وقاحة التبرير - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 250 - عددالزوار : 4502 )           »          خطبة جمعة عن الهواتف والإنترنت ووسائل التواصل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          خطبة الاستسقاء 1447 هـ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          في ظلال آية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          بلزوم الاستغفار والدعاء يدوم الخير والرخاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          الجنة ونعيمها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          ظاهرة كسب المال الحرام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          من الفائز؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          الداخلون الجنة بغير حساب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          الذين يصلي عليهم الله وتصلي عليهم الملائكة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم يوم أمس, 07:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,889
الدولة : Egypt
افتراضي وقاحة التبرير

وقاحة التبرير!

حسان أحمد العماري

الخطبة الأولى
الحمد لله الذي خلق الإنسان وكرَّمه، وزيَّنه بالعقل والضمير، وأمره بالعدل والإحسان، ونهاه عن الظلم والعدوان، نحمده سبحانه ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أيها المؤمنون، إن من أعظم ما يُبتلى به الإنسان في حياته هو اختبار الصدق مع النفس، والثبات على المبادئ، لا سيما حين تتعارض الأهواء مع القيم، وتتنازع النفس بين ما تحب وما يجب. وفي مثل هذه اللحظات، يبدأ العقل في البحث عن مخرجٍ يُسكِّن به وخز الضمير، ويُهدِّئ به صراخ الفطرة، فيلجأ إلى ما يُعرف بالتبرير الأخلاقي، حيث لا يبرِّر الإنسان خطأه للناس فقط، بل يقنع به نفسه أولًا.

عباد الله، لقد أشار القرآن إلى هذا السلوك في مواضع كثيرة، منها قول الله تعالى عن المنافقين: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ﴾ [التوبة: 49].

فهم لم يطلبوا الإذن لسبب حقيقي، بل تذرَّعوا بالفتنة وهم في الحقيقة قد سقطوا فيها، وضلُّوا السبيل وهم يظنون أنهم يحسنون صنعًا.

أيها المؤمنون، إن التبرير الأخلاقي له صورٌ متعددةٌ، تمرُّ بأربع مراحل، تبدأ بتزيين الخطأ، وتنتهي بتعطيل الضمير.

المرحلة الأولى:تبرير الهدف، حيث يقول المرء: "اضطررت لذلك من أجل المصلحة العامة"، فيغلف الخطأ بنيَّة حسنة؛ فتراه مديرًا يتجاوز النظام بحجة تسريع الإنجاز، أو والدًا يصرخ في وجه ابنه مدعيًا أنه يربيه لمصلحته، بينما هو في الحقيقة يفرغ غضبه لا أكثر.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"؛ [متفق عليه]، لكن النية لا تُصلِح الفعل الفاسد، ولا تُبرر الظلم، ولا تُبيح الحرام.

ثم تأتي المرحلة الثانية:تخفيف المسؤولية، فيقول لنفسه: "الجميع يفعل الشيء نفسه"؛ كموظف يتأخر عن الدوام لأنه يرى زملاءه يفعلون ذلك، أو طالب يغش لأن "الكل يغش"؛ وهكذا يذوب الخطأ في الجماعة، وتُمحى المسؤولية الفردية تحت غطاء التقليد، قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ [الأنعام: 164].

فكل امرئ مسؤول عن نفسه، ولا يُعذر بتقليد غيره، ولا يُقبل منه أن يقول: ﴿ وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ ﴾ [الزخرف: 22].

ثم تأتي المرحلة الثالثة:إلقاء اللوم على الآخر، فيقول: "لو لم يتصرف هو هكذا، لما أخطأت أنا"، فنجد زوجًا يجرح زوجته ثم يقول: "هي استفزَّتني"، أو قائدًا يظلم أحد موظفيه ويقول: "لو كان ملتزمًا لما حدث ذلك". يُحمِّل غيره وزر ما فعله بيده، وينسى قول الله تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴾ [المدثر: 38].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تَكُونُوا إِمَّعَةً، تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا..."؛ [رواه الترمذي].

ثم تأتي المرحلة الرابعة:تغيير اللغة، فيُخفف وقع الخطأ بتغيير وصفه، فيقول عن الظلم: "تصرف غير موفق"، وعن الكذب: "مبالغة بسيطة"، وعن الغيبة: "فضفضة"، وعن الرشوة: "هدية".

وهكذا يُفرَّغ الخطأ من معناه، ويُطمس قبحه، ويُقدَّم في ثوبٍ مقبول، قال الله تعالى: ﴿ بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾ [القيامة: 14-15].

عباد الله، أول مَن برَّر خطأه في الوجود كان إبليس، حين أمره الله بالسجود لآدم فأبى واستكبر، ولم يعترف بذنبه، بل برر معصيته بقوله: ﴿ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾ [الأعراف: 12].

فلم يقل: "عصيتك يا رب فاغفر لي"، بل سوَّغ العصيان بالكبر، فطُرد من رحمة الله إلى يوم القيامة. وهكذا يبدأ الضلال من لحظة تبريرٍ واحدةٍ.

وكذلك فعل اليهود من بعدهم، حين عصوا أنبياء الله وقتلوا المرسلين، وكانوا كلما أمرهم الله بشيء التمسوا الحيلة والمخرج، كما قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ﴾ [البقرة: 65].

واليوم يعيد أحفادهم المشهد نفسه في غزة، حيث يُبررون قتل الأطفال والنساء والشيوخ، وتدمير البيوت والمستشفيات والمدارس، بقولهم: "نُدافع عن أنفسنا"، بينما يشهد العالم كله أن ما يحدث هو عدوانٌ سافرٌ ومجازر مروعة، راح ضحيتها أكثر من ثمانين ألف شهيد، وجُرح ضعفهم، ودُمِّرت مدينة بأكملها، وكل ذلك تحت تبريرات واهية تُخفي وجهًا أسود للظلم والكِبر.

قال الله تعالى عن أمثالهم: ﴿ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ﴾ [آل عمران: 118].

عباد الله، تأملوا في موقف الصادقين؛ ككعب بن مالك رضي الله عنه حين تخَلَّف عن غزوة تبوك، فلم يبرر، ولم يكذب، بل قال: "يا رسول الله، لو جلست عند غيرك لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر، ولكني والله لقد علمت..."، فصدقه النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت توبته من فوق سبع سماوات، ﴿ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا ﴾ [التوبة: 118].

اللهم يا من لا تخفى عليه خافية، طهِّر قلوبنا من النفاق، وألسنتنا من الكذب، وأعمالنا من الرياء. اللهم اجعلنا من الصادقين مع أنفسهم، المعترفين بذنوبهم، التائبين إليك، ولا تجعلنا من الذين يُبرِّرون الخطأ ويُزيِّنونه لأنفسهم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله الذي فتح لعباده باب التوبة، وجعل من الاعتراف بالذنب بدايةً للهداية، ومن الصدق مع النفس طريقًا إلى الجنة. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أيها المؤمنون، إن أخطر ما في التبرير الأخلاقي أنه يُطبطب الضمير حتى ينام، ويُعطِّل البوصلة الأخلاقية حتى يتيه الإنسان وهو يظن أنه على صواب، قال الله تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ [الكهف: 103-104].

عباد الله، إن الاعتراف بالخطأ لا يُنقص من قدر الإنسان، بل يرفعه عند الله، ويُطهِّر قلبه، ويُعيد إليه صفاءه. أما التبرير، فإنه يُراكِم الذنوب، ويُغلق باب التوبة، ويُطفئ نور الفطرة.

علينا أن نُربِّي أنفسنا وأهلينا على ثقافة الاعتراف لا ثقافة الأعذار، على فضيلة الصدق لا حيلة التبرير. أن نُعلِّم أبناءنا أن يقولوا: "أنا أخطأت"، لا "هو السبب"، وأن نُعلِّم طلابنا أن الغش حرام ولو فعله الجميع، وأن نُعلِّم موظفينا أن التقصير لا يُبرر، ولو كان شائعًا.

وأن يتعلم هذا الخلق الوالد والوالدة، والمعلم والطالب، والموظف والمدير، والحاكم والمحكوم سواءً بسواء.

فالمسلم لا يُذيب خطأه في الجماعة، ولا يُحمِّل غيره وِزْر فعله، ولا يُجمِّل الذنب بتغيير اسمه.

عباد الله، إن التوبة تبدأ من لحظة صدق، والنجاة تبدأ من شجاعة الاعتراف، والارتقاء يبدأ من مواجهة النفس، فلا تُخدِّروا ضمائركم بالتبرير، ولا تُطفئوا نور الفطرة بالأعذار، بل قولوا كما قال آدم عليه السلام: ﴿ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف: 23].

اللهم يا من يعلم السرَّ وأخفى، اجعلنا من الصادقين مع أنفسهم، ومن المعترفين بذنوبهم، ومن التائبين إليك توبةً نصوحًا.

اللهم طهِّر قلوبنا من الكِبْر، وألسنتنا من الكذب، وأعمالنا من الرياء، ولا تجعلنا ممن يُزيِّنون الباطل ويُبرِّرون الخطأ.

اللهم ارزقنا شجاعة الاعتراف، وقوة التوبة، وصفاء القلب، ونور البصيرة، ونصرة المظلومين في كل مكان، وخاصةً في غزة الجريحة.

اللهم فرِّج كربهم، وارحم شهداءهم، واشْفِ جرحاهم، وانصرهم على عدوِّك وعدوِّهم يا قوي يا عزيز.

اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله، إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون.

فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 53.16 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 51.49 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (3.15%)]