حتى نفوز برمضان - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4952 - عددالزوار : 2055830 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4527 - عددالزوار : 1323648 )           »          احمى أسرتك وميزانيتك.. دليلك الشامل لشراء أفضل اللحوم الطازجة والمجمدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 49 )           »          4 خطوات تقلل من شيب الشعر وتجعله صحيا وحيويا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          4 وصفات سموزي مناسبة للرجيم.. نكهات لذيذة لحر الصيف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          طريقة عمل الفراخ في المقلاة الهوائية بطعم حكاية.. السر في العسل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          وصفات طبيعية لتفتيح الأندر أرم.. تقشير آمن وترطيب للبشرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          4 أفكار مختلفة لتصميمات مطبخ عصري.. موضة 2025 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          خلصي بيتك من السموم في 5 خطوات.. أهمها تغيير أدوات الطهي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          7 خضراوات تحتوي على فيتامين سي أكثر من البرتقال.. هتنور وشك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > ملتقى اخبار الشفاء والحدث والموضوعات المميزة > رمضانيات
التسجيل التعليمـــات التقويم

رمضانيات ملف خاص بشهر رمضان المبارك / كيف نستعد / احكام / مسابقات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-04-2023, 06:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي حتى نفوز برمضان



حتى نفوز برمضان (1) لماذا رمضان؟!









كتبه/ جمال متولي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد جعل الله -تعالى- لنا رمضان -لا ليحرمنا- ولا ليجوعنا... أبدًا.

بل بيَّن الله -عز وجل- لنا الحكمة مِن رمضان وصيامه وقيامه، وهي استعادة تقوى القلوب، وإعادة شحنها وتعبئتها بالإيمان وحُسـن الإقبال عليه -جل جلاله-، فقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:183)، ولذلك نبهنا النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) (رواه البخاري).

فقول الزور هنا: ليس هو قول الشهادات الباطلة، ولكن المقصود أن الصيام الصحيح الحقيقي الصادق هو الصيام عن كل باطل قولاً، وكل باطل عملًا، والتحول لحياة الجِد في الطاعة والتسليم لله -جل جلاله- حتى نستعيد حياة التوجـه لله -تعالى- بطاعاتٍ وقربات، وعبادات يومية، كما كان شأن أهل القربى والأُنس بالله -تعالى-.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا؟) قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَا، قَالَ: (فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟) قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَا، قَالَ: (فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟) قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَا، قَالَ: (فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟) قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ، إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ) (رواه مسلم).

جعل الله -تعالى- رمضان ليساعدنا بإذنه -تعالى- وتوفيقه وفضله على تحقيق قيام المسلم بوظيفته الحقيقية في الحياة، التي خُلِق مِن أجلها، بل والتي هي أصل وجوده، وهي "العبادة"، ومِن ثَمَّ يحقق الغاية العظمي التي هي أسمى أماني المؤمن، وهي الفوز برضا الله -تعالى- ونعيم جنته.

فالعبادة هي وظيفة الإنسان والهدف الحقيقي مِن وجوده فيها، كما أنها تشمل ذات الإنسان بكل كيانه وجوانبه، قال -تعالى-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات:56)، وقال -جل شأنه-: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (البينة:5).

فهذا هو أصل حياة المسلم كلها؛ -أرادها الله -تعالى- عبادة خالصة لله -عز وجل- في جميع جوانبها الخاصة والعامة، الاعتقادية والعملية، وهو يسعي للقمة عيشه، وهو يتزوج، في حركته ويقظته، بل حتى في نومه، المسلم عابد لربه -تبارك وتعالى- في كل تحرك وسكون له، قال -تعالى-: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام:162)، وقال -تعالى-: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) (الملك:1-2).

ومِن أجل أن يقوم الإنسان بوظيفته بحق، سخَّر الله -تعالى- للإنسان كل ما في الأرض، فقال -تعالى-: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا) (البقرة:29)، وقال -تعالى-: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ . وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ . وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (إبراهيم:32- 34).

وهكذا فهم الصحابة -رضي الله عنهم- الحياة، أنها توجُّه لله -تعالى- في كل حال، كما فهمها سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو خير أسوة أمرنا الله -تعالى- أن نتأسى ونقتدي به، وخاصةً أنه كان مع كثرة تعبده، بل إشغال يومه وليلته بالطاعات، كان -صلى الله عليه وسلم- يدعو الله -عز وجل- أن يعينه على حُـسن عبادته ويوصي بذلك أصحابه -رضي الله عنهم-، فعن مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ -رضي الله عنه- قال: قَال: رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَدَعَنَّ أَنْ تَقُولَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ, وَشُكْرِكَ, وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).


فوظيفة رمضان: استعادة هذه الروح، واستعادة هذه الهِمة، وهذه النفسية مع الإيمان.

تقبل الله -تعالى- منا ومنكم.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 09-04-2023, 06:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حتى نفوز برمضان



حتى نفوز برمضان (2)









رمضان... مِن أجل الفوز بالجنة ونعيمها!

كتبه/ جمال متولي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فالجنة ونعيمها هي غاية المؤمن وأمله وأقصى طموحه، صنعها الله -تعالى- بيده ليكافئ بها أهل طاعاته مِن المؤمنين، ورمضان شهر تربية وتدريب، ومعسكر للقلب والروح للفوز بديار الجنة.

فهي المنزل الذي تزول فيه تمامًا مِن نفس المؤمن كل معاناته في الحياة الدنيا بمجرد أن يشم ريحها وتهب عليه نسائمها، ويضع فيها قدمه؛ فهي دار السعادة التامة الكاملة التي لا تعرف كدرًا مطلقًا، عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (يُنَادِي مُنَادٍ: إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلَا تَسْقَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلَا تَمُوتُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلَا تَهْرَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلَا تَبْأَسُوا أَبَدًا)، فَذَلِكَ قَوْلُهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (الأعراف:43). (رواه مسلم).

فيها مِن النعيم ما لا عين رأت، مهما كان الثراء الذي رأته هذه العين، ومهما كانت إمكانات صاحبها مِن مُلك، فكل نعيم الدنيا بأسره لا يساوي شيئًا يذكر بجانب نعيم الجنة، فيها مِن النعيم ما لم يخطر على قلب بشر أو يتخيله عقل، نعيمها مديد فريد.

تخيل... أن طفلًا يقول لك وهو صادق: معي لك مبلغ مِن المال، فكم تتوقع أن يعطيك هذا الطفل؟!

ثم ارتقِ وتخيل أن ثريًّا مِن الأثرياء قال لك وهو صادق أيضًا: معي لك مبلغ مِن المال؛ فكم تتوقع أن يعطيك هذا الغني من المال؟!


قطعًا سيفوق مبلغ الطفل أضعافًا مضاعفة تتناسب مع قدرته وغِناه.

ثم ارتقِ وتخيل أن أغنى ملوك ورؤساء الأرض قال لك وهو صادق: سأهديك ما يسعدك في حياتك؛ فما تتوقع أن يصنع لك؟! ومهما بلغ مِن عطاء لك هل يستطيع أن يمنع عنك منغصات الحياة؟! بالتأكيد، لا.

ارتقِ واسمع لوعد رب العالمين، مالك السموات والأرض، ومَن بيده خزائن الفضل والإنعام، ومَن بيده مقاليد الأمـور يقول: (أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ، مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ذُخْرًا بَلْهَ، مَا أُطْلِعْتُمْ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ: (فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (السجدة:17) (متفق عليه)، بل إن رياح الجنة إذا هبت على المؤمنين مِن قبل أن يدخلوها، شعروا منها بغاية السعادة، والطمأنينة، وقمة الرضا، فعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا) (رواه البخاري).

جعلني الله -تعالى- وإياكم ووالدينا وأزواجنا وذرياتنا مِن أهلها.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 09-04-2023, 06:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حتى نفوز برمضان



حتى نفوز برمضان (3)









رمضان... لتقاوم شيطانك!

كتبه/ جمال متولي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فيقيد الله -تعالى-، ويسلسل عنا مردة (كبار وعتاولة الشياطين) ويترك صغارها لحكمة اقتضاها -جل جلاله-، وهي: أن تقاوم أنت بروح الإيمان الصلبة وعزيمة الإسلام القوية هؤلاء الصغار، حتى تعتاد على هذه المقاومة، وتستعيد في نفسك المفهوم الرباني لعداوة الشياطين لك، فمع أن الله -تعالى- غّل عنك كبارهم، إلا أن الصـــــغار منهم يقوموا بمهمة إغوائك وإضلالك.

فهل ستعي وتدرك أن الشياطين هم ألد أعدائك أم أنك تستمر في صداقتهم؟!

نفسك والشيطان، كلاهما لن يدعانك تسير في طريقك لربك -جل جلاله- دون أن يضعوا أمامك العراقيل والعقبات التي تعوقك عن مواصلة السير، وسيدفعانك بقوة للتوقف أو للتراجع، وستجد مثبطات همتك تَقوَي وتشتد ضد همتك في دوام الاستقامة علي طاعة الله -تعالى-.

فالشيطان توعد بإضلالنا وتزيين الأماني في نفوسنا، وطول الأمل والأمد الفاسد، قال -تعالى-: (لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا . وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ) (النساء:118-119)، وأقسم بعزة الله -تعالى- أن يقف لك بالمرصاد، وأن معركته معنا مستمرة حتى الممات دون كلل منه أو ملل، فيغويك مِن كل طريق، ومِن أي جهة، ويزين لك المعاصي والبُعد عن الطاعات وعدم الاكثراث بها، قال -تعالى-: (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ . ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) (الأعراف:16-17).

وأهم وسيلة مِن وسائل الشيطان في إغواء العباد، هي أنه يُزين لنا البُعد عن الله -تعالى-، ويُصور لنا أن لا إشكال فيما نعمله ولو كان بعيدًا عن مرضاة الله -تعالى-، عياذًا بالله، قال -تعالى-: (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ) (النمل:24).

وكذلك أوضح الله -تعالى- للعباد أن هذا العدو يأخذنا خطوة خطوة، فإن سلمنا له بالخطوة الأولى سلمنا هو لما بعدها مِن خطوات حتى يسلمنا لهلاك الدنيا والآخرة معًا، قال -تعالى-: (وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ . إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) (البقرة:168-169).


مِن أجل ذلك بيَّن الله -تعالى- للعباد أن عاقبــة اتباع الشيطان وطاعته ليست فقط عذاب الآخرة، بل أنها أهم أسباب الفقر والضياع في الدنيا قبل الآخرة، قال -تعالى-: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة:268).

ولقد حذر الله -تعالى- العباد منه أشد تحذير وبيَّن -سبحانه وتعالى- أنه العدو الأول، بل والأهم للإنسان، وأن مَن يتبعه وينقاد إليه فسيسلمه لا محالة إلى عذاب السعير، قال -تعالى-: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) (فاطر:6).

أعاذنا الله -تعالى- وإياكم مِن غواية شياطين الجن والإنس.
اللهم آمين.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 10-04-2023, 04:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حتى نفوز برمضان



حتى نفوز برمضان (4)









رمضان... لنفهم حقيقة الدنيا!

كتبه/ جمال متولي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فتصوم نهار رمضان، وتقوم ليله؛ قربة للملك -جلَّ جلاله-؛ لأنك عبد لربك، ولستَ عبد لدنياك، وما دنياك إلا كوجبةٍ واحدةٍ مِن وجبات دنياك لا أكثر!

أما آخرتك فهي حياتك، وهي بقاءك، وهي ديمومتك، وهي أصلك، قال الله -تعالى-: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ) (القصص:77).

ومِن أجل ذلك كان التحذير المتكرر مِن الله -تعالى- للعباد أن يتعاملوا مع الدنيا على غير حقيقتها، وألا يتصوروا أنها دار استيطان دائم وقرار، فقال -تعالى-: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) (الحديد:20).

ففي الآية الكريمة يبين الله -تعالى- أن الدنيا وإن كانت زهرة إلا أنها ستذبل وتفنى، ونعيمها زائل وليستْ -ولن تكون- دائمة، (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ) ومتاعها كالمطر الذي ينزل بعد يأس الناس، والزُراع يُعجبون بالنبات الناتج عن هذا المطر، كذلك المفتتنون بالدنيا فإنهم أحرص ما يكونون عليها (ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا)، ثم يكون يابسًا متحطمًا!

هكذا تكون الحياة كمثل الشابة الذي تصير كهلًا ثم عجوزًا شمطاء! وكذلك الإنسان؛ يفتن بالدنيا التي تزهو ويغتر بها حتى تفاجئه وهي محطمة ذابلة فانية؛ لذلك كانت الآية التالية لبيان هذه الحقيقة التي ينبغي ألا يغفلها العبد، وهي الحرص على الإسراع إلى الطاعات والإقبال على الله -عز وجل-، فقال -تعالى-: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (الحديد:21).


ولقد تكرر مِن الله -تعالى- التحذير الشديد مِن الاغترار بالدنيا والانسياق وراء شهواتها، والانحباس في الشغل بها ولها مما يُلهي العبد ويسوقه لتضييع ما لربه -تبارك وتعالى- عليه، قال -تعالى-: (إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) (لقمان:33).

وبالطبع فرق هائل أن تعمِّر الدنيا ويقينك متجه ومشغول بالآخرة، وبيْن أن تعمرها حتى تُنسيك هدفك الحقيقي وهو أن الدنيا معبِّر وجِسر لآخرتك، قال الله -تعالى-: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) (آل عمران:185).

مِن هنا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- دائم الاستعاذة مِن فتن الدنيا، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يدعو: (وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ) (رواه البخاري).

أعاذنا الله -تعالى- مِن فتنة الدنيا وغروها وشهواتها. اللهم آمين.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 10-04-2023, 07:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حتى نفوز برمضان

حتى نفوز برمضان (5)






رمضان... لتصحب الصالحين!
كتبه/ جمال متولي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فابحث عمَن يعينك على أن تكون الآخرة همك، وابتعد عمَن يضيعونها عليك، ويحرمونك مِن الفوز برمضان.
والصُحبة الصالحة مِن أهم أسباب الإعـانة على الطاعات وفعل القربات والخيرات، أمر الله -تعالى- النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- بملازمة مَن يحتاجون لدعوته ومساندته، وتعزيز همتهم الإيمانية بغض النظر عن وضعهم الاجتماعي أو المادي، قال الله -تعالى-: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) (الكهف:28)، وفي نفس الآية الكريمة نهاه عن التطلع لمَن انشغل بدنياه عن دين الحق والاستقامة عليه، ونتيجة لذلك بات عمله سفهًا وضياعًا.
إياك وصحبة العصاة، أو صحبة التلفاز والمسلسلات، والأفلام والأغاني، أو الهواتف والحاسبات، إياك ثم إياك ثم إياك ممَن يصدك عن القرآن، وعن مجالس العلم والذكر! فإن هذه وأشباهها مِن أهم مضيعات الفوز برمضان، والحرمان مِن بركاته، قال الله -تعالى-: (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) (الكهف:28).
فإن كانت هذه وصية الله -تعالى- للنبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-، فمِن باب أولى أن ينتبه لها سائر العباد -شبابًا وشيوخًا، نساءً ورجالًا-.
ولقد نبَّه الله -تعالى- أيضًا إلى خطورة الصُحبة الفاسدة التي لا تقيم للدين وزنًا في تطلعاتها، أو ممارستها، وأنها العامل الأهم في خسران الدنيا وخسران الآخرة في آنٍ واحدٍ، قال -تعالى-: (وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ) (فصلت:25).
ولذلك صوّر الله -تعالى- لنا صورًا للألم والندم القاسي لمَن لم يراعِ الصُحبة الصالحة في حياته، وفضّل أن يُصاحِب مَن اغتر بهم وبتهريجهم، وتفريطهم في الدين في حياتهم؛ فوردوا وأوردوه المهالك، ولكن تأخر الندم فجاء يوم لا ينفع الندم! قال الله -تعالى-: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا . يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا . لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا) (الفرقان:27-29).

فليدرك العبد -رجلًا أو امرأة، شيخًا أو شابًا- أن الإعراض عن صحبة الصالحين الذين يعاونوك على السير إلى الله -عز وجل- وطاعته، ليس له بديل إلا صحبة الشياطين؛ سواء شياطين الجن أو الإنس أو الاثنين معًا!
هذه الصُحبة الشيطانية ليس لها هم سوى أن تصدك عن الطريق المستقيم، ويحجبون عنك نور الهداية والفلاح الدنيوي والأخروي، وتشُدك إلى الحضيض، والسقوط في دركات الخيبة في الدنيا، وقعر الخذلان في الآخرة حتى إن الواحد مِن هذه الصحبة السيئة يصرخ ندمًا وحسرة، في الوقت الذي لا ينفع فيه الندم والتحسر، قال -تعالى-: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ . وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ . حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ) (الزخرف:36-38) .
أعاذنا الله -تعالى- مِن صحبة أهل السوء. اللهم آمين.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 10-04-2023, 07:08 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حتى نفوز برمضان



حتى نفوز برمضان (6)









رمضان... تربية لي ولأهلي وأبنائي

كتبه/ جمال متولي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فهل تفهم معنى الصيام الحقيقي وحدك، ويترك الأب والأم أبناءهم في حالة جـوعٍ وعطشٍ فقط، والاسم أنهم: صـاموا؟!

هل تصلي التراويح وحدك في المسجد، والزوجة أو الزوج، والبنات والأبناء في الشوارع، أو أمام الشاشات والحاسبات أو على المقاهي والأرصفة؟!

فلنسمـع كيف كان الصحابة -رضي الله عنهم - في تعليم وتربية وتدريب الأبناء.

عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كُنَّا َنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ العِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الإِفْطَارِ" (رواه البخاري). هكذا فهمـوا كما فهم مِن قبلهم أنبيـاء الله الدور الأهم مع الأبناء.

فهذا أبو الأنبياء إبراهيم -عليه السلام-؛ كان طموحه وغايته بالنسبة لأبنائه، أن يرثوا منه، وينـالوا شرف الإمامة في الدين، وحمل رسالته ودعوة الناس إليه، قال -تعالى-: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (البقرة:124)، فكان رجاؤه لربه -تعالى- بصلاح أبنائه واستقامتهم على أمر الدين وشرائعه هو أول همّ له بعد النبوة وحمل الرسالة، قال -تعالى-: (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (الأحقاف:15)، وقال: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ) (إبراهيم:40). وهكذا كان سائر الأنبياء: يرجون الله -عز وجل-، بصلاح أبنائهم، وحمل رسالته.

رمضـان فرصة الزرع والغـرس:

فالمسئولية التربوية على الإيمـان والاستقامة، وصياغة الأبنـاء صياغة إسـلامية حقة هي المسئولية الأولى، بل والأهـم التي يجب انتباه الآباء والأمهات لها، بجانب المسئوليات الصحية والتعليمية والاجتماعية الأخرى، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ) (التحريم:6)، وقال -تعالى-: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) (طه:132).

وعن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ... وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا... وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) (متفق عليه).

ثم لا نغفل ولا ننسى أننا كآباءٍ لن ننتفع مِن أبنائنا مهما علا شأنهم إلا الانتفاع الحقيقي، وهو صلاحهم مع ربهم وفي دينهم أولًا وقبْل كل شيء، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) (رواه مسلم)، فدعوات الأبناء الصالحين لآبائهم دعوات مرفوعة مقبولة مِن الله -عز وجل- ينتفع بها الوالدان بعد وفاتهم، وينعمان في الجنة نعيمًا زائدًا، كأنهما ما زالا في عمل الصالحات والطاعات، وهذا يعني أيضًا أن دعـوات الأبناء غير الصالحين، لا قيمة لها، ولا ينتفع الآباء بها.


بل ومِن البُشريات العظيمة: أن الله -عز وجل- يرفع الآباء لدرجات أعلى مِن درجاتهم التي سكنوها في الجنة، وكأنهما ما زالا حيين يعملان الصالحات، وذلك إذا واظب الأبناء على الدعاء والاستغفار لهم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللهَ -عز وجل- لَيَرْفَعُ الدَّرَجَةَ لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ فِي الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أَنَّى لِي هَذِهِ؟ , فَيَقُولُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ) (رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني)؛ مما يعني أن إهمال تعليم الأبناء الدين والإيمان وإقامة الفرائض الربانية فيه الحرمان والخسارة الفادحة للآباء قبْل خسارة الأبناء.

هدى الله -تعالى- أبناءنا وبناتنا وأزواجنا. اللهم آمين.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 10-04-2023, 07:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حتى نفوز برمضان



حتى نفوز برمضان (7)









رمضان... لتجديد الإيمان


كتبه/ جمال متولي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فالإيمان يزيد في القلوب بالطاعات، وينقص منها كلما ابتعد العبد عن الطاعات والقربات والصالحات، واجترح السيئات والآثام، قولًا أو عملًا.

وحرارة الإيمان في النفوس تعلو كلما علت الهِمة مع الله -تعالى-، وتخفت كلما خفتت الهِمة وانخفضت في الإقبال عليه -جل جلاله-؛ ولذلك وجهّنا القرآن الكريم بضرورة متابعة الإيمان والعمل على تقويته، والثبات عليه باستمرار، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ) (النساء:136).


وبيّن لنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الإيمان يتذبذب في القلوب، ويحتاج أيضًا للتعهد والمتابعة والرعاية، والعمل على زيادته بالطاعات والصالحات، ودفع الهِمة إليه، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ الْإِيمَانَ لَيَخْلَقُ فِي جَوْفِ أَحَدِكُمْ كَمَا يَخْلَقُ الثَّوْبُ الْخَلِقُ، فَاسْأَلُوا اللَّهَ أَنْ يُجَدِّدَ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِكُمْ) (رواه الحاكم، وصححه الألباني).

ولقد كان الصحابة مع علو منزلتهم، يراقبـون ويلاحظـون مقياس الإيمـان في نفوسهم وقلوبهم، فكانوا يرتعدون ويخافون علي أنفسهم أشد الخـوف إذا ما لاحظـوا تغير قلوبهم عما كانت عليه، فيسرعون إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليرشدهم لإصـلاح القلوب والنفوس.

وهذا الواجب علينا... نراجع إيماننا، نراقب قلوبنا، كما نراقب ونراجع أهم أولويات حياتنا.

نسأل الله -عز وجل- أن يعمِّر قلوبنا بالإيمان والتقى. اللهم آمين.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 11-04-2023, 04:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حتى نفوز برمضان



حتى نفوز برمضان (8)









رمضـان... شهر القرآن الكريم تلاوة وتدبرًا

كتبه/ جمال متولي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد قال الله -تعالى-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) (البقرة:185).

شاء الله -تعالى- أن ينزل القرآن الكريم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شهر رمضان المبارك، وكان لهذا التنزيل المبارك في هذا التوقيت الفضيل عناية خاصة عند النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكذا عند السلف الصالح -رضي الله عنهم-؛ وذلك لينتبه المسلمون إلى الارتباط الوثيق بيْن الصيام والعناية بالقرآن الكريم تلاوةً وفهمًا وتدبرًا.

فإن كان النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- وهو المنزّل عليه كتاب الله -تعالى- العزيز، له عناية ودراسة خاصة به في شهر رمضان المبارك كما في الحديث الصحيح عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ" (متفق عليه)؛ فمِن باب أولى بنا نحن، أن نترك كل شواغلنا -غير الملحة بالطبع- مِن أجل القرآن الكريم؛ فلا صحف، ولا قنوات تلفازية، ولا تضييع للأوقات مع الحواسب أو صفحات اجتماعية، إلخ، ما لم يكن في ذلك كسبًا للأجر الأخروي أو منفعة عملية دنيوية ضرورية؛ تأسيـًّا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- مِن ناحية.

ومِن ناحية أخرى: الفوز بشفاعة الصيام والقرآن الكريم معًا، وهما متلازمان؛ جعلهما الله -تعالى- سببًا مِن أهم أسباب فك العقبات الكؤود في الآخرة، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ, مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ, فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ, فَشَفِّعْنِي فِيهِ، قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

ومما لا شك فيه أن هذه الشفاعة لن تكون مِن نصيب مَن كان القرآن الكريم في يومه ليس أكثر مِن بضع آيات قصار يتلوها تلاوة مرور الكرام؛ فإن الأجر المنصوص عليه مِن نصيب مَن صاحب القرآن الكريم صُحبة حقيقية، صُحبـة تلازم وارتباط وثيـق، صُحـبة استئنـاس وسعادة، صُحـبة فرح وسرور وانشراح صدر، وانفتاح الوعي والقلب لآياته الكريمات، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ، وَارْقَ، وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا) (رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وصححه الألباني).


فتلاوة القرآن الكريم مع تدبره مع عبادة الصيام والصلوات والقربات مِن آكد ما يؤجر به العبد، ويفوز به مِن رب العالمين، كما قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ . لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) (فاطر:29-30)؛ لذلك كان السلف الصالح وأئمة العلم أنفسهم كالشافعي ومالك وغيرهم -رحمهم الله- كانوا في شهر رمضان يتركون طلب العلم وبذله، وينشغلون بالقرآن الكريم لا غيره.

نسأل الله -عز وجل- أن يجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا. اللهم آمين.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 11-04-2023, 04:19 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حتى نفوز برمضان



حتى نفوز برمضان (9)








رمضان... وتأثير القرآن الكريم في النفوس!


كتبه/ جمال متولي


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فنتلو القرآن الكريم تعبدًا وقربة لله -عز وجل- أولًا، ثم تهذيبًا للنفس وترقيقـًا للقلب، وارتقـاءً وسمـوًّا بالروح، وشفـاءً للصدور؛ هذا بالطبع لو أن النفس والقلب انفتحا لآيات الله -تعالى- ومقاصده، فإن الله -عز وجل- قال: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) (الحشر:21).

فلا شك أن قلب المؤمن أولى بهذه الخشية، وهذا التأثر!

فللقرآن العظيم تأثيـر بليـغ في النفوس والعقـول التي تفهمه وتعي معانيه الغزيرة ومقاصده السيّالة، ولو كانت هذه العقول غير مسلمة ابتداءً؛ مثل هذه العقول والقلوب حين تسمع آيات الله -تعالى- على الفور تدمع عيونها، وتلين قلوبها، وتستجيب لنداء الإيمان دون تلكؤ، قال -تعالى- عن القساوسة: (وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) (المائدة:83).

وليس ذلك في البشر فقط، بل حتى مردة الجِـن، تأثرت أفئدتهم ولانت قلوبهم لآيات الله -تعالى- فور سماعها وآمنت، قال -تعالى-: (اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا) (الجن:1-2).

بل تعجب أشد العجب مِن تأثر المشركين أنفسهم وهم غِلاظ القلوب، ومتحجري النفوس، حينما سمعوا آيات الله -تعالى- تُتلى على مسامعهم تأثرًا قادهم إلى السجود وهم على الكفر؛ مِن شِدة تأثرِهم بجمال وجلال وعظمة، وإعجاز ما سمعوه مِن كلام الله -تعالى-.

وما قصة عتبة بن ربيعة -وهي مشهورة- عنا ببعيدٍ؛ إذ اختارته قريش ليتفاوض مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعرض عليه ما لديه، ولما فرغ مِن عرضه وكلامه، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فَرَغْتَ أبا الوليد؟" قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، (حم . تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (فصلت:2)، حَتَّى بَلَغَ: (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثمُودَ) (فصلت:13)، ما سمعها عُتْبَةُ حتى أنصت لها: وألقى يديه خلف ظهرِه معتمدًا عليهما، يسمع منه، ثم انتهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى السجدة منها فسجد حتى قال عتبة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "حَسْبُكَ حَسْبُكَ!". فقام مِن عند النبي -صلى الله عليه وسلم- راجعًا لرءوس المشركين فسألوه: ما وراءك؟! قال: "ورائي أني قد سمعت قولًا والله ما سمعتُ مثله قط! والله ما هو بالشعر ولا بالسِّحر ولا بالكهانة، يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي، وخلُّوا بيْن هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فوالله ليكوننَّ لقوله الذي سمعتُ منه نبأ عظيم، فإن تصبه العرب فقد كُفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب، فملكُه ملككم، وعزُّه عزكم، وكنتم أسعد الناس به" (رواه البيهقي والحاكم بسندٍ صحيح).

نسأل الله -عز وجل- أن يجعل القرآن الكريم نورًا لعقولنا. اللهم آمين.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 11-04-2023, 04:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حتى نفوز برمضان

حتى نفوز برمضان (10)






رمضان... وتأثير القرآن الكريم في النفوس (2)
كتبه/ جمال متولي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
قال الله -عز وجل-: (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ) (ق:??).
فالقرآن الكريم يربطنا بالآخرة ويبقيها ماثلة أمام أعيننا؛ يذكّرنا بجزاء المتعدِّين لحدود الله -تعالى-، ويصوِّر لنا مشاهد الأمم التي كانت عاقبتها الهلاك، وكذلك يذكّرنا بأصحاب البُشريات العظيمة، ويصب في قلوبنا ووعينا ما أعده الله -تعالى- لهم مِن عظيم إنعامه وإحسانه مما لا عين رأت، ولا خطر علي قلب بشر مِن نعيم الجنة، وبالرغم مِن ذلك؛ فإن (الآخرة) أبعد ما تكون عن أذهاننا؛ بسبب هجرنا لكتاب ربنا -تعالى-! مع أن القرآن الكريم هو أهم وسائل وأسباب ترسيخ الإيمان في القلب ودوام يقظته.
ولقد كانت السورة الواحدة مِن سوره القِصار -مع قلة عدد كلماتها- كافية لاستقامة النفس والجوارح على ما يحبه الله -تعالى- ويرضاه، بل ملء القلب بالتعلق بالله -تعالى-؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر:
سورة الزلزلة: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: أَقْرِئْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: (اقْرَأْ ثَلَاثًا مِنْ ذَوَاتِ الر)، فَقَالَ: كَبُرَتْ سِنِّي، وَاشْتَدَّ قَلْبِي، وَغَلُظَ لِسَانِي، قَالَ: (فَاقْرَأْ ثَلَاثًا مِنْ ذَوَاتِ حَم)، فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ، فَقَالَ: (اقْرَأْ ثَلَاثًا مِنَ المُسَبِّحَاتِ)، فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَقْرِئْنِي سُورَةً جَامِعَةً، فَأَقْرَأَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ... ) حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لَا أَزِيدُ عَلَيْهَا أَبَدًا، ثُمَّ أَدْبَرَ الرَّجُلُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَفْلَحَ الرُّوَيْجِلُ) مَرَّتَيْنِ. (رواه أبو داود، وصححه الحافظ ابن حجر والشيخ أحمد شاكر).

فإذا كان هذا هو تأثير سورة الزلزلة المكونة مِن ثمانِ آيات، وكلماتها لا تتعدي خمسة وثلاثين كلمة؛ فما بال مَن تتوفر لهم الأداة لقراءة القرآن الكريم كاملاً، ويتوفَّر لهم مِن النشاط والقوة ما يمكِّنهم مِن إعادة قراءته مرةً تلْوَ المرة، وسماعه في كل حين، ولا تتأثر قلوبهم ولا تتحرك لمعانيه السامية؟!
وهذه سورة الكهف التي يصدح بها المسلون كل جمعة، كانت تهز قلب خيل يسمعها هزّا مِن قارئ يتلوها بقلبه قبْل قراءة لسانه وعينه، فعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ وَإِلَى جَانِبِهِ حِصَانٌ مَرْبُوطٌ بِشَطَنَيْنِ فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ، فَجَعَلَتْ تَدْنُو وَتَدْنُو، وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ: (تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ بِالْقُرْآنِ) (متفق عليه).
نسأل الله -عز وجل- أن يجعل القرآن الكريم نورًا لعقولنا وبصيرتنا وأبصارنا. اللهم آمين.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 134.59 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 128.73 كيلو بايت... تم توفير 5.85 كيلو بايت...بمعدل (4.35%)]