأخذت ترتجف، وبصوت متقطّع تساءلت قائلة: ماذا؟!... ماذا تقول يا دكتور؟!، أتعني... أن.. أن.. الـ.. الأمل تلاشى... إلى الأبد؟!!. فهزّ الدّكتور رأسه بأسى وقال قبل أن يخرج: - لا تيأسي من رحمة الله... وفيما هي تحاول السّيطرة على نفسها المضطربة بعد خروج الدّكتور، سمعت لغطًا خارج الغرفة، وبعد قليل فتح الباب فرفعت رأسها نحوه وإذ بها تجد أمّ زوجها واقفة أمامها تحدّق فيها بنظرات حاقدة وتقول بغضب وحنق: - لقد سحرتِ ولدي... قيّدته بك... وحرمته من نعمة الولد. : أنا يا خالة؟!! أنا تقولين لي هذا وقد فعلت كلّ ما تعرفين.. من أجله؟!. فأجابت قائلة فردّت الأمّ: -إن كنت ترغبين حقًّا في إسعاده؛ فأعطه حرّيّته... قولي له أنّك سئمت العيش معه.. اطلبي منه الطّلاق.. فغرت ريم فاها وردّت بضعف قائلة: - الطّلاق؟!... يطلّقني؟!. ثمّ أغمضت عينيها لبرهة قصيرة وبعدما فتحتهما ووجدت حماتها تنتظر. كانت تنظر إليها بإصرار الأنانيّ وقوّة المسيطر وهي تخالسها النّظر بوهن ورهبة. وفجأة رفعت صوتها بشيء من القوّة أيقظتها فيها كبرياؤها الجريحة وقالت موافقة حماتها: نعم... سأفعل ما أشرت به.. ولن أتوانى عن طلب الطّلاق بعد الآن.. فأنا أيضًا سئمت هذه الحياة القاحلة... سئمتها... ولم أعد أرغب في رؤية أحدٍ منكم أبدًا... أبدًا!! وعلت بسمة الانتصار وجه الحماة وهي ترمق زوجة ابنها بعينين ماكرتين، وبلهجة لم تغب عنها رنّة الفرح قالت الحماة: هذا وعدٌ منك.. وسأنتظر النّتيجة المرجوّة منه خلال يومين من الآن. **** ألقت كلمتها هذه وخرجت، وساد الغرفة صمت عميق، سيطرت فيه المشاعر المتناقضة على ريم... فهل هي حقًّا قادرة على النّسيان؟!، كان قلبها يهيب بها الرّضوخ لمشاعرها ورفض ما طلبته منها أمّ زوجها، ومن جهة أخرى وقفت عزّة نفسها تأبى لها الإهانة من عائلة زوجها... وهناك أيضًا الفرحة الّتي ستغمر قلب سمير... زوجها!!، عندما يحضن بين ذراعيه ولدًامن صلبه.. وكان هذا الخاطر وحده كافيًا لكي تتغلّب على ضعفها أمام قلبها المحبّ، الّذي يريد سمير خالصًا له وحده!!!. ولقد تمّ كلّ شيء بأسرع ممّا توقّعت، كانت تعلم تمام العلم... الحيرة الّتي وقع فيها سمير بين حبّه لها وحبّه لوالديه، بين الوفاء لها... وإرضاء والديه... ولكي تجنّبه العذاب والحيرة خرجت من المستشفى إلى بيت أبيها، وأرسلت إلى زوجها تطلب الطّلاق، ولكن سمير أتى إليها وحاول مقابلتها إلاّ أنّها رفضت، رغم محاولات الإقناع الّتي انهالت عليها من والديها وإخوتها والأقارب، دون جدوى. وقي ليلة لا تنسى... سمعت بالنّبأ الّذي كتبته بدمها منذ مدّة قصيرة... نبأ زواج سمير... زوجها... سابقًا!!. لم تكن قادرة على التّصديق... قلبها يرفض ذلك... فسمير... كان ولا يزال... زوجها... هي حقًّا طلبت الطّلاق... وحصلت عليه!... ولكنّه... زوجها... بالرّوح!!.. وعلاقة الرّوح لا يمكن فصمها بسهولة!!. كانت تلك الأفكار تضجّ في أعماقها، فحينًا تتغلّب عليها.. وأحيانًا تغلبها فتنهمر دموعها، وتراودها فكرة لقائه، وسماع صوته الحبيب. ويشاء القدر أن يلتقيا... كان ذلك بعد زواجه بشهرين فقط... جاءها دون سابق موعد... الخوف من اللّقاء جعلها متردّدة... بينما الشّوق إليه يدفعها دفعًًا ويحثّ خطاها إليه وأخيرًا حسمت أمرها وخرجت من غرفتها إلى حيث ينتظرها في فناء البيت. مشت نحوه بخطوات متمهّلة... خجلة، وعيناها تنظران إلى الأرض، لم يكن بمقدورها النّظر إليه كأّي إنسان آخر!!، وقف أمامها محيّيًا، ثمّ قال لها بسرعة كمن يخاف أن تضيع منه الكلمات: - ريم... جئتك مودّعًا. وما إن سمعت لفظة الوداع حتّى رفعت رأسها نحوه، وأخذت تنظر إليه بدهشة وخوف. فواصل قوله لها: نعم... جئت لأودّعك قبل سفري... عندما... صمّمت على السّفر.. لم يخطر أحد ببالي سواك أنت!... وجدت نفسي مدفوعًا نحو هذا البيت.. دون أن أسأل لماذا؟... ربّما إحساسي بأنّي لن أعود. قاطعته قائلة بصرخة واهية: - كلاّ... كلاّ... لا تقل ذلك أرجوك!. ولكنّه تابع قائلاً بحزن: -هذا ما أشعربه حقًّا يا ريم... ولكن هذا وحده... لا يحزنني.. بل ما يؤلمني ويحزّ في نفسي هو... أنتِ. وباندهاش هامس ردّت متسائلة: أنا؟!. أجابها بحزن: نعم... أنتِ... لا أريد أن أرحل دون أن تسامحيني.. أرجوك سامحيني يا ريم!. ردّت عليه قائلة والألم يعتصرها: - وعلاما أسامحك؟!... أنا الّتي... أطلب منك السّماح والغفران! عند ذلك مدّ يده لها قائلاً، وقد استشعر سعادة سامية بوقوفه أمامها وسماعه صوتها: الآن... أرحل وأنا واثق أنّ قلبك لا يحمل لي إلاّ المحبّة... والمحبّة فقط!!... وداعًا... يا ريم! وسحبت يدها من يده وضمّتها إلى صدرها وقالت: مع السّلامة... يا سمير!. **** بعد رحيله بأيّام قليلة... جاءها الخبر المروّع... نزل عليها وعلى الأهل وكلّ من عرفه نزول الصّاعقة... كانت سيّارته على جانب الطّريق العامّ عندما جنحت شاحنة وانقضّت عليها... ولمّا سحبوا السّيّارة من تحتها وجدوها حطامًا.. والدّماء تسيل منه... ولم يبق منه ما ينبئ عن أمل في حياته.. أخذت أنفاسه تخفت شيئًا فشيئًا... حتّى انطفأت تمامًا... وساد السّكون ذلك الجسد الّذي كان يمتلئ حيويّة ونشاطًا. **** كان أوّل ما نطقت به - بعد الذّهول الّذي أصابها والصّمت المخيف الّذي سيطر عليها: -يا رب... لماذا يأخذ الموت منّي حبيبي؟.. لماذا سمير.. دون غيره... لماذا لم أمت بدلاً منه..لماذا؟!، لماذا؟!. وارتمت في حضن أختها وأخذت تجهش بالبكاء، فقالت لها أختها وهي تضمّها إليها بقوّة: -هذا كفر يا أختاه... تماسكي... واتّقي الله... ما قدّر علينا... نراه... وما علينا إلاّ التّسليم والصّبر... الصّبر... يا حبيبتي. أمّا هي فواصلت كلامها – بعدما استغفرت ربّها – تقول: -أحقًّا... لن تعانق أنفاسه... أنفاسي؟!، ألن أسمع أبدًا اسمه يتردّد بين الأفواه تقول... سمير فعل كذا.. سمير قال كذا وكذا؟!!. ثمّ صرخت باكية... منادية إيّاه.. ولم تعد تشعر بشيء، فقد أغمي عليها، وسقطت في هاوية مظلمة.. بعيدة القرار. في أحد الأيام الّتي تلت ذاك اليوم الحزين سمعت أختها تقول لأمّها: - أمّي... هل عرفت اليوم ما حدث في بيت المرحوم سمير؟. فردت متسائلة: كلاّ... ما الّذي حدث؟. وخرجت ريم من غرفتها لتسمع ما تقوله أختها... أجابت الأخت: -لقد جاء أهل زوجته وأخذوها معهم... وليس هذا فقط... بل أخذوا أيضًا معظم تركتِه.. ولم يمرّ سوى نصف شهر على وفاته!. فقالت الأمّ: فعلوا ذلك دون مراعاة لحرمته أو حرمة أهله؟!، يا لسوء النّيّة!. عند ذلك انبرت ريم قائلة: -فعلت ذلك... لأنّها ليست زوجته.. إنّه زوجي أنا... إنّه حبيبي أنا.. هو لم يتركني.. إنّه معي... لم يأخذ أحد قلبه غيري.. أنا.. ولن يحفظ ذكراه أحد سواي... هو لي.. لي ... أتسمعون؟. وظنّت أختها وأمّها أنّها جنّت فأخذتا تطيّبان خاطرها وتسايرانها حتّى هدأت وراحت في غيبوبة مع الحبيب الغائب، ولم تلبث حتّى دخلت المستشفى للعلاج.. ومنذ ذلك اليوم وهي تتردّد على المستشفى علّها تنسى!!!. **** عادت ريم من ذكرياتها فوجدت الممرّضة بجوارها تنزع عنها إبرة التّغذية بخفة ورقّة، وهي تقول لها مبتسمة: يمكنك مغادرة السّرير الآن... يا سيّدة ريم... تمنّياتي لك بالشّفاء بإذن الله، فنهضت من السّرير، وأخذت تجرّ نفسها نحو الباب الكبير للمستشفى ومعها سيل الذّكريات الّذي يأبى مفارقتها وغاصت في ذلك البحر الهادر من جموع البشر لتبدأ من جديد رحلة الذّكريات. -تمّت- . ****
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() بسم الله الرحمن الرحيم ![]() ![]() العائذه بالله ![]() ![]() قصه جميله وعبره بارك الله فيكِ اختى الغالية ![]() ![]() |
#3
|
||||
|
||||
![]() قصة جميلة جدا اسعدك الله في الدارين .
__________________
لقدس الأبية منصورة بعون الله منصورة كــــــــــــــــــلــــــــــــــــــنا لفلــــــــــسطين ![]() |
#4
|
||||
|
||||
![]() شكر الله لك مرورك الطيب أخيتى (أمة القدوس) وجزاك الله خيراً ![]() ![]() ![]() ![]()
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]() أخيتي العائدة بالله راااااائعة القصة ومؤلمة أدرفت دمعي وآلمت قلبي إلا أني استمتعت بقراءتها فجزاك ربي كل خير
__________________
اللهم ثبت قلبي على دينك
|
#6
|
||||
|
||||
![]() شكر الله لك مرورك الكريم الذى أسعدنى وجزاك الله خيراً (عذراً لدموعك الغالية) ![]() ![]() ![]()
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |