|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() صلاة الاستسقاء د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي الحمد لله، تعاظم ملكوتهُ فاقتدر، وتعالى جبروتهُ فقهر، رفعَ وخفضَ وأعزَّ ونصرَ، وهو العليمُ بما بطنَ وما ظهرَ، أحمدُهُ سبحانَهُ وأشكرُهُ، وأتوبُ إليهِ وأستغفرُهُ، أحلَّ الحلالَ وبيَّنَ طريقَهُ وبالطيباتِ أمرَ، وحرَّم الحرامَ وأوضحَ سبيلَهُ، وعن الخبائثِ زجرَ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ المؤيدُ بالمعجزاتِ والآياتِ والسورِ، صلى الله وبارك عليه وعلى آله وصحبه السادة الغرر، ما اتصلت عينٌ بنظرٍ، أو سمعت أذنٌ بخبرٍ، والتابعين ومن تَبِعَهم بإحسان ما ليلٌ أدبر وصبحٌ أسفر، أما بعد: فيا عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله وطاعته، فهي وصيته جل وعلا للأوَّلين والآخرين كما قال ربُّ العالمين: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: 131]، فاتقوا الله في السر والعلن، فبالتقوى تُستنزل البركات، وتُجلب الرحمات، وتُفرج الكربات، وتُستجلى العقبات، وتُستدفع العقوبات، ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96]، ويقول سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2، 3]. عباد الله، لقد مضى من سنة الله جل في علاه مع عباده وأوليائه أن يبتليهم بنزول بعض ما يكرهون في حياتهم؛ في أمنهم، وفي عيشهم ومطعمهم ومشربهم وأموالهم وصحّتهم واجتماعهم بأحِبَّتِهم، كما مضى من سنته سبحانه أن يزيد في بلائه لهم كلما زاد إيمانهم، وارتفعت عنده منزلتهم، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً؟ قَالَ: ((الأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ)). وأيضًا مضى من سنتهِ سبحانه وعدلِهِ أن يعاقب من عبادِهِ من غفلَ عنه وصدَّ عنه، وتزداد العقوبة مع زيادة البعد، وتشتدُّ في حالِ الجهرِ بالمعصيةِ وإظهارِ عدمِ الخوفِ منه جل وعلا، وفي هذا قال عمر بن عبدالعزيز: "كان يقال: إن الله تبارك وتعالى لا يعذب العامة بذنب الخاصة، ولكن إذا عمل المنكر جهارًا استحقوا العقوبة كلهم". نسأل الله العافية من سخطه وغضبه. عبادَ الله، ربُّنا الرحيم الرحمن أعلمُ بخلقه، يعلم عجزَهم وضعفَهم، ويعلم نقصَهم وتقصيرَهم، فتَح لهم بمنِّه وكرمه بابَ الرجاء في عَفْوِه، والطمع في رحمته، والأمل في مرضاته ومغفرته، دعاهم إلى ساحةِ جوده وكرمه، ﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ﴾ [البقرة: 221]، وفي الحديث القدسي: ((يا عبادي، إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعًا، فاستغفروني أغفر لكم))؛ أخرجه مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه ﴿ أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 22]. رحمةٌ من ربِّكم فيَّاضة لا ينقطع مددُها، ونعمةٌ من عنده دفَّاقة لا يضعُف سببُها، من ذا الذي يتألَّى على الله ألَّا يغفر ذنوبَ عباده؟! ﴿ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 135]. ومن منَّة الله الكبرى وفضله العظيم أن يدعوَ عبادَه لعفوه ومغفرته، ثمَّ يُتبعها بمنةٍ أخرى، يؤخِّرُهم إلى مهلة يراجعون فيها أنفسَهم، ويتدبَّرون فيها أحوالهم، ﴿ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾ [إبراهيم: 10]. الذنوب - يا عباد الله - مغفورةٌ ولو كانت مثلَ زَبَد البحر، فلا يقنَطنَّ عبدٌ من رحمة الله، ومن عظمت ذنوبُه وكثرت آثامه فليعلمْ أنَّ رحمةَ الله ومغفرتَه أعظمُ وأعظمُ. والتقصير من شأن البشر، فإن نبيَّكم محمدًا صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح: ((لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يُذنبون ثم يستغفرون، فيغفر لهم))؛ أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. سبحانك ربَّنا، جلَّ شأنك، تباركت وتعاليت، أنت غفارُ الذنوب، وساترُ العيوب، تبسط يدَك بالليل ليتوبَ مسيء النهار، وتبسط يدَك بالنهار ليتوبَ مسيء الليل، وتنادي عبادَك ولك الحمد: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 31]. قولوا كما قال الأبوان عليهما السلام: ﴿ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف: 23]، وقولوا كما قال موسى عليه السلام: ﴿ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [القصص: 16]، وقولوا كما قال ذو النون عليه السلام: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87]. وفي الحديث القدسي: ((يقول الله تعالى: يَا بنَ آدم، إنَّك ما دعوتَني ورجوتَني غفرتُ لك على ما كانَ مِنك ولا أبالي، يا بن آدَم، لو بلغَت ذنوبُك عنانَ السماء ثمَّ استغفرتَني غفرتُ لك ولا أبالي، يا بنَ آدم، إنَّك لو أتَيتني بقرابِ الأرضِ خطايا ثم لقيتني لا تشركُ بي شيئًا لأتيتُك بقرابِها مغفرةً))؛ رواه الترمذي من حديث أنس رضي الله عنه وحسنه الألباني. أيها الإخوة، إذا كثُر الاستغفار في الأمة وصدَر عن قلوبٍ بربِّها مطمئنة دفع الله عنها ضروبًا من النقم، وصرَف عنها صنوفًا من البلايا والمحن، ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الأنفال: 33]، روى الترمذي من حديث أبي موسى رضي الله عنه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أنزل الله على أُمَّتي أمانين))، فذكر الآية: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾، قال: ((فإذا مضيتُ تركتُ فيهم الاستغفار))، بالاستغفار تتنزَّل الرحمات، ﴿ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [النمل: 46]. أيها المؤمنون، المستغفرون يمتِّعهم ربُّهم متاعًا حسنًا من سعةِ الرزق، وبسطِ الأمن، ومدِّ العافيَة ورغَد العيش، والقناعَة بالموجود، وعدَم الحزن على المفقود، بالاستغفار يبلُغ كلُّ ذي منزل منزلته، وينال كلُّ ذي فضل فضلَه، اقرؤوا إن شئتم في خبر نبيِّكم محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ ﴾ [هود: 3]. في الاستغفار - بإذن الله - الفرجُ من كلِّ همٍّ، والمخرجُ من كلِّ ضيق، ورزقُ العبد من حيث لا يحتَسب. إن الاستغفارَ الحقَّ صدقٌ في العزم على ترك الذنب، والإنابةُ بالقلوب إلى علامِ الغيوب، إن الخيرَ كلَّه معلَّق بصلاح القلوب وقبُول الإيمان، وحينئذٍ يأتي الغفران، ﴿ إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنفال: 70]. عبادَ الله، إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يبتلِي عبادَه بالجَدب وقلَّة الأمطارِ ليتوبوا إليه، ويرجِعوا إليه، ويتقرَّبوا بالأعمال الصالحة لديه، فتوبوا - عبادَ الله - إلى ربِّكم توبةً نصوحًا، فقد ذمَّ الله مَن لا يستكين له عندَ الشدائِد ولا يلتجِئ إليه في طلبِ جميل العوائد، يقول سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ﴾ [المؤمنون: 76]. ألا فابتهِلوا إلى ربِّكم وتضرَّعوا إليه فقَد أمرَكم بذلك ووعدَكم الإجابةَ، يقول سبحانه: ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الأعراف: 55، 56]، ويقول سبحانه: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186]، وقال سبحانه: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62]. فتضرَّعوا - عبادَ الله - إلى ربِّكم، وألحُّوا في الدعاء، فإنَّ الله يحبُّ الملحِّين في الدُّعاء. اللهمَّ إنَّك أنت الله، لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم إنَّك أنت الله، لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم إنَّك أنت الله، لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهمَّ أسقِنا غيثًا مغيثًا هنيئًا مريئًا طبقًا مجلِّلًا سحًّا عامًّا، نافعًا غيرَ ضار، عاجلًا غيرَ آجِل، اللهمَّ تحيي به البلاد، وتغيث به العبادَ، وتجعَله بلاغًا للحاضِر والبادي، اللهم سُقْيا رحمةٍ لا سُقْيا عذاب ولا بلاءٍ ولا هدم ولا غرق. اللهم أسقِ عبادَك وبلادَك، وانشُر رحمتَك، وأحيِ بلدَك الميّت، اللهم أنبِت لنا الزرعَ، وأدرَّ لنا الضّرع، وأنزِل علينا من بركاتِك، واجعَل ما أنزلتَه علينا قوةً لنا ومتاعًا إلى حين، اللهم إنَّا خلقٌ من خلقك، فلا تمنَع عنَّا بذنوبِنا فضلَك، على الله توكلنا، ﴿ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأعراف: 47]، ﴿ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 286]. اللهمَّ أعِذنا من مضلات الفِتن، اللهمَّ أعِذنا من مضلَّات الفِتن، يا ذا الجلال والإكرام، اللهمَّ اكفِ جميعَ المسلمين شرَّ هذه الفتن، وقِهم منها، واجعَل الدائرةَ على أصحابِها. اللهمَّ يا حيَّ يا قيُّوم احفَظ بلادَنا وبلادَ الإسلام يا ذا الجلال من كلِّ مكروه يا ربَّ العالمين يا حيَّ يا قيُّوم. عبادَ الله، إنَّ نبيَّكم صلى الله عليه وسلم حينما استسقى استقبَل القبلةَ، ودَعا ربَّه، وأطال الدعَاء، فاقتدوا بِه، وألحُّوا في الدعاء، فإنَّ الله يحبُّ الملحِّين في الدُّعاء، اسألوه أن يغيثَ قلوبَكم بالرجوع إليه، وبلدَكم بإنزال الغَيث عليه، وصلُّوا وسلِّموا على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() صلاة الاستسقاء(2) د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي الحمد لله الذي أحْسَنَ تدبيرَ الكائنات، فخلق الأرض والسماوات، وأنزل الماء الفراتَ من الْمُعْصِرات، فأخرج به الحبَّ والنبات، وقدَّر الأرزاق والأقوات، وقضى بالماء كل الحاجات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، حفِظ بالمأكولات قُوى الكائنات، وأعان على الطاعات والأعمال الصالحات، بأكلِّ ما أحلَّ من الطيبات، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبده ورسوله صاحب الآيات الباهرات، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاةً تتوالى على ممرِّ الأوقات، وتتضاعف بتعاقُب الساعات، وسلِّم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد: فأوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله عز وجل، التي هي الزاد وبها المعاد، زادٌ مُبلِّغ، ومعاد منجح، دعا إليها أسمَعُ داعٍ، ووعاها أفقهُ واعٍ، فأسمع داعيها، وفاز واعيها. عباد الله، إن تقوى الله سبحانه حَمَت أولياءَ الله محارمَه، وألزمت قلوبهم مخافته، استقربوا الأجَلَ فبادروا العمل، وكذَّبوا الأمل فلاحظوا الأجَلَ. ثم إن الدنيا دارُ فناءٍ وعَناء، وإن مَلَكَ الموت لَمُوتِرٌ قوسَه، لا تُخطئ سهامه، ولا تُوصَى جراحه، فبادروا العمل، وخافوا بغتةَ الأجَلِ، فإنه لا يُرجى من رجعة العمر ما يُرجى من رجعة الرزق، فإن الرجاء مع الجائي، واليأس مع الماضي، وإن من العناء عبادَ الله: • أن يجمع المرءُ ما لا يأكل، ويبني ما لا يسكن، ثم يخرج إلى الله، لا مالًا حَمَلَ ولا بناءً نَقَلَ، فسبحان الله! ما أغرَّ سرور الدنيا، وأظمأ ريَّها، وأضحى فَيْأَها! فلا جاءٍ يُرَدُّ، ولا ماضٍ يرتدُّ. أيها الناس، إنه ليس شيءٌ بشرٍّ من الشر إلا عقابَه، وليس شيء بخيرٍ من الخير إلا ثوابه، واعلموا - رعاكم الله - أنَّ ما نقص من الدنيا وزاد في الآخرة خيرٌ مما نقص من الآخرة وزاد في الدنيا، فكم من منقوص رابح! وكم من مزيد خاسر! ألَا وإن الذي أُمِرتم به أوسعُ من الذي نُهِيتم عنه، وما أُحِلَّ لكم أكثرُ مما حُرِّم عليكم، فذَرُوا ما قلَّ لِما كثُر، وما ضاق لِما اتسع. نستغفر الله، نستغفر الله، نستغفر الله، اللهم إنا نستغفرك، إنك كنتَ غفارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا. عباد الله، أيها الناس، إن خيرَ ما أُلقِيَ في الضمائر يقينٌ بالله، يرسَخ في القلوب الرواسي، فإيمانٌ صادق بكفاية الله لعباده يدفعهم إلى تقديم مرضاة ربهم على رضاء خلقه وعبيده؛ يقول ابن مسعود رضي الله عنه: "إن الرجل لَيخرجُ من بيته ومعه دينه، فيَلقَى الرجل وله إليه حاجة، فيقول: أنت كَيتَ وكَيتَ، يُثني عليه لعله أن يقضي من حاجته شيئًا له، فيسخط الله عليه، فيرجع وما معه من دينه شيء"، يقول حكيم بن حزام رضي الله عنه: ((بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ألَّا نسأل الناس شيئًا))؛ [رواه مسلم]، حتى إن الرجل من الصحابة رضي الله عنهم لَيسقُطُ سَوطُه من على راحلته، فينزل فيأخذه، لا يسأل أحدًا أن يناوله إياه. عباد الله، في أعقاب الزمن تنتكس الفِطَرُ، وتدرُس معالمُ الشريعة، وإنه ما من زمان يأتي إلا والذي بعده شرٌّ منه حتى تلقَوا ربكم، وإنكم ستعرفون من الناس وتُنكرون، حتى يأتي على الناس زمنٌ ليس فيه شيء أخفى من الحق، ولا أظهر من الباطل، ولا أكثر من الكذب على الله ورسوله، حتى أصبح الكتاب والسُّنَّة في الناس وليسا فيهم، ومعهم وليسا معهم، فاجتمع أقوام على الفرقة، وافترقوا عن الجماعة، كأنهم أئمة الكتاب، وليس الكتاب إمامهم. أيها المؤمنون، نستغفر الله، نستغفر الله، نستغفر الله، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، فأرسِلِ السماء علينا مدرارًا. أيها المسلمون، إن الله سبحانه يبتلي عباده عند الأعمال السيئة بنقص الثمرات، وحبس البركات، ليتوب تائبٌ، ويُقلِع مُقلِعٌ، ويتذكَّر مُتذكِّرٌ، ويزدجر مُزدجِرٌ، وقد جعل الله سبحانه الاستغفار سببًا لدُرُور الرزق، ورحمة الخلق؛ فقال سبحانه: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10 - 12]، قرأها الفاروق رضي الله عنه من على المنبر يستسقي؛ ثم قال: "لقد طلبتُ الغيث بمجاديح السماء التي يُستنزل بها المطر"، فما لبعض الناس لا يرجون لله وقارًا، وقد خلقهم أطوارًا؟! فرحِم الله امرأً استقبل توبته، واستقال خطيئته، وبادر مَنِيَّتَه؛ روى البيهقي وابن ماجه من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: ((كنت عاشرَ عشرةِ رَهْطٍ من المهاجرين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل علينا بوجهه فقال: يا معشر المهاجرين، خمسُ خِصالٍ أعوذ بالله أن تدركوهُنَّ: ما ظهرت الفاحشة في قومٍ حتى أعلنوا بها إلا ابتُلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مَضَوا، ولا نقص قومٌ المكيالَ إلا ابتُلوا بالسنين وشدة المؤونة، وجَور السلطان، وما منع قومٌ زكاةَ أموالهم إلا مُنِعوا القَطْرَ من السماء، ولولا البهائم لم يُمطَروا، ولا خَفَرَ قومٌ العهدَ إلا سلَّط الله عليهم عدوًّا من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم يعمل أئمتهم بما أنزل الله في كتابه إلا جعل الله بأسهم بينهم))؛ [أخرجه ابن ماجه، وصححه الألباني]، ويقول أبو هريرة رضي الله عنه: "إن الحُبَارَى لَتموت في وكرِها من ظلم الظالم"، وقال مجاهد رحمه الله: "إن البهائم تلعن عُصاةَ بني آدم إذا اشتدت السَّنَةُ وأمسك المطر، وتقول: هذا بشؤم معصية ابن آدم". ألَا فاتقوا الله عبادَ الله، واعلموا أن الأرض التي تحملكم والسماء التي تُظِلُّكم مُطيعتان لربكم، فلا تُمسكان بخلًا عليكم، ولا رجاءَ ما عندكم، ولا تَجُودان توجُّعًا لكم، ولا زُلفى لديكم، ولكن أُمِرتا بمنافعكم فأطاعتا، وأُقِيمتا على حدود الله فقامتا: ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴾ [فصلت: 11]؛ يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "إنه ليس من عبدٍ إلا له مُصلًّى في الأرض، ومَصْعَد عمله من السماء، فإن آل فرعون لم يكن لهم عمل صالح في الأرض، ولا عمل يصعد في السماء؛ ثم قرأ: ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ ﴾ [الدخان: 29]". أيها المؤمنون، ما أحوجنا إلى رحمة الله جل جلاله بنا! فكم لله علينا من نعمة لا تُعَدُّ ولا تُحصى، ومننٍ لا تُكافَأ ولا تُجزى! ولكننا إذا نظرنا إلى أعمالنا نشكو إلى الله عظيمَ تقصيرنا، ما أحوجنا إلى رحمةٍ يغفر بها ذنوبنا، ويستر بها عيوبنا، ويفرِّج عنها بها كروبنا، فأكْثِروا - عباد الله - من سؤال الرحمة؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم اهدِني وارحمني، وعافِني واجبرني))؛ [رواه أبو داود]، وكان صلى الله عليه وسلم يسأل الله الرحمة في أكثر من دعاء، وكان يستعيذ برحمة الله من عذابه، نسأل الله عز وجل من واسع رحمته، وأن يشملكم بعظيم حِلْمِهِ وعفوِه. فتضرعوا - عباد الله - إلى ربكم، وألِحُّوا في الدعاء، فإن الله يحب الْمُلِحِّين في الدعاء. نستغفر الله، نستغفر الله، نستغفر الله، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، فأرسِلِ السماء علينا مدرارًا، وأمْدِدْنا بأموال وبنين، واجعل لنا جناتٍ، واجعل لنا أنهارًا. اللهم أنت الله، لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزِلْ علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنت الله، لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهم إنا خرجنا إليك من تحت البيوت والدُّور، وبعد انقطاع البهائم، وجدب المراعي، راغبين في رحمتك، وراجين فضلَ نعمتك، اللهم فاسْقِنا غيثَك، ولا تجعلنا من القانطين، ولا تُهْلِكْنا بالسنين، اللهم إنا خرجنا إليك حين اعتركت على إخواننا مواقعُ القَطْرِ، وأغلظتهم مكايل الجوع، فكنت الرجاء للمُبْتَئِس، والمجيب للملتمس، اللهم انشر علينا وعليهم رحمتك بالسحاب، سحًّا وابلًا، غَدَقًا مغيثًا، هنيئًا مريئًا، مجللًا نافعًا غير ضار. اللهم لتحيا به البلاد، وتُسقَى به العباد، وتُحيي به ما قد مات، وترُدَّ به ما قد فات، وتنعش به الضعيف من عبادك، وتُحيي به الميت من بلادك، اللهم سُقيا هنيئة، اللهم سُقيا هنيئة، تَرْوَى بها القِيعان، وتسيل البُطنان، وتستورق الأشجار. اللهم إنا نسألك ألَّا تردَّنا خائبين، اللهم إنا نسألك ألَّا تردنا خائبين، اللهم إنا نسألك ألَّا تردنا خائبين، فإنك تُنزل الغيث من بعدما قنطوا، وتنشر رحمتك، وأنت الولي الحميد. وصلوا وسلموا على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه والتابعين. نستغفر الله، نستغفر الله، نستغفر الله، نستغفر الله، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، فأرسِلِ السماء علينا مدرارًا، وأمْدِدْنا بأموال وبنين، واجعل لنا جنات واجعل لنا أنهارًا. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() صلاة الاستسقاء(3) د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي الحمد لله مُصرِّف الأيام والشهور، يعلم ما يؤول إليه العبد ويصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةَ مَن لاذ به خضوعًا لعظمته وانقيادًا، وأمَّله لبلوغ ذُرى العلياء توفيقًا وسدادًا، وأشهد أن نبينا محمدًا عبدُالله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله أطهر الورى سِيَرًا وأعرقهم أمجادًا، وصحبه أبرِّ الأمة قلوبًا وأشدهم تآلفًا وودادًا، والتابعين ومن تبعهم وترسَّم خُطاهم بصدقٍ وإخلاص يرجو صلاحًا ورشادًا، وسلم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واخشَوا يومًا ترجعون فيه إلى الله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18]. أيها المسلمون، إن الخشية من الله والخوف منه من كمال الإيمان، ومن خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ [الملك: 12]. أيها المسلمون، الماء أصل الحياة: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنبياء: 30]، ولو اجتمع الإنس والجن على أن يأتوا به، لم يستطيعوا إلا بإذن الله: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ ﴾ [الملك: 30]، وقال تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ ﴾ [الواقعة: 68 - 70]. وهو نعمة عظيمة أنْعَمَ الله تعالى به على عباده: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 18]، وحين يغفُل الناس عن ربهم، تنقص الأرزاق، وتُمسك السماء قَطْرَها بأمر ربها؛ ليعود الناس لربهم، وليتذكروا حاجتهم إليه: ﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ﴾ [الشورى: 27]. أيها المسلمون: الإيمان والتقوى سببُ النِّعم والخيرات، وبهما تُفتح بركات الأرض والسماء، ويتحقق الأمن والرخاء: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأعراف: 96]، والتقوى هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والاستعداد ليوم الرحيل، نعم، الاستعداد للحياة الآخرة، التي نَسِيَها كثير من الناس في غمرة السعي اللاهث وراء حُطام الدنيا، والتنافس في زخرفها الزائل، غافلين عن الاستعداد ليوم لا ريب فيه: ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا ﴾ [آل عمران: 30]، يوم لا بيع فيه ولا خُلَّة ولا شفاعة، يوم تشخَص فيه الأبصار. ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ﴾ [إبراهيم: 48]، ﴿ يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ ﴾ [النحل: 111]، ﴿ يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 52]. أيهاالمؤمنون: ولأجل ذِكْر ذلك اليوم والعمل له، فإن الله تعالى يذكِّر عباده إذا غفلوا، ويُنذرهم إذا عصَوا، وقد أخبر سبحانه أن ما يحِلُّ بالبشر إنما هو من أنفسهم: ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ﴾ [آل عمران: 165]، ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30]، فاتقوا الله تعالى حقَّ التقوى، وتوبوا إليه، واستغفروه. أيها المسلمون: تذكروا أن الله يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر: ﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 27، 28]، تذكروا أن الله بالمؤمنين رؤوف رحيم، وأنه سبحانه قريب الغير، يعجَب من قنوط عباده وقُرب غيره، ينظر إليهم يائسين قانطين، وهو يعلم أن ما بهم سينكشف عن قريب: ﴿ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ﴾ [الشورى: 19]. لكنه سبحانه مع إرادته اليُسرَ بعباده، ورحمته بهم ولطفه، فإنه يبتليهم بأنواع من البلاء؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 155]، يبتليهم سبحانه ليعلم منهم صِدْقَ الولاء، وعظيم الرجاء، ولينظر صحيح التوبة منهم وذلَّ الدعاء، فيجزيَ الصادقين كريمَ الجزاء وعظيم الثناء، ويرفع درجاتهم في الدنيا وفي الأُخرى، ويُهلِك المكذِّبين المستكبرين عن العبادة، الْمُعْرِضين عن التوبة الْمُصِرِّين على الخطيئة، ويُنيلهم من الذم والعقوبة ما يليق بهم ما داموا على تلك الحال: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ﴾ [محمد: 31]. ولقد كان من ابتلاء الله سبحانه وتعالى لعباده في هذه البلاد مَنْعُ القَطْرِ عنهم وحبسُه، وقلة المياه في آبارهم وغَورها وشُحُّها، ويستسقي المسلمون مراتٍ عديدةً وسنوات متواليةً ويستغيثون، ويدعون وما يكادون يُجابون ولا يُسقَون، وما يزداد مطر السماء إلا قلةً وامتناعًا، وما تزداد مياه الأرض إلا غَورًا ونقصًا، حتى لَيُصابَ كثير من الناس باليأس والقنوط، فيستبطئوا نزول الغيث ويصبحوا مُبْلسين، ولكن فضل الله على عباده واسع، ورحمته بالمحسنين منهم أقرب، فها هو سبحانه يُغيثهم بالأمس، فيُنزل المطر برحمته في أنحاء متفرقة من البلاد صيبًا مدرارًا، فله تعالى الحمد على ما أعطى، وله الشكر على ما أولى، ونسأله المزيد من فضله وجوده: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [الشورى: 28]. ولا شكَّ - أيها المسلمون - أن إنزالَ الغيث من أجَلِّ نِعَمِ الله تعالى على عباده، ولا ريب أن مِنَّةَ الله عليهم بالماء عظيمة وكبيرة، فهو حياة أبدانهم، وطهارة أجسامهم، وهو حياة زروعهم، وقِوام مواشيهم: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنبياء: 30]. وقال تعالى: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10 - 12]. بيَّنَتِ الآيات - عباد الله - أن الاستغفار من الذنب سببٌ لنزول الغيث، والإمداد بالأموال والبنين، ونبات الأشجار، ووفرة المياه؛ ذلك أن الذنوب والمعاصيَ إذا انتشرت في أُمَّةٍ سبَّبتِ الشقاء والهلاك، والقحط والجَدْبَ؛ ولهذا أمر الله الناس عبر الأجيال بواسطة أنبيائه أن يقلعوا عن المعاصي، ويطلبوا الغفران من الله على ما اقترفوه، حتى ينالوا رحمته ويجتنبوا غضبه. فها هو نبي الله هودٌ يعِظُ قومه بما ذكره القرآن: ﴿ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ ﴾ [هود: 52]، ويذكُر القرآن كيف وَعَظ النبيُّ صالح عليه السلام قومه: ﴿ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [النمل: 46]؛ أي: هلَّا استغفرتم ربكم حتى تنالوا رحمته. وهذاشعيب عليه السلام يرى قومه على أسوأ الأخلاق مع الشركوالإلحاد، فيُلِحُّ في نصحهم للإقلاع عما هم فيه من ضلال، ويُبشِّرهم بأن ربَّهم رحيم بعباده ودود، يرضى عن عباده الصالحين، ويُكفِّر عنهم ما مضى من سيئاتهم، إذا أخلصواالنيةوالتوجُّه إليه: ﴿ وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ ﴾ [هود: 90]. والاستغفار معناه طلب المغفرة من الله بمحوِ الذنوب، وستر العيوب، مع إقلاع عن الذنب، وندم على فِعْلِهِ؛ قال تعالى: ﴿ فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ ﴾ [هود: 61]؛ أي: إن الاستغفار وسيلة لاستجابة الدعاء. وعن حاطب رضي الله عنه قال: سمعت رجلًا في السَّحَر بناحية المسجد وهو يقول: "يا رب، أمرتني فأطعتُك، وهذا السَّحَرُ فاغفر لي"، فنظرت فإذا هو ابن مسعود رضي الله عنه. وكان ابن عمر رضي الله عنهما يصلي من الليل ثم يقول: "يا نافعُ، هل جاء السَّحَر؟"، فإذا قال: نعم، أقبل على الدعاء والاستغفار حتى يُصبِحَ. ها هم السلف رضوان الله تبارك وتعالى عليهم، مع ما هم عليه من عِلْمٍ وعمل، وزهدٍ ووَرَعٍ، كانوا قليلًا ما ينامون، وبالأسحار هم يستغفرون، ومع ما كانوا عليه من خيرٍ كثير، كان الواحد منهم يقول: "استغفارنا يحتاج إلى استغفار". فما أعظم بركات الاستغفار! فهذه خزائن رحمة الله بين يديك، ومفاتيحها الاستغفار؛ يقول ابن القيم رحمه الله: "وشهِدتُ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إذا أعْيَتْهُ المسائل واستعصت عليه، فرَّ منها إلى التوبة والاستغفار، والاستعانة بالله، واللجوء إليه، واستنزال الصواب من عنده، والاستفتاح من خزائن رحمته، فقلَّما يلبَث الْمَدَدُ الإلهيُّ أن يتتابع عليه مدًّا، وتزدلف الفتوحات الإلهية إليه، بأيتهن يبدأ"؛ [انتهى كلامه رحمه الله]. أما كون الاستغفار سببًا لرفع البلايا؛ فقد قال الله سبحانه في شأن نبيه يونس عليه السلام: ﴿ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [الصافات: 143، 144]. ومن فوائد الاستغفار أنه سببٌ لصفاء القلب ونقائه، فالذنوب تترك أثرًا سيئًا وسوادًا على القلب؛ كما وَرَدَ عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((إن المؤمن إذا أذنب، كانت نكتةٌ سوداء في قلبه، فإن تاب ونزع واستغفر، صُقل قلبه، فإن زاد زادت، فذلك الرَّانُ الذي ذكره الله في كتابه: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14]))؛ [رواه ابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وحسَّنه الألباني]. أيها المؤمنون: إنكم قد خرجتم تستغيثون وتستسقُون، فأظْهِروا الحاجة والافتقار، واعقِدوا العزم والإصرار على اجتناب المآثم والأوزار؛ وقد روى أهل السنن وأحمدُ، وحسَّنه الألباني، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبيَّ خرج للاستسقاء متذللًا متواضعًا، متخشِّعًا متضرِّعًا، والله تعالى أمَرَ بالدعاء، ووعد بالإجابة، وهو غنيٌّ كريم سبحانه: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60]. فاستغفروا وادعوا، وأبْشِروا وأمِّلوا، وارفعوا أكُفَّ الضراعة إلى الله مُبتَهِلين. الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، ملك يوم الدين، لا إله إلا الله يفعل ما يريد، لا إله إلا الله الولي الحميد، لا إله إلا الله غِياث المستغيثين وراحم المستضعفين، نستغفر الله، نستغفر الله، نستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ونتوب إليه. اللهم أنت ربنا، لا إله إلا أنت، خلقتنا ونحن عبيدك، ونحن على عهدك ووعدك ما استطعنا، نعوذ بك من شر ما صنعنا، نبوء لك بنعمتك علينا، ونبوء بذنوبنا، فاغفر لنا؛ فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. لا إله إلا أنت سبحانك، إنا كنا من الظالمين، ﴿ لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف: 149]، ﴿ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف: 23]، ﴿ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 286]. اللهم اغفر لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا، وما أسررنا وأعلنَّا، وما أنت أعلم به منا، أنت المقدِّم وأنت المؤخِّر، لا إله إلا أنت، نستغفر الله، نستغفر الله، نستغفر الله. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزِلْ علينا الغيثَ، ولا تجعلنا من القانطين. اللهم أغِثْنا، اللهم أغِثْنا، اللهم أغِثْنا، غثيًا هنيئًا مريئًا، غَدَقًا طَبَقًا، مُجلَّلًا سَحًّا، عامًّا دائمًا، نافعًا غيرَ ضار، عاجلًا غير آجل. اللهم تُحيي به البلاد، وتسقي به العباد، وتجعله بلاغًا للحاضر والبادِ، اللهم اسقِ عبادك وبهائمك، وأحي بلدك الميت. اللهم سُقيا رحمة، اللهم سُقيا رحمة، اللهم سُقيا رحمة، لا سقيا عذابٍ ولا بلاء، ولا هدم ولا غرق، اللهم إن بالعباد والبلاد من اللأواء والجَهد والضَّنك ما لا نشكوه إلا إليك، اللهم أنبِتْ لنا الزرع، وأدرَّ لنا الضرع، وأنزل علينا من بركاتك، اللهم ارفع عنا الجَهد والجوع والعُرْيَ، واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك. اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا، اللهم إنا خَلْقٌ من خَلْقِك، فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك. اللهم أنزِلْ علينا الغيث، واجعل ما أنزلته قوةً لنا على طاعتك، وبلاغًا إلى حين، اللهم اسقِنا الغيثَ، وآمِنَّا من الخوف، ولا تجعلنا آيِسين، ولا تُهلِكنا بالسنين، واغفر لنا أجمعين، واكشف ما بالمسلمين من بلايا يا أرحم الراحمين. ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201]. هذا، وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة محمد بن عبدالله؛ فقد أمركم الله تعالى بذلك فقال جل من قائل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]. اللهم صلَّ وسلِّم وزِدْ وبارك على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين. عباد الله، اقتدوا بسُنَّةِ النبي، وادعوا الله وأنتم مُوقنون بالإجابة. ربنا تقبَّل منا إنك أنت السميع العليم، وتُبْ علينا إنك أنت التواب الرحيم، ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 180 - 182].
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |