|
رمضانيات ملف خاص بشهر رمضان المبارك / كيف نستعد / احكام / مسابقات |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() دروس في استقبال شهر رمضان سعد محسن الشمري الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد: فإن من المطالب العالية، والطموح الحسن، والارتقاء بالنفس نحو المعالي والمراتب العالية من تطهير النفس وتزكيتها الذي هو سبب خلاصها ونجاحها، ولا سيما في استقبال الشهر المبارك شهر رمضان الذي هو محل عناية المؤمنين بالتزود من الطاعات، وكثرة النوافل، والتقرب إلى الله تعالى، ونيل محبته، والتلذذ بعبادته ما ينال العبد رفيع الدرجات، وعظيم الحسنات. فأعظم ما يستقبل به المرء الشهر المبارك التوبة والاستغفار الذي حقيقته الأوبة إلى الله تعالى، والرجوع إليه بالإيمان، والعمل الصالح، وترك المعاصي والذنوب؛ إخلاصًا لله عز وجل في هذا الشهر المبارك الميمون الذي يثمر للعبد ثمرات طيبة في سيره إلى الله وهجرته إليه سبحانه. إذ التوبة وظيفة العمر لا ينفك عنها المؤمن في جميع أحواله وفي كل أيامه، حتى إذا باغته الأجل، فإذا هو على خير وطاعة، ويموت يوم يموت على توبة وأوبة. وأعظم ما يتقرب العبد إلى ربه أن يصبر عن معصيته التي هي سبب آلامه وضيق صدره، وما لها من ثمرات سيئة، وآثار مظلمة من سواد الوجه، وظلمة القلب، وضيق الصدر، وقسوة الفؤاد، وزوال الطمأنينة والراحة، وما يحصل له من ضعف البدن، ونقصان الرزق، وزوال المهابة والحلاوة، وضياع الوقت، ويصير أسيرًا للهوى، وحبيسًا للشيطان، وما يحصل بسببها من ثقل الطاعة، وذهاب حلاوتها. أما أسباب الصبر عن المعصية فكثيرة منها: 1- علم العبد بقبح المعصية ودناءتها. 2- الحياء من الله تعالى. 3- مراعاة إبقاء النعم: قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11]. 4- الخوف من الله الذي يقوي العلم واليقين: قال ابن مسعود: (كفى بخشية الله علمًا، وكفى بالاغترار به جهلًا). 5- محبة الله: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن صهيب رضي الله عنه مثنيًا عليه: (لو لم يخف الله لم يعصه)؛ وذلك لتمكن محبة الله في قلبه رضي الله عنه. 6- العلم بمضار المعاصي وآثارها السيئة. 7- قصر الأمل، وعلمه بسرعة انتهائه. 8- ترك الفضول في مطعمه ومشربه وملبسه وخلطته. فإذا تحققت هذه الأمور في قلبه زاد إيمانه، وثبت وعظم يقينه واشتد، وإني ناصح نفسي وإخواني أن يتهيأوا التهيؤ التام لرمضان، وأن يفرحوا بقدومه، وأن يشكروا الله عز وجل على إدراكه، ويكثروا من الاستغفار، ويحققوا التوبة إلى الله تعالى، ولا يشغلوا أنفسهم بما ينشغل به كثير من الناس من السرف والتبذير في المآكل والمشارب والفرش والأثاث والهدايا وكثرة الزيارات، فإنما هي أيام مباركة معدودة، وليال عظيمة مباركة يشغل فيها نفسه بما يعود إليه بالخير العظيم والفضل الكبير. والله أسأل أن يبلغنا رمضان ونحن في صحة وعافية، ويبارك لنا في أيامه ولياليه، ويكتب لنا فيه الخير العظيم والأجر الكبير، وأن يجعلنا ممن يدرك ليلة القدر. هذا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. إن أطيب المنح الربانية والعطايا الإلهية أن يستفيد المرء من عبادته لربه، وأن يشعر بلذتها وحلاوتها، وذلك عندما يتعلق القلب بالرب، ويقوى يقينه، ويزداد إيمانه، فإذا التذَّ بها انشرح صدره، واطمئن قلبه، وانبسطت نفسه، وحصل له من نور القلب، وضياء الوجه، وتيسير الأمور، والحبل موصول برب العالمين، وهذا من أعظم -إن لم يكن أعظم– ما يتنافس فيه المتنافسون، ويشمر له المشمرون، ويتسابق إليه المتسابقون الذين استجابوا لأمر لربهم: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133]. ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ﴾ [الحديد: 21]. ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾ [المائدة: 48]. وبذلك يكونون قد أدركوا حقيقة العبادة التي فيها كمال الحب للرب، وكمال الذل له سبحانه، سعادتك أيها العبد في سجودك، راحتك في عبادة ربك. عندما يسمع المرء قوله عليه الصلاة والسلام: ((أرحنا بها يا بلال)) (أرحنا بالصلاة) يدرك الحقيقة العظيمة والثمرة الطيبة، يتذكر عندما يسمع قوله تعالى: ﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ﴾ [الشرح: 7]،يدرك أن تجاوز المحن بها، يدرك أن سعادة نفسه بها، يدرك أن اضمحلال الهموم بها. كان عليه الصلاة والسلام إذا حزبه أمر هرع إلى الصلاة بكلية قلبه وجوارحه، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((جعلت قرة عيني في الصلاة)) يشير إلى فرحه بها، وانشراح صدره بها، وطمأنينة قلبه بها، وراحة باله بها. عندما يقوم صلى الله عليه وسلم الليل يقوم حتى تتفطر قدماه من طول القيام. قَامَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ، فقِيلَ له: غَفَرَ اللَّهُ لكَ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وما تَأَخَّرَ، قالَ: ((أفلا أكُونُ عَبْدًا شَكُورًا)).[1] علامة شكره لربه في عبادته له سبحانه، وكذلك لذة العبادة تجعل العابد لا يحس بطولها، ويرى أنها خفيفة سهلة ميسرة. نماذج رائعة من عبادة سلفنا الصالح: قد ضرب سلفنا الصالح من الصحابة والتابعين، والأئمة الأعلام، والعباد والزهاد، والصالحين من عباد الله أروع الأمثلة في عبادتهم لربهم، وصدقهم مع الله تعالى؛ مما يدل على قوة صلتهم بالله، وأنهم طلاب آخرة، ما يجعل المرء يفر لعبادة ربه، ويقتدي بالصالحين، ويكون نظره إلى من هو عالي المقام في هذا المسلك الذي سلكه في عبادة ربه، وأعظم ما يعين على ذلك نظره إلى قلبه وتطهيره وإصلاحه؛ إذ هو الأصل في هذا المقام؛ مما يعين على صلاح القول والعمل، يخرج من قلبه الكبر، ويتواضع لربه، ويستجيب لأمر ربه، ويترك كل ما يسبب ظلمة القلب، وضيق الصدر من المعاصي والذنوب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((تُعرضُ الفتنُ على القلوبِ كالحصيرِ عودًا عودًا، فأيُّ قلبٍ أُشربَها نكتَتْ فيه نكتةٌ سوداءُ، فيصيرُ أسودَ مربادًّا كالكوزِ مُجَخِّيًا، لا يعرفُ معروفًا، ولا ينكرُ إلا ما أُشرِبَ من هَواه))[2]. ويعالج نفسه بالحياء من الله كما قال الله تعالى في وصف المنافقين: ﴿ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ﴾ [النساء: 108]. وقال عليه الصلاة والسلام: ((استحيوا مِنَ اللَّهِ تعالى حقَّ الحياءِ، منَ استحيا منَ اللَّه حقَّ الحياءِ فليحفظِ الرَّأسَ وما وعى، وليحفظِ البطنَ وما حوَى، وليذكرِ الموتَ والبِلَا، ومن أرادَ الآخرةَ ترَك زينةَ الحياةِ الدُّنيا، فمن فعلَ ذلِك فقدِ استحيا منَ اللَّه حقَّ الحياءِ))[3]. فالمقصود تحقيق الإخلاص في القلب، والنظر إلى الله، وإلى ما عنده من الخير والثواب لعبده؛ لأنك تتعبد الله عز وجل بحبه، وبالخوف منه وخشيته، وبالطمع فيما عنده، ورجائه سبحانه، ومن أعظم ما يجعلك تنهض للعبادة والاستفادة منها أن تنظر إلى فوائدها وثمراتها، وأن تتعرف إلى أسماء الله وصفاته التي هي أعظم حافز ودافع إلى الأنس بعبادته. كاسمه تعالى: الرحمن، المنان، الغفور، الرحيم، الواسع، الكريم. وأن تنظر إلى الغاية المقصودة لذاتها التي هي أعظم نعيم يلقاه المؤمنون في الجنة، وهو النظر إلى وجه الله سبحانه: ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾ [يونس: 26]. وكذلك النظر إلى ما خلق الله في السموات والأرض من عوالم سفلية وعوالم علوية، مما نراه ومما لا نراه؛ ولكن جاءنا بخبر الصادق المصدوق. ولا أريد أن أطيل الكلام في ذلك حيث قصدت بها الإشارات حتى يستفيد من شاء الله من عباده، ومنهم صاحبكم- عامله الله بلطفه- حتى ننهض بهذه العبادات العظيمة، ونحن نستقبل شهرًا فضيلًا مباركًا؛ وهو شهر رمضان المبارك الذي فرض الله صيامه وندب قيامه، ومن فضل الله ورحمته أن جعل للعبادات وجوهًا، وفي أعمال الخير أنواعًا ما يضرب فيها المرء بأسهم خير ينال أجرها عند الله. نستقبل هذا الشهر بالتوبة إلى الله، والاستغفار له، وبطهارة القلب، وسخاوة النفس، وحب الخير للمسلمين، والله المستعان، والحمد لله رب العالمين. [1] البخاري (4836)، ومسلم (2819). [2] صحيح الجامع، 2960. [3] أخرجه الترمذي (2458)، وأحمد (3671).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |