موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من الديون - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         علامات الزهايمر المبكرة.. انتبه إليها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          طرق علاج الرمد الربيعي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          ارتفاع ضغط الدم الكاذب: ما هي أسبابه وهل يتطلب علاج؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          طرق علاج الجلطة الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          ما هي أسباب مرض الزهايمر؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          أبرز فوائد الجيلاتين لصحة الجسم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          7 أطعمة ترفع الكوليسترول الضار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الجيلاتين: معلومات تهمك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          أعراض الزهايمر.. النسيان ليس العرض الوحيد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          ما هي أعراض الجلطة الدموية؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم اليوم, 04:49 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,986
الدولة : Egypt
افتراضي موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من الديون

مَوْقِفُ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم من الدُّيون

الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
إِنَّ الحمدَ للهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70-71].


أمَّا بعدُ:فلقدْ تَحَدَّثنا في الْجُمُعَتينِ الْمَاضِيَتَيْنِ عنِ استعاذةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مِنَ الْهَمِّ والغَمِّ والْحَزَنِ، والعَجْزِ والكَسَلِ، قال أنس رضي الله عنه: (كُنْتُ أَسْمَعُهُ صلى الله عليه وسلم كثيرًا يقولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِن الْهَمِّ والْحَزَنِ، والعَجْزِ والكَسَلِ، والبُخْلِ والْجُبْنِ، وضَلَعِ الدَّيْنِ، وغَلَبَةِ الرِّجالِ») رواهُ البخاريُّ.


وسنتحدَّث في هذه الْجُمُعَةِ إن شاءَ اللهُ عن استعاذتهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ ضَلَعِ الدَّينِ وغَلَبَةِ الرِّجالِ.


عباد الله: ضَلَعُ الدَّيْن: قالَ الْمُناوي: (أَيْ: ثِقَلُهُ وَشِدَّتُهُ، وذلكَ حِينَ لا يَجِدُ مَنْ عليْهِ الدَّيْنُ وفَاءَهُ، لا سِيَّمَا مَعَ الْمُطَالَبَةِ، وقالَ بَعْضُ السَّلَفِ: «مَا دَخَلَ هَمُّ الدَّيْنِ قَلْبًا إِلاَّ أَذْهَبَ مِنَ الْعَقْلِ مَا لا يَعُودُ إِلَيْهِ»، ولِذا وَرَدَ: «الدَّيْنُ شَيْنُ الدِّينِ»، «وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ»: أَيْ: قَهْرِهِمْ وَشِدَّةِ تَسَلُّطِهِمْ عَلَيْهِ، والْمُرَادُ بِالرِّجَالِ الظَّلَمَةُ ‌أَوِ ‌الدَّائِنُونَ، واسْتَعَاذَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ مِنْ أَنْ يَغْلِبَهُ الرِّجَالُ لِمَا في ذلِكَ مِنَ الْوَهْنِ في النَّفْسِ).


وقال ابنُ القيِّم: (وقَهْرُ الناسِ لهُ إمَّا بِحَقٍّ فهُوَ ضَلَعُ الدَّيْنِ، أو بباطِلٍ فهُوَ غَلَبَةُ الرِّجالِ).


عبد الله: انظرْ وَفَّقَكَ اللهُ إلى أَطْوَلِ آيةٍ في القرآن الكريم، وهي آيةُ الدَّيْنِ، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ﴾ [البقرة: 282] الآية، فإنك تَجُدُها تنحو نحو التحذيرِ مِن الدَّين مِن بِدْئِهَا إلى نِهَايَتِها، فقد اشتملَت على التضييقِ والتشديدِ ووضعِ القُيُودِ على هذا النمطِ مِن التعامُلِ، لِيَنْفُرَ الناسُ مِن هذه الدُّيونِ حتى لا تَشيعَ في الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ، إذنْ: ما هُوَ مَوْقِفُ رَسُولِنا صلى الله عليه وسلم مِن الدَّينِ؟


أولًا: التَّشْدِيدُ في الدَّينِ مِن اللهِ تعالى: (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ وَضَعَ رَاحَتَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: «سُبْحَانَ اللهِ، مَاذَا نُزِّلَ مِنَ التَّشْدِيدِ؟» فَسَكَتْنَا وَفَرِقْنَا، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ سَأَلْتُهُ، يَا رَسُولَ اللهِ مَا هَذَا التَّشْدِيدُ الَّذِي نُزِّلَ؟ فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ رَجُلًا قُتِلَ في سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ أُحْيِيَ، ثُمَّ قُتِلَ ثُمَّ أُحْيِيَ، ثُمَّ قُتِلَ وَعَلَيْهِ دِينٌ مَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ‌حَتَّى ‌يُقْضَى ‌عَنْهُ ‌دَيْنُهُ») رواه النسائي في الكبرى والحاكم وصحَّحه ووافقه الذهبي وحسَّنه الألباني.


قال الطِّيبيُّ: (لَعَمْرِي ‌لَمْ ‌نَجِدْ ‌نَصًَّا ‌أَشَدَّ وأَغْلَظَ مِنْ هَذا في بَابِ الدَّيْنِ) انتهى.


وتفكَّر يا عبدَ اللهِ في قولِ الراوي: (فَرَفَعَ رَأْسَهُ صلى الله عليه وسلم إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ وَضَعَ رَاحَتَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ) حيث عبَّر بالحرف (ثُمَّ) مِن إفادة معنى العطف مع الترتيب والتراخي الزَّمَنِي، مِمَّا يُبرزُ لكَ طُولَ الْمُدَّةِ الزمنيةِ التي طال فيها رفعُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم رأسه إلى السماءِ، وهذا يَدُلُّكَ بأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أثناءَ تِلكَ الْمُدَّةِ الزمنيةِ أُوحيَ إليهِ بشيءٍ أفزعَهُ وانتابَهُ واستولى على اهتمامهِ وأذهلَ فِكْرَهُ، مِمَّا أَطالَ مُدَّة رَفْعِهِ إلى السماءِ ليستقبلَهُ في دِقَّةٍ وتَرَقُّبٍ، وكانَ مِن آثارهِ ما بدا عليهِ مِن تنكيسِ رأسهِ، ثم وضعهِ راحةَ يدِه -أي كَفَّ يَدِهِ- على جبهتهِ، لِيَدُلَّكَ على ما أصابه صلى الله عليه وسلم مِن قَلَقٍ وَوَجَلٍ وخوفٍ على أُمَّتِهِ مِن الدُّيونِ، وفي تسبيحه صلى الله عليه وسلم في بداية الحديث ووضعه راحةَ كَفِّهِ على جبهته في آخر الحديث تثبيتٌ لنفسهِ وتهدئةٌ لِرَوْعِه، وفي تعبيره صلى الله عليه وسلم: (مَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ‌حَتَّى ‌يُقْضَى ‌عَنْهُ ‌دَيْنُه) يُوحي بِثِقَلِ الدَّينِ، وأنَّ هذا الشهيد في أَمَسِّ الحاجةِ لِمَن يَقضي عنهُ دَيْنهُ، ويُزيحَ عنه ما هو فيه مِن حَجْبٍ ومَنْعٍ لِما يَنتظرُه من الثواب العظيم.


ثانيًا: الدَّينُ لا تُكفِّرُه الشهادةُ في سبيلِ اللهِ مَع عَظَمةِ ثوابها: (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «‌يُغْفَرُ ‌لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلاَّ الدَّيْنَ») رواه مسلم.


و(عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ سَمِعَهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ قَامَ فِيهِمْ فَذَكَرَ لَهُمْ: أَنَّ الْجِهَادَ في سَبِيلِ اللهِ وَالإِيمَانَ بِاللهِ أَفْضَلُ الأَعْمَالِ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللهِ تُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ، إِنْ قُتِلْتَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: كَيْفَ قُلْتَ؟ قَالَ: أَرَأَيْتَإِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللهِ، أَتُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ، وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ، إِلاَّ الدَّيْنَ، فَإِنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام قَالَ لي ذَلِكَ») رواه مسلم.


قال النووي: (فيه الْفَضِيلَةُ الْعَظِيمَةُ لِلْمُجَاهِدِ وهىَ تكفيرُ خطاياهُ كُلَّها إلاَّ حُقوقَ الآدَمِيِّينَ.. وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «إِلاَّ الدَّيْنَ» فَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى جَمِيعِ حُقُوقِ الآدَمِيِّينَ، ‌وَأَنَّ ‌الْجِهَادَ ‌وَالشَّهَادَةَ وَغَيْرَهُمَا مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ لا يُكَفِّرُ حُقُوقَ الآدَمِيِّينَ، وإِنَّمَا يُكَفِّرُ حُقُوقَ اللهُ تَعَالَى) انتهى.


ثالثًا: امتناعُه صلى الله عليه وسلم عن الصلاةِ على الْمَدِينِ حتَّى يُضْمَنَ دَيْنُه: (عَنْ جَابِرٍ قَالَ: تُوُفِّيَ رَجُلٌ، فَغَسَّلْنَاهُ وَحَنَّطْنَاهُ وَكَفَّنَّاهُ، ثُمَّ أَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي عَلَيْهِ، فَقُلْنَا: نُصَلِّي عَلَيْهِ، فَخَطَا خُطَىً، ثُمَّ قَالَ: أَعَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قُلْنَا: دِينَارَانِ، فَانْصَرَفَ، فَتَحَمَّلَهُمَا أَبُو قَتَادَةَ، فَأَتَيْنَاهُ، فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: الدِّينَارَانِ عَلَيَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: حَقَّ الْغَرِيمِ، وَبَرِئَ مِنْهُمَا الْمَيِّتُ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ: ‌مَا ‌فَعَلَ ‌الدِّينَارَانِ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا مَاتَ أَمْسِ، قَالَ: فَعَادَ إِلَيْهِ مِنَ الْغَدِ، فَقَالَ: لَقَدْ قَضَيْتُهُمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: الآنَ بَرَّدَتْ عَلَيْهِ جِلْدَهُ) رواه الإمامُ أحمد وحسَّنه مُحقِّقُو المسندِ.


وفي هذا الحديث تنبيهٌ من صلى الله عليه وسلم لأُمَّتِهِ إلى أنَّ أوَّلَ ما يُسألُ عليه بعد الموتِ وقبل الدَّفْنِ هو الدَّين، لِخُطُورتهِ على الْمَيِّت، فيُبادَرُ الورثةُ إلى سُرعةِ أداء الدَّينِ قبل الصلاةِ على مَيِّتِهم ودفنهِ، ويُبادَرُ مَن التزمَ بدَينِ الْمَيِّتِ إلى تعجيل السدادِ حتى يَبرَأ الْمَيِّتُ مِن دينهِ.


قال الشوكانيُّ: (قَوْلُهُ: «الآنَ بَرَّدَتْ عَلَيْهِ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى ‌أَنَّ ‌خُلُوصَ ‌الْمَيِّتِ مِنْ وَرْطَةِ الدَّيْنِ وَبَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَرَفْعُ الْعَذَابِ عَنْهُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْقَضَاءِ عَنْهُ لا بِمُجَرَّدِ التَّحَمُّلِ بِالدَّيْنِ بِلَفْظِ الضَّمَانَةِ، وَلِهَذَا سَارَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلَى سُؤَالِ أَبِي قَتَادَةَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي عَنْ الْقَضَاءِ) انتهى.


رابعًا: تحذيرُه صلى الله عليه وسلم من نيَّةِ عدم السدادِ للدَّين: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «‌مَنْ ‌أَخَذَ ‌أَمْوَالَ ‌النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلافَهَا أَتْلَفَهُ اللهُ») رواه البخاري.


و(عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «‌مَنْ ‌مَاتَ ‌وَعَلَيْهِ ‌دِينَارٌ أَوْ دِرْهَمٌ قُضِيَ مِنْ حَسَنَاتِهِ، لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ») رواه ابن ماجه وحسَّنه المنذري وصححه الألباني.


و(عَنْ سَعْدِ بْنِ الأَطْوَلِ قَالَ: مَاتَ أَخِي وَتَرَكَ ثَلاثَ مِئَةِ دِينَارٍ، وَتَرَكَ وَلَدًا صِغَارًا، فَأَرَدْتُ أَنْ أُنْفِقَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أَخَاكَ ‌مَحْبُوسٌ ‌بِدَيْنِهِ، فَاذْهَبْ فَاقْضِ عَنْهُ، قَالَ: فَذَهَبْتُ، فَقَضَيْتُ عَنْهُ، ثُمَّ جِئْتُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ قَضَيْتُ عَنْهُ، وَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ امْرَأَةً تَدَّعِي دِينَارَيْنِ، وَلَيْسَتْ لَهَا بَيِّنَةٌ، قَالَ: أَعْطِهَا، فَإِنَّهَا صَادِقَةٌ) رواه الإمام أحمد وصحَّحه محققو المسند.


خامسًا: تأثيرُ الدَّينِ على أخلاقِ الْمُسلمِ: عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو في الصَّلاةِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَفِتْنَةِ الْمَمَاتِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا أَكْثَرَ مَا ‌تَسْتَعِيذُ ‌مِنَ ‌الْمَغْرَمِ؟ فَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ، حَدَّثَ فَكَذَبَ، وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ») رواه البخاري ومسلم.


ففي هذا الحديث مُناجاةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لربِّه تعالى في صلاتهِ، وطلبه الاستعاذة والحماية والتحصين مِن هذه الأمور، ومنها: الاستعاذةُ مِن المأثم، وهو الذي يأثم الإنسان بارتكابه، وسُئلَ عن سِرِّ كثرةِ تعوُّذهِ صلى الله عليه وسلم مِن الْمَغْرَمِ؟ فقال: (إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ، حَدَّثَ فَكَذَبَ، وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ)، وهاتان الجملتان: كناية عن تَخَلُّق هذا الرجل بشعبتين من شُعَبِ النفاق، قَالَ الْمُهَلَّبُ: (يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ سَدُّ الذَّرَائِعِ; لأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم اسْتَعَاذَ مِنَ الدَّيْنِ، لأَنَّهُ في الْغَالِبِ ‌ذَرِيعَةٌ ‌إِلَى ‌الْكَذِبِ في الْحَدِيثِ والْخُلْفِ فِي الْوَعْدِ مَعَ مَا لِصَاحِبِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ مِنَ الْمَقَالِ) انتهى.

الخطبة الثانية
أما بعد: فَلِلتَوَرُّطِ في الدَّينِ أسبابٌ كثيرةٌ، منها:
1- ضعف الوازع الديني وقلة الإيمان في باب الحقوق والْمَظالم.

2- التساهلُ في الدَّين والتهاون فيه.

3- التأثر بالبيئة المحيطة وأعراف الناس.

4- الإسراف في الكماليات والزينة.

5- الافتتان بالأسفار والرحلات.

6- المبالغة والتكلف في إكرام الضيوف.

عبدَ الله: مِن الوسائل التي تَحميكَ بعْدَ اللهِ مِن الوقوع في الدَّين:
1- الاستعاذة باللهِ من الدَّينِ قبل وقوعه وبعد وُقوعه.


2- تدبيرُ الْمَالِ وحُسْن تصريفهِ وتقديم الأهم فالْمُهم.


3- ادِّخارُ شيءٍ مِن الْمَال للحوائج والضائقات، (قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا، مَا يَسُرُّنِي أَنْ لا يَمُرَّ عَلَيَّ ثَلاثٌ وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ، إِلاَّ شَيْءٌ ‌أَُرْصِدُهُ ‌لِدَيْنٍ) رواه البخاري ومسلم.


4- الاقتصاد في الإنفاق على قدر الحاجة، قال تعالى: ﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ﴾ [الإسراء: 29].

5- القناعة والرِّضا بما قَسَمَ الله مِن الرِّزق والتكيُّف على حسب الظروف والإمكانيات، والتفكُّر في عِظَمِ نِعَمِ اللهِ عليكَ، (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ ‌آمِنًا ‌فِي ‌سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا») رواه الترمذي وحسَّنه الألباني.


6- التأنِّي والتروِّي في شِراء السِّلَعِ وضبط النفس على التحكم في عدم شراء السلع الغالية، (قِيلَ لإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ: إِنَّ اللَّحْمَ قَدْ غَلا، فَقَالَ: ‌«أَرْخِصُوهُ»، أَيْ لا تَشْتَرُوهُ) رواه ابن عساكر في تاريخ دِمَشق.


7- الوعي بخطورةِ الدَّينِ وقراءةِ النصوص والآثار الواردة فيه.


8- تربيةُ أفرادِ الأُسرة على حُسْنِ التصرُّفِ بالْمَال والادِّخارِ وتَحَمُّلِ المسؤولية المالية.


9- تحكيم العقل في الدِّعاياتِ وعدمِ الغُلُوِّ في تَتَبُّع الْمَوْضَةِ على حسابِ الدُّيونِ.


عبدَ اللهِ: إذا اشتدَّت عليكَ الحاجَةُ للدَّين، فاعزم السداد، عن (صُهَيْبِ الْخَيْرِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «أَيُّمَا رَجُلٍ تَدَيَّنَ دَيْنًا وَهُوَ مُجْمِعٌ أَنْ لا يُوَفِّيَهُ إِيَّاهُ، ‌لَقِيَ ‌اللهَ ‌سَارِقًا») رواه ابن ماجه وصححه الألباني، وليكن دَيْنُكَ في حلالٍ ومِن حلالٍ: (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ ‌مَعَ ‌الدَّائِنِ ‌حَتَّى ‌يَقْضِيَ دَيْنَهُ، مَا لَمْ يَكُنْ فِيمَا يَكْرَهُ اللهُ») رواه ابن ماجه وصححه البوصيري، وعليك أنْ تُوَثِّقَ دُيونك وتكتبها في وصيتك، وتَحْرِص على سدادها في الدُّنيا، حتى إن عجزت عنها لم تضع حقوق الخلق، وسخَّر الله لكَ مَن يقضيها عنك من ولدك وقرابتك، وينبغي عليك أن تجتهد في إبراءِ ذِمَّةِ والديك مِن الدُّيون، وتَحرص على استنقاذهم من هول الحساب والنار.


وسُئل الشيخ ابن عثيمين عمَّن يستدين مِن أجلِ أنْ يُتاجر؟


فأجاب: (استدانةُ الشخص ليضع ما استدانه في هذه الأسهم فإنهُ مِن السَّفَه، سواء استدان ذلك بطريق شرعي كالقرض، أو بطريق ربوي صريح، أو بطريق ربوي بحيلة يُخادع بها ربَّه والمؤمنين، وذلك لأنه لا يدري هل يستطيعُ الوفاء في المستقبل أم لا، فكيف يشغل ذِمَّتَهُ بهذا الدَّين، وإذا كان الله تعالى يقول: ﴿ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ [النور: 33] الآية، ولم يُرشد هؤلاءِ الْمُعْدَمِين إلى الاستقراض، مع أنَّ الحاجةَ إلى النكاحِ أَشَدُّ مِن الحاجةِ إلى كثرةِ الْمَالِ، وكذلك النبيُّ صلى الله عليه وسلم لم يُرشد مَن لم يَستطع الباءةَ إلى ذلك، ولم يُرشد مَن لم يَجد خاتَمًا مِن حديدٍ يَجعلُه مَهْرًا إلى ذلك، فإذا كان هذا دلَّ على أنَّ الشارعَ لا يُحبُّ أنْ يَشْغَلَ الْمَرْءُ ذِمَّتَهُ بالدُّيونِ، فليحذرِ العاقلُ الحريصُ على دِينهِ وسُمْعَتِهِ مِن ‌التورُّطِ ‌في ‌الدُّيون) انتهى.


وبعدُ فيا عبادَ الله: احذروا مِن الدُّيون، فهي هَمٌّ وذُلٌّ، وضياعٌ للحَسَناتِ عند عدم السداد، وقد تَجُرُّ إلى الرِّبا والكذب، فهذا شهيدٌ حُجِبَ عن الجنةِ بسببِ دَيْنِهِ، وهذا آخَرُ تُكَفَّرُ خَطَاياهُ كلُّها إلاَّ الدَّين، وهذا مَيِّتٌ يَمْتَنِعُ النبيُّ صلى الله عليهِ وسلم مِن الصلاةِ عليهِ بسببِ دينارينِ عليه، ولم يُصلِّ عليهِ حتى استوثقَ مِن أحد الصحابةِ بتَحَمُّلِه لهما، وتقدَّم أن الدُّيون لا بُدَّ أنْ تُقضى، إمَّا أنْ يَقْضِيها الْمَدينُ في الدنيا، أو ورثتُه بعد مماتهِ، أو أيَّ ضَمَانٍ آخر، فإذا لم تُقضى كان قضاؤُها في الآخرة بالحسنات والسيئات، أو بإرضاءِ اللهِ عزَّ وجلَّ للغريمِ.


فاصبرْ يا عبدَ اللهِ عن الاستدانة والاقتراضِ ولا تُخِف نَفْسَكَ، قال صلى الله عليه وسلم: («لا تُخِيفُوا أَنْفُسَكُمْ بَعْدَ أَمْنِهَا؟» قَالُوا: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «الدَّيْنُ») رواه الإمام أحمد وحسنه محققو المسند.


واصبر عبدَ الله ما استطعتَ عن الاقتراض مِن الناس فإنَّ فَرَجَ اللهِ قريبٌ، ورحْمَتهُ قريبٌ مِن الْمُحسنين، وعليكَ بالدُّعاءِ والعمل بالأسباب المشروعة، وانتظر فرَجَ اللهِ ولا تكُنْ مِن القانطين.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 64.15 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 62.48 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.61%)]