أمراض القلب الخطيرة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         مشكلات التربية في مرحلة الطفولة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 14071 )           »          اللامساواة من منظور اقتصادي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 63 - عددالزوار : 34546 )           »          من الانتماء القبلي إلى الانتماء المؤسسي: تحولات الهوية والثقة في المجتمع الحديث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          القواعد الشرعية المستنبطة من النصوص الواردة في اليسر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          خلاف العلماء في ترتيب الغسل بين أعضاء الوضوء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          مدارس أصول الفقه: تأصيل المناهج والمدارس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          تخريج حديث: اتقوا الملاعن الثلاثة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          الحديث التاسع: الراحمون يرحمهم الرحمن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          الآيات الإنسانية في القرآن الكريم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 28-09-2023, 10:40 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,798
الدولة : Egypt
افتراضي أمراض القلب الخطيرة

أمراض القلب الخطيرة

محمود الدوسري

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِهِ الْكَرِيمِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ: وَصَفَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْإِنْسَانَ بِأَنَّهُ ظَلُومٌ، جَهُولٌ، هَلُوعٌ، خَاسِرٌ، كَنُودٌ، كَفَّارٌ؛ فَهَذِهِ أَمْرَاضٌ تُهْلِكُ الْإِنْسَانَ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَطْهُرَ الْقَلْبُ مَا لَمْ تُخْرَجْ هَذِهِ الصِّفَاتُ الْخَبِيثَةُ مِنْهُ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ قَلْبُهُ سَلِيمًا؛ فَلْيَحْذَرْ مِنْهَا، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَمْلَأَ اللَّهُ قَلْبَهُ إِيمَانًا وَانْشِرَاحًا وَأُنْسًا بِهِ؛ فَلْيُخْرِجْ مِنْهُ الْأَمْرَاضَ الَّتِي تَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ.

قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فِي ‌النَّفْسِ: ‌كِبْرُ إِبْلِيسَ، وَحَسَدُ قَابِيلَ، وَعُتُوُّ عَادٍ، وَطُغْيَانُ ثَمُودَ، وَجُرْأَةُ نُمْرُودَ، وَاسْتِطَالَةُ فِرْعَوْنَ، وَبَغْيُ قَارُونَ، وَجَهْلُ أَبِي جَهْلٍ. وَفِيهَا مِنْ أَخْلَاقِ الْبَهَائِمِ: حِرْصُ الْغُرَابِ، وَشَرَهُ الْكَلْبِ، وَدَنَاءَةُ الْجُعَلِ، وَعُقُوقُ الضَّبِّ، وَحِقْدُ الْجَمَلِ، وَوُثُوبُ الْفَهْدِ، وَصَوْلَةُ الْأَسَدِ، وَفِسْقُ الْفَأْرَةِ، وَمَكْرُ الثَّعْلَبِ).

وَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ عَلَى خَلِيلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِسَلَامَةِ قَلْبِهِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الصَّافَّاتِ: 83-84]؛ وَقَالَ –حَاكِيًا عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشُّعَرَاءِ: 88-89].

عِبَادَ اللَّهِ: هُنَاكَ أَمْرَاضٌ خَطِيرَةٌ تَمْنَعُ الْقَلْبَ مِنْ أَنْ يَكُونَ سَلِيمًا؛ وَمِنْ أَهَمِّهَا:
الْمَرَضُ الْأَوَّلُ: الشِّرْكُ: وَهُوَ أَنْ يَتَعَلَّقَ الْقَلْبُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى؛ حُبًّا أَوْ رَجَاءً، أَوْ خَوْفًا، أَوْ تَوَكُّلًا، أَوْ خَشْيَةً، أَوْ رَهْبَةً، أَوْ رَغْبَةً! وَأَعْظَمُ طَرِيقٍ لِلْأُنْسِ بِاللَّهِ تَعَالَى، هُوَ تَجْرِيدُ التَّوْحِيدِ لِلَّهِ؛ بِحَيْثُ لَا يَرْجُو الْعَبْدُ إِلَّا اللَّهَ، وَلَا يَخَافُ إِلَّا مِنْهُ، وَلَا يَتَوَكَّلُ إِلَّا عَلَيْهِ، وَلَا يَدْعُو غَيْرَهُ، وَلَا يَذِلُّ إِلَّا لَهُ، وَلَا يَطْمَئِنُّ إِلَّا بِهِ، وَلَا يَسْكُنُ إِلَّا إِلَيْهِ.

الْمَرَضُ الثَّانِي: الْكِبْرُ: وَهُوَ رَدُّ الْحَقِّ، وَاحْتِقَارُ النَّاسِ! وَالْكِبْرُ هُوَ ذَنْبُ إِبْلِيسَ الرَّجِيمِ، قَالَ تَعَالَى: {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [ص 73-74]. قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (التَّكَبُّرُ ‌شَرٌّ ‌مِنَ الشِّرْكِ؛ فَإِنَّ الْمُتَكَبِّرَ يَتَكَبَّرُ عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْمُشْرِكُ يَعْبُدُ اللَّهَ وَغَيْرَهُ)؛ وَلِذَا جَعَلَ اللَّهُ النَّارَ دَارَ الْمُتَكَبِّرِينَ: {ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} [غَافِرٍ: 72].

الْمَرَضُ الثَّالِثُ: مَرَضُ الشُّبُهَاتِ وَالشَّهَوَاتِ: قَالَ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: (الْقَلْبُ يَعْرِضُ لَهُ مَرَضَانِ يُخْرِجَانِهِ عَنْ صِحَّتِهِ وَاعْتِدَالِهِ: مَرَضُ الشُّبُهَاتِ الْبَاطِلَةِ، وَمَرَضُ الشَّهَوَاتِ الْمُرْدِيَةِ؛ فَالْكُفْرُ وَالنِّفَاقُ وَالشُّكُوكُ وَالْبِدَعُ، كُلُّهَا مِنْ مَرَضِ الشُّبُهَاتِ، وَالزِّنَا، وَمَحَبَّةُ الْفَوَاحِشِ وَالْمَعَاصِي وَفِعْلِهَا، مِنْ مَرَضِ الشَّهَوَاتِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الْأَحْزَابِ: 32]؛ وَهِيَ شَهْوَةُ الزِّنَا، وَالْمُعَافَى مَنْ عُوفِيَ مِنْ هَذَيْنِ الْمَرَضَيْنِ، فَحَصَلَ لَهُ الْيَقِينُ وَالْإِيمَانُ، وَالصَّبْرُ عَنْ كُلِّ مَعْصِيَةٍ؛ فَرَفَلَ فِي أَثْوَابِ الْعَافِيَةِ).

الْمَرَضُ الرَّابِعُ: الْحِقْدُ: وَهُوَ أَنْ يُبْغِضَ الْمُسْلِمُ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ؛ بِسَبَبِ شَحْنَاءَ، وَعَدَاوَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ بَيْنَهُمَا! وَصَاحِبُ الْحِقْدِ وَالْغِلِّ فِي عَذَابٍ دَائِمٍ، لَا يَذُوقُ مَعَهُ طَعْمَ السَّعَادَةِ وَالْإِيمَانِ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ نَعِيمِ الْجَنَّةِ زَوَالَ مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ؛ لِمَا يُسَبِّبُهُ مِنَ النَّكَدِ، وَالْغَمِّ، وَالْقَلَقِ، الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الْعَذَابِ.

وَيُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَلْقَاهُ إِخْوَتُهُ فِي الْجُبِّ، بَعْدَ أَنْ تَآمَرُوا عَلَى قَتْلِهِ، وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِيهِ وَأَهْلِهِ، قُرَابَةَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، ذَاقَ خِلَالَهَا مَرَارَةَ الْعُبُودِيَّةِ وَالسِّجْنِ وَالظُّلْمِ، فَلَمَّا رَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ شَأْنِهِ، وَأَصْبَحَ عَزِيزَ مِصْرَ، وَالْتَقَى بِإِخْوَتِهِ، وَقَالُوا لَهُ: {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ}؛ رَدَّ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يُوسُفَ: 91-92]. تَأَمَّلْ وَتَدَبَّرْ أَخْلَاقَ الْكِبَارِ؛ لَمْ يُذَكِّرْهُمْ بِالْمَاضِي، وَلَمْ يُعَاتِبْهُمْ؛ بَلْ سَامَحَهُمْ، وَدَعَا لَهُمْ.

أَخِي الْمُسْلِمَ: فِي كُلِّ يَوْمٍ جَدِّدْ عَفْوَكَ عَنْ كُلِّ مَنْ ظَلَمَكَ، أَوْ أَخَذَ مَالَكَ، أَوِ اغْتَابَكَ، أَوْ آذَاكَ، لِمَاذَا يَشْغَلُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ بِالْعِتَابِ وَالْحِقْدِ وَالرُّدُودِ وَالشَّكَاوَى؟ وَلِمَاذَا يَشْغَلُ قَلْبَهُ وَخَاطِرَهُ بِمَا يَضُرُّهُ وَيُكَدِّرُهُ؟ وَالْعَاقِلُ مَشْغُولٌ بِزَرْعِ الْحَسَنَاتِ؛ لِيَحْصُدَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَإِذَا انْشَغَلَ بِغَيْرِ ذَلِكَ؛ تَسَبَّبَ فِي تَقْلِيلِ زَرْعِهِ أَوْ إِفْسَادِهِ، وَلَا بَأْسَ مِنْ بَذْلِ الْأَسْبَابِ الْمَشْرُوعَةِ النِّظَامِيَّةِ فِي رَدِّ عُدْوَانِ الظَّالِمِ، بِدُونِ انْتِقَامٍ لِلنَّفْسِ؛ بِالشَّتْمِ، وَالسَّبِّ.
وَإِذَا غَضِبْتَ فَكُنْ وَقُورًا كَاظِمًا *** لِلْغَيْظِ تُبْصِرْ مَا تَقُولُ وَتَسْمَعُ
فََكَفَى بِهِ شَرَفًا ‌تَصَبُّرُ ‌سَاعَـــــةٍ *** يَرْضَى بِهَا عَنْكَ الْإِلَهُ وَتُرْفَــعُ

الْمَرَضُ الْخَامِسُ: الْحَسَدُ: وَهُوَ تَمَنِّي زَوَالِ نِعْمَةٍ عَمَّنْ يَسْتَحِقُّهَا، وَلَرُبَّمَا كَانَ مَعَ ذَلِكَ سَعْيٌ فِي إِزَالَتِهَا! قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (الْحَسَدُ ‌فِيهِ ‌بُخْلٌ ‌وَظُلْمٌ؛ فَإِنَّهُ بُخْلٌ بِمَا أُعْطِيَهُ غَيْرُهُ، وَظُلْمُهُ بِطَلَبِ زَوَالِ ذَلِكَ عَنْهُ). وَأَعْظَمُ مَا يُزِيلُ الْحَسَدَ؛ هُوَ الْإِيمَانُ التَّامُّ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ)، قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: (مَعْنَى الْحَدِيثِ: أَنَّ ‌الْمَوْصُوفَ ‌بِالْإِيمَانِ الْكَامِلِ: مَنْ كَانَ فِي مُعَامَلَتِهِ لِلنَّاسِ نَاصِحًا لَهُمْ، مُرِيدًا لَهُمْ مَا يُرِيدُهُ لِنَفْسِهِ، وَكَارِهًا لَهُمْ مَا يَكْرَهُهُ لِنَفْسِهِ، وَتَتَضَمَّنُ أَنْ يُفَضِّلَهُمْ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِذَا أَحَبَّ لِغَيْرِهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، فَقَدْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ أَفْضَلَ مِنْهُ).

الْمَرَضُ السَّادِسُ: الشُّحُّ: وَهُوَ شِدَّةُ الْحِرْصِ عَلَى الشَّيْءِ، وَالْمُبَالَغَةُ فِي طَلَبِهِ، وَجَشَعُ النَّفْسِ عَلَيْهِ، وَمَنْعُ إِنْفَاقِهِ بَعْدَ حُصُولِهِ، وَحُبُّهُ وَإِمْسَاكُهُ! وَالشُّحُّ مَرَضٌ كَامِنٌ فِي النَّفْسِ، فَمَنْ بَخِلَ فَقَدْ أَطَاعَ شُحَّهُ، وَمَنْ لَمْ يَبْخَلْ فَقَدْ عَصَى شُحَّهُ، وَذَلِكَ هُوَ الْمُفْلِحُ؛ {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الْحَشْرِ: 9].

وَضِدُّ الشُّحِّ: الْإِيثَارُ: وَهُوَ ‌أَكْمَلُ ‌أَنْوَاعِ ‌الْجُودِ؛ وَهُوَ الْإِيثَارُ بِمَحَابِّ النَّفْسِ مِنَ الْأَمْوَالِ وَغَيْرِهَا، وَبَذْلُهَا لِلْغَيْرِ مَعَ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا؛ بَلْ مَعَ الضَّرُورَةِ وَالْخَصَاصَةِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنِ الْأَنْصَارِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الْحَشْرِ: 9].

وَمِنْ أَخْطَرِ أَمْرَاضِ الْقَلْبِ فِي الْوَقْتِ الْمُعَاصِرِ:
الْمَرَضُ السَّابِعُ: حُبُّ الدُّنْيَا: بِالْعَمَلِ لِأَجْلِهَا، وَالْفَرَحِ وَالتَّعَلُّقِ بِهَا! وَقَدْ تَوَاتَرَ عَنِ السَّلَفِ أَنَّ حُبَّ الدُّنْيَا رَأْسُ الْخَطَايَا وَأَصْلُهَا، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَاشَى جَمْعَ الْمَالِ الْكَثِيرِ؛ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ خَلِيلِي أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَانِي فَأَجَبْتُهُ، فَقَالَ: «أَتَرَى أُحُدًا» ؟ فَقُلْتُ: أَرَاهُ، فَقَالَ: «مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي مِثْلَهُ ذَهَبًا أُنْفِقُهُ كُلَّهُ، إِلَّا ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ)؛ فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُحِبُّ أَنْ يَمْتَلِكَ الذَّهَبَ الْكَثِيرَ؛ لِيُنْفِقَهُ كُلَّهُ فِي الْجِهَادِ، وَيَكُونَ عَوْنًا عَلَى إِغْنَاءِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ؛ خَوْفًا مِنْ أَنْ تَتَعَلَّقَ نَفْسُهُ بِالْمَالِ، وَخَوْفًا مِنْ أَنْ يَشْغَلَهُ الْمَالُ عَنِ الْعِبَادَةِ.

الْمَرَضُ الثَّامِنُ: حُبُّ الرِّئَاسَةِ: هُوَ الشَّهْوَةُ الْخَفِيَّةُ! وَهُوَ حُبُّ الْعُلُوِّ وَالرِّفْعَةِ، وَطَلَبُهَا، وَالْحِرْصُ عَلَيْهَا بِلَا مَصْلَحَةٍ دِينِيَّةٍ! قَالَ سُفْيَانُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (‌حُبُّ ‌الرِّيَاسَةِ أَعْجَبُ إِلَى الرَّجُلِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ)، وَقَالَ الْحَسَنُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (أُصُولُ الشَّرِّ وَفُرُوعُهُ سِتَّةٌ: فَالْأُصُولُ الثَّلَاثَةُ: "الْحَسَدُ، وَالْحِرْصُ، وَحُبُّ الدُّنْيَا". وَالْفُرُوعُ كَذَلِكَ: ‌"حُبُّ ‌الرِّيَاسَةِ، وَحُبُّ الثَّنَاءِ، وَحُبُّ الْفَخْرِ").
‌حُبُّ ‌الرِّيَاسَةِ دَاءٌ لَا دَوَاءَ لَهُ ** وَقَلَّمَا تَجِدُ الرَّاضِينَ بِالْقَسْمِ

وَلَمَّا تَحَدَّثَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ -عَنِ الْآثَارِ الْخَطِيرَةِ لِحُبِّ الرِّئَاسَةِ– قَالَ: (وَلَا تَنْسَ ‌ذَنْبَ ‌إِبْلِيسَ، وَسَبَبُهُ: حُبُّ الرِّيَاسَةِ، الَّتِي مَحَبَّتُهَا شَرٌّ مِنْ مَحَبَّةِ الدُّنْيَا، وَبِسَبَبِهَا كَفَرَ فِرْعَوْنُ وَهَامَانُ وَجُنُودُهُمَا، وَأَبُو جَهْلٍ وَقَوْمُهُ، وَالْيَهُودُ).

الْمَرَضُ التَّاسِعُ: حُبُّ الشُّهْرَةِ: وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ آفَاتِ زَمَانِنَا، وَافْتُتِنَ بِسَبَبِهِ الْكَثِيرُونَ؛ بِأَنْ يَسْعَى الْإِنْسَانُ لِشُهْرَةِ نَفْسِهِ، وَانْتِشَارِ ذِكْرِهِ، بِلَا قَصْدٍ صَحِيحٍ مِنْ ذَلِكَ! قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بْنُ أَدْهَمَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (مَا صَدَقَ اللَّهَ عَبْدٌ أَحَبَّ الشُّهْرَةَ)، وَقَالَ الذَّهَبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: (‌عَلَامَةُ ‌الْمُخْلِصِ الَّذِي قَدْ يُحِبُّ شُهْرَةً، وَلَا يَشْعُرُ بِهَا: أَنَّهُ إِذَا عُوتِبَ فِي ذَلِكَ، لَا يَحْرَدُ وَلَا يُبَرِّئُ نَفْسَهُ، بَلْ يَعْتَرِفُ، وَيَقُولُ: "رَحِمَ اللَّهُ مَنْ أَهْدَى إِلَيَّ عُيُوبِي"، وَلَا يَكُنْ مُعْجَبًا بِنَفْسِهِ، لَا يَشْعُرُ بِعُيُوبِهَا؛ بَلْ لَا يَشْعُرُ أَنَّهُ لَا يَشْعُرُ؛ فَإِنَّ هَذَا دَاءٌ مُزْمِنٌ).

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ التَّسَاهُلَ فِي إِصْلَاحِ الْقَلْبِ؛ سَيُصِيبُ الْقَلْبَ فِي مَقْتَلٍ: وَرُبَّمَا أَصْبَحَ قَلْبًا خَبِيثًا، جَامِعًا لِكُلِّ شَرٍّ، خَالِيًا مِنْ كُلِّ خَيْرٍ، وَسَتَظْهَرُ عَلَى سُلُوكِهِ هَذِهِ الْأَمْرَاضُ الْخَبِيثَةُ؛ سَوَاءٌ فِي أَقْوَالِهِ أَوْ أَفْعَالِهِ: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ} [مُحَمَّدٍ: 29]. نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَفْوَ، وَالْعَافِيَةَ، وَالْمُعَافَاةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

وَإِنَّ الِاسْتِعَانَةَ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَكَثْرَةَ الْمُجَاهَدَةِ فِي إِزَالَةِ هَذِهِ الْأَمْرَاضِ، وَمُحَاسَبَةَ النَّفْسِ عَلَى ذَلِكَ؛ تُذْهِبُهَا بِالْكُلِّيَّةِ، أَوْ تُخَفِّفُ مِنْ آثَارِهَا السَّيِّئَةِ. اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ؛ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 75.16 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 73.44 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.28%)]