|
|||||||
| ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
|
وسائل فضّ المنازعات في ضوء الهدي القرآني (١-٢)
فرح خالد العازمي يتجلى في النهج القرآني تأكيده الدائم على الإصلاح وإقامة العدل في العلاقات الإنسانية، وهو ما يسوغ اعتماد مختلف وسائل فضّ المنازعات، سواء الطرائق التقليدية كاللجوء إلى القضاء، أو البدائل الحديثة كالتحكيم المؤسسي والحر، والوساطة، والمفاوضات المباشرة، وقد أمر الله بالحكم بالقسط في قوله -تعالى-: {فَإِن جاءوكَ فَاحكُم بَينَهُم أَو أَعرِض عَنهُم، وَإِن حَكَمتَ فَاحكُم بَينَهُم بِالقِسطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقسِطينَ} (المائدة: 42)، مبينًا أن العدل أساس كل حلٍّ للنزاعات. كما يرشد القرآن إلى منهج عملي للإصلاح حين تُخشى الفُرقة بين المتخاصمين، كما في قوله -تعالى-: {وَإِن خِفتُم شِقاقَ بَينِهِما فَابعَثوا حَكَمًا مِن أَهلِهِ وَحَكَمًا مِن أَهلِها} (النساء: 35)؛ إذ يجعل اختيار الحكمين من أهل الخبرة طريقًا لإعادة الوفاق، ثم يؤكد وحدة الأمة ووجوب رأب الصدع بين أفرادها في قوله: {إِنَّمَا المُؤمِنونَ إِخوَةٌ فَأَصلِحوا بَينَ أَخَوَيكُم} (الحجرات: 10)، ويُجمل القرآن هذا المنهج بقوله -تعالى-: {وَالصُّلحُ خَيرٌ} (النساء: 128)، ليقرر أن الصلح هو خيار الخير والمصلحة العامة للمجتمعات، ومن هنا يظهر القرآن الكريم منظومة متكاملة لتنظيم حياة الإنسان، تخاطب العقل والوجدان معًا، كما قال -سبحانه-: {ياأَيُّهَا النّاسُ قَد جاءَتكُم مَوعِظَةٌ مِن رَبِّكُم وَشِفاءٌ لِما فِى الصُّدورِ وَهُدًى وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنينَ} (يونس:57)، والقرآن في كل ذلك خطابٌ واضح الدلالة، لا غموض فيه ولا تعقيد، قال -تعالى-: {هذا بَيانٌ لِلنّاسِ وَهُدًى وَمَوعِظَةٌ لِلمُتَّقينَ} (آل عمران:138)، ليظلّ نور الهداية حاضرًا وقادرًا على توجيه الإنسان في كل ما يعرض له من خلافات وقضايا. الإصلاح والعدل في العلاقات الإنسانية ويتجلى في النهج القرآني دعوته الثابتة إلى الإصلاح والعدل في العلاقات الإنسانية، مما يسوغ وجود ما يُعرف اليوم بوسائل فض المنازعات، سواء كان ذلك بالوسائل التقليدية كاللجوء إلى القضاء، أو عبر البدائل كالمحاكمات التحكيمية، مؤسسية كانت أم حرة، أو الوساطة، أو حتى المفاوضات والحوار المباشر، وفي قوله -تعالى-: {فَإِن جاءوكَ فَاحكُم بَينَهُم أَو أَعرِض عَنهُم وَإِن تُعرِض عَنهُم فَلَن يَضُرّوكَ شَيْئًا وَإِن حَكَمتَ فَاحكُم بَينَهُم بِالقِسطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقسِطينَ} (المائدة: 42)، يبين الله ضرورة الحكم بالقِسط والعدل في حل الخلافات، وعند قوله -تعالى-: {وَإِن خِفتُم شِقاقَ بَينِهِما فَابعَثوا حَكَمًا مِن أَهلِهِ وَحَكَمًا مِن أَهلِها إِن يُريدا إِصلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَينَهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَليمًا خَبيرًا} (النساء: 35)، يحثّ على اختيار من له الدراية بالشأن لإرساء الإصلاح بين الأطراف؛ كما يأمرنا القرآن بالإصلاح بين الناس في قوله -تعالى-: {إِنَّمَا المُؤمِنونَ إِخوَةٌ فَأَصلِحوا بَينَ أَخَوَيكُم وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُم تُرحَمونَ} (الحجرات: 10). المصلحة العليا للجماعات وفي سورة النساء ذكر -جل جلاله-: {وَالصُّلحُ خَيرٌ} (النساء: 128)، ليذكرنا بأن السعي إلى الصلح وإرساء السلام هو المصلحة العليا للجماعات، وهنا لا يسعنا إلا الإقرار بأن القرآن الكريم منظومة متكاملة ترسم ملامح الحياة وتنظم شؤون الأفراد والمجتمعات، مخاطبًا بذلك العقل والوجدان معًا، قال -تعالى-: {ياأَيُّهَا النّاسُ قَد جاءَتكُم مَوعِظَةٌ مِن رَبِّكُم وَشِفاءٌ لِما فِى الصُّدورِ وَهُدًى وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنينَ} (يونس:57). كما أن القرآن الكريم ليس نصًا مبهمًا أو مشفرًا يتطلب وسيطًا لفك رموزه؛ بل هو خطاب بيّن واضح الدلالة، لقوله: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} (آل عمران:138). ![]() مرجعية القرآن الكريم في ضوء قوله -تعالى-: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ}، تنطلق فكرة هذا المقال، لتؤكد مرجعية القرآن الكريم، الحاكمة في فهم النفس البشرية وإدارة الخلافات، ويفترض هذا المقال تصوّرًا تأمليا منهجيا: ماذا لو اتخذنا القرآن الكريم بوصلةً حقيقية في حياتنا العملية، ولا سيما في مجال فضّ المنازعات؟ لا باعتباره نصا تعبّديا فحسب، بل باعتباره دليلًا سلوكيا وتشريعيا متكاملًا، يقدّم نماذج عملية لفهم النفس البشرية، وإدارة الخلاف، وبناء التصورات العادلة عند التحكيم أو التفاوض، أو الوساطة. مرحلتان محوريتان وانطلاقًا من هذه الفرضية، فهناك مرحلتين محوريتين في مسار دراسة الوسائل المتبعة في فض المنازعات، المرحلة الأولى: وهي ما قبل بداية النزاع، أي مرحلة التعاقد واختيار الوسيلة الملائمة لحلّ النزاع،ويبين المنهج القرآني فهم النفوس ودوافعها ويوجّه المتعاقدين لاختيار الوسيلة الأنسب لحلّ النزاع المحتمل. اما المرحلة الثانية: وهي ما بعد بداية النزاع، أي مرحلة إدارة الخلاف وجدلية الطرح والحوار، وفيها يُسلط الضوء على «أُسلوب المجادلة في القرآن». إن استحضار هذه المبادئ في دراستنا للقانون يمنحنا بعدًا أعمق في فهم طبيعة النزاعات وآليات حلها، بل ويجعلنا ندرك أن القرآن الكريم لم يكن مجرد كتاب تشريعات، بل هو منهج إصلاح للمجتمعات؛ حيث لا تقتصر أحكامه على العقوبات وإقامة العدل فحسب، وإنما تمتد لتشمل آداب التفاوض، وأسس المصالحة، ومبادئ التحكيم، وأهمية وضع آليات واضحة لفض المنازعات قبل حدوثه. أولاُ: كيف تختار الوسيلة الأنسب لحل النِزاع؟ في المرحلة السابقة لوقوع النزاع، عند إبرام العقد أو الاتفاق، يُعد تحديد وسيلة فض النزاع عنصرًا استباقيا في إدارة العلاقات، يجب أن يُبنى على فهم دقيق للطبيعة الخاصة للعلاقة وطرفها الآخر، كما أرشدنا القرآن، ليس كل نزاع يُحلّ بالتحكيم، والوساطة قد تفشل في بعض الحالات، بينما قد يكون القضاء هو الحل الأمثل في مواقف أخرى؛ لذلك، يجب أن تكون وسائل فض النزاع مرنة وتُبنى على فهم الأطراف المختلفة، وهذه القاعدة تجد جذورها في القرآن الكريم؛ حيث بيّن الله اختلاف طبائع البشر؛ ما يستدعي تفاوت أساليب التعامل معهم. فهم أصناف البشر في القرآن وأثره في اختيار وسيلة حـّل النزاع عند التمعّن في القرآن، نجد أن البشر ينقسمون إلى ثلاث فئات في تعاملهم مع الحقيقة، الأولى: ترفضها تمامًا، الثانية: مترددة وقابلة للحوار والإقناع، والثالثة: تتلاعب بها لتحقيق مآربها، هذا التصنيف لم يكن مجرد تحليل بشري، بل هو توجيه قرآني وضع إطارًا للتعامل مع النزاعات والصراعات الفكرية. أولًا: الصنـف المعاند قال -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} (البقرة:6)، هذه الآية تشير إلى فئة من الناس الذين رفضوا الحقيقة تمامًا، وأغلقوا قلوبهم على الإنكار، في النزاعات، وهؤلاء الأشخاص يرفضون أي وسيلة بديلة للحل، ويتمسكون بمواقفهم بعناد؛ فلا جدوى من محاولة إقناعهم بالحوار أو التفاوض؛ لأن هدفهم ليس الوصول إلى الحق، بل التمسك برأيهم؛ ما يجعل اللجوء إلى القضاء هو الخيار الأمثل. ثانيًـا: الصنف المتردّد هذا الصنف يشمل الأشخاص الذين قد ينكرون الحق في البداية، ولكنهم لا يزالون يملكون قابلية للتفكير والنقاش. يقول الله -تعالى-: {وَإِن كُنتُم فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُم صَادِقِينَ} فبالرغم من شكوكهم، اختاروا الكفر، وجعلوا الأدلة غير مؤثرة عليهم، هذا التحدي ليس لإثبات عجزهم، بل ليظهر أن إنكارهم ليس بسبب نقص في الأدلة، بل نتيجة استكبار، مثل هؤلاء الأشخاص الذين لا يرفضون الحلول البديلة نهائيا، يمكن مخاطبتهم بعقلانية ومنطق قانوني، مع تقديم حلول أكثر فاعلية وأقل تكلفة من اللجوء للقضاء. ثالثًـا: الصنف المراوغ وبين الوضوح التام في النوايا والرفض القاطع للحقيقة، تبرز فئة غامضة لا تُدرَك مقاصدها بسهولة، وهنا يوجّهنا القرآن الكريم إلى منهج متزن يجمع بين الحذر والاستعداد، دون أن يغلق باب السلم إن لاحت بوادره، كما في قوله -تعالى-: {وَإِمّا تَخافَنَّ مِن قَومٍ خِيانَةً فَانبِذ إِلَيهِم عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الخائِنينَ} (الأنفال: 58)، إلى قوله: {وَإِن جَنَحوا لِلسَّلمِ فَاجنَح لَها وَتَوَكَّل عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّميعُ العَليمُ} (الأنفال: 61)؛ ما يؤكد أن حسن اختيار وسيلة حل النزاع لا ينفك عن فقه الواقع وفقه النفوس معًا. بهذا المنظور، يتحوّل اختيار الوسيلة من مجرد بند شكلي في العقد إلى قرار استراتيجي مبني على فهم دقيق للنفس البشرية، وهو ما يدعو إليه القرآن ضمنيا من خلال إعادة الاعتبار للعقل، وتقديم النماذج التحليلية لسلوك الأفراد في مواقف الحق والاختلاف، ومن هنا، يمكننا الانتقال إلى دراسة أسلوب المجادلة في القرآن الكريم وكيفية تطبيقه في سياقات حل المنازعات. اعداد: الفرقان
__________________
|
|
#2
|
||||
|
||||
|
وسائل فضّ المنازعات في ضوء الهدي القرآني (2-٢)
فرح خالد العازمي ما زال حديثنا مستمرًا عن النهج القرآني وتأكيده الدائم على الإصلاح وإقامة العدل في العلاقات الإنسانية؛ حيث يُبرز المنهج القرآني حضورًا واضحًا لمبدأ الإصلاح وتحقيق العدل بوصفهما ركيزتين أساسيتين في بناء العلاقات الإنسانية وحلّ النزاعات؛ حيث دعا القرآن إلى اعتماد مختلف وسائل فضّ الخصومات، سواء عبر الطرائق القضائية التقليدية أو من خلال الوسائل البديلة الحديثة، كالتحكيم والوساطة والمفاوضات المباشرة، وقد أمر الله -تعالى- بالحكم بالقسط في قوله: {فَإِن جاءوكَ فَاحكُم بَينَهُم أَو أَعرِض عَنهُم، وَإِن حَكَمتَ فَاحكُم بَينَهُم بِالقِسطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقسِطينَ}، مبينًا أن إقامة العدل شرطٌ لكل حلٍّ ناجح، كما أرشد القرآن إلى منهج عملي للإصلاح عند احتمال وقوع الخصومة. أُسْلُـوبُ المُجَادَلَـةِ فِـي القُـرْآنِ يمكن اعتبار أسلوب المجادلة القرآني بمثابة خارطة طريق، توضح كيفية الرد على الافتراضات الباطلة، وتقديم الأدلة القاطعة بطريقة تضمن عدم التصعيد، والابتعاد عن التوترات غير الضرورية، وقبل أن نستعرض الكيفية التي أمرنا الله بها في مجادلة الآخرين، يجب أولًا أن نفهم طبيعة الباطل كما عرضها لنا القرآن الكريم.
(1) الأسلوب النبوي في تبليغ الرسالة أول ما يلفت النظر أن الخطاب الإلهي موجّه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو أصدق الناس وأحكمهم، فيقول له -تعالى-: {فَبِمَا رَحمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُم}، مبينًا أن اللين هو مفتاح التأثير، وأن الغلظة سببٌ لنفور الناس: {وَلَو كُنتَ فَظًّا غَليظَ القَلبِ لَانفَضّوا مِن حَولِكَ}. فإذا كان هذا توجيهًا لمن عصمه الله من الخطأ، فكيف بمن يحاور اليوم في قضايا معقدة ويخوض نزاعات لا يملك فيها عصمة؟ وفي موقف موسى وهارون -عليهما السلام- مع فرعون، يأمرهما الله بالقول الليّن رغم طغيانه: {فَقُولَا لَهُ قَولًا لَيِّنًا}؛ فالحكمة الربانية تبيّن أن الهدف من الجدال ليس الانتصار للنفس، بل إصلاح المخالف واستمالة قلبه، وهذا درس لكل دارس لوسائل فضّ المنازعات بأن اللين قوة لا ضعف، وأنه سبيل أمثل لتحقيق النتائج. وفي قصة يوسف -عليه السلام- مثال بديع للصفاء النفسي بعد النزاع؛ فقد عفا عن إخوته رغم ما لحقه منهم من أذى، وقال: {لَا تَثريبَ عَلَيكُمُ اليَومَ}، ثم نسب الخلاف للشيطان بقوله: {مِن بَعدِ أَن نَزَغَ الشَّيطانُ بَيني وَبَينَ إِخوتي}، وهو من أرقى النماذج على تغليب مصلحة الإصلاح على دوافع الانتقام، وهذه روح جوهرية في التسويات والصلح؛ إذ يقدم المتخاصمون التنازلات حفاظًا على الروابط الأسريّة والمجتمعية. (2) الأمر القرآني بإحسان القول يؤسس القرآن منهجًا شاملًا في حسن مخاطبة الآخرين، قائمًا على اللين والاحترام؛ فالله -تعالى- يأمر بقوله: {وَقُولوا لِلنّاسِ حُسنًا}، ويوصي باستعمال أجمل العبارات في قول الحق: {وَقُل لِعِبادِي يَقولوا الَّتي هِيَ أَحسَنُ إِنَّ الشَّيطانَ يَنزَغُ بَينَهُم}؛ فاختيار العبارات الحسنة يحفظ وحدة المجتمع، ويقطع الطريق على الشيطان. وتأتي قاعدة عظيمة في قوله -تعالى-: {ادفَع بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ}؛ أي قابل السيئة بالحسنة، والغضب بالحلم، والجهل بالصبر. وقد ذكر ابن عباس أن هذه الأخلاق تُورث الإنسان الحكمة، وتصنع من عدوه وليا قريبًا، كما في تتمة الآية: {فَإِذا الَّذي بَينَكَ وَبَينَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَميمٌ}. وهذا يفتح الباب لتسكين النزاعات الاجتماعية والأسرية؛ حيث تتوتر النفوس وتتباعد الآراء، فيأتي خُلُق الدفع بالأحسن وسيلة للتهدئة. ويظهر هذا المنهج جليا في الدعوة إلى الله: {ادعُ إِلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجادِلهُم بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ}، كما يظهر في الحوار مع أهل الكتاب: {وَلَا تُجادِلوا أَهلَ الكِتابِ إِلّا بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ}، وهو دليل على أن اللين منهج عام لا يُستثنى منه حتى من يختلف مع المسلم عقيدةً. (٣) الوفاء بالعقود حتى مع المخالفين ويمتد هذا المبدأ ليشمل الوفاء بالعقود حتى مع المخالفين، كما في قوله -تعالى-: {فَمَا استَقاموا لَكُم فَاستَقيموا لَهُم}؛ إذ يربط القرآن الوفاء بالعهد بالتقوى، ويجعلها قيمة أخلاقية لا تتغير بتغير الهوية الدينية للطرف الآخر، وفي سياق النزاعات، يذكّر القرآن بضرورة عدم نسيان الفضل السابق: {وَلَا تَنسَوُا الفَضلَ بَينَكُم}؛ لأن لحظة الخصومة تُنسي بعض الناس الخير المتبادل، فيعيد القرآن التذكير به لصيانة العلاقات الإنسانية من التصدع. كما يؤكد القرآن ضرورة العدل المطلق حتى في مناخ العداوة: {وَلَا يَجرِمَنَّكُم شَنَآنُ قَومٍ عَلى أَلّا تَعدِلوا}، ويجعل العدل هو الطريق إلى التقوى، بل يذهب إلى أبعد من ذلك حين يأمر بالعدل مع النفس والأقارب: {كونوا قَوّامينَ بِالقِسطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَو عَلى أَنفُسِكُم}؛ فإقامة الحق لا ينبغي أن تُعطّلها عاطفة أو قرابة أو مصالح شخصية؛ لأن العدل أساس استقرار المجتمعات وأمنها. ومن أنواع الظلم التي يقع فيها بعض الأطراف < عند النزاع: الغش والتطفيف، وقد توعّد الله هؤلاء بقوله: {وَيلٌ لِلمُطَفِّفينَ}، الذين يأخذون حقوقهم كاملة ويُنقصون حقوق غيرهم. كما نهى عن وسائل التجسس وتتبع العثرات؛ لأنها تُنتج أجواءً من الريبة والعداوة: {وَلَا تَجَسَّسوا وَلَا يَغتَب بَعضُكُم بَعضًا}، وفي هذا تأكيد أن النزاعات يجب ألا تجرّ الإنسان إلى أخلاق محرّمة بحجة الدفاع عن الحق.
خلاصة القول يرسم القرآن منهجًا فريدًا في إدارة الخلاف والمجادلة، قائمًا على العدل واللين والحكمة، وهو منهج يوازن بين قوة الحق ورقّة الأسلوب، ويضع قواعد تحكم الكلمة، وتضبط الخطاب، وتحفظ السلم الاجتماعي، ويؤكد القرآن أن الحق لا ينتصر بالحدة، ولا يزول الباطل بالضجيج، وأن العدل قيمة عليا لا تتغير بتغير الأشخاص أو الظروف، وأن الأصل في الخطاب هو الإحسان، وفي النزاع الإصلاح، وفي الخصومة تذكّر الفضل، وفي القول الطيب الثابت. اعداد: forqan
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |