|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() وقفات ثلاث مع غزوة أحد محمد بن أحمد زراك الحمد لله الذي يبتلي بالخير والشر كل البشر، وجعل في كل ابتلاء من الدروس والعبر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العلي الأكبر، شهادةً تورثنا الجنة، وتنجينا من عذاب سقر، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، خير من بشَّر وأنذر، أصابه في سبيل نشر دعوته الأذى فاحتسب وصبر، اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى آله وأصحابه من هاجر منهم ومن نصر، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم المحشر ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18]، أما بعد: فيا أيها المؤمنون والمؤمنات، في مثل هذا الشهر؛ شهر شوال من السنة الثالثة من الهجرة، وقعت غزوة أحد التي تشتمل أحداثها على دروس وعبر كثيرة، ستنفعنا في إصلاح الكثير من أمورنا المعاصرة، ولنا مع هذه الغزوة ثلاث وقفات: الوقفة الأولى: وصلت الأخبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مشركي قريش بعد مرور سنة على غزوة بدر وانهزامهم، خرجوا قاصدين المدينة بجيشهم، لينتقموا من رسول الله وصحابته، ويأخذوا بثأرهم، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في قتالهم، فأشار عليه الكثيرون بالخروج لمحاربتهم، وأشار عليه آخرون بالبقاء وحربهم داخل المدينة، فاختار صلى الله عليه وسلم الخروج للمواجهة. وهنا يعلمنا صلى الله عليه وسلم درسًا في الاستشارة، فرغم أنه صلى الله عليه وسلم ينزل عليه الوحي من ربه فإنه يستشير دائمًا ويأخذ برأي أصحابه، والمسلم حينما يقبل على أمر مهم في حياته؛ كزواج أو عمل أو شراكة، ويحتار ولا يدري ماذا يفعل، فإنه إذا استشار أهل الرأي والتجربة، لا يصيبه ندم ولا خيبة، كان عمرو بن العاص رضي الله عنه يقول عن نفسه: "ما نزلت بي قط عظيمة فأبرمتها حتى أشاور عشرةً من قريش مرتين؛ فإن أصبت كان لي الحظ دونهم، وإن أخطأت لم أرجع على نفسي بلائمة"[1]. الوقفة الثانية: اختار النبي صلى الله عليه وسلم الخروج للمواجهة، وخرج بأصحابه حتى وصل إلى جبل أُحُد، وكلف فرقةً مكونةً من خمسين من أصحابه بالبقاء فوق الجبل وحماية ظهره، وألا ينزلوا من مكانهم حتى تصل أوامره إليهم بذلك، ثم التقى الجيشان، وسرعان ما بدأ جيش المشركين في الانهزام والهروب، وتبعهم المسلمون يأخذون الغنائم وما يخلفون، ولما رأت الفرقة التي على الجبل إخوانهم قد انتصروا، نزلوا دون إذن النبي صلى الله عليه وسلم، وهنا وقع الخطأ الأكبر والمصيبة، فقد كان جيش من قريش ينتظر هذه الفرصة، فهاجموا النبي صلى الله عليه وسلم من الخلف، ورجع المشركون الذين هربوا، وأصابوا من المسلمون ما أرادوا، وقتلوا سبعين من الصحابة، وجرحوا النبي صلى الله عليه وسلم، وكسروا رباعيته (أحد أسنانه الأمامية) لا إله إلا الله! ولولا لطف الله تعالى لكانت الخسائر أكبر بكثير، قال الله سبحانه: ﴿ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 152]. عباد الله، تلك الفرقة التي عصت وخالفت أوامر النبي صلى الله عليه وسلم هي سبب هذه المصيبة؛ لأن المعاصي والخطيئات سبب لنزول المصائب والأزمات، والشدائد والآفات، على البلاد والعباد، فما انتشرت الأمراض، وما غلت الأسعار، وقلَّت البركات والأمطار، وما قست القلوب، إلا بسبب الخطايا والذنوب، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لم تظهر الفاحشة في قوم قطُّ، حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون، والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان، إلا أخذوا بالسنين، وشدة المئونة... ولم يمنعوا زكاة أموالهم، إلا منعوا القطر من السماء»[2]. ولو أن ربنا يتعامل معنا في هذا الزمان بمبدأ العقوبة، على كل ذنب ومعصية، ما بقي واحد منا على هذه الأرض، يقول الله تعالى: ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾ [فاطر: 45]، فمن رحمة الله بنا أن يؤجل العقوبة ويؤخرها، لعلنا نرجع ونتوب، ونستغفره من كل المعاصي والذنوب، فيا مضيعًا لصلاته، ويا مرتكبًا المحرمات والفواحش في سره وعلانيته، سارع إلى التوبة والرجوع إلى ربك، قبل أن تنزل العقوبة على العباد بسببك، والله تعالى يقول عن نفسه: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الشورى: 25]، فاللهمَّ اغفر لنا، ولا تهلكنا بذنوبنا، ولا بذنوب غيرنا يا رب العالمين، نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبحديث سيد المرسلين، وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين، والحمد لله رب العالمين، ادعوا الله يستجب لكم. الخطبة الثانية الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:فيا عباد الله. الوقفة الثالثة: رغم ما أصاب المسلمين في غزوة أُحُد إلا أنها سجلت للتاريخ نماذجَ رائعةً في حب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فهذا أنس بن النضر رضي الله عنه لم يشهد غزوة بدر، فحزن حزنًا شديدًا، وقال: "لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرين الله ما أصنع"[3]، ولما جاءت غزوة أُحُد دافع عن النبي صلى الله عليه وسلم دفاعًا مميتًا، حتى سقط شهيدًا، وقد وجدوا في جسده بضعةً وثمانين ضربةً. وهذه السميراء بنت قيس الأنصارية رضي الله عنها: استشهد أبوها وأخوها وزوجها في غزوة أُحُد، وعندما أخبروها بموتهم، سألت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رأته سالمًا قالت: "كل مصيبة بعدك جَلَل يا رسول الله"[4]؛ أي: كل مصيبة لا تساوي عندي شيئًا ما دمت أنت سالمًا يا رسول الله. ونحن يا عباد الله، لئن فاتنا العيش مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، للتعبير عن حبنا له، فقد شرع الله لنا أعمالًا صالحات، نعبر بها عن صدق محبتنا له، وتجعلنا قربه في الجنة إن شاء الله، فمنها طاعته واتِّباع سنته، فلتحرص أن تطيع النبي صلى الله عليه وسلم، وتقتدي به في صلاتك، ومعاملة أهل بيتك، وفي تجارتك، وفي أخلاقك، احرص على أن تعيش حياتك وفق سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ﴾ [النساء: 69]، ومنها كثرة الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم، اجعل من وقتك وقتًا تخصصه للصلاة والسلام على رسول الله، يغفر الله ذنبك، ويكفيك هَمَّك، وتنال قربه في الآخرة، يقول رسول الله: «أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليَّ صلاةً»[5]، فاللهم أنا نسألك جوار النبي صلى الله عليه وسلم في الآخرة يا رب العالمين. هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على النبي الأمين، فقد أمركم بذلك مولانا الكريم ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة الأكرمين، خصوصًا الأنصار منهم والمهاجرين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم وفق للخير جلالة الملك أمير المؤمنين محمدًا السادس، اللهم انصره نصرًا عزيزًا تعز به الدين، وتجمع به شمل المسلمين، اللهم بارك له في ولي عهده الأمير الجليل مولاي الحسن، واشدد اللهم أزره بصِنْوه الأمير السعيد مولاي رشيد، واحفظه اللهم في جميع الأسرة الشريفة يارب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وأدم على بلدنا الأمن والأمان وعلى سائر بلاد المسلمين. اللهم إنا نسألك أن ترزق كلًّا منا لسانًا ذاكرًا، وقلبًا خاشعًا، وعملًا صالحًا، وعلمًا نافعًا، وإيمانًا ثابتًا، ورزقًا طيبًا واسعًا، يا ذا الجلال والإكرام. اللهم إنا نسألك الجنة لنا ولوالدينا، ولمن له حق علينا، وللمسلمين أجمعين، ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201] ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 180 - 182]. [1] بهجة المجالس لابن عبدالبر 1/ 98. [2] سنن ابن ماجه. [3] صحيح البخاري. [4] مغازي الواقدي. [5] سنن الترمذي.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |