بداية التفريق بين العشر وغيرها في عدد الصلاة ووقتها في الحرمين

[ابوالوليد المسلم]

بداية التفريق بين العشر وغيرها في عدد الصلاة ووقتها في الحرمين
الشيخ أحمد الزومان

قال القسطلاني المتوفى سنة 923 ﻫـ: حكى الولي ابن العراقي أنَّ والده الحافظ لَما ولي إمامة مسجد المدينة أحيا سنتهم القديمة... واستمر على ذلك عملُ أهل المدينة فهم عليه إلى الآن، فنسأل الله الكريم المنان أن يبلغنا صلاتها كذلك في ذاك المكان[1].

وقال الملا علي القاري المتوفى سنة 1014 هـ: إنَّ عشرين كانت أول الليل، وست عشرة آخره كما عليه أهل المدينة[2].

فاستمر الأمرُ في المدينة على ذلك من القرن السابع حتى الحكم السعودي للمدينة سنة 1344 ﻫ، فرجعت الصلاة إلى عشرين ركعة مع الوتر ثلاثًا، لكنَّهم في العشر الأواخر يزيدون الصلاة آخر الليل - وتعارفوا عليها بصلاة القيام - عشرًا مع الوتر ثلاثًا، ولا زال الأمر على ذلك في الحرمين، وفي المدن التي تحت الحكم السعودي[3].

فعلى هذا التفريق في وقت قيام رمضان في الوقت والعدد بين العشر الأواخر وبقية الشهر في المدينة - بدأ في القرن الرابع عشر الهجري، والله أعلم.

أمَّا مكة فلم يكن قيام رمضان يُفرَّق بها، إنَّما يصلون القيام في وقت واحد على ما تقدم؛ قال الطيبي قوله: «والتي ينامون عنها أفضل» تنبيه منه [يعني عمر رضي الله عنه] على أنَّ صلاة التراويح آخر الليل أفضل، وقد أخذ بذلك أهل مكة، فإنَّهم يصلونها بعد أن يناموا[4].

ونقل الملا علي القاري كلام الطيبي وتعقَّبه بقوله: قلت: لعلهم كانوا في الزمن الأول كذا، وأمَّا اليوم فجماعاتهم أوزاع متفرقون في أول الليل[5]، واستمر القيام أول الليل في الحرم المكي بعد ذلك عدة قرون، قال محمد البشر: ذكر لنا الشيخ عبدالله بن محمد العجاجي أنَّه وصل إلى مكة المكرمة برفقة الشيخ عمر بن محمد آل سليم رحمهما الله، ودخلوا الحرم وسط الليل خلال العشر الأواخر من رمضان، فلم تكن هناك صلاة (قيام) تهجُّد قائمة في الحرم، فأمَّهما الشيخ عمر بن سليم كان ذلك 1354 هـ[6].

وأول من زاد صلاة القيام آخر الليل في العشر الأواخر من رمضان في الحرم المكي - الشيخ عبدالله بن محمد الخُلَيْفي سنة 1373ﻫ أو بعدها، قال الشيخ صالح بن حميد: أصبح الشيخ عبدالله الخُلَيْفي إمامًا رسميًّا للمسجد الحرام سنة 1373 هـ... وهو أول من جمع المصلين على صلاة التهجد آخر الليل في العشر الأواخر من رمضان خلف إمام المسجد الحرام، فبدأها بعددٍ يسير من المصلين في حصوة باب السلام جهة بئر زمزم، فتزايد العدد يومًا بعد يوم، وكثرت الصفوف، وازداد عددهم عامًا بعد عام، وظل كذلك حتى أصبح من يصليها خلفه بالآلاف، ثم شاركه فيها باقي الأئمة كما هو الحال[7].

فكان يقام في رمضان في وقت واحد في المسجد النبوي من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى إمامة عبدالرحيم العراقي، فالعراقي أول من زاد قيامًا آخر الليل في كل رمضان، ثم استمر الأمر على ذلك إلى الحكم السعودي، فخص قيام آخر الليل بالعشر الأواخر من رمضان دون بقية الشهر.

أمَّا المسجد الحرام، فكان قيام رمضان يقام في وقت واحد تارة آخر الليل وتارة أوله، وأول من خص العشر الأواخر بزيادة قيام آخر الليل الشيخ عبدالله الخليفي؛ متابعةً على ما كان عليه العمل في نجد، هذا ما وقفت عليه والله أعلم.

[1]إرشاد الساري (4/ 579).

[2]فتح باب العناية شرح الوقاية (1/ 342).

[3]انظر: صلاة التراويح أكثر من ألف عام في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ص: (69 - 90).

[4]شرح المشكاة (3/ 166).

[5]مرقاة المفاتيح (3/ 192).

[6]حب الحصيد (1/ 467).

[7]تراجم لأئمة الحرمين الشريفين وخطبائها (/ 1246).