|
ملتقى القصة والعبرة قصص واقعية هادفة ومؤثرة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() جابر قميحة يكتب: في عالم الاستفتاء والثعلب المنتصر
![]() كان الفيل الطيب يعيش في بيته بالغابة الواسعة، لا يؤذي أحدًا، ولا يتعالى على أحد، بل كان يحترم كلَّ حيوانات الغابة ويعطف على صغارها، وكانت عادته اليومية أن يغادر بيته في الصباح الباكر، ويمضي في طريقه لتحصيل رزقه، وليتريَّض في شعاب الغابة، وكان يوزِّع تحياته على كلِّ من يلقاه من حيوانات الغابة، قبل أن يعود إلى بيته آخر النهار؛ لذلك كان موضع حب الجميع. ولكنَّ ثعلبًا حقودًا عزَّ عليه أن يحوز الفيل هذه المكانة في قلوب سكان الغابة، فأعلن أمام إخوانه الثعالب أنه سيضرب الفيل ضربةً قاصمةً، لا قيامةَ له بعدها، ولم يستمع لنصح عقلاء قومه.. وفي صباح اليوم التالي- وأمام بقية الثعالب- انطلق الثعلب الحقود المغرور نحو الفيل، وأمام بقية الثعالب أخذ يخمش خرطومه، ويغرس فيه أسنانه دون فائدة، فاضطُّرَّ الفيل الطيب أن يلفَّ عليه طرفَ خرطومه، وقذفَه إلى أعلى واستقبله بنابه الذي مزَّق مؤخِّرته، فأخذ الثعلب يزحف إلى أصحابه وهو ينزِف دمًا وفضلات قذرة، وأصحابه يسخرون منه، فقال- والألم يكاد يمزقه-: لماذا تسخَرون مني؟ لقد انتصرت على الفيل انتصارًا حاسمًا؟! - انتصرت عليه وهو الذي مزَّق عجيزتك؟! - نعم.. فقد نجحت في تلويث نابه وخرطومه بإفرازاتي. ونظرة ثاقبة للحكاية السابقة تقودنا إلى الحقائق الآتية: 1- أن الثعلب المتهافت لم يعرف قدرَ نفسه، فدفعه غرورُه إلى الهجوم على الفيل. 2- أنه استعمل أسلوب المغالطة، وقلب الحقائق، فسمَّى هزيمتَه "نصرًا" وهيَّأ نفسه ليعيشَ في هذا الوهم المنفوش، وهم نصر مزعوم, وهو في حقيقته هزيمة نكراء. 3- أنه خلع على نفسه صفة المتنصر، وعلى إنجازه صفة النصر، وقد أصدر هذا الحكم من نفسه لنفسه، مشفوعًا بتبرير يدعو العقلاء إلى السخرية، وهو أنه "لوَّث رأس الفيل بخبثه ونجاسته"، وكأن ذلك كان هدفه الأصلي من "الهجوم" الذي شنَّه على الفيل، وحتى يبرز نصره "المزعوم" أغفل عامدًا ما أنزله به الفيل من تمزيق مؤخِّرته، ومن إسالة دمائه. فنحن أمام ثعلب دعيّ مغرور، لا يعرف قدر نفسه، ولا يعيش واقعه، بل يعيش عالمًا من الوهم المنفوش، وقد حاول أن يوهم- بل يقنع- الآخرين بأنه واقعٌ بلا شطط أو إسراف. مهلاً أيها القارئ.. وأعتقد أن القارئ سيتهمني بالإبعاد والاستطراد الفارغ أو- على الأقل- بإثارةِ ما ليست له علاقةٌ بالموضوع الأصلي، وهو الاستفتاء، وأقول للقارئ العزيز: إنني بإيرادي حكاية الثعلب المختلّ إنما اقتربتُ من الموضوع الأصلي بكل عناصره، وشخوصه إلى حد الالتصاق. إن الحكاية كلها مثَلٌ لواقع نعيشه، وعلينا أن نتعلم من هذه الأمثال، فهي وسيلةٌ من وسائل التربية والإيضاح، وما أكثر ما ساق القرآن الكريم من الأمثال الهادفة، من ذلك قوله: - ﴿وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ (إبراهيم: من الآية 25). - ﴿وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (النور: من الآية 35). - ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ﴾ (إبراهيم: من الآية 24). - ﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ﴾ (الروم: من الآية 58). وإذا قمنا بتوزيع الأدوار في نطاق الشخوص والأماكن والأحداث خلصنا إلى ما يأتي: 1- مجتمع الغابة في الحكاية إنما هو تمثيلٌ للبيئة المكانية في البلاد العربية والإسلامية؛ حيث لا قوانين منضبطة عادلة منصفة، تنحاز للضعفاء المظلومين المقهورين، بل العكس هو الصحيح، فالغيلان والحيتان هم القانون والدستور والدولة. 2- والثعلب في الحكاية إنما هو تجسيدٌ للنظام القائم والحزب الوطني الديمقراطي، وهذا النظام وذاك الحزب إنما هما وجهان لموجود واحد، وكثعلب الحكاية الهلفوت نرى النظام الحاكم متخبِّطًا، مندفعًا في رعونة، متخِذًا من القرارات العشوائية غير المسئولة الكثير، ولو أدَّت بالوطن إلى هاوية الضياع والتخلُّف والإفلاس. ولننظر إلى مشروع توشكى الذي امتصَّ رصيد مصر دون اعتراض من أحدٍ، ولننظر إلى المسئولين عن "التعليم" الذين نجَحوا في إلقاء الجامعات المصرية خارج الـ500 جامعة في العالم بعد أن كانت جامعاتنا تأتي على القمة، في ترتيب جامعات العالم. في نطاق التطبيق وثعلب الحكاية ينفرد برأيه دون أن يستشير أحدًا، ويرفض بحدَّةٍ صوتَ العقل الذي يوجِّهه إخوانُه، ويمضي منفردًا برأيه ولو كان فيه دمارُه، وقد رأينا كيف رفَضَ نصيحة أصحابه بعدم التعرض للفيل. وقد اختار الثعلب الفيل لتوجيه ضرباته، وذلك لأسباب أهمها: 1- طيبة الفيل وسماحته وعفوه عند المقدرة، وهي خصائص خلُقية تمنع الفيل من الردِّ على الضربة (الثعلبية). 2- الانتصار على الفيل- وهو الحيوان الضخم القوي- يرفع من شأن الثعلب، ويمنحه من المجد والصيت ما لا يحققه لو انتصر على حيوان في مثل قدره وإمكاناته، كالذئب والضبع، فكانت النتيجة على غير ما توقَّع الثعلب المغرور، ولكنه لم يعترف بالواقع المرّ الدامي الذي آلَ إليه، فلجأ إلى التزوير وقلب الحقيقة، وهي واضحةٌ لكل ذي عينين، زاعمًا أنه أحرز نصرًا حاسمًا وذلك بتلويثه ناب الفيل. وأعيد تذكير القارئ بما يأتي: 1- أن الثعلب اختار لهجومه "شخصيةً مثاليةً متكاملةً"، لها مكانها الأثير في قلوب "مواطنيه" لسماحته وصدقه. 2- أن الثعلب يعد شخصيةً "سيكيوباتيةً"، كل همها أن تحقق ما تصبو إليه مهما كان الثمن. 3- أن الثعلب لجأ إلى أسلوب المغالطة، بقلب الحق باطلاً، وتزوير الواقع المرّ الدامي، وتلميع الهزيمة كأنها انتصارٌ غير مسبوق. وهي ملامح الحاكم الطاغية المغرور، السادي الطابع، الذي يعيش في وهم انتصار دائم لا وجود له، وقد لخصْتُ أهم هذه الملامح في الأبيات الآتية: كأنه لبني إبليس نسبتُهُ دستوره البغي والإحجاف والغَشمُ السجن والقيد والعدوان عدته وشر أعدائه الإسلام والقيم يقتات دمع الضحايا في زنازنهم كأن أنَّاتهم في أذْنهِ.. نَغَمُ ويدَّعي أنه للعدل ملجؤه وأنه للجياع الخبزُ والأدم وأنه عبقري العصر والعلم ومثلَ فطنته لم تُنجب الأُمم وهو الذي ذبح القانون من سفهٍ وضجَّ مما جناه الحِلُّ والحرم له بطانة سوء كم طغت وبغت وهم على الشعب دومًا نكبة عَمَمُ يا أيها الذي ماتت بصيرتُه حتى استوت عنده الأنوار والظلم لقد غدوت كوحش ناش إخوته ولم ترقَّ لمن كانت لهم رحمُ رأيتُ نارك في الأعداء باردةً لكن على الأهل جمر ساعر حممُ والحاكم "الثعلبي"- الطاغية- غالبًا ما يسلِّط جبروته وظلمه على الأتقياء الأنقياء من الشعب؛ لأنهم هم الذين يجابهونه بالحقيقة ولا ينافقونه، بل يعارضونه في قسوة وشجاعة، وهذا ما "أنجزه" حاكم مصر المحروسة في الحرب التي شنَّها على الإخوان المسلمين؛ لأنهم عارضوا ما يسمَّى "التعديلات الدستورية" وأعلنوا مقاطعتَهم للاستفتاء، وزُوِّر الاستفتاء، وسوِّدت بطاقاته خارج اللجان في اليوم السابق على إجرائه. وكانت مفردات هذا الاستفتاء فضيحةً إذا ما نظرنا إلى عدد الحضور وهو 9.179.833 (أي بنسبة 27%)، وهي أكذوبة كبرى، فالواقع المشهود يقول إن الحضور لا يتجاوز 5% من المواطنين حُملوا إلى اللجان حملاً، وأدلوا بأصواتهم تحت ضغط الوعد أو الوعيد. وجنّدت كلُّ القوى الحكومية لنجاح هذا الاستفتاء، وأُمِر علماء الدين أن يحرِّكوا مشاعر الناس الدينية للإدلاء بأصواتهم، وسمعنا الشيخ سيد طنطاوي يقول: إن على المواطنين أن يُدلوا بأصواتهم استجابةً لأمر الله الذي حرَّم كتمانَ الشهادة، وبذلك يكون الذين قاطعوا الاستفتاء قد ارتكبوا إثمًا.. إثمًا كبيرًا، ورفض هو- ومن في فلك فضيلته- أن يعتبروا مقاطعة الإخوان للاستفتاء من قبيل الاحتجاج والعصيان المدني، واعتبروها لونًا من ألوان كتمان الشهادة. والإمام الأكبر دار بينه وبين منى الشاذلي الحوار التالي: - هل وافقت في الاستفتاء على هذا التعديل الدستوري؟! - نعم، طبعًا وافقت.. - هل قرأت المواد الـ34 وما تئول إليه بعد التعديل؟! - طبعًا لا. - إذن على أي أساس توافق..؟! - طبعًا أوافق؛ لأن نواب الحزب الوطني- وهم يمثلون الأغلبية وافقوا- فهل أخرج على إجماع الأغلبية؟!!! وهذا التبرير الواهي من شيخ الأزهر يخالف النهج الإسلامي الذي قال رسوله: "لا يكن أحدكم إمعة، يقول: إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساءوا أسأت، ولكن وطِّنوا أنفسكم: إن أحسن الناس أحسنتم، وإن أساءوا فلا تسيئوا". ولا عجب أن يستحلَّ شيخ الأزهر هذا التصرُّفَ، فله من الآراء والفتاوى ما يدفعُنا إلى الترحُّم على شيوخ الأزهر السابقين، ومنها تحليل فوائد البنوك بإطلاق، وإباحة وضع التماثيل الضخمة للعلماء والزعماء في ميادين القاهرة والمدن الأخرى، والقول بأن الفدائي المسلم الذي يفجِّر نفسه في الصهاينة أو المواقع الصهيونية يعدُّ منتحرًا.. ومنها اتهام القائد حسن نصر الله بأنه مريضٌ بجنون العظمة؛ "لأنه يريد أن يكون مثل صلاح الدين الأيوبي"؟!! لقد تم تعديل المواد الأربع والثلاثين على يد النظام الحاكم وتزرية الحزب الوطني لتحقيق أهداف ومصالح النظام الحاكم، أهمها: 1- تكريس الاستبداد وحكم الفرد المطلق. 2- خلق الأجواء وتمهيد السبيل لتوريث السيد جمال مبارك بعد أبيه. 3- إغلاق كل الأبواب والمنافذ في وجوه الإخوان المسلمين وحرمانهم من الترشيح للمجالس النيابية. إن نتيجة الاستفتاء على فرض صحة الأرقام تُعدُّ فضيحة؛ لأن الشعب كان منصرفًا عن هذه العبثية، فالنتيجة معروفة قبل بدء الاستفتاء، والجميع يعلمون أن استيعاب 34 مادة وإبداء الرأي فيه نوع من المستحيل. ولنفرض أن المواطن يوافق على بعض المواد دون بعضها فماذا يفعل؟! ثم مسألة التعجيل بميعاد إجراء الاستفتاء، ثم التزوير الذي أصبح هو الأصل في عهد الثورة وخصوصًا العهد المباركي والحزب الوطني. إنها فترة سوداء من التاريخ كنا نتمنى أن تسقط من سجلِّ حياتنا، وكما فعل الثعلب الدعيّ المعتدي من زعمه أنه أحرز نصرًا حاسمًا على الفيل نرى قادة النظام يزعمون أن نتيجة الاستفتاء تعدُّ انتصارًا لشعبنا وبدايةً لعهدٍ جديدٍ لمزيد من الحرية والديمقراطية. وانطلقت صحف المستنقع تؤكد هذا المعنى على نحوٍ أكثر إسرافًا، وتهاجم الرجعيين.. طيور الظلام الذين قاطعوا الاستفتاء الذي مثَّل خطواتٍ جادَّةً إلى مجتمع الأمن والأمان والحرية والديمقراطية، ولا أملك إلا أن أقول: لك الله يا مصر.. لك الله يا مصر
__________________
مدونتي ميدان الحرية والعدالة
|
#2
|
||||
|
||||
![]() بسم الله الرحمن الرحيم جزاك الله خيراً اخى الفاضل |
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |