|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الرد على الطاعنين في أبي هريرة رضي الله عنه بدعوى أخذه عن أهل الكتاب حميد قوفـي أولًا: من هو كعب الأحبار؟ ثانياً: منهجية أبي هريرة الواضحة في الرواية أبو هريرة يصحح لكعب الأحبار ويرد عليه ثالثاً: حكم الرواية عن بني إسرائيل وضوابطها رابعاً: الرد على اتهامات المتأخرين (محمد رشيد رضا نموذجاً) كتب عربية ملونة ومزخرفة مرتبة على رفوف مكتبة، تشمل مؤلفات دينية وأدبية، مع تفاصيل غنية على الأغلفة. قالوا: إن أبا هريرة رضي الله عنه روى عن بعض أهل الكتاب. وزعموا أنه أخذ أخبارا عن كعب الأحبار ورفعها إلى النبي ﷺ. وللجواب عن هذه الشبهة أختصر العبارة فأقول: أولًا: من هو كعب الأحبار؟ هو كعب بن ماتع أبو إسحاق، تابعيّ، كان من علماء اليهود، ثم أسلم في عهد عمر بن الخطاب، وروى عن عمر وعائشة وروى عنه ابن عباس وأبو هريرة وابن عمر وابن الزبير وعطاء بن أبي رباح وسعيد بن المسيب… وكان عالما، قال فيه معاوية بن صالح: “… أن كان عنده لعلم كالثمار وإن كنّا فيه لمفرطين” خرج إلى الشام، فسكن حمص، وتوفي بها.. في خلافة عثمان رضي الله عنه([1]). روى البخاري في صحيحه خبرا في حال كعب الأحبار، قال -البخاري-: (وقال أبو اليمان: أخبرنا شعيب، عن الزهري: أخبرني حميد بن عبد الرحمن: سمع معاوية يحدث رهطا من قريش بالمدينة، وذكر كعب الأحبار فقال: إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب، وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب)([2]). وقوله: (لنبلو عليه الكذب): (يعني أن الكذب فيما يخبر به عن أهل الكتاب لا منه، فالأخبار التي يحكيها عن القوم يكون بعضها كذبا، فأما كعب الأحبار فمن كبار الأخيار)([3]). وقال الذهبي عنه في تذكرة الحفّاظ: (من أوعية العلم، ومن كبار علماء أهل الكتاب)([4]). وقال في سير أعلام النبلاء: (… جالس أصحاب محمَد صلّى اللّه عليه وسلّم فكان يحدِّثهم عن الكتبِ الإسرائِيليّة، ويحفظ عجائب، ويأخذ السّنن عن الصحابة، وكان حسن الإسلام، متين الدّيانة، من نبلاء العُلَمَاءِ)([5]). وقال ابن حجر في التقريب: ثقة([6]). والتهمة الموجّهة لأبي هريرة رضي الله عنه هي: كيف يروي عن رجل يحدّث بالإسرائيليات، وقد أدخل في رواياته أخبارًا عن أهل الكتاب، فلم تتميّز عند الصحابة فروى منها أبو هريرة وجعلها من حديث النبيّ ﷺ. قال أبو رية: (… قد رووا عن كعب الأحبار اليهودي الذي أظهر الإسلام خداعا وطوى قلبه على يهوديته، ويبدو أن أبا هريرة كان أكثر الصحابة انخداعا به وثقة فيه… ومما يدلك على أن هذا الحبر الداهية قد طوى أبا هريرة تحت جناحه حتى جعله يردد كلام هذا الكاهن بالنص، ويجعله حديثا مرفوعا إلى النبي)([7]). فهذه دعوى تحتاج إلى دليل، ثم ما أقل أدب هذا “الكاتب” حين يقول إن صحابيا كمثل أبي هريرة يطويه كعب الأحبار تحت جناحه، فيملي عليه ما يحلو له من الإسرائيليات فيصدقه فيرويها عن النبي ﷺ، فهلا ذكر من ذلك شيئا صحيحا من كتب السنة؟ أم يتلقف بعض المرويات السقيمة دون نظر أو تمحيص؟ ورحم الله المعلمي في رده حيث قال: (إننا نتحدى أبا رية أن يجمع عشر حكايات مختلفة، يثبت أن أبا هريرة رواها عن كعب)([8]). ثانياً: منهجية أبي هريرة الواضحة في الرواية والذي يردّ هذا الزعم هو معرفة طريقة رواية أبـي هريرة رضي الله عنه عن كعب رحمه الله، فهناك رواية مفصّلة في كيفية الرواية في مجلس أبي هريرة رضي الله عنه، فعن بسر بن سعيد قال: (اتقوا الله وتحفظوا من الحديث، فوالله لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة رضي الله عنه فيحدّث عن رسول الله، ويحدّثُنا عن كعب، ثم يقوم، فأسمع بعض من كان معنا يجعل حديث رسول الله عن كعب ويجعل حديث كعب عن رسول الله)([9]). فهذا الكلام شاهد على أنّ أبا هريرة رضي الله عنه كانت له منهجيّة في عقد مجالسه وفي طريقة الرواية، فلم يكن يخلط بين حديث رسول الله ﷺ وكلام كعب الأحبار، وإنّما كان يفصل بين حديث رسول الله ﷺ وكلام كعب، فالآفة من بعض السامعين الذين كانوا يُقلبون المتون بجعل كلام كعب من كلام رسول الله ﷺ، ومثل هذا كان يحصل مع الرواة حين إسماع الحديث، فربما التبس على بعض السامعين فيُدخل كلام الشيخ في حديث النبيّ ﷺ وهو ما يسمى بالإدراج، وهو مبحث من مباحث الحديث المعلول كما هو معلوم. وبهذا تبرأ ذمّة أبي هريرة رضي الله عنه رضي الله عنه. قال المعلمي: (إنما يقع مثل هذا ممن يحضر المجلس من أعضاء الضبط من لا عناية له بالعلم، ومثل هؤلاء لا يوثقهم الأئمة، ولا يحتجون بأخبارهم، ولا بد أن ينتبهوا لغلطهم وعلى كل حال فلا ذنب لأبي هريرة في هذا، ولم يزل أهل العلم يذكر أحدهم في مجلسه شيئا من الحديث، ويذكر عنه مفصولا عنه ما هو من كلام بعض أهل العلم او غيرهم، وما هو من كلام نفسه، والحكاية نفسها تدل على أن أبا هريرة كان يبين، وإنما يقع الغلط لبعض الحاضرين)([10]). أبو هريرة يصحح لكعب الأحبار ويرد عليه ونضيف أمرًا آخر يشهد لما ذكرناه، وهو أن أبا هريرة رضي الله عنه قد يروي الحديث بحضرة كعب الأحبار، فيعترض عليه كعب، لكن أبا هريرة لم يكن يجاريه فيما يحكي، بل يتمسك برواية لفظ النبي ﷺ، ويرد رواية كعب، كما ثبت ذلك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال: قال رسول الله ﷺ: “خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة: فيه خلق آدم، وفيه أهبط، وفيه تيب عليه، وفيه مات، وفيه تقوم الساعة، وما من دابة إلا وهي مسيخة يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة إلا الجن والإنس، وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله حاجة إلا أعطاه إياها”. قال كعب: ذلك في كل سنة يوم، فقلت: بل في كل جمعة. قال: فقرأ كعب التوراة، فقال: صدق النبي ﷺ… الحديث)([11]). وهذه القصة تبين لنا منهج أبي هريرة رضي الله عنه في التعامل مع ما يرويه كعب، فلم يكن يترك ما عنده من الحديث عن النبي ﷺ لما عند كعب، فكيف يقال إنه روى أحاديث عنه ورفعها إلى النبي ﷺ؟ وهل وجد من هذا شيء ثبت بالدليل الصحيح؟ كلا.. ثالثاً: حكم الرواية عن بني إسرائيل وضوابطها ثم ما يمنع أن يروي الصحابيّ عن كعب الأحبار؟ بل عن بني إسرائيل عموما، وقد عُلم أن النبيّ ﷺ أذن في ذلك، كما ثبت من قوله: “وحدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج”([12])، وقيّد ذلك بعدم تصديقهم أو تكذيبهم كما جاء في الحديث: “لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم…”([13]). فكيف يجيز أبو هريرة رضي الله عنه لنفسه أن يروي شيئا من التوراة عن كعب ثم ينسبه إلى النبي ﷺ([14])؟ وهو أحد الرواة لحديث النبي ﷺ: “من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار”([15])، أفيسمح لنفسه بعد ذلك أن ينسب إلى النبي ﷺ ما لم يقله؟ ثم إنه قد ثبت تصديق النبي ﷺ لحبر من أحبار اليهود في خبر حكاه له، كما في صحيح البخاري، عن عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله ﷺ فقال: يا محمد، إنا نجد: أن الله يجعل السماوات على إصبع والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلائق على إصبع، فيقول: أنا الملك، فضحك النبي ﷺ حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر، ثم قرأ رسول الله ﷺ: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) ([16]). رابعاً: الرد على اتهامات المتأخرين (محمد رشيد رضا نموذجاً) توجيــه: إذا ثبت أنّ أبا هريرة وابنَ عباس وابنَ عمر وعبد الله بن الزبير وسعيدَ بنَ المسيّب وغيرهم قد نقلوا عن كعب الأحبار، وثبت ثناء بعض الصحابة على علمه، وهم أعلم به من غيرهم، فهذا دليل على تصديقهم له، ولو كان كذّابًا أو مدسوسًا ما خفي أمره، ولئن خفي على الواحد، فإنه لا يخفى على المجموع، ولما سكتوا عنه وهو يمشي ويحدّث بين ظهراني الصحابة، وكان منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وإلّا قلنا إنّهم غاشّون للدين، متواطئون على هدمه، وحاشاهم. ودعك من اتهام الأستاذ محمد رشيد رضا له بالكذب والزندقة والدسّ، حتى سمّاه: “كعب الأحبار الإسرائليّ”([17])، فكان يرى (أنّ قدماء رجال الجرح والتعديل اغتـرّوا بهما وعدّلوهما – يعني كعبًا ووهبَ بنَ منبه-. فكيف لو تبيّن له – يعني ابن تيمية- ما تبيّن لنا من كذب كعب ووهب وعزوهما إلى التوراة وغيره من كتب الرسل ما ليس فيها شيء منه، ولا حومت حوله؟ !)([18]). وقال أيضا – السيّد رضا-: (وقد حقّقنا من قبل أنّ كعب الأحبار من زنادقة اليهود الذين أظهروا الإسلام والعبادة لتقبل أقوالهم في الدين، وتحمل على الرواية عن أنبياء بني إسرائيل، وقد راجت دسيسته حتى انخدع به بعض الصحابة ورووا عنه، وصاروا يتناقلون قوله بدون إسناده إليه حتى ظنّ بعض التابعين ومن بعدهم أنها مما سمعوه من النبي ﷺ)([19]). فما أعظم هذه الكلمة!! وما أخطرها في حقّ من زكّاه المحدّثون وقبلوه – كما ذكر السيد رضا- وما أقبح أن يقال: (انخدع به بعض الصحابة، ثمّ ظنّ بعض التابعين ومن بعدهم أنّ ما يرويه هو من حديث رسول الله ﷺ)، وما أفسد أن يقال: (إن قدماء رجال الجرح والتعديل اغتـرّوا بهما وعدّلوهما) – يعني كعبا ووهب بن منبه-، فحبذا لو بيّنوا هذه الأحاديث التي انخدع بها الصحابة، ورويت عنهم في الصحاح ومصادر السنّة المعتمدة، إنّها دعاوي ليس لها خطم ولا أزمّة. فسبحان الله! كيف تبيـّن السيّد رشيد رضا كذب كعب الأحبار ووهب بن منبه، ولم يتبيّن الإمام ابن تيمية ذلك، كما في تعقيبه عليه: “فكيف لو تبيّن له – يعني ابن تيمية- ما تبيّن لنا من كذب كعب ووهب …”، بل كيف تبيّـن له كذبه ولم يتبيّـنـه أئمّة النقد الحديثيّ وعلماء الجرح والتعديل؟ بل لم يتبيّـنه من روى عنه من الصحابة؟!. بل كيف فات ذلك عمر بن الخطاب الذي أمّره على بعض من كان معه قادمين من الشام محرمين، كما روى ذلك الإمام مالك قال: حدّثنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أنّ كعب الأحبار أقبل من الشام في ركب محرمين، حتى إذا كانوا ببعض الطريق وجدوا لحم صيد فأفتاهم كعب بأكله، فلما قدموا على عمر بن الخطاب ذكروا ذلك له، فقال: من أفتاكم بهذا؟ فقالوا: كعب. قال: فإنّي أمّرته عليكم حتى ترجعوا)([20]). ([1])- انظر: تهذيب التهذيب، ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي 8/438. مطبعة دائرة المعارف النظامية، الهند، الطبعة: الطبعة الأولى، 1326هـ. ([2])- صحيح البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء". 6/2679. ([3])- كشف المشكل من حديث الصحيحين، ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي 4/96 رقم 2289. دار الوطن، الرياض. تحقيق علي حسن البواب]. وقال الحافظ ابن حجر: (أي: يقع بعض ما يخبرنا عنه بخلاف ما يخبرنا به، قال ابن التين: وهذا نحو قول ابن عباس في حق كعب المذكور بدل من قبله فوقع في الكذب) [فتح الباري بشرح صحيح البخاري 13/334]. ([4]) - تذكرة الحفاظ، الذهبي، محمد بن أحمد 1/42. دار الكتب العلمية، بيروت. لبنان. الطبعة الأولى 1419ه/1998م. ([5])- سير أعلام النبلاء. الذهبي 3/489. مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة 1405ه/1985م، تحقيق شعيب الأرناؤوط، وآخرين. ([6])- تقريب التهذيب. ابن حجر 2/461، دار الرشيد، سوريا، الطبعة الأولى 1406/1986م، تحقيق محمد عوامة. ([7])- أضواء على السنة النبوية، محمود أبو رية، ص180، دار المعارف، القاهرة، الطبعة السادسة. ([8])- الأنوار الكاشفة لما في كتاب أضواء على السنة من الزلل والتضليل والمجازفة، المعلمي، عبد الرحمن بن يحيى، المطبعة السلفية ومكتبتها، وعالم الكتب، بيروت، 1406هـ/1986م. ص180 ([9])- التمييز، مسلم، ص175. مكتبة الكوثر، المربع، السعودية، الطبعة الثالثة، 1410ه، تحقيق محمد مصطفى الأعظمي. ([10])- الأنوار الكاشفة لما في كتاب "أضواء على السنة" من الزلل والتضليل والمجازفة، عبد الرحمن بن يحيى المعلمي، ص163. ([11])- سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة 2/277 رقم 1046. وسنن النسائي، كتاب الجمعة، ذكر الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة3/113 رقم 1430. ([12])- صحيح البخاري. كتاب أحاديث الأنبياء. باب ما ذكر عن بني إسرائيل، 3/1275 رقم 3274. دار ابن كثير، دار اليمامة، دمشق. الطبعة الخامسة 1414هـ/1993م. تحقيق مصطفى ديب البغا. فائدة: قال الإمام ابن تيمية معلقا على هذا الحديث: (رخص في الحديث عنهم، ومع هذا نهى عن تصديقهم وتكذيبهم؛ فلو لم يكن في التحديث المطلق عنهم فائدة لما رخص فيه وأمر به، ولو جاز تصديقهم بمجرد الإخبار لما نهى عن تصديقهم). مجموع لفتاوى 18/67. مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف. المدينة المنورة. السعودية. 1425هـ/2004م. ([13])- وأصل الحديث، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "...الحديث". صحيح البخاري. كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة. باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء". 6/2679 رقم 6928. ([14])- لكن قد يقال إنّ الإمام البخاريّ انتقد حديث التّربة- الذي أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "خلق الله التّربة يوم السّبت... الحديث"- [صحيح مسلم، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب ابتداء الخلق وخلق آدم عليه السّلام 4/2149.]، فقال -البخاريّ-: (وقال بعضهم: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن كعب، وهو أصحّ). [التّاريخ الكبير، البخاريّ في ترجمة أيوب بن خالدّ بن أبي أيوب الأنصاري، دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد، الدكن، 1/413]، فهذا الانتقاد عليه ملاحظلات ونظر من أربعة أوجه: الأوّل: أنّ علي بن المدينيّ أعلّ هذا الحديث، لكن ذلك من جهة إسناده لا من جهة نسبته لكعب الأحبار، حيث يرى أن الحديث إنما أخذه إسماعيل بن أمية عن إبرايم بن أبي يحيى، لكن البخاري في التاريخ الكبير أقر رواية إسماعيل عن أيوب بن خالد، وأعله بأمر آخر، [التاريخ الكبير 1/413 رقم 1317]. وهذا يختلف عن حكم الإمام البخاريّ. الثانـي: قول الإمام البخاريّ: (وقال بعضهم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن كعب، وهو أصحّ)، مشكلٌ من جهة أنّ هذه الرواية يغلب على الظن بأنها غير محفوظة في مصادر الحديث، لا الكتب الستّة ولا غيرها، فتبقى المسألة مفتقرة إلى إثبات هذه الرواية - أعني عن أبي هريرة عن كعب- للنظر في درجتها قبولا أو ردا، ولم يعرف مَن قصد به البخاري بقوله: "وقال بعضهم"، فيبقى الإشكال واردا على هذا النقل. والله أعلم. الثالث: أنّ في سياق الحديث ما يدلّ على أنّ أبا هريرة رضي الله عنه سمعه مباشرة من النبيّ صلى الله عليه وسلم من غير واسطة فقال: "أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، فقال: "... الحديث"، وهذا عند مسلم، والنسائيّ، وأحمد، وابن أبي حاتم الرازي في التفسير، وابن جرير الطبري في التفسير، والبزار، وابن خزيمة، والطبراني، وأبي يعلى... والمعنى أنّ الإمام مسلمًا لم يتفرّد بهذا الحديث دون سائر الحفّاظ، ولم أقف - فيما بحثت- على جواب عن هذه الصيغة من أحد ممن رد هذا الحديث. الرابع: أنّ مذهب كعب الأحبار - بل أهل الكتاب- يرون أنّ ابتداء الخلق كان يوم الأحد، قال العلّامة عبد الرحمن المعلميّ: (ويدلّ على ضعفها – إشارة إلى ما ذكر البخاري من رواية أبي هريرة عن كعب- أنّ المحفوظ عن كعب وعبد الله بن سلام ووهب بن منبِّه ومن يأخذ عنهم، أنّ ابتداء الخلق كان يوم الأحد، وهو قول أهل الكتاب المذكور في كتبهم وعليه بنوا قولهم في السبت). [الأنوار الكاشفة، ص 189]. قلت: وقد رجعت إلى نصّ التوراة، ووجدت في الأصحاح الأول من سفر التكوين ذكر مراحل الخلق وهي في ستة أيام، ثم في الأصحاح الثاني نقرأ: (... فأكملت السموات والأرض وكلّ جندها، وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل، فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل، وبارك الله اليوم السابع وقدّسه؛ لأنّه فيه استراح من جميع عمله الذي عمل الله خالقا). فهذا نص التوراة، ويبقى من أين أخذ كعب أن ذلك تم في سبعة أيام؟ قال قتادة : قالت اليهود - عليهم لعائن الله - : خلق الله السماوات والأرض في ستة أيام ، ثم استراح في اليوم السابع ، وهو يوم السبت). [تفسير ابن كثير في تفسير سورة (ق)، 7/22]. فأنت ترى – بعد هذا- أنّ المسألة غير متّفق عليها، وأن الخلق عند اليهود لا يتجاوز ستة أيام، لا سيما أنّ جماعة من المحدّثين فسـّروا الحديث بما لا يتعارض مع القرآن، منهم المناوي وغيره، فالمسألة آلت إلى الخلاف على مستوى الدلالة والفهم. وأن تعليلها -بما سبق ذكره- غير مقطوع به. ثم يقال: لو سلّمنا- جدلا- أنّ حديث التربة من كلام كعب، وأنّ أبا هريرة رواه عنه، وأخطأ بعض الرواة عنه فرفعه، فليس أبو هريرة من يتحمل هذا الخطأ، كم حديثًا غير هذا الحديث رواه عن كعب، ثمّ روي عنه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟ وأين نصوص الأئمة النقاد في بيانها؟ ويبقى النظر في تعليل ابن المديني لهذا الحديث بخطإ في الإسناد، ليس في دعوى نسبة الحديث إلى كعب الأحبار. استطراد: ما لفت انتباهي هو حرص خصوم السنّة على ردّ مثل هذا الحديث، واستغلال كلام الأئمّة البخاريّ ومن بعده ممن أعلّه، كيف جاز لهم أن يقبلوا قول البخاري مع أنّه بلا إسناد، وهو خبر واحد، وهو بشر يصيب ويخطئ - جريا على مذهبهم في رد أحاديث البخاري-، وبالمقابل لا يقبلون حديثه - في صحيحه - الذي يرويه بالسند الصحيح المتّصل من غير شذوذ ولا علة بدعوى أنّه بشر اجتهد فلا يلزمنا اجتهاده؟ وهذا هو منهج الانتقاء الذي درجوا عليه في تعاملهم مع الحديث ورواته وأئمّته. ([15])- مقدمة صحيح مسلم، باب تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم 1/10 رقم 3. مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه، القاهرة. 1374ه/1955م. ([16])- صحيح البخاري، كتاب التفسير، باب ﴿ وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِۦ﴾. 4/1812 رقم 4533. ([17])- تفسير المنار، طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب. 1990م، 9/40. ([18])- تفسير المنار 1/9-10 ([19])- مجلة المنار، تحت عنوان: أسئلة من تونس، رجب 1346ه/يناير 1921م، 28/747 ([20])- الموطأ برواية محمد بن الحسن. باب: باب الحلال يذبح الصيد أو يصيده: هل يأكل المحرم منه أم لا؟، دار القلم، دمشق. الطبعة: الأولى 1413ه/1991م، 2/298. تحقيق تقي الدين الندوي.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |