|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() لماذا لا نتوب؟ العودة المؤجلة إلى الله: قراءة في واقع الشباب محمود مصطفى الحاج كلنا نخطئ، وكلنا نعلم يقينًا أن باب التوبة مفتوح، وأن الله رحيم توَّاب يحب العائدين، بل ويفرح بعودتهم، ومع ذلك، فالبعض لا يعود. فلماذا لا نتوب؟ لماذا نؤجِّل؟ ولماذا نُحسن الظن برحمة الله، لكن نُسيء الظن بأنفسنا وقدرتها على التغيير؟ هذا السؤال لم يعُد فقط سؤالًا دينيًّا، بل أصبح قضية اجتماعية، ونقطة صدامٍ بين الإيمان والنمط المعاصر للحياة، لا سيما بين الشباب، الذين يعيشون تمزقًا حادًّا بين صوت الفطرة، وصخب العالم. التوبة في الإسلام: وفي الإسلام، التوبة ليست مجرد امتناع عن الذنب، بل تتضمن الاعتراف بالذنب، والندم عليه، والعزم على عدم العودة إليه، وقد شرعها الله لعباده تيسيرًا ورحمة، وفتح بابها في كل وقت، ولم يغلقه أمام أي عبدٍ، مهما عظمت ذنوبه. قال تعالى: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 31]، فالأمر بالتوبة جاء عامًّا لجميع المؤمنين؛ لأن كلًّا منهم لا يخلو من تقصير أو خطأ. والتوبة تشريف وعودة إلى كرم الله ورحمته؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: 222]، فجعل الله التائب محبوبًا لديه، بل أثنى على التوابين ومدحهم. والأعظم من ذلك أن الله يبدل سيئات التائب حسناتٍ؛ كما قال سبحانه: ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ﴾ [الفرقان: 70]، وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((التائب من الذنب كمن لا ذنب له))؛ [رواه ابن ماجه، وصححه الألباني]. فالتوبة في الإسلام فرصة متجددة للعودة إلى الله، مهما كانت الذنوب، ومهما طال البعد؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53]، وهذه الآية تتضمن دعوة لكل عاصٍ ومُذنب، مهما أسرف، ألَّا ييأس من رحمة الله تعالى. ومع هذا الفضل، يبقى القلب البشري أحيانًا غافلًا، تتراكم عليه الذنوب، وتُثقل خطواته نحو الله، وكأن المعاصي تأسره، ويحتاج إلى يقظة صادقة، تهُزُّ وجدانه، وتعيده إلى طريق التوبة قبل فوات الأوان. لماذا لا نتوب؟ الأسباب كثيرة … وهذه أبرزها: 1. طول الأمل: الشاب كثيرًا ما يقول: "سأتوب لاحقًا... عندما أكبر، عندما أتزوج، عندما أستقر"، يطيل الأمل في الحياة، ويؤجِّل التوبة؛ ظنًّا منه أن الوقت ما زال في صالحه، لكنه ينسى أن الموت لا يطرق الباب، وأن العمر قد يُطوى فجأة دون استئذان. 2. الإلْفُ والعادة: حين يمارس الإنسان المعصية مرارًا، تصبح عادة، ثم تتحول إلى سلوك يومي لا يشعر معه بثقل الذنب، وهنا تكمن الخطورة؛ فقدان الشعور بالخطيئة أخطر من الخطيئة نفسها. 3. الخجل من الله: بعض الشباب يقول: "أستحي أن أعود إلى الله، وقد أذنبت كثيرًا"، لكنه ينسى أن الله يفرح بتوبة العبد، ويبدل السيئاتِ حسناتٍ، وأن الشيطان هو من يوسوس له بهذا الحياء الكاذب؛ ليُثبِّطه عن الرجوع. 4. الصحبة السيئة: لا شيءَ يُطفئ نور القلب مثل رفقة تدفعك إلى الغفلة، كثير من الشباب يملك بذرةَ خيرٍ، لكن لا يجد من يعينه، بل على العكس: يحاصَر بأصدقاء يستهزئون بالتوبة، ويسخرون من التدين، ويبررون المعاصي. 5. الانغماس في الملهيات: (الهاتف، الألعاب، السوشيال ميديا، الأغاني، المسلسلات) كلها تُغرق الإنسان في دوامة من التشتت، فلا يملك صفاءً كافيًا ليستشعر خطورة الذنب، أو ليُصغي لصوت داخلي يدعوه للتوبة. 6. فهم خاطئ للتوبة: كثير من الناس يعتقد أن التوبة معناها "ألَّا أعود أبدًا للذنب"؛ لذلك يتردد في التوبة لأنه يعرف ضعفه، لكن الإسلام يعلمنا أن التوبة لا تعني العصمة، بل الإصرار على العودة كلما سقطنا؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاء وَخَيْر الخطائين التوابون))؛ [أخرجه أحمد]. فالتوبة ليست حالة مثالية، بل جهادًا يوميًّا، وليست لحظة انفعال في درس ديني، بل قرارًا تراكميًّا، تنمو فيه الإرادة، ويقوى فيه القلب، وتضعف فيه قيود المعصية تدريجيًّا. ما الذي يمنعك من التوبة؟ اسأل نفسك بصدق: هل يمنعك خوفك من الفشل؟ أم تمسُّكك بلذة وقتية تعرف أنها ستنتهي وتتركك مكسورًا؟ أم خجلك من الناس؟ أم أنك فقط لم تجرب لذة التوبة بعد؟ فالتوبة بمثابة تحرير للنفس من أسْرِ الشهوة، وسلطة الهوى، وقيد العادة. رسالة إلى الشباب: أيها الشاب، لا تجعل ذنبك حائطًا بينك وبين الله، بل اجعل ذنبك سُلَّمًا تصعد به إلى الله. تذكر أن الذين تابوا ليسوا ملائكةً، بل بشرًا مثلك، أخطؤوا، وسقطوا، لكنهم نهضوا، فأحبهم الله، ورفعهم، وكتب أسماءهم في سجل أوليائه. لا يهم كم كانت ذنوبك عظيمة، ولا كم أضعت من الفرص، ففي كل لحظةٍ يكمن أملٌ جديد، فالله لا يمل من رحمة عبده، بل يفرح بتوبته ويغفر له ما كان؛ كما قال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ﴾ [الزمر: 53]. ابدأ بهمسة في جوف الليل، بدعوة خافتة، وبدمعة نادمة. ابدأ بتوبة بينك وبين الله لا يطَّلع عليها أحد. يكفي أن تطرق الباب بقلب منكسرٍ، وسيفتحه لك برحمة لا حدود لها. لا تصدق وساوس الشيطان التي تحاول أن تُبقيك في دائرة المعصية. ولا تظن أن التوبة قيدٌ أو عبء، بل هي فوز وطهارة للنفس، فكلما تعثرت، فجدِّد عزيمتك، وانهض من جديد. ابدأ الآن، فباب الله لا يغلق أبدًا، والخير الذي في قلبك قد يُورِثك سعادة الدنيا والآخرة.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |