العليم - العالم - العلام جل جلاله، وتقدست أسماؤه - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 190 - عددالزوار : 65165 )           »          قيام الليل يفك عقد الشيطان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 59 )           »          تخريج حديث: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم أتى كظامة قوم بالطائف فتوضأ ومسح على قدم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 64 )           »          حديث: يا رسول الله إني أسلمت وتحتي أختان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 59 )           »          الرد على من ينكرون السنة النبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم "وينطق الرويبضة" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          مقام الحديث الشريف عندك هو نتيجة مقام الرسول صلى الله عليه وسلم عندك، قطعا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 76 )           »          القول المستطاب بفوائد حديث "إنك تأتي قوما أهل كتاب" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 74 )           »          تخريج حديث: توضأ النبي صلى الله عليه وسلم، وأدخل يده في الإناء، فمضمض واستنشق مرة واح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 72 )           »          حديث: خيرت بريرة على زوجها حين عتقت (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 74 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 31-12-2023, 12:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,255
الدولة : Egypt
افتراضي العليم - العالم - العلام جل جلاله، وتقدست أسماؤه

العليم - العالم - العلام جل جلاله، وتقدست أسماؤه
الشيخ وحيد عبد السلام بالي


الدَّلَالَاتُ اللُّغَوِيَّةُ لاسمِ (العَلِيمِ)[1]:
العَلِيمُ فِي اللَّغَةِ مِنْ أَبْنِيَةِ المُبَالَغَةِ، عَلِيمٌ عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ، فِعْلُه عَلِمَ يَعْلَمُ عِلْمًا، وَرَجُلٌ عَالِمٌ وَعَلِيمٌ.

والعِلمُ نَقِيضُ الجَهْلِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِلإِنْسَانِ الذِي عَلَّمَهُ اللهُ عِلْمًا مِنَ العُلومِ عَلِيمٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْ يُوسُفَ؛ وَقَوْلِه لِلْمَلِكِ: ﴿ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ [يوسف: 55]، وَهُوَ عَلِيمٌ؛ عَلَى اعْتِبَارِ مَحْدُودِيَّةِ عِلْمِهِ، وَمُنَاسَبَتِهِ لِقَدَرِهِ، فَهُوَ ذُو عِلْمٍ وَمَوْصُوفٌ بِالعِلْمِ، قَالَ: ﴿ وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ [يوسف: 68].

لَكِنْ شَتَّانَ بَيْنَ عِلْمٍ مُقَيَّدٍ مَحْدُودٍ وَعِلْمٍ مُطْلَقٍ بِلَا حُدُودٍ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي كَمَالِ عِلْمِهِ، جَلَّ شَأْنُه فِي إِطْلَاقِ وَصْفِهِ، فَعِلْمُهُ فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ كَمَا قَالَ عز وجل: ﴿ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ [يوسف: 76].

فاللهُ عز وجل عَلِيمٌ بِمَا كَانَ، وَمَا هُوَ كَائِنٌ، وَمَا سَيَكُونُ، لَمْ يَزَلْ عَالمًا وَلَا يَزَالُ عَالِمًا بِمَا كَانَ وَمَا يَكُونُ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ فِي الأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، سُبْحَانَهُ أَحَاطَ عِلْمُهُ بِجَمِيعِ الأَشْيَاءِ بَاطِنِهَا وَظَاهِرِهَا، دَقِيقِهَا وَجَلِيلِهَا عَلَى أَتَمِّ الإِمْكَانِ[2]، فَاسِمُ اللهِ العَلِيمِ اشْتَمَلَ عَلَى مَرَاتِب العِلْمِ الإلهِيِّ، وَهِيَ أَنْوَاعٌ:
أوَّلُهَا:عِلْمُهُ بِالشَّيءِ قَبْلَ كَوْنِه، وَهُوَ سِرُّ اللهِ فِي خَلْقِهِ، ضَنَّ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ، لَا يَعْلَمُهُ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، وَلَا نَبِيٌ مُرْسَلٌ، وَهَذِهِ المَرْتَبَةُ مِنَ العِلْمِ هِيَ عِلْمُ التَّقْدِيرِ وَمِفْتَاحُ سَيَصِيرُ، وَمَنْ هُمْ أَهْلُ الجَنَّةِ، وَمَنْ هُمْ أَهْلُ السَّعِيرِ؟ فَكُلُّ أَمُورِ الغَيْبِ قَدَّرَهَا اللهُ فِي الأزَلِ، وَمِفْتَاحُهَا عِنْدَهُ وَحْدَهُ وَلَمْ يَزَلْ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [لقمان: 34].

وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النمل: 65].

ثَانِيهَا:عِلْمُهُ بِالشَّيءِ وَهُوَ فِي اللَّوحِ المَحْفُوظِ بَعْدَ كِتَابَتِه وَقَبْلَ إِنْفَاذِ أَمْرِهِ وَمَشِيئَتِهِ، فَاللهُ عز وجل كَتَبَ مَقَادِيرَ الخَلَائِقِ فِي اللَّوحِ المَحْفُوظِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، والمَخْلُوقَاتُ فِي اللَّوحِ قَبْلَ إِنْشَائِهَا عِبَارَةٌ عَنْ كَلِمَاتٍ، وَتَنْفِيذُ مَا فِي اللَّوحِ مِنْ أَحْكَامٍ تَضَمَّنَتْهَا الكَلِمَاتُ مَرْهُونٌ بِمَشِيئَةِ اللهِ فِي تَحْدِيدِ الأَوْقَاتِ الَّتِي تُنَاسِبُ أَنْوَاعَ الابْتِلاءِ فِي خَلْقِهِ.

وَكُلُّ ذَلِكَ عَنْ عِلْمِهِ بِمَا فِي اللّوحِ مِنْ حِسَابٍ وَتَقْدِيرٍ، وَكَيْفَ وَمَتَى يتْمُّ الإبْدَاعُ والتَّصْوِيرُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ[الحج: 70].

وَقَالَ أَيْضًا: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا [الحديد: 22].

ثَالِثُهَا: عِلْمُهُ بِالشَّيءِ حَالَ كَوْنِهِ وَتَنْفِيذِهِ وَوَقْتِ خَلْقِهِ وَتَصْنِيعِهِ كَمَا قَالَ: ﴿ اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ * عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ [الرعد: 8، 9].

وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ [سبأ: 2].

رَابِعُهَا: عِلْمُهُ بِالشَّيءِ بَعْدَ كَوْنِهِ وَتَخْليقِهِ، وَإِحَاطَتِهِ بِالفِعْلِ بَعْدَ كَسْبِهِ وَتَحْقِيقِهِ، فَاللهُ عز وجل بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَرَاتِبَ العِلْمِ السَّابِقَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام: 59]، ذَكَرَ بَعْدَهَا المَرْتَبَةَ الأَخِيرَةَ فَقَالَ: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الأنعام: 60].

وَقَالَ أَيْضًا: ﴿ قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ [ق: 4].

وَقَالَ: ﴿ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ [التوبة: 78]، فَاللهُ عز وجل عَالِمٌ بِمَا كَانَ، وَمَا هُوَ كَائِنٌ، وَمَا سَيَكُونُ، وَمَا لَوْ كَانَ كَيْفَ يَكُونُ عَلَى مَا اقْتَضَتْهُ حِكْمَتُهُ البَالِغَةُ[3].

قَالَ اللهُ عز وجل: ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [الأنفال: 71].

قَالَ الحُلَيْمِيُّ فِي مَعْنَاه: «أَنَّهُ المُدْرِكُ لِمَا يُدْرِكُهُ المَخْلُوقُونَ بِعُقُولِهِمْ وَحَوَاسِّهِمْ، وَمَا لَا يَسْتَطِيعُونَ إِدْرَاكَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مَوْصُوفًا بِعَقْلٍ أَوْ حِسٍّ، وَذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَعْزُبُ وَلَا يَغِيبُ عَنْه شَيءٌ، وَلَا يُعْجِزُه إِدْرَاكُ شَيءٍ، كَمَا يَعْجَزُ عَنْ ذَلِكَ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ أَوْ لَا حِسَّ لَهْ مِنَ المَخْلُوقِينَ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُشْبِهُهُمْ، وَلَا يُشْبِهُونَهُ.

قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: العَلِيمُ هُوَ العَالِمُ بِالسَّرَائِرِ والخَفِيَّاتِ، التِى لَا يُدْرِكُهَا عِلْمُ الخَلْقِ، وَجَاءَ عَلَى بِنَاءِ فَعِيلٍ لِلْمُبَالَغَةِ فِي وَصْفِهِ بِكَمَالِ العِلْمِ»[4].

الدَّلَالَاتُ اللُّغَوِيَّةُ لاسمِ (العَالِمِ):
قَالَ اللهُ عز وجل: ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ [الأنعام: 73][5].

وعَنْ أَبِي هُرِيْرَةَ رضي الله عنه: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه: «يَا رَسُولَ اللهِ، مُرْنِي بِشَيءٍ أَقُولُهُ إِذَا أَصْبَحْتُ وإِذَا أَمْسَيْتُ».

قَالَ صلى الله عليه وسلم: «قُلْ: اللَّهُمَّ عَالِمَ الغَيبِ والشَّهَادَةِ، فَاطِرَ السَّمَواتِ والأَرْضِ، رَبَّ كُلِّ شَيءٍ وَمَلِيكَهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَه إلَّا أَنْتَ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي، وَشَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ»، قَالَ صلى الله عليه وسلم: «قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ وإِذَا أَمْسَيْتَ وَإِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَك»[6].

قَالَ الحُلَيمِيُّ رحمه الله فِي مَعْنَى العَالِمِ:
«إِنَّهُ مُدْرِكُ الأَشَيَاءِ عَلَى مَا هِي بِهِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ أَنْ يُوصَفَ القَدِيمُ[7] عَزَّ اسْمُهُ بالعَالِم لأَنَّه قَدْ ثَبَتَ أَنْ مَا عَدَاهُ مِنَ المَوْجُودَاتِ فِعْلٌ لَهُ، وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِعْلٌ بِاخْتِيَارٍ وَإِرادَةٍ، والفِعْلُ عَلَى هَذَا الوَجْهِ لَا يَظْهَرُ إِلَّا مِنْ عَالِمٍ كَمَا لَا يَظْهَرُ إِلا مِنْ حَيٍّ»[8].

الدَّلَالَاتُ اللُّغَوِيَّةُ لاسمِ (العَلَّامِ):
قَالَ اللهُ عز وجل: ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ [التوبة: 78]، وَهُوَ فِي دُعَاءِ الاسْتِخَارَةِ: «وَأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ»[9].

قَالَ الحُلَيْمِيُّ: «وَمَعْنَاهُ العَالِمُ بِأَصْنَافِ المَعْلُومَاتِ عَلَى تَفَاوُتِهَا، فَهُوَ يَعْلَمُ المَوجُودَ، وَيَعْلَمُ مَا هُوَ كَائِنٌ، وَأَنَّهُ إِذَا كَانَ كَيْفَ يَكُونُ، وَيَعْلَمُ مَا لَيْسَ بِكَائِنٍ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَيْفَ يَكُونُ.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى [طه: 7]، قَالَ: «﴿ يَعْلَمُ السِّرَّ مَا أَسَرَّ ابْنُ آدَمَ فِي نَفْسِهِ، ﴿ وَأَخْفَى مَا خَفِيَ عَلَى ابْنِ آدَمَ وَهُوَ فَاعِلُهُ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَهُ»[10].

فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَعْلَمُ ذَلِكَ كُلَّهُ، فَعِلْمُهُ فِيمَا مَضَى مِنْ ذَلِكَ وَمَا بَقِيَ عِلْمٌ وَاحِدٌ، وَجَمِيعُ الخَلَائِقِ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ»[11].

وُرُودُ الأسْمَاءِ فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ[12]:
وَرَدَ اسْمُهُ (الْعَلِيمُ) فِي مِائَةٍ وَسَبْعَةٍ وَخَمْسِينَ مَوْضِعًا مِنَ الكِتَابِ مِنْهَا:
قَالَ تَعَالَى: ﴿ قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [البقرة: 32].
قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [آل عمران: 154].
قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [المائدة: 97].
قَالَ تَعَالَى: ﴿ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل: 28].
قَالَ تَعَالَى: ﴿ قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الأنبياء: 4].
قَالَ تَعَالَى: ﴿ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ [الروم: 54].
وَقَوْلُهُ: ﴿ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا [النساء: 70].
وَقَوْلُهُ: ﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [يس: 38].

أَمَا (العَالِمُ) فَقَدْ وَرَدَ هَذَا الاسْمُ فِي القُرْآنِ ثَلاثَ عَشْرَةَ مَرَّةً مِنْهَا:
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ [الأنعام: 73].
وقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [التوبة: 94].
وَقَوْلُهُ: ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ [الرعد: 9].
وَقَوْلُهُ: ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [التغابن: 18].
أَمَّا (العَلَّامُ) فَقَدْ وَرَدَ هَذَا الاسْمُ فِي أَرْبَعةِ مَواضِعَ وَهِيَ:
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ [المائدة: 109].
وَقَوْلُهُ: ﴿ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ[المائدة: 116].
وَقَوْلُهُ عز وجل: ﴿ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ [التوبة: 78].
وَقَوْلُهُ: ﴿ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ [سبأ: 48].

المَعْنَى فِي حَقِّ اللهِ تَعَالَى:
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: «إِنَّكَ أَنْتَ يَا رَبَّنَا العَلِيمُ مِنْ غَيْرِ تَعْلِيمٍ بِجَمِيعِ مَا قَدْ كَانَ وَمَا هُوَ كَائِنٌ، وَالعَالِمُ لِلْغُيُوبِ دُونَ جَمِيعِ خَلْقِكَ».

وَقَالَ: «إِنَّ اللهَ ذُو عِلْمٍ بِكُلِّ مَا أَخْفَتْهُ صُدُورُ خَلْقِهِ مِنْ إِيمَانٍ وَكُفْرٍ، وَحَقٍّ وَبَاطِلٍ، وَخَيْرٍ وَشَرٍّ، وَمَا تَسْتَجِنُّهُ ممَّا لَمْ تُجِنُّه بَعْدُ»[13].

وَقَالَ الخَطَّابِيُّ: «هُوَ العَالِمُ بِالسَّرَائرِ وَالخَفِيَّاتِ التِي لَا يُدْرِكُهَا عِلْمُ الخَلْقِ، كَقَوْلِه تَعَالَى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [لقمان: 23]، وَجَاءَ عَلَى بِنَاءِ فَعِيلٍ لِلمُبَالَغَةِ فِي وَصْفِهِ بِكَمَالِ العِلْمِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ[يوسف: 76]»[14].

قَالَ ابْنُ مَنْظُورٍ رحمه الله: «فَهُوَ اللهُ العَالِمُ بِمَا كَانَ وَمَا يَكُونُ قَبْلَ كَوْنِهِ، وَبِمَا يَكُونُ وَلَمَّا يَكُنْ بَعْدُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ، لَمْ يَزَلْ عَالِمًا وَلَا يَزَالُ عَالِمًا بِمَا كَانَ وَمَا يَكُونُ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ فِي الأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، أَحَاطَ عِلْمُهُ بِجَمِيعِ الأَشْيَاءِ بَاطِنِهَا وظَاهِرِهَا، دَقِيقِهَا وَجِليلِهَا، عَلَى أَتَمِّ الإمْكَانِ»[15].

وَقَالَ السَّعْدِيُّ: «وَهُوَ الَّذِي أَحَاطَ عِلْمُهُ بِالظَّوَاهِرِ وَالبَوَاطِنِ وَالإِسْرَارِ وَالإِعْلانِ، وَبِالوَاجِبَاتِ وَالمُسْتَحِيلَاتِ وَالمُمْكِنَاتِ، وَبِالعَالَمِ العُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ، وَبِالمَاضِي وَالحَاضِرِ وَالمُسْتَقْبَلِ، فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيءٌ مِنَ الأَشْيَاءِ[16].

وَهُوَ مَا نَظَمَهُ ابْنُ القَيِّمِ رحمه الله فِي النُّونِيةِ:
وَهُوَ العَلِيمُ أَحَاطَ عِلْمًا بالَّذِي
فِي الكَونِ مِنْ سِرٍّ وَمِنْ إِعْلَانِ
وَبِكُلِّ شَيءٍ عِلْمُهُ سُبْحَانَهُ
فَهُوَ المُحِيطُ وَلَيْسَ ذَا نِسيَانِ
وَكَذَاكَ يَعْلَمُ مَا يَكُونُ غَدًا وَمَا
قَدْ كَانَ وَالمَوْجُودَ فِي ذَا الآنِ
وَكَذَاكَ أَمْرٌ لَمْ يَكُنْ لَوْ كَانَ كَيْ
فَ يَكُونُ ذَاكَ الأَمْرُ ذَا إِمْكَانِ[17]




ثَمَرَاتُ الإيمَانِ بِهَذِهِ الأسْمَاءِ (العَلَّامُ ـ العَالِمُ ـ العَلِيمُ):
1- إثْبَاتُ العِلْمِ التَّامِّ الشَّامِلِ للهِ تَعَالَى وَحْدَهُ:
وَلَا يُشابِهُهُ أَحَدٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ فِي كَمَالِ عِلْمِهِ:
وَقَدْ أَثْبَتَ اللهُ عز وجل لِنَفْسِهِ العِلْمَ الكَامِلَ الشَّامِلَ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ؛ مِنْهَا:
قَوْلُهُ سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا [طه: 98].
وَقَوْلُهُ: ﴿ وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا [غافر: 7].
وَقَوْلُهُ: ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [الطلاق: 12].

فَفَي هَذِهِ الآَياتِ إِثْبَاتُ عِلْمِهِ بِكُلِّ شَيءٍ مِنْ الأَشَيَاءِ، دَقِيقِهَا وَجَلِيلِهَا، صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا، كَمَا قَالَ سُبْحَانُهُ: ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام: 59].

وَقَالَ: ﴿ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا [الجن: 28].

وَقَدَ أَنْكَرَ بَعْضُ الفَلَاسِفَةِ وَمَنْ تَابَعَهُمْ كَابِنِ سِينَا عِلْمَهُ تَعَالَى بَالجُزْئِيَّاتِ، فَقَالُوا: إِنَّهُ يَعْلَمُ الأَشْيَاءَ عَلَى وَجْهٍ كُلِّيٍّ لَا جُزْئيٍّ.

وَقْدَ رَدَّ شَيْخُ الإِسْلامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ عَلْيِهِم فِي كِتَابِهِ دَرَءُ تَعَارُضِ العَقْلِ وَالنَّقْلِ، بِقَوْلِهِ: «وَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ لَكَ أَنَّ مَنْ قَالَ مِنَ المُتَفَلْسِفَةِ: إِنَّهُ سُبْحَانَهُ يَعْلَمُ الأَشْيَاءَ عَلَى وَجِهٍ كُلِّيٍّ لَا جُزْئِيٍّ، فَحَقِيقَةُ قَوْلِهِ إِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ شَيْئًا مِنَ المَوْجُودَاتِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي المَوْجُودَاتِ إِلَّا مَا هُوَ مُعَيَّنٌ جُزْئِيٌّ، وَالكُلِّيَّاتُ إِنَّمَا تَكُونُ فِي العِلمِ، لَاسِيَّمَا وَهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّمَا عَلِمَ الأَشْيَاءَ لأنَّهُ مَبْدَؤُهَا وَسبَبُهَا، وَالعِلْمُ بِالسَّبَبِ يُوْجِبُ العِلْمَ بِالمُسَبَّبِ، وَمِنَ المَعْلُومِ أَنَّهُ مُبْدِعٌ لِلْأُمُورِ المُعَيَّنَةِ المُشَخَّصَةِ الجُزْئِيَّةِ، كَالْأَفْلَاكِ المُعَيَّنَةِ وَالعُقُولِ المُعَيَّنَةِ، وَأَوَّلُ الصَّادِرَاتِ عَنْهُ - عَلَى أَصْلِهِمْ - العَقْلُ الأَوْلُ، وَهُوَ مُعَيَّنٌ، فَهَلْ يَكُونُ مِنَ التَّنَاقُضِ وَفَسَادِ العَقْلِ فِي الإِلَهِيَّاتِ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا؟»[18].

وَبَيَّنَ العَلَّامَةُ المُحَقِّقُ ابْنُ القَيِّمِ أَنَّ ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾ تَتَضَمَنُ الرَّدَّ عَلَى مُنْكِرِي عِلْمِهِ تَعَالَى بَالجُزْئِيَّاتِ، قَالَ: «وَذَلِكَ مِنْ وِجُوهٍ:
أَحَدُهَا:كَمَالُ حَمْدِهِ، وَكَيْفَ يَسْتَحِقُّ الحَمْدَ مَنْ لَا يَعْلَمُ شَيْئًا مِنَ العَالَمِ وَأَحْوَالِهِ وَتَفَاصِيلِهِ، وَلَا عَدَدَ الأَفْلَاكِ، وَلَا عَدَدَ النُّجُومِ، وَلَا مَنْ يُطِيعُهُ مِمَّنْ يَعْصِيهِ، وَلَا مَنْ يَدْعُوهُ مِمَّنْ لَا يَدْعُوهُ؟

الثَّانِي: أَنَّ هَذَا مُسْتَحِيلٌ أَنْ يَكُونَ إِلَهًا، وَأَنْ يَكُونَ رَبًّا فَلَا بُدَّ لِلْإلَهِ المَعْبُودِ، وَالرَّبِّ المُدَبِّرِ مِنْ أَنْ يَعْلَمَ عَابِدَهُ وَيَعْلَمَ حَالَهُ.

الثَّالِثُ: مِنْ إِثْبَاتِ رَحْمَتِهِ، فَإِنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَرْحَمَ مَنْ لَا يَعْلَم.

الرَّابِعُ:إِثْبَاتُ مُلْكِهِ، فَإِنَّ مَلِكًا لَا يَعْرِفُ أَحَدًا مِنْ رَعِيَّتِهِ البْتَّةَ وَلَا شَيْئًا مِنْ أَحْوَالِ مَمْلَكَتِهِ الْبَتَّةَ، لَيْسَ بِمَلِكٍ بِوَجِهٍ مِنَ الوُجُوهِ.

الخَامِسُ: كَوْنُهُ مُسْتَعَانًا.
السَّادِسُ: كَوْنُهُ مَسْئُولًا أَنْ يَهدِيَ سَائِلَهُ وَيُجِيبَهُ.
السَّابِعُ: كَوْنُهُ هَاديًا.
الثَّامِنْ: كَوْنُهُ مُنْعِمًا.
التَّاسِعُ: كَوْنُهُ غَضْبَانًا عَلَى مَنْ خَالَفَهُ.
العَاشِرُ: كَوْنُهُ مُجَازِيًا، يُدِينُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِم يَوْمَ الدِّينِ.

فَنَفْيُ عِلْمِهِ بِالجُزْئِياتِ مُبْطِلٌ لِذَلِكَ كُلِّهِ»[19].

وَكَيْفَ لَا يُحِيطُ تَعَالَى عِلْمًا بِكُلِّ شَيءٍ وَهُوَ قَدْ خَلَقَ كُلَّ شَيءٍ؟ ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك: 14].

فَقَبَّحَ اللهُ مَنْ رَمَى رَبَّهُ بِالجَهْلِ وَعَدَمِ العِلْمِ وَهُوَ يَأَنَفُ أَنْ يُوصَفَ بِشَيءٍ مِنْ ذَلِكَ.

2- اللهُ يَعْلَمُ المَاضِي وَالمُسْتَقْبَلَ:
إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ لِكَمَالِ عِلْمِهِ، يَعْلَمُ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ وَمَا لَمْ يَكُنْ لَوْ كَانَ كَيْفَ يَكُونُ؛ أَيْ: أَنَّهْ سُبْحَانَهُ يَعْلَمُ الأُمُورَ المَاضِيَةَ التِي وَقَعَتْ، وَالأُمُورَ المُسْتَقْبَلَةَ التِي لَمْ تَقَعْ بَعْدَ، وَيَعْلَمُ الأَمُورَ التِي لَنْ تَقَعَ لَوْ فُرِضَ أَنَّهَا تَقَعُ كَيْفَ تَقَعُ، وَهَذَا مِنْ كَمَالِ عِلْمِهِ بِالغَيْبِ وَعَوَاقِبِ الأُمُورِ، وَهُوَ مُعْتَقَدُ أَهْلِ السُّنَةِ وَالجَمَاعَةِ، وَالأَدِلَّةُ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مِنْهَا:
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر: 49].

وَقَوْلُهُ تَعَالَى لإِبْلِيسَ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ: ﴿ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ [ص: 85]، وَهُوَ خَبَرٌ عَنِ المُسْتَقَبَلِ.

وَقَوْلُهُ: ﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات: 171 - 173].

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحج: 70].

وَقَوْلُهُ: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ[المزمل: 20]؛ أَيْ: عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ لَنْ تَسْتَطِيعُوا القِيَامَ بِمَا أَمَرَكُمْ بِه مِنْ قِيَامِ اللَّيلِ؛ لأَنَّهُ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى، وَآخَرُونَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبيلِ اللهِ، وَآخَرُونَ مُسَافِرُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ فَضَلَ اللهِ فِي المَكَاسِبِ، فَقُومُوا مِنَ اللَّيلِ بِمَا يَتَيَسَّرُ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا [الفتح: 27].

وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحديد: 22]، أَيْ: مَا تَقَعُ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ مِنْ قَحْطٍ أَوْ طُوفَانٍ أَوْ صَاعِقَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، ﴿ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ، أَيْ: مِنْ الأَمْرَاضِ وَالمَصَائِبِ وَالبَلَاءِ، إِلَّا كَانَ ذَلِكَ مَكْتُوبًا فِي اللَّوحِ المَحْفُوظِ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَخْلُقَ الخَلِيقَةَ، وَنَبْرَأَ النَّسْمَةَ، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الخَلائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلفَ سَنَةٍ، قَالَ: وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ»[20].

3- القَدَرِيَّةُ خَالَفُوا أَهْلَ السُّنَّةِ فِي عِلْمِ اللهِ:
وَقَدْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ القَدَرِيَّةُ - قَبَّحَهُمُ اللهُ - فَقَالُوا: إِنَّ اللهَ لَا يَعْلَمُ الأمْرَ قِبْلَ وُقُوعِهِ، وَإِنَمَا يَعْلَمُهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ.

وَقَدْ حَدَثَ القَولُ بِهَذَا فِي أَوَاخِرِ عَصْرِ الصَّحَابَةِ؛ فَقَدْ جَاءَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، قَالَ: كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَالَ فِي القَدَرِ مَعْبدٌ الجُهَنِيُّ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَحُمَيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَاجَّيْنِ أَوْ مُعْتَمِرَيْنِ فَقْلْنَا: لَوْ لَقِينَا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلْنَاه عَمَّا يَقُولُ هَؤُلاَءِ فِي القَدَرِ، فَوُفِّقَ لَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنُ الخَطَّابِ دَاخِلًا المَسْجِدَ، فاكْتَنَفْتُهُ أَنَا وَصَاحِبي، أَحَدُنَا عَنْ يَمِينِهِ وَالآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ، فَظَنَنْتُ أَنَّ صَاحِبِي سَيَكِلُ الكَلامَ إِليَّ، فَقُلْتُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبلَنَا نَاسٌ يَقْرَؤُونَ القُرْآنَ وَيَتَقَفَّرُونَ العِلَمَ، وَذَكَرَ مِنْ شَأَنِهِمْ، وَأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنْ لَا قَدَرَ، وَأَنَّ الأَمْرَ أُنُفٌ.

قَالَ: «فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّي، وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، لَوْ أَنَّ لأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهبًا فَأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَ اللهُ مِنْهُ حَتَى يُؤْمِنَ بِالقَدَرِ...»[21].

وَمَعْنَى قَولِ القَدَرِيَّةِ: إِنَّ الأَمْرَ أُنُفٌ؛ أَيْ: مُسْتَأْنَفٌ لَمْ يَسْبِقْ بِهِ قَدَرٌ، وَلَا عِلْمٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَإِنَمَا يَعْلَمُهُ بَعْدَ وِقُوعِهِ؛ أَيْ: إِنَّ اللهَ أَمَرَ العِبَادَ وَنَهَاهُمْ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ مَنْ يُطِيعُهُ مِمَّنْ يَعْصِيهِ، وَلَا مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِمَّنْ يَدْخُلُ النَّارَ حَتَى فَعَلُوا ذَلِكَ، فَعَلِمَهُ بَعْدَ مَا فَعَلُوهُ، وَهَذَا قَوْلٌ بَاطِلٌ[22].

4- إِنَّ الخَلْقَ لاَ يُحِيطُونَ عِلْمًا بِالخَالِق سُبْحَانَهُ:
أَيْ: لَا يعْلمُونَ شَيْئًا مِنْ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ إِلَّا مَا أَطْلَعَهُمُ اللهُ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِ عَنْ طَرِيقِ رُسُلِهِ وَكُتُبِهِ المُنَزَّلَةِ.

قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ [البقرة: 255].

وقَالَ: ﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا [طه: 110][23].

وَعَلَى وَجْهٍ أَعَمَّ، أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا مِنَ المَعْلُومَاتِ، إِلَّا بِتَعْلِيمِ اللهِ لَهُمْ، فَكُلُّ عِلْمٍ شَرْعِيٍّ وَقَدرِيٍّ فَمَرْجِعُهُ إِلَى اللهِ العَلِيمِ الحَكِيمِ.

كَمَا قَالَتِ المَلَائِكَةُ: ﴿ سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ[البقرة: 32].

وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة: 282].
وَقَالَ: ﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا [البقرة: 31].

وَقَالَ مُخَاطِبًا نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ[النساء: 113].

وَقَالَ عَنْ يُوسُفَ صلى الله عليه وسلم: ﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ [يوسف: 101].

وَقَالَ عَنْ دَاوُدَ صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ [الأنبياء: 80].

وَعَنِ الخَضِرِ: ﴿ وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا [الكهف: 65].

وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الآيَاتِ الكَثِيرَةِ التِي تُبَيِّنُ أَنَّ أَصْلَ وَمَنْشَأَ كُلِّ عِلْمٍ إِنَّمَا هُوَ مِنَ اللهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ سَواءٌ كَانَ شَرْعِيًّا أَوْ دُنْيَوِيًّا.

5- قِلَّةُ مَا بِأَيْدِينَا مِنَ العِلْمِ بِالنِّسْبَةِ لِعِلْمِ اللهِ تَعَالَى:
وَمَعَ كَثْرَةِ المَعْلُومَاتِ التِي تَعَلَّمَهَا بَنُو آَدَمَ وَتَشَعُّبِهَا، إِلَّا أَنَّهَا قَلِيلةٌ جِدًّا بِالنِّسْبَةِ لِعِلْمِ اللهِ تَعَالَى الوَاسِعِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء: 85].

وَفِي قَصَّةِ الخَضِرِ مَعَ مُوسَى عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ والسَّلَامُ: «فَلَمَّا رَكَبَا فِي السَّفِينَةِ جَاءَ عُصْفُورٌ فَوَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ، فَنَقَرَ فِي البَحْرِ نَقْرَةً أَوْ نَقْرَتَيْنِ، قَالَ لَهُ الخَضِرُ: يَا مُوسَى، مَا نَقَصَ عَلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللهِ إِلَّا مِثْلَ مَا نَقَصَ هَذَا العُصْفُورُ بِمِنْقَارِهِ مِنَ البَحْرِ...»[24].

6- الفَرقُ بَيْنَ عِلْمِ الخَالِقِ وَعِلْمِ المَخْلُوقِ:
عِلْمُ اللهِ جَلَّ ثَنَاؤُه لَا يَعْتَرِيهِ نَقْصٌ أَبَدًا، مِنْ نِسْيَانَ أَوْ جَهْلٍ، أَوْ عِلْمٍ بِبَعْضِ أَمُورِ الخَلْقِ وَجَهْلٍ بِغَيْرِهَا.

قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا [مريم: 64].
وَقَالَ: ﴿ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [يس: 79].

وهُوَ سُبْحَانَهُ لَا يُشْغِلُهُ عِلْمٌ عَنْ عِلْمٍ، كَمَا لَا يُشْغِلُهُ سَمْعٌ عَنْ سَمْعٍ، وَأَنَّى لِلْمَخْلُوقِ مِثْلُ هَذِهِ الصِّفَاتِ، فَهُمْ يُولَدُونَ جَهَلَةً لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا، ثُمَّ يَتَعْلَّمُونَ شَيْئًا فَشَيْئًا.

قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا [النحل: 78].

فَعِلْمُهُمْ قَدْ سَبَقَهُ الجَهْلُ، واللهَ سُبْحَانَهُ كَانَ وَمَا زَالَ عَلِيمًا لَمْ يَسْبِقْ عِلْمَهُ جَهْلٌ.

وَلَا نَقُولُ: إِنَّهُ قَدْ كَانَ لَا يَعْلَمُ حَتَى خَلَقَ عِلْمًا فَعَلِمَ، كَمَا تَقَولُهُ المُبْتَدِعَةُ تَعَالَى اللهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبَيرًا.

وَاقرَأَ مَعِي مَا يَقُولُهُ الخَطَّابِيُّ رحمه الله عَنْ عِلْمِ الخَلْقِ، يَقُولُ:
«وَالآدَمِيُّونَ، وَإِنْ كَانُوا يُوصَفُونَ بِالعِلْمِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَنْصَرِفُ مِنْهُمْ إِلَى نَوْعٍ مِنْ المَعْلُومَاتِ دُونَ نَوْعٍ، وَقَدْ يُوجَدُ ذَلِكَ مِنْهُمْ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ.

وَقَدْ تَعْتَرِضُهُمْ الآفَاتُ فَيَخْلُفُ عِلْمَهُمُ الجَهْلُ، وَيَعْقُبُ ذِكْرَهُمُ النِّسيَانُ.

وَقَدْ نَجِدُ الوَاحِدَ مِنْهُمْ عَالِمًا بِالفِقْهِ غَيْرَ عَالِمٍ بِالنَّحْوِ، وَعَالِمًا بِهِمَا غَيْرَ عَالِمٍ بِالحِسَابِ وَالطِّبِّ وَنَحْوِهِمَا مِنَ الأُمُورِ.

وَعِلْمُ اللهِ سُبْحَانَهُ عِلْمُ حَقِيقَةٍ وَكَمَالٍ ﴿ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [الطلاق: 12]، ﴿ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا [الجن: 28]»[25].


7- اخْتَصَّ اللهُ سُبْحَانَهُ نَفْسَهُ بِعُلُومِ الغَيْبِ:
قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ [الأنعام: 59].

وَقَالَ: ﴿ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النمل: 65].

وَذَكَرَ مِنْهَا خَمْسَةً فِي قَوْلِه تَعَالَى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [لقمان: 34].

قَالَ الأَلُوسِيُّ رحمه الله: «وَمَا فِي الإِخْبَارِ يُحْمَلُ عَلَى بَيَانِ البَعْضِ المُهِمِّ، لاَ عَلَى دَعْوَى الحَصْرِ؛ إِذْ لَا شُبْهَةَ فِي أَنَّ مَا عَدَا الخَمْسِ مِنَ المُغَيَّبَاتِ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللهُ تَعَالَى»[26].

فَعِلْمُ الغَيبِ لَا شَكَّ أَنَّهُ أَعْظَمُ وَأَوْسَعُ مِنْ أَنْ يُحْصَرَ فِي هَذِهِ الخَمْسِ فَقَط.
وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ أَحَدًا يِعْلَمُ الغَيبَ غَيْرَ اللهِ سُبْحَانَهُ فَقَدْ كَفَرَ بِالآيَاتِ السَّابِقَةِ.

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتَ: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ – تَعْنِي: النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم – يُخْبِرُ بِمَا يَكُونُ فِي غَدٍ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللهِ الفِرْيَةَ، وَاللهُ يَقُولُ: ﴿ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ [النمل: 65][27].

[1] أسماء الله الحسنى للرضواني (2/ 61 - 63).

[2] انظر: المعنى اللغوي في لسان العرب (12/ 421)، والنهاية في غريب الحديث (3/ 292)، ومفردات ألفاظ القرآن (ص: 580)، واشتقاق أسماء الله للزجاج (ص: 50).

[3] هذه المراتب يتعلَّق بها العِلم الإلهيُّ، ويتضمَّنها اسمُه العليم، بخلاف مراتب العِلم به سبحانه التي ذكرها ابن القيِّم وحصرها في خمس مراتب، انظر: مدارج السالكين (1/ 107)، وانظر في تفسير الاسم: المقصد الأسنى (ص: 126)، وشرح أسماء الله الحسنى للرازي (240)، والأسماء والصفات للبيهقي (ص: 91).

[4] الأسماء والصفات للبيهقي (ص: 45).

[5] الأنعام: (73)، والتوبة: (94)، وغير موضع.

[6] صحيح: أخرجه أبو داود (5067) في الأدب، باب: ما يقول إذا أصبح، والترمذي (3392) في الدَّعوات، والدَّارمي (2/ 378)، وقال الألباني في صحيح الجامع (4402): صحيح.

[7] الأَوْلى أن نُسمِّيَه بالأوَّل كما ورد في ذلك التنزيل.

[8] الأسماء والصفات للبيهقي (ص: 20).

[9] أخرجه البخاري (1166) في الجمعة، باب: ما جاء في التطوُّع مثنى مثنى، مِن حديث جابر رضي الله عنه.

[10] في المطبوع: «يعلمه»، والصواب ما أثبتناه حسبما يقتضيه السياق.

[11] الأسماء والصفات للبيهقي (ص: 45).

[12] النهج الأسمى (1/ 213 - 223).

[13] الطبري (1/ 175)، (11/ 127).

[14] شأن الدُّعاء (ص: 57)، وأخرج ابن جرير (13/ 19) عن سعيد بن جبير: كنَّا عند ابن عبَّاس فحدَّث حديثًا فتعجَّب رجُل فقال: الحمد لله فوق كل ذي علمٍ عليم، فقال ابن عباس: بئسما قلتَ، الله العليم وهو فوق كلِّ عالم، وإسناده صحيح.

[15] اللسان (4/ 3082 - 3083)، وانظر: النهاية (3/ 292).

[16] تيسير الكريم (5/ 299).

[17] النونية (2/ 215).

[18] درء تَعارُض العقل والنقل (5/ 113)، وانظر: (10/ 151).

[19] مدارج السالكين (1/ 67).

[20] رواه الإمام مسلم (2653).

[21] رواه مسلم (8)، ومعنى يتقفَّرون العِلم: يطلبونه ويتتبعونه، وقيل معناه: يجمعونه.

[22] راجع إنْ شئتَ: كتاب الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (ص: 364 - 369).

[23] وعلى هذا؛ فلا يجوز لنا أن نُثبت لله سبحانه اسمًا أو صفة لم تَرِدْ في كلام الله تعالى، أو كلام رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأنهما طريقَا العِلم بأسماء الله وصفاته.

[24] رواه البخاري (3401)، ومسلم (2380)، من حديث أبيِّ بن كعب.

[25] شأن الدُّعاء (ص: 57).

[26] روح المعاني (7/ 171).

[27] الجزء الأخير من حديث رواه مسلم (177).





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 77.89 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 76.22 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.14%)]