عداوة الشيطان للإنسان - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         صلاة ركعتين عند الإحساس بالضيق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          زكاة الأرض المعدة للتجارة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          أسباب تقوية الإيمان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          من أحكام اليمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          براءة كل من صحب النبي في حجة الوداع من النفاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          الثمرات اليانعات من روائع الفقرات .. (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 23 - عددالزوار : 5888 )           »          ميتٌ يمشي على الأرض! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          لا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          احفظ الله يحفظك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          كلمات فواصل في استخدام وسائل التواصل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم يوم أمس, 11:23 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,720
الدولة : Egypt
افتراضي عداوة الشيطان للإنسان

عداوة الشيطان للإنسان

الشيخ صلاح نجيب الدق

الحمد لله، الذي له ملك السماوات والأرض، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي أرسله ربه شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا؛ أما بعد:
فعداوة الشيطان للإنسان معلومة؛ ولذلك يحاول أن يهلكه بشتى الوسائل ليكون معه في النار، فأقول وبالله تعالى التوفيق:
من المعلوم أن عداوة الشيطان للإنسان قديمة منذ أن خلق الله سبحانه وتعالى آدم عليه السلام، وهي مستمرة إلى يوم القيامة.

قال الله تعالى: ﴿ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ * قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ * قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ * قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾ [ص: 71 - 83].

قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "الله سبحانه أعلَمَ الملائكة قبل خلق آدم عليه السلام بأنه سيخلق بشرًا من صلصال من حمأ مسنون، وتقدم إليهم بالأمر متى فرغ من خلقه وتسويته، فليسجدوا له؛ إكرامًا وإعظامًا، واحترامًا وامتثالًا لأمر الله عز وجل، فامتثل الملائكة كلهم ذلك سوى إبليس، ولم يكن منهم جنسًا، كان من الجن، فخانه طبعه وجبلته أحوج ما كان إليه، فاستنكف عن السجود لآدم، وخاصم ربه عز وجل فيه، وادَّعى أنه خير من آدم؛ فإنه مخلوق من نار، وآدم خُلق من طين، والنار خير من الطين في زعمه، وقد أخطأ في ذلك، وخالف أمر الله، وكفر بذلك فأبعده الله، وأرغم أنفه، وطرده عن باب رحمته ومحل أنسه وحضرة قدسه، وسماه إبليس؛ إعلامًا له بأنه قد أبلس - يئس - من الرحمة، وأنزله من السماء مذمومًا مدحورًا إلى الأرض، فسأل الله النظرة إلى يوم البعث، فأنظره الحليم الذي لا يعجل على من عصاه، فلما أمن الهلاك إلى يوم القيامة، تمرد وطغى"؛ [تفسير ابن كثير، ج7، ص81].

التحذير من اتباع خطوات الشيطان:
(1) قال الله تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 27].

قال الإمام الطبري رحمه الله: "يقول تعالى ذكره: يا بني آدم لا يخدعنكم الشيطان، فيُبدي سوءاتكم للناس بطاعتكم إياه عند اختباره لكم، كما فعل بأبويكم آدم وحواء عند اختباره إياهما، فأطاعاه وعصيا ربهما، فأخرجهما بما سبَّب لهما من مكره وخدعه من الجنة، ونزع عنهما ما كان ألبسهما من اللباس ليريهما سوءاتهما، بكشف عورتهما، وإظهارها لأعينهما بعد أن كانت مستترةً"؛ [تفسير الطبري، ج10، ص132].

(2) قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [النور: 21].

قال الطبري: "يقول تعالى ذكره للمؤمنين به: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله، لا تسلكوا سبيل الشيطان وطرقه، ولا تقتفوا آثاره"؛ [تفسير الطبري، ج17، ص221].

(3) قال سبحانه: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [فاطر: 6].

قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "إن الشيطان مبارز لكم بالعداوة، فعادوه أنتم أشد العداوة، وخالفوه وكذبوه فيما يغركم به، وإنما يقصد الشيطان أن يضلكم حتى تدخلوا معه إلى عذاب السعير، فهذا هو العدو المبين"؛ [تفسير ابن كثير، ج3، ص402].

وسائل الشيطان لإضلال وإهلاك الإنسان:
لقد أخذ الشيطان عهدًا على نفسه أن يضل الإنسان ويصرفه عن طريق الرشد، وهو مستمر في ذلك لا يمل ولا ييأس، كلما أغلقت دونه بابًا، فتح بابًا آخر، لا يهمه من أي باب يأتيك، خيرًا أو شرًّا، وإنما يريد إضلالك ولو عن طريق الخير.

وسائل الشيطان لإهلاك الإنسان كثيرة ومتنوعة، ونستطيع أن نوجزها في الأمور التالية:
أولًا: دعوة الإنسان إلى الشرك بالله تعالى:
الشيطان يدعو الإنسان في كل مكان وزمان إلى الكفر والشرك الأكبر بالله تعالى، فإذا نجح في ذلك واستجاب له ابن آدم، استراح منه الشيطان وجعله جندًا من جنوده ثم يتبرأ منه يوم القيامة.

المقصود بالشرك الأكبر هو أن يصرف المسلم شيئًا من أنواع العبادة لغير الله تعالى؛ كدعاء غير الله، والتقرب بالذبح والنذر لغير الله.

إن إيقاع الإنسان في الشرك بالله تعالى هو أعظم غايات الشيطان؛ لأنه يعلم أن الله لا يغفر للمشرك إذا مات على شركه، وهذا واضح في كثير من آيات القرآن الكريم.

قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 48]، قال الله تبارك وتعالى: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ﴾ [المائدة: 72].

ويحرص الشيطان على إيقاع الإنسان في الشرك بالله تعالى؛ لأنه يعلم أن الشرك يحبط جميع الأعمال الصالحة.

قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾ [الزمر: 65، 66].

ثانيًا: دعوة الإنسان إلى الرياء:
معنى الرياء:
الرياء: مشتق من الرؤية، والمراد به: إظهار العبادة لقصد رؤية الناس لها فيحمدون صاحبها؛ [فتح الباري لابن حجر العسقلاني، ج11، ص344].

الرياء يبطل ثواب الأعمال الصالحة:
قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ [البقرة: 264].

الرياء من صفات المنافقين؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 142].

روى أحمد عن محمود بن لبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء، يقول الله عز وجل لهم يوم القيامة إذا جُزي الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاءً))؛ [حديث صحيح، صحيح الجامع للألباني حديث 1555].

روى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمِل عملًا أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه))؛ [مسلم حديث 2985].

ثالثًا: استخدام أسلوب التشكيك في العقيدة:

روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا وكذا؟ حتى يقول له: من خلق ربك؟ فإذا بلغ ذلك، فليستعذ بالله ولينتهِ))؛ [مسلم، حديث: 134].

يجب على المسلم أن يلجأ إلى الله تعالى في دفع وسوسة الشيطان، ويقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وليُعرض عن التفكير في ذلك، وليعلم أن هذا الخاطر من وسوسة الشيطان، وهو إنما يسعى بالفساد والإغواء، فليعرض عن الإصغاء إلى وسوسته، وليبادر إلى قطعها بالاشتغال بغيرها؛ [مسلم بشرح النووي، ج2، ص155].

رابعًا: دعوة المسلم في الابتداع في الدين:
إذا فشل الشيطان في إيقاع الإنسان في الشرك، فإنه يدعوه إلى الابتداع في الدين؛ ولذا يجب على المسلم أن يعرف الفرق بين السنة والبدعة؛ السنة: كل ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم، من قول أو فعل أو تقرير؛ [أصول الفقه، عبدالوهاب خلاف، ص36].

وهذه السنة المباركة أمرنا الله تعالى باتباعها، وحذرنا من مخالفتها قدر استطاعتنا؛ قال جل شأنه: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [الحشر: 7]، وقال تعالى: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63]
.
البدعة: طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية، يُقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه؛ [الاعتصام للشاطبي ج1 ص28].

روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه، فهو رَدٌّ))؛ [البخاري حديث 2697، مسلم حديث 1718].

روى مسلم عن جابر بن عبدالله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة))؛ [مسلم حديث: 867].

قال الإمام سفيان الثوري رحمه الله: "البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، المعصية يُتاب منها، والبدعة لا يُتاب منها"؛ [شرح السنة، للبغوي، ج1، ص216].

خامسًا: دعوة الإنسان إلى كبائر الذنوب بتجميلها:
إذا عجز الشيطان عن إيقاع المسلم في طريق البدع، ووجده يسلك سبيل أهل السنة والجماعة، فإنه ينتقل إلى دعوة الإنسان إلى ارتكاب الكبائر باختلاف أنواعها، ويحرص الشيطان على أن يوقع الإنسان المسلم فيها، خاصة إذا كان عالمًا متبوعًا، حتى ينشر ذنوبه ومعاصيه بين الناس، وذلك لينفر الناس عنه وعن الانتفاع بعلمه؛ [التفسير القيم لابن القيم، ص613].

قال الله تعالى: ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 268].

قوله: ﴿ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ ﴾ [البقرة: 268]؛ أي: يأمركم بالمعاصي والمآثم والمحارم، ومخالفة الله سبحانه وتعالى؛ [تفسير ابن كثير، ج1، ص700].

تعريف الكبيرة: قال ابن عباس رضي الله عنهما: "الكبائر كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب، أو لعنة أو عذاب"؛ [تفسير ابن جرير الطبري ج5 ص41].

التحذير من الكبائر: قال الله تبارك وتعالى: ﴿ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ﴾ [النساء: 31].

قال الإمام الذهبي رحمه الله: "تكفَّل الله تعالى بهذا النص لمن اجتنب الكبائر أن يدخله الجنة"؛ [الكبائر للذهبي ص1].

وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ﴾ [النجم: 32].

روى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن، إذا اجتُنب الكبائر))؛ [مسلم، كتاب الطهارة، حديث 16].

سادسًا: دعوة الإنسان لفعل الذنوب الصغيرة:
إذا يئس الشيطان من إيقاع الإنسان في ارتكاب الكبائر، فإنه يدعوه إلى ارتكاب الصغائر التي إذا اجتمعت على الإنسان ربما أهلكته؛ [التفسير القيم، لابن القيم، ص613].

روى ابن ماجه عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا عائشةُ، إياك ومحقراتِ الأعمال - الذنوب الصغيرة - فإن لها من الله طالبًا))؛ [حديث صحيح، صحيح ابن ماجه للألباني حديث 3421].

روى الترمذي عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن العبد إذا أخطأ خطيئةً، نُكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب، سُقل قلبه، وإن عاد زِيد فيها حتى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكر الله: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14]؛[حديث صحيح، صحيح الترمذي للألباني حديث 2654].


قال الإمام ابن بطال رحمه الله: "المحقرات إذا كثرت صارت كبارًا مع الإصرار".


روى أسد بن موسى في الزهد عن أبي أيوب الأنصاري قال: "إن الرجل ليعمل الحسنة فيثق بها، وينسى المحقرات، فيلقى الله وقد أحاطت به، وإن الرجل ليعمل السيئة فلا يزال منها مشفقًا، حتى يلقى الله آمنًا"؛ [فتح الباري، ج11، ص337].


قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "لا يزال الشيطان يسهل على الإنسان محقرات الذنوب حتى يستهين بها، فيكون صاحب الكبيرة الخائف منها أحسن حالًا منه"؛ [التفسير القيم ص613].


روى أحمد عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إياكم ومحقَّرات الذنوب، فإنما مثل محقرات الذنوب - أي: صغائرها - كقوم نزلوا في بطن وادٍ، فجاء ذا بعود، وجاء ذا بعود حتى أنضجوا خبزتهم، وإن محقرات الذنوب متى يُؤخذ بها صاحبها تُهلكه))؛ [حديث صحيح، مسند أحمد، ج 37، ص 467].

سابعًا: الوسوسة بطول الأمل والتسويف بالتوبة:
الشيطان إذا رأى الإنسان يريد التوبة من المعاصي، فإنه يوسوس له بطول الأمل، فيقول له: لا بأس أن تتوب، ولكن لماذا تتعجل بالتوبة وأنت في ريعان الشباب، والعمر طويل، وصحتك جيدة، أكمل دراستك ثم تزوج فالزواج يساعدك على التوبة الصادقة، ثم اجتهد في العمل حتى تضمن تأمين مستقبل أولادك، ويستمر في هذه الوسوسة حتى يصرفه تمامًا عن التوبة.

ثامنًا: إشغال المسلم بالأمور المباحة:
إذا عجز الشيطان أن يوقع الإنسان في صغائر الذنوب، دعاه إلى الاشتغال بالمباحات، التي لا ثواب فيها ولا عقاب، بل عاقبتها فوات الثواب الذي ضاع عليه باشتغاله به؛ [التفسير القيم، لابن القيم، ص613].

تاسعًا: إشغال المسلم بالعمل المفضول عما هو أفضل منه:
إذا عجز الشيطان أن يشغل الإنسان بالأمور المباحة، وكان الإنسان حافظًا لوقته، شحيحًا به، يعلم مقدار أنفاسه وانقطاعها، وما يقابلها من النعيم والعذاب، حاول أن يشغله بالعمل المفضول عما هو أفضل منه، ليزيح عنه الفضيلة، ويفوته ثواب العمل الفاضل، فيأمر بفعل الخير المفضول، ويحضه عليه، ويُحسنه له إذا تضمن تركَ ما هو أفضل وأعلى منه، وقلَّ من ينتبه لهذا من الناس، فإنه إذا رأى فيه داعيًا قويًّا ومحركًا إلى نوع من الطاعة، لا يشك أنه طاعة وقربة، فإنه لا يكاد يقول: إن هذا الداعي من الشيطان، فإن الشيطان لا يأمر بخير، ويرى أن هذا خير، فيقول: هذا الداعي من الله، وهو معذور، ولم يصل علمه إلى أن الشيطان يأمر بسبعين بابًا من أبواب الخير، إما ليتوصل بها إلى باب واحد من الشر، وإما ليفوت بها خيرًا عظيمًا من تلك السبعين بابًا، وأجل وأفضل، وهذا لا يتوصل إلى معرفته إلا بنور من الله يقذفه في قلب العبد، يكون سببه تجريد متابعة النبي صلى الله عليه وسلم، وشدة عنايته بمراتب الأعمال عند الله وأحبها إليه، وأرضاها له وأنفعها للعبد، وأعمها نصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولعباده المؤمنين، خاصتهم وعامتهم، ولا يعرف ذلك إلا من كان من ورثة الرسول صلى الله عليه وسلم ونوَّابه في الأمة وخلفائه في الأرض، وأكثر الخلق محجوبون عن ذلك، فلا يخطر بقلوبهم، والله يمن بفضله على من يشاء من عباده؛ [التفسير القيم، لابن القيم، ص613].

عاشرًا: تجميل الأمور القبيحة وتقبيح الأمور الحسنة:
فأما تجميل القبيح، فمن قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ [الأنفال: 48].


وقوله تعالى: ﴿ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ [النمل: 24].


الشيطان إذا رأى الإنسان قد وقع في معصية، زيَّنها وحسَّنها، وأوجد لها من أدوات التحسين ما يشجع العاصي على الإصرار على معاودتها، وذلك بإظهار منافعها وإخفاء عيوبها، فتجده يحسن جمع المال والحرص عليه، ويُظهر لصاحبه أنه الحكيم في تصرفه، الناظر لعواقب الأمور، ولا يزال به حتى يوقعه في الشح والغش والخداع، وكل ذلك بتصوير هذه المعاصي على أنها من الذكاء والفطنة، والحنكة والعقل.


وأما تقبيح الحسن فيعمد الشيطان إلى صرف الإنسان عن الفرائض والواجبات؛ فإن لم يظفر بذلك عمد إلى صرفه عن المستحبات وفضائل الأعمال، وأشد ما يحرص الشيطان على فعله تفويت الصلاة على العبد.


روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يعقد الشيطان على قافية رأس - مؤخرة الرأس - أحدكم إذا هو نام ثلاث عُقَدٍ، يضرب كل عقدة: عليك ليل طويل، فارقد، فإن استيقظ فذكر الله، انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطًا طيب النفس، وإلا أصبح خبيثَ النفس كسلان))؛ [البخاري، حديث 1142، مسلم، حديث 776].


هكذا يصرف الشيطان النائم عن الصلاة، أما المستيقظ فيزين له البيع والتجارة، ويخوِّفه الكساد والخسارة إن هو آثَر الصلاة على العمل، كما يصرفه عنها بأنواع المغريات والملهيات؛ كالغناء الماجن والأفلام ونحوها؛ [وسائل الشيطان في غواية الإنسان، ص18:16].

الحادي عشر: تهوين المعاصي على الإنسان:
يأتي الشيطان إلى الإنسان، الذي يريد أن يتوب ويرجع إلى الله تعالى، فيقول له: ماذا فعلت حتى تتوب؟ أنت بالنسبة لغيرك من أفضل الناس، إنما التوبة لأصحاب المعاصي الكبيرة، وأنت لست منهم، فيهون عليه المعصية لكي يستمر عليها.

الثاني عشر: تخويف الإنسان من الفقر:
قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 268].


قوله تعالى: ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ [البقرة: 268]؛ أي: الشيطان يخوِّفكم بالفقر، ويقول للرجل: أمسِك عليك مالك؛ فإنك إذا تصدقت به افتقرت؛ [تفسير البغوي، ج1، ص333].


قال الإمام سفيان الثوري رحمه الله: "ليس للشيطان سلاح على الإنسان مثل خوف الفقر، فإذا قبِل ذلك منه، أخذ في الباطل، ومنع من الحق، وتكلم بالهوى، وظن بربه ظن السوء، وهو من أعظم الآفات على الدين؛ [إحياء علوم الدين، للغزالي، ج3، ص34].

الثالث عشر: تقنيط الإنسان من رحمة الله تعالى:
يأتي الشيطان للإنسان العاصي فيقول له: إن الله تعالى لن يقبل توبتك، فقد فعلت كبائر الذنوب من الزنا، وأكلت أموال الناس بالباطل، وتعاملت بالربا، وشهدت على الناس بشهادة الزور، ويذكره بكل معصية كان يفعلها حتى يجعله ييأس من رحمة الله التي وسعت كل شيء.

الرابع عشر: تذكير المسلم بالخير ليوقعه في الشر:
روى الشيخان عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا نُودِيَ للصلاة أدبر الشيطان، وله ضِراط - صوت - حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضى النداء أقبل، حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر، حتى إذا قضى التثويب أقبل، حتى يخطر بين المرء ونفسه، يقول: اذكر كذا، اذكر كذا، لما لم يكن يذكر حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى))؛ [البخاري، حديث: 608، مسلم، حديث: 389].


قال الحسن بن صالح رحمه الله: "إن الشيطان ليفتح للعبد تسعةً وتسعين بابًا من الخير، يريد بها بابًا من الشر"؛ [سير أعلام النبلاء، للذهبي، ج7، ص 369].

الشيطان يتبرأ من الإنسان يوم القيامة:
خطبة الشيطان في أتباعه بعد دخولهم النار.

قال الله تعالى حكاية عن الشيطان: ﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [إبراهيم: 22].

قال الإمام الطبري رحمه الله: "يقول تعالى ذكره: وقال إبليس لما قضي الأمر، يعني لما أُدخل أهل الجنةِ الجنةَ، وأهل النارِ النارَ، واستقر بكل فريق منهم قرارهم: إن الله وعدكم أيها الأتباع النار، ووعدتكم النصرة فأخلفتكم وعدي، ووفى الله لكم بوعده، ﴿ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ ﴾ [إبراهيم: 22]، يقول: وما كان لي عليكم فيما وعدتكم من النصرة من حُجة تُثبت لي عليكم بصدق قولي؛ ﴿ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ﴾ [إبراهيم: 22]، يقول: إلا أن دعوتكم إلى طاعتي ومعصية الله، فاستجبتم لدعائي ﴿ فَلَا تَلُومُونِي ﴾ [إبراهيم: 22] على إجابتكم إياي ﴿ وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ [إبراهيم: 22] عليها ﴿ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ ﴾ [إبراهيم: 22] يقول: ما أنا بمغيثكم ﴿ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ﴾ [إبراهيم: 22]، ولا أنتم بمغيثي من عذاب الله فمنجيَّ منه ﴿ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ ﴾ [إبراهيم: 22] يقول: إني جحدت أن أكون شريكًا لله فيما أشركتموني فيه من عبادتكم من قبل في الدنيا، ﴿ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [إبراهيم: 22] يقول: إن الكافرين بالله لهم عذاب أليم من الله موجع"؛ [تفسير الطبري، ج13، ص 629].

ختامًا:
أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، ويجعله في ميزان حسناتي يوم القيامة، كما أسأله سبحانه أن ينفع به طلاب العلم الكرام، وأرجو كل قارئ كريم أن يدعو الله سبحانه لي بالإخلاص، والتوفيق، والثبات على الحق، وحسن الخاتمة، فإن دعوة المسلم الكريم لأخيه بظهر الغيب مستجابة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 69.36 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 67.69 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.40%)]