مجالس المعتكفين - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4953 - عددالزوار : 2056177 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4528 - عددالزوار : 1324065 )           »          احمى أسرتك وميزانيتك.. دليلك الشامل لشراء أفضل اللحوم الطازجة والمجمدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 92 )           »          4 خطوات تقلل من شيب الشعر وتجعله صحيا وحيويا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          4 وصفات سموزي مناسبة للرجيم.. نكهات لذيذة لحر الصيف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »          طريقة عمل الفراخ في المقلاة الهوائية بطعم حكاية.. السر في العسل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          وصفات طبيعية لتفتيح الأندر أرم.. تقشير آمن وترطيب للبشرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          4 أفكار مختلفة لتصميمات مطبخ عصري.. موضة 2025 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          خلصي بيتك من السموم في 5 خطوات.. أهمها تغيير أدوات الطهي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          7 خضراوات تحتوي على فيتامين سي أكثر من البرتقال.. هتنور وشك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > ملتقى اخبار الشفاء والحدث والموضوعات المميزة > رمضانيات
التسجيل التعليمـــات التقويم

رمضانيات ملف خاص بشهر رمضان المبارك / كيف نستعد / احكام / مسابقات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 25-02-2023, 10:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي مجالس المعتكفين

مجالس المعتكفين (1) صلاة الضحى


د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري




الحمد لله حمداً طيباً مباركاً فيه، والصلاة والسلام على رسولنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
معاشر المعتكفين، هذا هو مجلسنا الأول من مجالسنا في هذا الشهر الفضيل لعام 1427هـ[1]، وهو مجلس يتجدد من مجالس المعتكفين، وقد جلسناها في الأعوام الماضية في الكلام حول تهذيب النفوس والحذر من خطوات الشيطان وغيرها، فأما مجالسنا لهذا الشهر إن شاء الله فستكون عن حديث آخر؛ إنها عن فضائل عمل اليوم والليلة.

أعمال اليوم والليلة أعمال لها فائدة كبيرة بالنسبة للسالك إلى الله والسائر إلى مرضاته، فهي دليل من أدلة الاستقامة، فإنك إن رأيت الرجل يتأخر عن الفريضة، ويتأخر عن الصف الأول، ويهجر القرآن، ويترك حظه من الليل؛ علمت ضعف استقامته، وإن رأيته يحافظ على أعمال اليوم والليلة؛ فإن هذا دليل على استقامته على الجادة التي أمر بها.

إن هذه الأعمال - أيها الأخوة - هي التي تزرع فينا التربية العبادية، فنحن بحاجة إلى تربية عبادية تلزمنا عبادة الله عز وجل، تكسر قلوبنا لأجل الله، وتذل جوارحنا فيها لأجل الله، فالعبادة لها تربية عظيمة، تسمو بها الروح، وترتقي بها النفس، ويسلك العبد مسالك السعادة والراحة.

إن هذه الأعمال التي حثنا عليها رسولنا صلى الله عليه وسلم من عمل اليوم والليلة لها فوائد كثيرة جداً وجداً؛ فمنها ما يرفع الدرجات، ومنها ما يكفر السيئات، ومنها ما يحفظ الإنسان من شر الشيطان، ومنها ما يقيه الضر، ومنها ما يجعله في كفاية الله، ومنها ما لا يمنعه من دخول الجنة بعد أن يأتي به إلا أن يموت. فأكرم بها والله من أعمال ! تدعونا لاكتساب هذه الغنائم الكبيرة.

آخر ما أقوله في هذا المقام: إن مداومتك على أعمال اليوم والليلة هي دليل محبتك لله عز وجل، فمن أحب الله داوم على عبادته وتقرب إليه بطاعته وأحب ما يحب الله عز وجل ( وما زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه؛ فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش به، ورجله التي يمشي بها ) أي: أن الله يسدده في هذه كلها، قال: ( ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه ) أصبحتَ ولياً لله عز وجل يوم أن داومت على هذه الأعمال الطيبة.

وعمل اليوم والليلة يتنوع، قد تكون في صلاة من صلوات النوافل؛ وهذه الصلاة قد تكون نهارية كصلاة الضحى، وقد تكون ليلية كصلاة قيام الليل، تتنوع أعمال اليوم والليلة بين أذكار وأدعية؛ فمنها ما هو ذكر للصباح، أو ذكر للمساء، أو ذكر للنوم، أو ذكر ودعاء مطلق تدعو الله سبحانه وتعالى وتتوجه إليه، منها - أيها الأخوة - الصيام والصدقة النافلة، ومنها قراءة القرآن، ومنها العبادات الاجتماعية؛ العبادات الاجتماعية: كبر الوالدين، كصلة الرحم، كعيادة المريض، كاتباع الجنازة، كإجابة الدعوة ونحو هذه من أعمال اليوم والليلة.

إذاً لنبحر مع هذه الأعمال؛ وسنتكلم - إن شاء الله - أولاً في بيان فضلها؛ لندعو أنفسنا أن نعمل بها فإن الإنسان إذا لاح له بريق الأجر هانت عليه مشقة التكليف، وكثير من الأعمال قصّرنا فيها لأننا نسينا أجرها، قمنا بها أول ما قمنا ونحن نستحضر فضلها وعظيم أجرها، فلما نسينا الأجر بدأنا نتكاسل فيها، فلنجدد العزم ولنحث السير ولنذكر أنفسنا بهذه الأجور الكبيرة.

ثم سنتكلم - إن شاء الله - في بعض سننها، فكيف تؤديها كما كان صلى الله عليه وسلم يؤديها، ولعلنا نتطرق - إن شاء الله - لشيء من الأحكام التي نحتاج إليها.
إذاً هذا هو حديثنا، عمل اليوم والليلة.
وأول ما نبدأ به صلاة الضحى.

المجلس الأول: صلاة الضحى
صلاة الضحى هي الصلاة التي تؤدى في وقت الضحى، فما هو وقتها ؟ وما أفضله ؟وكم تُصلى ؟
ولنبدأ أولاً - كما وعدنا - ببيان عظيم فضل هذه الصلاة.
اسمعوا - أيها الأخوة - وقد تكونون مِمن مَن يدامون على صلاة الضحى، اسمعوا ماذا جعل الله عز وجل من فضائل لصلاة الضحى هذه.
يقول صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي ذر رضي الله عنه: " يُصبح على كل سلامى من ابن آدم صدقة " كل مفصل عليك أن تؤدي عنه صدقة كل يوم، وابن آدم كما جاء في بعض الأحاديث 360 مفصل؛ إذاً عليك دين قدره 360 صدقة يجب عليك أن تؤديها كل يوم فكيف تؤدي هذا الدين ؟ 360 صدقة جزاء ما أنعم الله عليك وتفضّل، قال: " تسليمه على من لقي صدقة " ؛ سلمت أخذت صدقة وبقيت عليك 359 صدقة، " وأمره بالمعروف صدقة، ونهيه عن المنكر صدقة "؛ فإن أمرت بالمعروف عشر مرات هذه عشر صدقات، وإن نهيت عن المنكر عشر مرات فهذه عشر صدقات، واحسب. قال: " وإماطة الأذى عن الطريق صدقة، ويجزئ من ذلك كله ركعتان من الضحى " رواه أبو داود؛ ركعتان من الضحى تسدد عليك ديناً قدره 360 صدقة.

أخي في الله، هل تستطيع كل يوم أن تؤدي هذه الصدقات؟ ألا أدلك على ما يسدد عنك؟ ركعة الضحى التي أخبرك صلى الله عليه وسلم.

كم نحن نود لو أننا أدينا العمرة هذا العام، لكن للأسف صعبت علينا التأشيرات وزادت علينا التكاليف، وبعضنا تحسّر ورجع مع أنه قد همّ، وبعضنا قد تحسّر لمّا رأى من ذهب فغبطه على ذهابه إلى تلك البقاع المقدسة وأداء شعيرة العمرة، لكن اسمعوا - معاشر المتخلفين - عن العمرة في هذا الشهر ماذا يقول صلى الله عليه وسلم؟ في حديث أبي أمامة رضي الله تعالى عنه عند أبي داود يقول صلى الله عليه وسلم: "من خرج من بيته متطهراً إلى صلاة مكتوبة، فأجره كأجر الحاج المحرم " هذا إذا خرج إلى الصلاة المكتوبة كأجر الحاج المحرم " ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر، وصلاة على إثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين " صلاة الضحى إذا خرجت لأدائها فأجرك كأجر المعتمر، وصلاة الفريضة إذا خرجت لأدائها فأجرك كأجر الحاج. طبعاً لا تستطيع أن تزيد في الفريضة؛ هي خمس صلوات فقط، لكن ممكن تزيد من صلاة الضحى، صلاة إثرها صلاة؛ إثرها صلاة أي دون أن تشتغل باللهو والكلام بينها؛ كتاب في عليين وتُكتب لك كأجر العمرة.

لكن كيف لو أردت أن تجمع بين الحج والعمرة؟ لأن أفضل الحج - أيها الأخوة - هو حج التمتع، أن تعتمر وتحج في سفرة واحدة، فكيف يُكتب لك في خرجة واحدة عمرة وحجة ؟

اسمع لهذا الحديث العظيم؛ عن عبد الله بن غابر: أن أمامة وعتبة بن عبد رضي الله عنهما حدّثاه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من صلى صلاة الصبح في جماعة، ثم ثبت حتى يُسبح لله سَبحة الضحى، كان له كأجر حاج ومعتمر تاماً له حجه وعمرته " رواه الطبراني، وبعض رواته مختلف فيه وللحديث شواهد كثيرة.

إذاً إذا خرجت إلى صلاة الصبح وثبتَ في مصلاك تذكر الله عز وجل، وصليت صلاة الضحى بعد ارتفاع الشمس؛ فإنك ترجع بأجر الحاج والمعتمر.

أخي في الله، إنك تزعم كثيراً لو استطعت لذهبت إلى الحج، لذهبت إلى العمرة مهما طالت المسافة، مهما ازدادت المشقة، مهما عظمت النفقة، فلماذا لا توفي بكلامك هذا وتجلس بعد صلاة الفجر حتى تصلي صلاة الضحى فيُكتب لك هذا الأجر كله أجر حاج ومعتمر تاماً له حجه وعمرته ؟!

ومرة من المرات؛ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثاً، فإذا بهذا البعث يسرع في الرجوع، ويُعظم في الغنيمة، تعجب أحد الصحابة، فقال: يا رسول الله ما رأينا مثل هذا البعث، أسرع الرجعة وأعظم الغنيمة! يعني ذهبوا ورجعوا بسرعة، وبعض السرايا تأخذ أسابيع وأشهر، وهؤلاء رجعوا بسرعة وأتوا بغنائم كثيرة. فلما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم ما ذكر هذا الرجل من حال هذه الدنيا؛ دلّه على ما هو خير قال: " ألا أخبركم بأسرع كرة وأعظم غنيمة من هذا البعث؟ رجل توضا في بيته " اسمع - أخي في الله - لأنها على خطوات: الخطوة الأولى: " رجل توضأ في بيته فأحسن وضوءه، ثم تحمل إلى المسجد فصلى فيه الغداة - يعني الفجر - ثم عقّب بصلاة الضحى فقد أسرع الكرة وأعظم الغنيمة " ذكره الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في السلسلة الصحيحة.

إذاً الخطوة الأولى: تتوضأ في البيت وتُحسن الوضوء، ثم تأتي المسجد وتصلي صلاة الفجر، ثم تجلس وتصلي صلاة الضحى؛ هذا خير غنيمة وأسرع رجوع.

أيها الأخوة الكرام، إن فضائل صلاة الضحى كثيرة وكثيرة جداً، وما زلنا نحدّث أنفسنا ونشوقها لهذه الأجور؛ فاسمعوا لحديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه، وهو حديث حسّنه الشيخ الألباني رحمه الله تعالى، يقول عليه الصلاة والسلام: " من صلى الضحى أربعاً - يعني أربع ركعات - وقبل الأولى أربعاً بنى الله له بيتاً في الجنة " أو " بُني له بيتٌ في الجنة " الأولى هي صلاة الظهر - والله أعلم - فإن صليت الضحى أربعاً، وصليت قبل صلاة الظهر أربعاً، يبني الله لك بيتاً في الجنة. ليس هذا فقط، بل أنك لو جعلت الأربع هذه من صلاة الضحى في أول النهار اسمع لحديث يصححه الشيخ مقبل رحمه الله تعالى، يقول عليه الصلاة والسلام: " يا ابن آدم، صل في أول النهار أربعاً أكفك آخره"، الله أكبر تكن في كفاية الله عز وجل، ابدأ نهارك بصلاة أربع ركعات، واجعل الله يكفيك ما بقي بعد ذلك من النهار.

إن من أحاديث فضائل صلاة الضحى حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وقد أخرجه الحاكم بسند حسن، يقول عليه الصلاة والسلام: "لا يحافظ على صلاة الضحى إلا أواب، وهي صلاة الأوابين " إذاً المداومة على هذه الصلاة تجعلك - أيها المؤمن - من الأوابين، نعم نحن نصلي أحياناً وننسى أحياناً، لكن أين الأوابون؟ فصلاة الأوابين هي صلاة الضحى، والأوابون من هم؟ هم الذين يحافظون على صلاة الضحى.

من يذكر لنا آية وعدها الله سبحانه وتعالى لعبده الأواب، آية في القرآن جعلها الله عز وجل لعباده الأوابين؟ ﴿ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ ق32، وقال تعالى أيضًا: {رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً ﴾ [الإسراء: 25].

أيها الأخوة الكرام، مع هذه الفضائل المتكاثرة لصلاة الضحى، فقد حافظ عليها الصحابة رضي الله عنهم وداوموا عليها، تخيل الآن لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدّثك ويوصيك بصلاة الضحى، هل كنت ستتركها؟ لو أن رسولنا صلى الله عليه وسلم أوصاك وصية خاصة بصلاة الضحى هل ستفرط فيها؟، انظروا ما قال الذين أوصاهم الرسول صلى الله عليه وسلم؛ أبو هريرة رضي الله تعالى عنه في الصحيحين يقول: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: النوم على وتر، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى.

أبو ذر رضي الله تعالى عنه عند النسائي يقول: أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة لا أدعهن إن شاء الله تعالى أبداً: أوصاني بصلاة الضحى، وبالوتر قبل النوم، وبصيام ثلاثة أيام من كل شهر.

أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه عند أبي داود، يقول: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث لا أدعهن لشيء: أوصاني بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، ولا أنام إلا على وتر، وبسبحة الضحى في الحضر والسفر.

انظر لهؤلاء الصحابة، وكل واحد يقول: أنا أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ويذكر صلاة الضحى؛ أبو هريرة، وأبو ذر، وأبو الدرداء رضي الله تعالى عنهم؛ لذلك حافظوا رضي الله عنهم على هذه الصلاة ولم يتركوها، بل تقول عائشة رضي الله تعالى عنها وقد كانت تصلي الضحى ثمان ركعات ثم تقول: لو نُشر لي أبوايَّ ما تركتها، والسبب أن الصحابة رضي الله عنهم اختلفوا؛ فقال بعضهم: الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يصلي الضحى، فقالت عائشة: لو أتيتم بأي دليل حتى لو بعث لي أبوايّ ما تركتها؛ لماذا؟ لأنها صلاة كان يصليها ويحث عليها صلى الله عليه وسلم.

معاشر المعتكفين، إن كنا عرفنا شيئاً من فضائل صلاة الضحى، فكم عدد صلاة الضحى؟ وكم تُصلى؟
سمعنا أنها تجزئك عن 360 صدقة إذا صليت ركعتين، لكن ممكن تصلي أكثر، سئلت عائشة رضي الله تعالى عنها: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ قالت: نعم أربعاً ويزيد ما شاء الله، رواه مسلم؛ فتصلي ركعتين، والأولى أن تصلي أربع ولك أن تزيد، جاء عن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى ست ركعات، وجاء عن أم هانئ رضي الله عنها حديثاً رواه الجماعة أن الرسول صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة صلى صلاة الضحى ثمان ركعات. إذاً صلى أربعاً ويزيد، وصلى ستاً، وصلى ثمان، فلك أن تصلي ثمان ركعات، ولك أن تزيد، ويكتب الله لك الأجر: "صلاة في إثرها صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين "؛ فصل ثم صل ثم صل وأكثر من الصلاة.

فمتى وقت صلاة الضحى؟
أما الوقت المشروع؛ فهو من بعد ارتفاع الشمس، إذا ارتفعت الشمس أي بعد الشروق بقرابة ربع ساعة إلى قبل الزوال يعني قبل أذان الظهر بعشر دقائق، هذا وقت صلاة الضحى؛ بعد الشروق بربع ساعة، وقبل أذان الظهر بعشر دقائق. صل في هذا الوقت، والأولى أن تصلي في أول الوقت حتى يكفيك الله في آخر النهار، وحتى تكون كأجر الحجة والعمرة، لكن أفضل أوقات صلاة الضحى ما جاء من حديث زيد بن أرقم عند الإمام مسلم أنه رضي الله عنه رأى قوماً يصلون من الضحى، فقال: لقد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " صلاة الأوابين حين ترمض الفصال " الفصال: هي صغار الإبل، وترمض: أي أنها تجد حر الشمس في أرجلها فتقوم وتترك المكان، فمتى اشتدت حرارة الشمس في أول النهار؛ حتى أن هذه الإبل الصغار الفصال وجدت حرارة الشمس فإن هذا الوقت أفضل وقت لصلاة الضحى، أفضل وقت لصلاة الضحى في أول ما تشتد الشمس، ولها وقت آخر كان يحرص عليه صلى الله عليه وسلم، يقول عبد الله بن شقيق: قلت لعائشة رضي الله عنها: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ قالت: لا إلا أن يجيء من مغيبه. رواه أبو داود.

إذاً إذا جئت من سفر فآكد ما تكون صلاة الضحى، آكد ما تكون، كان يداوم صلى الله عليه وسلم على صلاة الضحى إذا جاء من السفر، لكن في غيرها ما كان يداوم.

أكان يصلي الضحى؟ المقصود: أكان يداوم على الضحى؟ ما كان يداوم عليه الصلاة والسلام، والسبب في هذا: تقول عائشة رضي الله عنها: وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به؛ خشية أن يعمل به الناس فيُفرض عليهم.
فرسولنا عليه الصلاة والسلام خشي أن يداوم على هذه النافلة فتُصبح فريضة.

يسأل الكثير من الأخوة عن صلاة الشروق، هل هي نفس صلاة الضحى؟
الجواب: أن صلاة الشروق في وقت صلاة الضحى، لكن الأولى لك أن تصلي صلاتين، ركعتين تنوي بها صلاة الشروق التي فيها أجر الحج والعمرة، ثم تصلي الضحى؛ كما يُفتي بهذا الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، وإن صليت ركعتين بنية الشروق والضحى فلك الأجر؛ لأننا سمعنا في هذه الأحاديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: " ثم سبح سبحة الضحى " فالضحى تجزئ عن صلاة الشروق، بل لعلها هي نفسها.

أخيراً - أيها الأخوة - إليكم هذه السنة التي أظنها غائبة عن كثير منا، ورحم الله من أحيا السنة؛ ماذا تقول بعد أن تصلي الضحى؟ هل أحد منكم يعرف؟ ، إذن أرجو من الله عز وجل أن يكتب لي أجر إحياء هذه السنة.

اسمعوا ما رواه البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح؛ صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الضحى، ثم قال: " اللهم اغفر لي، وتب علي، إنك أنت التواب الرحيم حتى قالها مائة مرة " إذاً هذا الذكر الذي تقوله بعد صلاة الضحى: الله اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم مائة مرة فاحرص على هذه السنة.
وفقنا الله وإياكم لطاعته، وغفر لنا ذنوبنا، وجزانا بالإحسان إحساناً، وبالسيئات مناً وغفراناً.
فالزم - أخي المعتكف- صلاة الضحى، وإلى درس آخر إن شاء الله، نسأل الله أن يعينا أن نكون ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، إنه سبحانه وتعالى قريب مجيب.


[1] ألقيت هذه الدروس بمسجد الريان اعتكاف عام 1427 هـ.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 25-02-2023, 10:10 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مجالس المعتكفين

مجالس المعتكفين (2) صلاة قيام الليل
د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً مزيداً إلى يوم الدين، ثم أما بعد:
فها نحن هذه الليلة مع عمل آخر من أعمال اليوم والليلة، عمل عظيم جاءت النصوص الشرعية في بيان فضله وفي الإخبار بعظيم أجر من فعله وحافظ عليه.

أيها الأخوة الكرام، إن كنا في الدرس الماضي قد توقفنا مع صلاة نهارية من صلاة النافلة، وهي صلاة الضحى، فإننا اليوم مع صلاة نافلة ليلية، ألا وهي قيام الليل.

ينبغي للمسلم أن يكون له حظ كل يوم أو كل ليلة من قيام الليل، فلا يضيع نصيبه من هذا الفضل العظيم، ولا يفوته ما في قيام الليل من تربية للنفس وتهذيب.

إذا كانت أول سورة أنزلت على رسولنا صلى الله عليه وسلم، وأول توجيه نلقاه عليه الصلاة والسلام " اقرأ "، فإن ثاني سورة قيل هي سورة المزمل ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً ﴾. وهذا دليل على أهمية أن يسلك السائر إلى الله المحافظة على قيام الليل.

وقد جاء في فضله نصوص كثيرة، منها ما رواه النسائي رحمه الله تعالى يقول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " أفضل الصلاة بعد الفريضة قيام الليل " يعني: إذا كانت الصلاة أفضل عمل، وأفضل شغل؛ فإن أفضل الصلاة هي الفريضة، وأفضل ما هو بعد الفريضة مما تتقرب إلى الله به وتتنفل هو قيام الليل.

لذلك أوصى به صلى الله عليه وسلم وبين عظيم ما فيه؛ قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد والترمذي والحاكم والبيهقي من حديث بلال رضي الله تعالى عنه قال: " عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم وقربة إلى الله تعالى، ومنهاة عن الإثم، وتكفير للسيئات، ومطردة للداء عن الجسد " انظر لهذه الخصال العظيمة التي اجتمعت فيمن حافظ على قيام الليل، فما من صالح إلا وله حظ من قيام الليل، فإن أردت أن تكون معهم وتتشبه بهم فاحرص على قيام الليل.

ثم هو قربة لله عز وجل، يقول صلى الله عليه وسلم: " إن في الليل لساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله تعالى خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه الله إياه وذلك في كل ليلة " رواه الإمام مسلم.

إذاً في الليل ساعة مجابة، الله أعلم متى تكون، لكنك إن كنت فيها قائماً تدعو الله سبحانه وتعالى، فأبشر فإن الله سبحانه وتعالى سيجيبك. كيف لا يكون قيام الليل قربة إلى الله وهو طريق الجنة؟ "يا ايها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام " أخرجه الإمام أحمد والترمذي من حديث عبد الله بن سلام رضي الله تعال عنه.

أخي المبارك، إننا نبحث عن صالحات تشفع لنا يوم الدين، فإذا قام الإنسان بين يدي الله عز وجل وقام معه تقصيره وتفريطه ووقوعه في المعاصي والذنوب، وتخلفه عن الفرائض والواجبات، قامت هذه الصالحات فشفعت له عند الله فشفعها الله سبحانه.

اسمعوا ماذا يكون يوم القيامة من هذا المقام؛ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة " واسمعوا الآن لمحاورة شفاعة القرآن والصيام للعبد: " يقول الصيام: أي رب، منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه " قال: " فيشفعان " رواه أحمد. يعني يدخل الجنة بفضل شفاعة الصيام والقرآن.

أيها الأخوة الكرام، إن في قيام الليل - كما سمعنا - مطردة للداء من الجسد؛ فقائم الليل تجده من أصح الناس جسداً، وأقوى الناس بدناً، فإذا كان النهار يحتاج منا إلى عمل طويل وشاق، فإن في الليل وقيامه ما يعطينا هذا النشاط، هذا ما ذكره صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما في حديث أبي هريرة عند ابن ماجه يقول صلى الله عليه وسلم: " يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم بالليل بحبل فيه ثلاث عقد " يربطه بحبل ويربط ثلاث عقد على هذا الإنسان " فإذا استيقظ فذكر الله انحلت عقدة " إذاً أول خطوة لقيام الليل أن تذكر الله، قال: " فإذا قام فتوضأ انحلت عقدة، فإذا قام إلى الصلاة انحلت عقده كلها فيصبح نشيطاً طيب النفس قد أصاب خيراً " يصيب الإنسان نشاط، ونفسه أيضاً تطيب وترتاح، ويصيب أيضاً من الخير، قال: " وإن لم يفعل أصبح كسلاناً خبيث النفس لم يصب خيراً ".

يا حافظ القرآن، كم تحفظ من كتاب الله؟ إن على قدر قيامك بالليل بهذا القرآن على قدر ما سيثبت القرآن في صدرك، منا من يحفظ عشرة أجزاء، أو خمسة عشر جزءاً، لكنه ما يقوم في الليل، فحقيقة هذا الرجل أنه سينساها، من أراد أن يقوى له حفظه فليراجعه بين يدي الله عز وجل، وليقرأه بين يدي الله عز وجل بالليل، هذه وصية رسولكم صلى الله عليه وسلم، يقول عليه الصلاة والسلام كما في حديث ابن عمر في البخاري ومسلم: " إنما مثل صاحب القرآن كمثل ابن المعقّلة، إن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت " زاد مسلم في رواية: " وإذا قام صاحب القرآن فقرأه بالليل والنهار ذكره، وإذا لم يقم به نسيه " إذا كان صاحب القرآن يقرأ في نافلة الظهر، وفي فريضة الظهر، وفي صلاة العصر، وفي المغرب، وفي العشاء، وفي الليل يتعاهد القرآن، فإنه سيذكره وإلا سينساه، نسأل الله سبحانه وتعالى السلامة. أما عن تكفير السيئات، فما أعظم قيام الليل في تكفير السيئات! وخصوصاً إذا كان من رمضان؛ في الصحيحين من حديث أبي هريرة: " من قام رمضان إيمانً واحتساباً، غُفر له ما تقدم من ذنبه " وفي البخاري من حديث أبي هريرة: " من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه ". إذاً مغفرة الذنوب مرتبطة كثيراً بقيام الليل، فلا يفوتك مثل هذا الأجر العظيم.

أيها الإخوة الكرام، إن العز الحقيقي هو عزك في طاعة الله عز وجل. إن شرفك هو قيامك بين يدي الله سبحانه، هذا شرف.
إذا أحبك الله عز وجل أقامك بين يديه، فمن وفّقه الله للقيام بين يديه بالليل هذا دليل أن الله يحبه وأن الله قبل عمله؛ قيل للحسن البصري: يا أبا سعيد، إنني أتهيأ لقيام الليل، وأعد سواكي وطهوري، لكني لا أقوم! فقال: ذنوبك قيدتك. هذا دليل؛ هل أحسنت بالنهار أو أسأت؛ يقول بعض السلف: من أحسن بالنهار أقامه الله بالليل بين يديه، ومن أساء بالنهار لم يقمه الله بالليل بين يديه.

هكذا فلننظر في أنفسنا ولنفتش فيها. إن قيام الليل شرف تشريف يشرف الله به العبد إذا أحبه، يقول صلى الله عليه وسلم كما في الطبراني بسند حسن من حديث سهل بن سعد ولنحفظ هذا الحديث لأنه جميل، عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واحبب من شئت فإنك مفارقه، واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل، وعزه استغناؤه عن الناس. رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن. شرف أن يجعلك الله تقوم تنتصب بين يديه سبحانه وتعالى؛ لذلك يفتح الله على القائمين والمتهجدين بالأسحار يفتح عليهم من ألطافه، وما يجدون من برد اليقين ولذة المناجاة وأنس القرب من الله عز وجل، بل ويلبسهم الله من نوره؛ لأنه شرفهم سبحانه وتعالى بهذه العبادة.

قيل للحسن رحمه الله: ما بال المتهجدين بالليل هم أحسن الناس وجوهاً! فقال رحمه الله تعالى: لقد خلو بمناجاة الله فألبسهم الله نوراً من نوره " الله أكبر. ما أجمل هذا الكلام أيها الأخوة! وما أجمل وأروع لو أننا كنا من أهلها.

كيف لا يكون قيام الليل بهذه المنزلة وربنا سبحانه وتعالى ينزل إلى عباده يدعوهم ويناديهم فيكون هؤلاء هم الفائزون بمناجاة الله عز وجل وبالقرب منه، أقرب ما يكون الرب من عبده في ثلث الليل الآخر؛ جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال صلى الله عليه وسلم: " ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حيني يبقى ثلث الليل الآخر " إذا بدأ ثلث الليل الآخر - وهو آخر تقريباً أربع ساعات من الليل قبل الفجر ـ ما الذي يحدث؟ ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا، فيقول: ( من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له ) أين أنت في هذه الساعة؟ لو أنه يحضر رجل من الناس لكنه معظم أو مكرم لاستقبلناه قبل أن يحضر بساعات، والله سبحانه وتعالى أكبر وأكرم وأعظم وأجل، ينزل كل ليلة في ثلث الليل الأخير ويدعو هو عباده. فأين أنت أخي في الله؟ أين أنت؟ ألا تريد أن تكون كمثل هذا الرجل؟

عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " عجب ربنا تعالى من رجلين: رجل سار عن وطائه ولحافه من بين أهله وحبه إلى صلاته " ترك الزوجة، وترك الفراش والنوم وقام، ماذا يحب؟ ماذا يريد؟ لماذا ترك هذه المحبوبات؟ قال: "وحبه إلى صلاته فيقول جل وعلا: انظروا إلى عبدي ثار عن فراشه ووطائه من بين حبه وأهله إلى صلاته رغبة فيما عندي وشفقة مما عندي " هذا هو الرجل الأول؛ لذلك ما ينساها الله سبحانه وتعالى له ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ﴾ [مريم: 64]. بل يقول الله عز وجل: " انظروا إلى عبدي ثار عن فراشه ووطائه من بين حبه وأهله إلى صلاته رغبة فيما عندي وشفقة مما عندي " يعني: طمعاً وخوفاً. الثاني: قال: " ورجل غزا في سبيل الله وانهزم أصحابه وعلم ما عليه في الانهزام وما له في الرجوع فرجع حتى يهريق دمه، فيقول الله: انظروا إلى عبدي رجع رجاء فيما عندي وشفقة مما عندي حتى يُهريق دمه " رواه أحمد وأبو يعلى.

فهل نحن من هؤلاء؟ هل استطعت أن تقاوم ما تحب من فراشك ومن زوجك وتقبل إلى طاعة الله سبحانه وتعالى ربك؟ عندها سيعجب الله منك ومن فعلك، وسيباهي الله بك الملائكة . فكن، فكن أخي أنت هذا الرجل.

أيها الكرام، إذا كانت السنة ذكرت القائمين، فإن كتاب الله سبحانه وتعالى قد أثنى عليهم ثناء عطراً؛ ما أجمل أن أكون أنا وإياك من أهل هذه الآية من عباد الرحمن ﴿ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا ﴾ [الفرقان: 64] يراوحون الليل، ما بين قيام وسجود، وسجود وقيام، يقومون فينصبوا أقدامهم لله، ويسجدون فيفترشون وجوهم لله، هؤلاء يقول الله عنهم ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ﴾ جنوبهم ما تريد المضجع بل تجفو وتبعد عن المضجع ﴿ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾[ السجدة 16 - 17] ما أجمل هذا الثواب لمن عمل هذا العمل! فكن أنت، كنت أنت الذي لا تضيّع في أي ليلة حظك من قيام الليل، واحرص عليه؛ فإنه من عمل اليوم والليلة الذي ينبغي لأحدنا أن يأخذ نصيبه منه، ومن مناجاة الله ودعائه، كن أنت من أهل هذه الآية ﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 9]

أخي في الله، إنها الجنة، الجنة غالية، الجنة لا نأخذها بالنوم، مغفرة الله سبحانه وتعالى تحتاج منا إلى قيام:
من يرد ملك الجنان
فليدع عنه التواني

وليقم في ظلمة الليل
إلى نور القرآن

وليصل صوماً بصوم
إن هذا العيش فاني

إنما العيش جوار الله
في دار الأمان

احرص أن تكون من خطاب الحور العين، فإن الحور العين مهرهن قيامك بالليل، فتلذذ بهذه العبادة لله عز وجل، وتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بهذه الطاعات.

أما الذي لا يقوم الليل فذاك رجل بال الشيطان في أذنه كما أخبر صلى الله عليه وسلم، بل قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه البيهقي في السنن الكبرى من حديث أبي هريرة: " إن الله يبغض كل جعظري جواظ سخاب في الأسواق جيفة بالليل حمار بالنهار، عالم بأمر الدنيا جاهل بأمر الآخرة " هل تريد أن تكون مثل هذا؟ نشيط في النهار كالحمار، يعمل ويكد، ويجمع ويسعى ويحرص فإذا جاء الليل فهو جيفة ـ والعياذ بالله ـ نسأل الله سبحانه وتعالى السلامة.

هكذا حال بعض الناس، يقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: " عجبت من اثنتين: جدة وعمرها واحد وعشرين سنة " كيف هذه؟ هذه تزوجت وعمرها كم؟ تسع سنوات، طيب، أنجبت وعمرها تسع سنوات، ممكن، ثم جابت بنت، البنت هذه تزوجت وعمرها تسع سنوات أيضاً، ثم جابت بنت، هذه عجيبة، يعني جدة عمرها عشرين سنة، شيء عجيب! قال: " وشيخ كبير يطوف المدينة على رجليه، يضرب خلف القينات، ويراقصهن، فإذا جاءت الصلاة الفريضة، صلى قاعداً، نسأل الله السلامة. شف سبحان الله كيف عالم بأمر دنياه جاهل بأمر آخرته، ونحن ـ أيها الأخوة والله ـ نسأل الله، كم أضعنا من جهود، لكن في حرف هذه الفانية، وكم فاتنا من تعمير الآخرة الباقية.

فاجتهد أن تكون من الصالحين. " يا عبد الله، لا تكن مثل فلان كان يقوم لي الليل فترك قيام الليل " متفق عليه، هذه وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو، لا تترك قيام الليل، تقول عائشة رضي الله تعالى عنها: كان صلى الله عليه وسلم لا يدع قيام الليل، وكان إذا مرض أو كسل صلى قاعداً.

لا تترك قيام الليل، ولو تصلي قاعداً، ولو تصلي على جنب، لا تترك قيام الليل، كان صلى الله عليه وسلم إذا غلبه نوم أو وجع عن قيام الليل، صلى بالنهار ثنتي عشرة ركعة، يعني يشفع الوتر، إذا كنت تصلي بالليل إحدى عشر ركعة، فنمت لا تضيعها؛ لأنك تتعود بعد ذلك على إضاعتها، لا، اقضها بالنهار وزدها ركعة، مثلاً: إنسان يصلي بالليل سبع ركعات، فليقضها بالنهار ثمان ركعات، إنسان يصلي بالليل تسع ركعات، فليقضها بالنهار عشر ركعات، وإن كان يصلي كرسولنا صلى الله عليه وسلم إحدى عشر ركعة، فليقضها بالنهار ثنتي عشرة ركعة. لا تسمح لنفسك أن تقول: خلاص أنا نمت، والله يكتب لي ما عملت صحيحًا مقيمًا، هكذا ستعود نفسك على الكسل، وستبدأ تترك تترك قيام الليل، لا صلِ الثلاث، فإن فاتتك، فصلها أربع، وهكذا استمر.. ثم زدها شيئاً فشيئاً حتى تحيي ليلك بطاعة الله عز وجل.

أيها الأخوة الكرام، ماذا نصلي بالليل؟ وكيف نصلي؟ وكيف نضاعف أجورنا إذا قمنا لنصلي بالليل؟
اعلم أولاً، أن خير صلاة الليل طول القنوت، أي: طول القيام، فكلما أطلت القيام هذا أفضل من أن تطيل السجود والركوع، فهو قيام ليل، فاحرص على أن تطيل القيام، واسمع ما لك: جاء في حديث عبد الله بن عمرو عند أبي داود وابن حبان لسند صحيح: " من قام بعشر آيات لم يُكتب من الغافلين " عشر آيات، يعني: لو قرأت سورة "قل أعوذ برب الفلق " وسورة " قل أعوذ برب الناس" كم صارت؟ أحد عشر آية، فأصبحت لست من الغافلين، قال: من قام بعشر آيات لم يُكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كُتب من القانتين " الله أكبر! " ومن قام بألف آية كُتب من المقنطرين " اسأل نفسك كل صباح: أمس كُتبت مِن مَن؟ من المقنطرين؟ كل صباح اسأل نفسك، من المقنطرين؛ لأنك تموت وأنت من المقنطرين، أعظم والله بهذا الأجر! هل كُتبت من المقنطرين؟ أو كُتبت من القانتين؟ أو لم تُكتب من الغافلين؟ والأخيرة مصيبة، الأخيرة أنك تكتب من الغافلين، نسأل الله السلامة، ما تقوم حتى بعشر آيات! ألف آية وتكتب من المقنطرين، طويلة، كثيرة، ما هي كثيرة على الذين يريدون الآخرة ﴿ وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ البقرة 45، الذي يريد الآخرة ليست كبيرة عليه، ألف آية حسبها بعض إخواننا، يعني على أخصر شيء، كيف تقرأ أل ف آية بأخصر ما يكون؟ يقرأ جزء عم والواقعة والرحمن، تحسبونها أنتم إن شاء الله، أخصر ما يكون من ألف آية، لو قرأ جزء عم والواقعة وأظن معها سورة، ولو قرأ الصافات؛ لأن الصافات ـ ما شاء الله ـ سبع صفحات، لكن بكم؟ بمائتين آية؟

كيف تضاعف لك الأجر أيضاً؟ قم مع الإمام، يقول صلى الله عليه وسلم: " إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف كُتب له قيام ليلة" رواه الأربعة.
فإذا صليت مع الإمام إلى أن ينصرف الإمام تكتب لك قيام ليلة كاملة، وهذا من فضل الله عز وجل.
أدلك على طريقة تضاعف لك الأجر، طريقة سهلة لكن إذا كنت متزوجاً امرأة طيبة يعني تعينك على الخير، ما هي هذه الطريقة؟ هذه دلنا عليها صلى الله عليه وسلم، يقول صلى الله عليه وسلم: " من استيقظ من الليل، وأيقظ امرأته فصليا ركعتين جميعاً كتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات " تُكتب من الذاكرين الله كثيراً، أيقظ زوجتك، انضح في وجهها الماء حتى تصحو، وحاول ولو ضاع عليك شيء من الوقت، وصل معها ركعتين.

قيام الليل متى، أيها الأخوة؟
من بعد صلاة العشاء، فكل وقت يعد من قيام الليل، أي ركعات تركعها بعد صلاة العشاء، فهي مكتوبة لك إن شاء الله من قيام الليل. فمن يخشى أنه لا يقوم آخر الليل؛ فليقم بعد صلاة العشاء، يصلي يصلي يصلي ما شاء الله سبحانه وتعالى له، فإن قام آخر الليل وإلا فالحمد لله قد قام أوله، ولا شك أن القيام آخر الليل أفضل.

أفضل قيام: هو قيام نبي الله داود. كيف كان يقوم نبي الله داود؟ يقول عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو - وعبد الله بن عمرو يروي أحاديث القيام كثيراً لأنه كان من المتهجدين -: " أحب الصيام إلى الله صيام داود؛ كان يصوم يوماً ويفطر يوماً - هذا أفضل صيام النافلة -، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود -يعني النافلة -؛ كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه " تعالوا نشرح الحديث هذا أو نحاول فهمه بحسب الساعات التي عندنا الآن؛ كان ينام نصف الليل: الآن المغرب يؤذن الساعة كم؟ الخامسة والنصف، الفجر يؤذن الساعة كم؟ الرابعة والثلث، طيب: من الخامسة والنصف إلى الرابعة والثلث كم؟ إحدى عشر ساعة، طيب: نصف الليل كم؟ خمس ساعات ونصف، من الخامسة والنصف ضع فوقها خمس ساعات ونصف صارت الساعة الحادية عشر، الساعة الحادية عشر نصف الليل، فتنام نصف الليل خمس ساعات ونصف، كثير أو قليل؟ كثير، طيب: تنام خمس ساعات ونصف، ثم تقوم ثلث الليل، ثلث الإحدى عشر ساعة تقريباً اربع ساعات قاصر قليل، فتقوم تقريباً أربع ساعات أو ثلاث ساعات ونصف، من الحادية عشرة إلى الثانية والنصف، هذا قيام داود، ثم تنام، ستبقى تقريباً ساعة ونصف أو ساعتين- سدس الليل - أفضل القيام، طبعاً يختلف بحسب الصيف والنهار، يعني: تقريباً من الساعة الحادية عشرة إلى الساعة الثانية والنصف هذا أفضل قيام، يعني: قرابة الثلاث ساعات ونصف.

وإن كنا ذكرنا أن خير القيام قيام داود عليه السلام كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه لكن لا شك أن مثل هذه الأيام الفاضلة تحتاج منا إلى مزيد من الجهد وهو لا يخرج عن هدي الرسول صلى الله عليه وسلم فقد كان صلى الله عليه وعلى آله وسلم يحي الليل، أحيا ليله إذا دخلت العشر الأواخر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله، بل جاء في بعض الروايات أنه كان يخلط العشرين بصلاة ونوم، فإذا جاءت العشر الأواخر أحياها صلى الله عليه وسلم. فعلى هذا، فالحنفية والوسطية هي ما أرشد رسولنا صلى الله عليه وسلم إليه في حديث ابن عمرو رضي الله تعالى عنهما لما قال له: " أفضل الصيام صيام داود"، ولا يعني هذا أن الإنسان لا يستغل ما وجد في نفسه من نشاط أو ما كان في الزمان من فضل فيأتي بما استطاع وبما قدر عليه مما لا يخرج به عن هدي الرسول صلى الله عليه وسلم.

أخيراً، من سنن قيام الليل: إذا قمت من الليل فامسح النوم عن وجهك، ثم تسوّك، الرسول صلى الله عليه وسلم كان سواكه في فراش نومه، إذاً هذه سنة غائبة رحم الله من أحياها اجعل لك سواكًا في فراش النوم ضع لك سواكًا في فراش النوم يطوى مع فراش النوم، هذه سنة نعم كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحرص عليها، فأول ما تقوم امسح النوم عن وجهك، ثم استك، ثم اذهب وانظر إلى السماء انظر إلى النجوم واقرأ الآيات في آخر آل عمران ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ.. ﴾ اقرأها بتفكر، ثم بعد ذلك توضأ وأحسن الوضوء، واستفتح قيام الليل. قيل لعائشة رضي الله عنها: بأي شيء كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته إذا قام الليل؟ قالت: كان إذا قام من الليل افتتح صلاته " اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم " هذا دعاء افتتاح قيام الليل. يا ليت لو إنسان يكتبه ويوزعه أو يعلقه حتى يحفظه بقية الأخوة، وكان لرسولنا صلى الله عليه وسلم دعاء آخر يستفتح به قيامك الليل، سألت عائشة رضي الله عنها: ماذا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يفتتح به قيام الليل؟ قالت: " لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك، كان يكبر عشراً، ويحمد عشراً، ويسبح عشراً، ويستغفر عشراً " هذه أظنها تُحفظ بسرعة: تكبر عشر مرات، تسبح عشر مرات، تحمد عشر مرات، تستغفر عشر مرات، هذه بعد تكبيرة الإحرام " ويقول: الله اغفر لي واهدني وارزقني وعافني، ويتعوذ من ضيق المقام يوم القيامة بعد هذا كان صلى الله عليه وسلم يفتتح الليل بركعتين خفيفتين، فتصلي في البداية ركعتين خفيفتين، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد، حتى يذهب عنه النوم، فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدري لعله يستغفر فيسب نفسه " هذا يحدث، لا ارقد ثم قم وأكمل الصلاة، وكان من هديه عليه الصلاة والسلام أنه يوقظ أهله فيقول: "من يوقظ صواحب الحجرات؟ " ودخل على علي وفاطمة فقال: " ألا تصليان؟ "، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً ". إذاً هذا هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في قيام الليل.

أما كم كان يقوم؟ ما زاد صلى الله عليه وسلم عن أحد عشر ركعة، لكن رخّص لذلك الرجل فقال له: " صلاة الليل مثنى مثنى، فإن خشي أحدكم الصبح فليصلِ واحدة " إذاً حاول أن تشمل أكثر الوقت بالصلاة، الأفضل إحدى عشر ركعة وتطيلها إلى آخر الليل، فإن عجزت فاشغل الليل بالصلاة قدر ما تستطيع، كان صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين ركعتين ركعتين.. ويوتر بواحدة.
ومن فعله صلى الله عليه وسلم أنه أوتر بخمس، دون أن يتشهد تشهد أوسط.

ومن فعله صلى الله عليه وسلم أنه أوتر بسبع، وتشهد تشهد أوسط في السادسة، في السادسة جلس تشهد أوسط، ثم قام، والسابعة تشهد تشهد أخير وسلم.
وأوتر بتسع تشهد تشهد أوسط في الثامنة، وسلم في التاسعة.
إذاً ممكن توتر بواحدة، ممكن بخمس بدون تشهد أوسط، ممكن بسبع والتشهد الأوسط في السادسة، وممكن بتسع والتشهد الأوسط في الثامنة.
فاحرص على إحياء هذه السنة. وفّقنا الله وإياكم للخير، وجعلنا وإياكم من المتهجدين القائمين لله سبحانه وتعالى بالليل، والله تعالى ربي أعلى وأعلم.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26-02-2023, 01:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مجالس المعتكفين

مجالس المعتكفين (3) السنن الرواتب


د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري






الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، تسليماً مزيداً كثيراً إلى يوم الدين، ثم أما بعد:
فما زال درسنا موصولاً عن الحديث في عمل اليوم والليلة، وما زلنا أيضاً مع الصلوات النافلة التي شرعت في اليوم أو في الليلة.

كنا مع صلاة الضحى وهي نافلة نهارية، ثم انتقلنا إلى قيام الليل وهي نافلة ليلية.

ودرسنا هذا عن نوافل بعضها نهاري وبعضها ليلي، وهي نوافل مؤكدة عن رسولنا صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وقد ارتبطت هذه النوافل بصلوات الفريضة.

حديثنا - أيها الأخوة - في هذا الدرس عن السنن الرواتب.
والسنن الرواتب اثنا عشرة ركعة يصليها المسلم في اليوم والليلة، وهي مرتبطة بصلاة الفريضة، إما أن تكون قبلية وإما أن تكون بعدية.

وقد جاء تعدادها في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما كما في البخاري ومسلم قال: حفظتُ من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عشر ركعات - يعني هذه التي كان يحافظ عليها صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالصلاة الفريضة - ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعده، وركعتين بعد الجمعة في بيته، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته. ثم قال: وحدّثتني حفصة أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يركع ركعتين قبل الفجر في بيته، وكانت ساعة لا أدخل عليه فيها.

فهذه عشر ركعات، وبإضافة ما جاء في البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدع أربعاً قل الظهر. فتكون بهذا ثنتي عشرة ركعة: ركعتان قبل الفجر، وأربع قبل الظهر، وركعتان بعد الظهر، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء. اثنتا عشرة ركعة، ما حكمها؟ حكمها أنها سنة مؤكدة داوم وحافظ عليها صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فالسنن على أقسام: هناك النفل المطلق، فيجوز لك أن تصلي في غير وقت نهي، أي صلاة من النافلة، وتكثر، وهناك سنة فعلها أو حث عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم كالأربع قبل العصر حث عليها صلى الله عليه وسلم، وهناك سنن مؤكدة حث عليها وداوم عليها صلى الله عليه وسلم أي أنه حافظ عليها فهذه سنة مؤكدة نعم الذي يتركها لا يؤثم لكنه يلام، كيف تركت سنة حافظ عليها صلى الله عليه وسلم؟

وحكمة هذه النوافل القبلية والبعدية فيما ذكر أهل العلم رحمهم الله تعالى حكمة عظيمة جداً تجعل المسلم يحافظ عليها ولا يتركها، قالوا: فالحكمة من النافلة القبلية: الاستعداد للصلاة: معروف أيها الأخوة أن الإنسان إذا جاء متأخراً إلى الصلاة، وشرع مباشرة بالفريضة، فإن قلبه ما يأتي معه إلا بعد حين، وبعضهم للأسف ما يأتي قلبه معه إلا إذا سلّم من الفريضة بدأ الآن يركز، ماذا حضر قلبك من صلاتك؟ قال: في السلام، ثم يقوم بعد ذلك ويصلي السنة أفضل مما يصلي الفريضة، وهذا - للأسف خطأ عظيم - فجعل الفريضة هي التي تهيأ للسنة، وهذا من الخطأ،ـ ولذلك تجد بعض الناس - للأسف - ما يخشع في صلاة العشاء كما يخشع في صلاة التراويح، مع أن صلاة العشاء أفضل من كل صلاة التراويح، وهذا أيضاً من الخطأ. فجاءت هذه السنن القبلية كالقربان والعربون أمام الفريضة، فتقدم السنة القبلية شيئاً فشيئاً تتهيأ نفسك حتى إذا جئت لصلاة الفريضة تكون قد حضر قبلك، وهذا سبب عظيم من أسباب الخشوع، إذا كنت تشكو من قلة الخشوع فعليك بهذا بكّر للصلاة حتى يتفرّغ القلب، ثم صل السنة القبلية، حتى يتهيأ القلب، ثم اقرأ شيئاً من القرآن، ثم ادعٌ بين الأذان والإقامة، فما تقوم للصلاة إلا وقد تهيأت للصلاة وللقرآن وللدعاء.

أما حكمة السنة البعدية فيما ذكر أهل العلم رحمهم الله تعالى؛ فهي أنها تجبر النقص الذي يحدث في الفريضة، فالإنسان سبحان الله مهما كان يعرض لفريضته النقص لذلك هو يستغفر بمجرد السلام فجاءت هذه السنن البعدية؛ لكي تجبر النقص الذي كان في الفريضة. فإذا صلى الإنسان صلاة ناقصة، قيل: هل لفلان من تطوع؟ فيجبر نقص الصلاة الذي عنده، وبهذا نعلم أن النوافل جاءت كالسياج قبل وبعد الفرائض، حتى تهيئ لإكمالها ثم تسدد نقصها، وكل هذا يجعلك - أخي في الله - تحرص على ألا تضيع هذه السنن الرواتب؛ فضلاً إن عرفت أنها من هدي رسولك صلى الله عليه وسلم وهذا أعظم، فإن رسولك عليه الصلاة والسلام كان يحافظ عليها وقد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأنت أولى؛ فضّلاً إن حدّثتك بحديث أم حبيبة رضي الله تعالى عنها، وهذا الحديث أخرجه الإمام مسلم، قالت أم حبيبة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها: قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير الفريضة إلا بنى الله له بيتاً في الجنة " أو قالت: " إلا بُني له بيت في الجنة " رواه مسلم.

إذاً بمحافظتك على هذه الصلوات ثنتي عشرة ركعة كل يوم وليلة يبني الله سبحانه وتعالى لك بيتاً في الجنة، فهنيئاً لك سكن هذا البيت وما فيه من النعيم، وإذا بُني لك بيت في الجنة أصبحت من أهل الجنة، وأقمت في الجنة، وتنعمت في الجنة، وكم الجنة هي عظيمة - أيها الأخوة ـ؟! وكم هذه الصلوات هينة ويسيرة على من أراد الجنة؟ فلنحافظ عليها. تقول أم حبيبة رضي الله تعالى عنها: فما تركتها منذ سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول الذي يروي عنها: فما تركتها منذ سمعتها من أم حبيبة رضي الله عنها، يقول الراوي الذي بعده وبعده، وكل راوٍ يقول: منذ سمعتها ما تركتها. المشكلة نحن نسمع كثيراً، لكننا نترك كثيراً. كم من مرة سمعنا هذا الحديث؟ - سبحان الله - هذا بيت في الجنة، والجنة بيوتها ليست كبيوت الدنيا؛ لبنة من فضة، ولبن من ذهب. لو معك لبنة واحدة من ذهب طرت في الدنيا فوق أهلها، فكيف إذا معك بيت أو قصر، لبنة من فضة ولبنة من ذهب؟! والله ما أروع هذا - أيها الأخوة - ! أأنت تخيلت بيتاً لبنة من فضة ولبنة من ذهب؟ شيء عظيم، عظيم جداً، أتحدى أغنى غني في الدنيا يكون له بيت لبنة من فضة ولبنة من ذهب، هذا لكل من حافظ على ثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة.

أخي في الله، بيوت الجنة تجري من تحتها الأنهار، كيف؟ لا تقل كيف؟ لأنه لا يعلم هذا إلا الله سبحانه وتعالى، قصر مبني وتجري من تحته الأنهار، سبحان الله، الآن نحن بيوتنا في الدنيا تجري من تحتها المجاري - نسأل الله السلامة - هات أغنى واحد عنده قصر، إيش يجري تحت بيوته؟ مصارف المجاري - نسأل الله سبحانه وتعالى السلامة - أما الجنة فشيء آخر، فلنحافظ بارك الله فيكم على هذه الصلوات فإن الله سبحانه وتعالى قد وعدنا وعداً عظيماً ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً ﴾.

ولنبدأ الآن نتعرف شيئاً فشيئاً على أحكام هذه النوافل حتى نؤديها على وجهها فنكون من أهلها:
فأما الفجر: فالراتبة قبلها ركعتين، وليس هناك راتبة بعد الفجر، بل هو وقت نهي إلى أن تطلع الشمس وترتفع، إنما تصلي قبل الفجر ركعتين، وركعتا الفجر أفضل الرواتب؛ حتى اختلف بعض أهل العلم ما الأفضل: ركعتا الفجر أو الوتر وقيام الليل؟

ركعتا الفجر أفضل الرواتب يقول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها "رواه مسلم.

إذا كانت الركعتان قبل الفجر خير من الدنيا، طيب والفجر أعظم وأكرم. فداوم على هاتين الركعتين كما كان صلى الله عليه وسلم يداوم عليها. تقول عائشة رضي الله تعالى عنها في الصحيحين: لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد تعاهداً منه على ركعتي الفجر. أكثر شيء كان يداوم عليه لم يتركها صلى الله عليه وسلم، لا في حضر ولا في سفر. انتبه أخي في الله، فلعلك لم تقف على هذا الحكم.

المسافر يُشرع له أن يترك النوافل؛ راتبة الظهر القبلية والبعدية، وراتبة المغرب، وراتبة العشاء، ويصلي بقية السنن؛ يصلي الضحى، يصلي قيام الليل، بعضهم يقول: لا تصلِ سنة في السفر، خطأ، المراد لا تصلِ راتبة الظهر، ولا راتبة المغرب، ولا راتبة العشاء ؛ إلا راتبة الفجر فإنك تصليها وتحافظ عليها كما كان صلى الله عليه وسلم.

السنة في راتبة الفجر أن تصليها ركعتين خفيفتين، يعني: مع عظيم أجرها، ومع ذلك عظم الأجر في اتباع السنة، ليس معنى أنها أجرها عظيم أنك تطيل فيها ما شئت، بل كان صلى الله عليه وسلم على حبه لهذه الصلاة، كان صلى الله عليه وسلم يخففهما، تقول عائشة: ما أدرني أقرأ بفاتحة الكتاب أم لا؟ يعني: صلاة خفيفة جداً.
والسنة في راتبة الفجر: أن تقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة ( قل يا أيها الكافرون )، وفي الركعة الثانية ﴿ قل هو الله أحد ﴾ سورتي الإخلاص، فتبدأ يومك بالتوحيد، وأحياناً كان صلى الله عليه وسلم الآية 136 من سورة البقرة ﴿ قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ وفي الركعة الثانية يقرأ بآية آل عمران ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 64]، وهذه والتي قبلها أيضاً فيها دليل على التوحيد ونفي الشرك، فاحرص على هذا، تارة تقرأ سورة الكافرون و ﴿ قل هو الله أحد ﴾، وتارة تقرأ آية البقرة وآية عمران، هذه آية واحدة في الركعة الأولى وآية في الركعة الثانية، فاحرص على هذه السنة.

وكان صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد أن يصلي ركعتي الفجر يضطجع على شقه الأيمن، كما في البخاري ومسلم من حديث عائشة، وهذه سنة غائبة، بعد أن يصلي الفجر يضطجع على شقه الأيمن، لكن هذا لمن صلاها في البيت كما كان عليه الصلاة والسلام يفعل وهو الأفضل، أما أن تضطجع في المسجد فهذا خطأ لا شك، تضطجع على شقك الأيمن بعد أن تصلي النافلة الراتبة، بعض أهل العلم قال: إذا كان قد قام من الليل وتعب فيضطجع لأجل أن يتنشط للفجر، وبعضهم قال: لا، بل تشرع مطلقاً متى ما صلى ولو لم يقم من الليل، ولو كان قد نام، ولو قام أول الليل؛ فإنه بعد أن يصلي راتبة الفجر يضطجع على شقه الأيمن، بل بعض أهل العلم قال: من لم يضطجع على شقه الأيمن بعد ركعتي الفجر فإن صلاة الفجر باطلة، يا ألله ! جعلوا الاضطجاع هذا شرط صحة لصلاة الفجر. ما العلاقة بين الاضطجاع وصلاة الفجر؟ ليس هناك علاقة. لماذا تبطل؟ لا، هذا الكلام ليس بصحيح أبداً، لكن الصحيح أنها سنة، فحافظ عليها إلا إذا كنت من النوع الذي لو اضطجع ما قام إلا بعد صلاة الفجر؛ لأن بعض الإخوة يكون متعباً جداً وإذا وضع رأسه إيش يرفعه؟ ما يرفعه شيء، فإن كنت ترى نفسك أنك إذا اضطجعت فتترك الفريضة فاترك السنة أحسن، اترك سنة الاضطجاع. هذا بعض ما يتعلق براتبة الفجر.

وأما راتبة الظهر؛ فإنها أربع قبل الظهر كما جاء في حديث عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدع قبل الظهر أربعاً؛ أربع قبل الظهر، يصلي ركعتين، ثم يسلم، ثم يصلي ركعتين، ويجوز له أحياناً أن يصلي أربعاً متصلة، يقول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " أربع قبل الظهر ليس بينهن تسليم كتاب في عليين " فأحياناً طبق هذه السنة، وصلها أربعاً قبل الظهر لكن متصلة بدون سلام وبدون تشهد أوسط، تتشهد في الأخير في الركعة الرابعة وتسلم. وقد سئل صلى الله عليه وسلم عن صلاته قبل الظهر أربعاً؟ أتدرون ماذا قالوا؟ لماذا يصلي صلى الله عليه وسلم قبل الظهر أربعاً؟ قال عليه الصلاة والسلام كما عند الترمذي: "إنها ساعة تُفتح فيها أبواب السماء فأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح " سبحان الله هذا الوقت بين أذان وإقامة صلاة الظهر تفتح أبواب السماء.

فكيف تؤديها أنت؟ كيف تؤدي الأربع قبل الظهر وأنت تعرف أنها الآن ستصعد إلى السماء؟
أيها الأخوة، إ الإنسان إذا علم أن الامتحان قد قرب فإنه يجتهد ويحسن المذاكرة، تجد الطالب ينام طوال السنة، ويوم الامتحان يبدأ يهتم قليلاً، لكن قبل ما يدخل قاعة الامتحان بخمس دقائق - سبحان الله ! - ينزل عليه الحرص فتجده يلتهم الكتاب التهاماً؛ لأنه يعرف الآن ستُفتح القاعة وسيبدأ الامتحان. وأنت - أخي في الله - هذه الساعة فُتحت أبواب السماء وستصعد صلاتك مباشرة، فكيف تؤديها لله رب العالمين؟.

وأما بعد الظهر, فالسنة الراتبة ركعتان، وإن زاد ركعتين فهي سنة لكن ليست راتبة، سنة حث عليها صلى الله عليه وسلم، يقول عليه الصلاة والسلام كما عند أبي داود والترمذي من حديث أم حبيبة رضي الله عنها: " من حافظ على أربع قبل الظهر، وعلى أربع بعدها؛ حرّمه الله على النار " الأربع القبلية الراتبة، والركعتين البعدية الراتبة، وزد ركعتين نافلة، ويحرمك الله سبحانه وتعالى على النار، فحافظ عليها.

أما صلاة العصر؛ فليس قبلها راتبة، ولكن يُشرع قبلها التنفل وخصوصاً صلاة أربع ركعات، يقول صلى الله عليه وعلى آله وسلم:" رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعاً " رواه أبو داود والترمذي من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. فكونك تصلي قبل العصر أربع ركعات هذه نافلة ليست راتبة - كما قلنا - هناك نافلة حث عليها صلى الله عليه وسلم، وهناك راتبة داوم عليها صلى الله عليه وسلم. فاحرص عليها حتى تدخل في دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم لك بالرحمة.

وأما بعد العصر، فهذا وقت كراهة لا يُشرع فيه التنفل حتى تغرب الشمس.

وأما راتبة صلاة المغرب؛ فهي بعدية، بعد صلاة المغرب تركع ركعتين هذه راتبة تداوم عليها، ولك أن تصلي بين أذان المغرب والإقامة ركعتين نافلة لكنها ليست راتبة؛ لحديث عبد الله بن مغفّل رضي الله تعالى عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: " بين كل أذانين صلاة - يعني بين الأذان والإقامة - بين كل أذانين صلاة، ثم قال في الثالثة: لمن شاء " فهي ليست على جهة المداومة، ولكن على جهة استحباب التنفل، فصل قبل المغرب ركعتين، وداوم على ركعتين بعد المغرب، فماذا تقرأ فيهما؟ ورد عن رسولنا عليه الصلاة والسلام أنه كان يقرأ في راتبة المغرب بسورة ﴿ قل يا أيها الكافرون ﴾ وسورة ﴿ قل هو الله أحد ﴾ سورتي الإخلاص؛ ( ﴿ قل يا أيها الكافرون ﴾ ) سورة الإخلاص العملي، و (﴿ قل هو الله أحد ﴾ سورة الإخلاص أو التوحيد العلمي.

انظروا لهذا الاجتماع، من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم تستفتح النهار بركعتي الفجر، وقلنا تقرأ بسورتي التوحيد الكافرون والإخلاص، تختم النهار وتستفتح الليل وتقرأ بسورة الكافرون والإخلاص، تختم الليل وتستفتح النهار في الوتر تقرأ بسورة الإخلاص وقبلها سورة الكافرون فما يبدأ ليلك ولا ينتهي نهارك، وما يبدأ نهارك ولا ينتهي ليلك إلا وأنت تفتتح بالإخلاص والكافرون لتثبت وتداوم على معناها من توحيد الله سبحانه وتعالى علماً وعملاً.

وأما صلاة العشاء؛ فإنك تتنفل قبلها بنافلة ركعتين بين الأذان والإقامة وبعدها راتبة تداوم عليها تصلي بعد العشاء ركعتين وما كان بعد ذاك فهو من قيام الليل الذي سبق لنا بيانه في الدرس الماضي.

وأما صلاة الجمعة، وهل هي الجمْعة أو الجمُعة؟ الجمُعة هذا هو ضبط القرآن وخير لغة لغة القرآن ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾، وأما سنة الجمعة فهي سنة بعدية، هذه تداوم عليها كان صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما في حديث ابن عمر الذي ذكرناه، كان يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته فداوم على ركعتين في البيت، وقال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: " إذا صلى أحدكم الجمعة فليصلِ بعدها أربعاً"، إذاً جاء من فعله صلاة ركعتين في البيت، وجاء من قوله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات، فقال بعض أهل العلم: يصلي كم؟ ست ركعات أربع وركعتين حتى يجمع بين القول والفعل، وقال بعضهم: لا، وإنما إذا صلى في المسجد يصلي أربعًا، وإذا صلى في البيت يصلي ركعتين، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال بعض أهل العلم: لا، إذا صلى في البيت فله أن يصلي ركعتين وله أن يصلي أربعًا، وإذا صلى في المسجد فليصلِ أربعًا، يعني: في البيت ركعتين أو أربع وفي المسجد أربع، وعلى كل فالأمر في هذا واسع، المهم أن تحرص وتداوم على هذه السنة البعدية.

وهل هناك تنفل قبل صلاة الجمعة؟
الجواب: نعم، قد ورد من فعل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، قد ورد من فعل الصحابة أنهم كانوا يتنفلون تنفلاً مطلقًا، لم يأت فيه المداومة عن رسولنا ولم يأت فيه حث عن رسولنا صلى الله عليه وسلم فيكون من النفل المطلق كانوا رضي الله عنهم هذا هديهم وخير الهدي هدي الصحابة كانوا يتنفلون قبل الجمعة حتى يطلع الإمام، حتى أنهم كانوا يصلون حتى وقت الزوال، فعلى ذلك: فمن جاء للجمعة فالأفضل أن يتنفل ويتنفل إلى أن يصعد الإمام في المنبر، هذه سنة غائبة، فمن جاء فليتنفل حتى يصعد الإمام، وقد ذكروا عن الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى وكم كان هؤلاء رحمهم الله تعالى يحيون السنن ذكروا أنه كان يأتي الجمعة تقريباً الساعة التاسعة فما يزال يركع حتى يقوم الإمام - رحمه الله تعالى - على كبره وعلى كثرة مشاغله رحمه الله تعالى، فاحرص أن تتنفل إلى أن يصعد الإمام أو إلى أن تعجز.

وهنا ثمة بعض المسائل التي ننبه عليها:
كيف تستطيع أن تجعل هذه الرواتب أجرها مضاعف؟ نحن نبحث غن الأحاديث التي فيها مشاريع تضاعف لنا التجارة مع الله عز وجل، وهذه كلها أيها الأخوة اقتداء بالسنة، الاقتداء بالسنة يجعل عملك رابحاً ومضاعفاً، يقول عليه الصلاة والسلام: "أفضل صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة"، صل هذه النافلة في البيت سواء قبلية أو بعدية، صل هذه النافلة في البيت ويكون أجرها مضاعفاً، طيب: كم يعني مضاعف؟ قد تزهد لما تسمع أن الأحر مضاعف؛ لأنك ما تدري كم يضاعف؟ لكن لنحاول نفهم كم هو مضاعف؟ حتى ننظر كم فاتنا؟ هذا الحديث قاله صلى الله عليه وسلم في مسجده - المسجد النبوي - لما أرادوا أن يصلوا في المسجد النبوي في تراويح رمضان، قال: "أفضل صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة " وإذا عرفت أن الصلاة النافلة في المسجد النبوي بألف صلاة، فالنافلة في البيت بكم؟. وإذا عرفت أن الحديث عام لا يخص مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم " أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة "وعرفت أن الصلاة النافلة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة فكم تكون صلاة النافلة في البيت؟ يا ألله ! لو قال لك إنسان قم الآن تنفل في المسجد الحرام تسرع؟، طيب لو قال لك إنسان قم الآن تنفل في بيتك تسرع؟ بهذا يفتي الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى، فكم ذهبت علينا من أجور؟ لا تجعلوا بيوتكم مقابر، الصلاة في البيت أدعى للإخلاص ولطرد الرياء ولإحياء السنن في البيوت ولتعليم الأهل، يكفيك والله يوم تصلي ويؤتم بك ابنك أو ابنتك الصغيرة وأنت تتنفل في البيت، بعض الناس ما يتنفل في البيت فيقوم يصلي في البيت يأتي ابنه الصغير ويقول لامه: بابا يصلي، يستعجب كيف أبوه يصلي؟ بل يمكن يأتي هذا الولد الصغير ويأخذ ثياب الصلاة حق أمه لأن ما يرى أباه يصلي هذه تتكرر، فعلى كلٍ هي سنة، وبغض النظر عن كثرة فوائدها يكفينا ما قال فيها صلى الله عليه وسلم "أفضل صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة " فاحرص أن تصلي في بيتك النافلة.

مما يتعلق أيضاً بهذه الأحكام، أن تبتدر السواري في النافلة، تصلي لسارية أو لسترة، وقد كان صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم في نافلة المغرب القبلية مع أنها ليست راتبة كانوا يبتدرون السواري، فاحرص أن تصليها خلف السواري.

ماذا لو فاتت هذه الرواتب هل تُقضى؟ الجواب نعم ولو كان وقت كراهة تقضى؛ فقد قضى صلى الله عليه وسلم السنة البعدية للظهر بعد العصر، ورأى رجلاً يقضي سنة الفجر القبلية بعد الفجر ولم ينكر عليه صلى الله عليه وسلم. إذاً تُقضى هذه السنن لو فاتتك فاقضها، اقضها لا تتركها لا تضيعها هذا من عمل اليوم والليلة - أيها الأخوة - إذا بدأنا نتهاون فيه والله إننا نتركه، لكن متى ما فاتك قضيته ثبت، وثبت لك الأجر، وكنت ممن حافظ أداءً أو قضاءً، كنت ممن حافظ عليها. إذاً احرص على قضائها لو أنها فاتتك.

من أحكام السنن الرواتب، أنك ما تصلي في نفس المكان الذي صليت فيه الفريضة إلا أن تحدث كلاماً أو انتقالاً، رأى معاوية رضي الله تعالى عنه رجلاً صلى البعدية في الجمعة في مكان صلاته للجمعة فقال له: أمرنا صلى الله عليه وسلم أن لا نصلْ صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج. رواه مسلم، فواحدة من اثنتين: إما أن تنتقل من مكانك الذي صليت فيه الفريضة، أو تخرج إلى البيت وهذا أفضل، وإما أن تتكلم وتكلم إنساناً، فتقطع ترابط الفريضة بالنافلة وهذا خاص بالفرض والنافلة ليس بالنفل والنفل على ما جاء في سياق حديث معاوية، وهو والله أعلم خاص بالفرض والنافلة فلا تصل فرضاً بنافلة إلا أن تنتقل أو تتكلم. وهل لو أنه ذكر الله بعد أذكار الصلاة يكفي الله أعلم الظاهر أنه ما يكفي لأنه ذكر من جنس الصلاة فلعل المراد تأكيد القطع أكثر بعد التسليم بكلام الناس أو نحوه. فإذا زاحمت عليك الأمور وكان خلفك من يصلي وجنبك من يصلي فما فيه إلا أنك تحاول تتكلم بس، الذي جنبك يصلي والذي وراءك يصلي والذي قدامك يصلي تتكلم مع من؟ تتصل بهاتف. ما أظن أن هذا من المراد.

أيضاً مما قد سأل عنه بعضكم، ماذا لو أن الإنسان فاتته النافلة القبلية فأراد أن يقضيها فهل يؤدي النافلة البعدية أولاً ثم النافلة القبلية أو النافلة القبلية ثم البعدية؟ هذه تحدث كثيراً تفوتك مثلاً نافلة الظهر بعد ما صليت صلاة الظهر الفريضة تريد الآن تصلي نافلة الظهر البعدية وتريد أن تصلي ما فاتك من نافلة الظهر القبلية فتبدأ بقضاء القبلية ثم أداء البعدية أو العكس؟

الجواب: تبدأ بالبعدية ثم تقضي القبلية، وهذه فتوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى، ويستدل بحديث أخرجه ابن ماجه يدل على شيء من هذا.

أيها الأخوة - بارك الله فيكم - هذه بعض أحكام الرواتب وبعض ما يتعلق بها فاحرص على أدائها وحافظ عليها وعلى أدائها بسننها وآدابها حتى لا يفوتك الأجر، ثم تنفل لله عز وجل. عرفنا صلاة الضحى عرفنا قيام الليل عرفنا الرواتب، لكن لك أن تتنفل نفلاً مطلقاً تصلي وتكثر من الصلاة تصلي بعد المغرب تصلي بعد الظهر وتكثر من الصلاة.. هذا نفل مطلق طيب احرص عليه، ولا تصلِّ في أوقات النهي لا تصلِّ نفلاً مطلقاً في أوقات النهي: بعد العصر إلى أذان المغرب لا تصلِ، ممكن أن تقضي راتبة، وتقضي فريضة أو ذوات أسباب كما قال بعض أهل العلم، تصلي صلاة استخارة أو صلاة كسوف مثلاً بعد الفجر أو صلاة جنازة تكون ذات سبب يفوت، أما النفل المطلق لا، الوقت الأول بعد العصر إلى أذان المغرب، الوقت الثاني: بعد الفجر إلى ارتفاع الشمس، الوقت الثالث: عند الزوال، يعني قبل أذان الظهر تقريباً بعشر دقائق لا تصلِ، انتبه لهذا قبل الظهر تقريباً بعشر دقائق لا تصلِ النفل إلا يوم الجمعة فلك أن تصلي حتى يصعد الإمام. وفّقنا الله وإياكم للطاعات وجعلنا وإياكم ممن يحافظون ويؤدون الصلوات على الوجه الذي الله سبحانه وتعالى رب الأرض والسماوات، إنه سبحانه وتعالى قريب مجيب. والله تعالى أعلى وأعلم.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 27-02-2023, 08:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مجالس المعتكفين

مجالس المعتكفين (4) قراءة القرآن


د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري




مجالس المعتكفين (4)



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد: وبعد الكلام على ما يتعلق بالصلاة النافلة من عمل اليوم والليلة، نتكلم - إن شاء الله - في بضعة مجالس عن ما يتعلق بذكر الله تعالى من عمل اليوم والليلة.

وأشرف الذكر - أيها الأخوة - وأعظم الذكر كتاب الله سبحانه، أعظم ما تذكر الله عز وجل به أن تذكره بكلامه سبحانه، فالقرآن كلام الله يقول الله عز وجل: ﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ.. ﴾ [التوبة: 6] الآية، يقول خباب رضي الله تعالى عنه: (تقرب إلى الله سبحانه وتعالى ما استطعت فإنك لن تتقرب إلى الله عز وجل بأفضل من كلامه) فقراءة القرآن أجرها عظيم وفضلها كبير، ولا ينبغي لنا أبداً أن نتهاون في هذا، يقول عثمان رضي الله تعالى عنه: لو صحت قلوبكم ما شبعت من كلام ربكم. كيف تشبع من كلام الله عز وجل؟! وهو صفة الله، يقول ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: من أراد أن يعلم أنه يحب الله فليعرض نفسه على القرآن. انظر لكلام هذا الصحابي تريد تعرف أنت تحب الله أو لا؟ قال: من أراد أن يعرف هل هو يحب الله فليعرض نفسه على القرآن، فإذا أحب القرآن فهو يحب الله؛ لأن القرآن كلام الله. القرآن صفة الله فلو أنك تحب الله لأحببت صفته وكلامه. فانظر في نفسك هل أنت تحب الله؟ هل أنت تحب القرآن؟ هذا إذا أردت أن تعرف هل أنت تحب الله أو لا؟ فإذا أردت أن تعرف هل هو يحبك أو لا، وهذا هو المهم، ليس الشأن أنك تحب الله الشأن كل الشأن أن الله يحبك، يقول صلى الله عليه وسلم كما في السلسة الصحيحة للشيخ الألباني رحمه الله تعالى: " من سرّه أن يحبه الله فلينظر في المصحف " تريد أن الله يحبك أحب كلامه، وانظر في كتابه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [فاطر: 29، 30] الله الله في القرآن، الله الله في كتاب الله عز وجل، إياك أن تهجره، إياك أن تعرض عنه وتتركه؛ فإنما تعرض عن محبة الله عز وجل ورحمته.

والآن حدّثونا عن هذا الذي يقرأ القرآن، وعن ذاك الذي لا يقرأ القرآن؛ لأحدثكم بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه كما في الصحيحين، أرأيتم لذاك الذي يقرأ القرآن ماذا يقول فيه صلى الله عليه وسلم يقول: " مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة ريحها طيب وطعمها حلو " تعرفون الأترجة؟ ما تعرفون الأترجة، أنا ما رأيتها هنا، لكن هي موجودة في أرض الجزيرة، موجودة في الشام، الأترجة بعض الناس يسمونها الأترنج، ولها أسماء أخرى بعضهم يسمونها خشخاش تختلف الأسماء المحلية، لكن الاسم العلمي لها " الأترج " أو "الأترجة" أو "الإترنج " تأتي مثل الليمون لكنها كبيرة، حجمها كبير، وقشرتها غليظة جدًا، مجعدة مثل الليمون، بل أشد، تأتي بيضاء وطعمها حلو كما قال صلى الله عليه وسلم. الأترجة أنت تخيلت الشكل: كبيرة هكذا وصفراء وفيها تعاريج كثيرة وطبقتها غليظة وداخلها أبيض، يقول عليه الصلاة والسلام: "مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن ريحها طيب وطعمها طيب " فالمؤمن يقرأ القرآن ريحه طيب، ولذلك تعلم أن حامل المسك لابد أن يكون قارئاً للقرآن حتى يكون ريحه طياً. قال عليه الصلاة والسلام: " ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة، لا ريح لها وطعمها طيب"، فهو عنده إيمان لكن ما عنده قرآن، فعنده طعم لكن ليس معه رائحة. قال: " ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر " هو منافق لكن لما قرأ القرآن صارت ريحه طيبة، هو مثل الريحانة، لكن داخله والعياذ بالله نسال الله سبحانه وتعالى السلامة، قال: " ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة لا ريح لها وطعمها مر " والعياذ بالله، طعم الحنظلة مر جداً، حتى يقول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فيما روي عنه: لو أن أحدكم دعس برجله حنظلة لوجد مرارتها في حلقه، سبحان الله! فهذا للذي لا يقرأ القرآن من أهل النفاق يكون بهذه الصفة.

أخي في الله، فلماذا لا تقبل على كتاب الله عز وجل؟ من الذي أعطانا الجوائز والأعطيات أعظم مما أعطانا الله عز وجل؟ إنك لو استمعت فقط للقرآن بدون ما تقرأ فأنت تسلك سبيلاً من أعظم سبل الرحمة ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأعراف: 204]، يقول مجاهد رحمه الله تعالى: رحمة الله ما هي بأقرب مِن مَن استمع القرآن. يعني: أقرب ما تكون الرحمة ممن يستمع القرآن. فلو أنك زدت وجلست في مجالس القرآن جلست مع الذي يتدارسون كتاب الله، فاسمع لأربع جوائز ستنزل عليك ومن معك: يقول صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: " ما جلس قوم مجلساً يتلون كتاب الله، ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده " حلقات القرآن الجلوس فيها مبارك. تشعر بالسكينة نزلت عليك، وتحيطك رحمة الله عز وجل، وتنزل الملائكة وتحفك إلى السماء، مجلس يقرأون فيه القرآن ملائكة الأرض والسماء تحفهم وتحيط بهم، والله الكريم العظيم سبحانه وتعالى يذكرك؛ لأنك ذكرته، ما أعظم هذا! والله ما أعظمه! لو قيل لك الآن: أن فلان الرئيس يذكرك، تقول: إيش تقول، قالوا: قال كذا وكذا عنك؛ تفرح، والله تفرح وتروح تحدث الناس فلان ذكرني، وقال فيّ: كذا وكذا، على مستوى المدير؛ المدير في العمل، لو يذكر المدرس في الصف، لو يذكرك بخير فلا أحد مثلك! فكيف إذا ذكرك الله رب العالمين؟! يا ألله! كيف إذا ذكرك الله عند الملائكة؟! عبدي فلان قرأ القرآن، عبدي فلان قرأ القرآن، عبدي فلان يحب كلامي، عبدي فلان يحب المجالس التي أحب، ما أعظمها والله! هذا لو جلست فقط، فكيف لو جلست وتعلمت؟ أيكم يحب أن يذهب إلى وادي بطحان أو العقيق فيأتي بناقتين كوماوين؟ فقالوا: كلنا يحب هذا يا رسول الله، كل واحد يحب أن يغزو مسافة قليلة ويأتي له بناقة، لهذا لو أن أحدًا يقول لك: إيش رأيك تروح إلى مسافة قريبة هنا؟ يعني ميل أو ميل ونصف وتأتي معك بسيارة آخر موديل؛ ألست تفرح! سيارة آخر موديل أنا ما معي سيكل يصير معي سيارة آخر موديل شيء عجيب! فالصحابة قالوا: يا رسول الله كلنا يود هذا قال: "لئن يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلم آية خير له من ناقة، وآيتين خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأعدادهن من الإبل"، والله يا إخواني كلام الرسول حق، بمجرد الاستماع فيه رحمة، مجرد الجلوس فيه أربع جوائز عظيمة، مجرد تعلم الآية خير من أعظم متاع الدنيا، فكيف إذا قرأت القرآن وبدأت تجتهد أكثر وأخذت المصحف تقرأ، اسمع ماذا يقول صلى الله عليه وسلم كما في حديث الترمذي من حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: " من قرأ كتاب الله فله بكل حرف عشر حسنات"، القضية في القرآن على مستوى الحرف، حسناتك لا تُحسب على مستوى الآية وليست على مستوى الكلمة وليست على مستوى الجزء وليست على مستوى السورة، تُحسب حسناتك على مستوى الحرف، كل حرف بعشر حسناتك " لا أقول ( الم ) حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف " هذه ثلاثين حسنة، فاحسب الآن لو جلست عشر دقائق كم ستقرأ؟ ما نستطيع نحسب كم حروفها، لكن الله سيحاسبك على كل حرف بعشر حسنات، فإن كنت تقرأ قراءة مجودة قراءة مرتلة فلك أجر أعظم؛ في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قال صلى الله عليه وسلم: " الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة " الله أكبر، أين أنت من هؤلاء؟ أنت معهم " والذي يقرأ القرآن ويتعتع به وهو عليه شاق فله أجران " أجر القراءة الذي حسبناه قبل قليل، وأجر آخر أجر التعب والمشقة والاجتهاد في قراءة القرآن، فكيف لو حفظت آية؟ تأتي بها يوم القيامة كل آية على مستوى الدرجة، يقال لقارئ القرآن: " اقرأ ورتل كما كنت ترتل؛ فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها " كل ما قرأ آية ارتفع درجة ارتفع درجة، حتى قال الخطابي رحمه الله تعالى: عدد درجات الجنة على عدد آيات القرآن؟ كل ما تقرأ آية ترتفع درجة، الدرجة كما بين السماء والأرض. أنت كم تحفظ؟ لنفرض أن جارك الذي بجوارك يحفظ أكثر منك بآية واحدة، فماذا سيكون يوم القيامة؟ ستراه كما ترى الكوكب الدري في السماء، بأي شيء؟ بآية رفعته عليك درجة من درجات الجنة، إذاً القراءة على مستوى عشر حسنات، الحفظ الآية على مستوى الدرجة، الحفظ يقدر بالآية والآية تقدر بالدرجة، والقراءة تقدر بالحرف، والحرف يُقدر بعشر حسنات. فكيف إذا أصبحت تُـعلم القرآن؟ أنت الذي تجلس مع الناس وتسمّعهم القرآن، تجلسهم في مجالس القرآن، تقرؤهم القرآن، تعلمهم التجويد، تحفظهم المصحف. يا ألله! أنت يومها خير منهم " خيركم من تعلم القرآن وعلمه "، أنت أفضل واحد، أجرك كيف يُحسب إذا كان هؤلاء الذين استفادوا منك بهذه الدرجات والحسنات، فكيف إذا كنت أنت ممن يعلم كتاب الله عز وجل ويدرسه؟ " خيركم من تعلم القرآن وعلمه " رواه البخاري من حديث عثمان رضي الله تعالى عنه.

فإذا كنت أخي في الله تعمل بالقرآن فهنيئاً لك، لن يكن أحد أفضل منك أبداً إلا من كان مثلك، هذه والله الغبطة التي نغبطك عليها فاترك الدنيا الزائلة، فلان جمع من الدنيا أموالاً، لنفرض أن عنده أرصدة لا يكفيها بنك ولا بنكان حتى وزعها في عدة مصارف، أرصدة كثيرة، وعمارات، أسألكم أيها الأخوة: هل الرجل سيأكل أكثر من شبع بطنه، عمرك رأيت شخصًا يأكل أكثر من بطنه؟ ممكن؟ معه فلوس كثيرة، ليش ما يأكل أكثر من بطنه؟ لا القضية ليست بالأموال، لا أحد يأكل أكثر من بطنه، عمرك سمعت أن إنسانًا لبس أكبر من جسمه، يعني: عشان عنده أموال كثيرة يلبسه ثوب طوله أربعة أمتار؟! لا طبعًا، طيب الثوب يخلعه، والطعام الذي يأكله يخرجه، هذه الدنيا، يقول بعض الحكماء: اعتبروا بأطيب ما في الدنيا، فأطيب طعام في الدنيا أيش؟ أحسن شيء تتمنى الآن أن تأكله العسل، العسل غالي وطيب، وأطيب شيء لو أنك تأكل العسل، قال: والعسل قيء الزنابير، هذا العسل طلع علينا من أين؟ من حشرة قال: وأطيب لباس لو قلنا أنت تلبس أحسن شيء، فأحسن شيء الحرير لذلك جعله الله لباس أهل الجنة: الإستبرق، السندس، أفضل شيء الحرير، قالوا: والحرير خارج من دودة القز، فالحرير روثة دودة أعزكم الله، سبحان الله! قال: وأطيب رائحة. أنت الآن تريد تكون مثل أصحاب الدنيا تتجمل بأحسن رائحة، أحسن رائحة المسك، والمسك دم الغزال، إذا أرادوا أن يخرجوا المسك جرحوا الغزال ثم جعلوه يركض فنزف الدم فربطوه، فيبس فدقوه فجعلوه مسكاً، المسك هذا دم غزال، يعني لو أنك تريد تكون مثل أصحاب الدنيا، تأكل أفضل طعام وتلبس أحسن لباس وتتجمل بأحسن رائحة، فأنت الآن ما فعلت شيء أكلت روث ولبست روث وتطيبت بروث، هذه الدنيا.

أيها الأخوة بارك الله فيكم، الجنة عرضها السماوات والأرض، الأمنية الحقيقية ألا تتمنى مثل أهل الدنيا، انظر لمن تغبطه حقيقة، يقول عليه الصلاة والسلام كما في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما في الصحيحين: " لا حسد إلا في اثنتين، رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار " هذا تغبطه إنسان عنده قرآن يصلي بالناس يقرأ يعلم الناس، يُحفّظ الناس، ويعمل بالقرآن هذا الذي تغبطه " ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار " يبني المساجد، يدعم المساكين، يكفل الأيتام يفعل الخير، هذا الذي تغبطه، وأما من جمع الدنيا وما أكل أكثر من بطنه، ولا لبس أكثر من جسده، وإن لبس وأكل أفضل ما يكون فحقيقتها أنها ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالماً ومتعلماً. فأعد لنفسك يوم القيامة، أعد لنفسك.

أعظم ما نتمنى أيها الأخوة أن يشفع لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم، ورسولك إنما سيشفع لك بتوحيدك لله عز وجل واتباعك للسنة. أعظم ما نتمنى أيها الأخوة أن يشفع لنا القرآن " اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه ". الذين يتبارون به يجلسون يتحفظون ويحفظون الناس ويعلمون ويتعلمون ويعملون هؤلاء أصحاب القرآن، يأتي القرآن يشفع لك يوم القيامة، يقول: يا رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه، فيشفعه الله عز وجل. احذر رعاك الله أن تكون ممن هجر القرآن، سيكون خصمك الرسول والقرآن، سيخاصمك الرسول صلى الله عليه وسلم، وسيخاصمك القرآن، هؤلاء الذين تتمنى شفاعتهم ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً ﴾ هل تريد أن يكون خصمك الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكلام الله تعالى؟ فاتق الله عز وجل، لا تهجر القرآن، لا تهجر الجلوس في مجالس أهله، لا تهجر قراءته، لا تهجر مراجعته، بعضنا - وللأسف - نسي القرآن، وهذا دليل أنه هاجر القرآن، يأتي واحد يقول: أنا نسيت القرآن، فنقول: إن نسيت بفعل مثلاً كبر أو مرض بمقتضى الطبيعة فأنت معذور إن شاء الله، أما إن نسيت بإهمال وتفريط فهذا دليل على أنك ممن هجر القرآن والدليل أنك نسيته، نسيت القرآن نسأل الله السلامة، فلا تهجر مراجعته، لا تهجر تدبر القرآن، لا تهجر النظر في المصحف، لا تهجر الاستشفاء بالقرآن، بعض الناس يكون هاجراً للقرآن والله يحب له الخير فيبتليه، والله لما نرى هؤلاء المبتلين بالصرع نحمد الله على العافية لكونه مبتلى، يقول لي أحدهم: والله أنا قال لي الشيخ لازم كل يوم تقرأ سورة البقرة، ما شاء الله تبارك الله كل يوم تقرأ سورة البقرة يمكن أول ما كان يقرأ شيئا من القرآن، يقول: أنا والله قال لي الشيخ لازم أقرأ على زوجتي كل يوم ثلاثة أجزاء، كل يوم تقرأ ثلاثة أجزاء، ما أعظم هذا! مصائب، لكنها -سبحان الله- يُذّكر الله بها من شاء من عباده بالخير، فتقرأ القرآن، والذي يقرأ القرآن على نية الرقية أيها الأخوة، يكرر ويخشع ويتفكر، يسأل الله ويتضرع، ليست مثل قراءتنا للقرآن لما نقرأ القرآن هذًا، لا، لا تقرأ القرآن هكذا، يقول ابن مسعود رضي الله تعالى عنه وقد أخذ سبعين سورة من فم الرسول صلى الله عليه وسلم: لا تقرؤوا القرآن هذاً كهذ الشعر ولا نثراً كنثر الدقل، وقفوا عند عجائبه، وحرّكوا به القلوب.

أخي في الله، تدبر القرآن ﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ﴾ حرّك قلبك بالقرآن، كيف أحرّك قلبي بالقرآن؟ هناك قراءة اسمها قراءة أجر تريد تحصّل أجر فتقرأ، وهناك قراءة تدبر، هذه ثانية، هذه لا تنتقل من الآية حتى يتحرك قلبك، تقرا الآية تقرأ مواعظ لله عز وجل وتحرك بالقرآن قلبك، فإن سألت: كيف أتدبر القرآن؟ ويتأكد هذا السؤال، وخاصة أننا في هذا الشهر الكريم نسمع قراءات طيبة للقرآن، فإذا أردت أن تتدبر القرآن: فعليك بثلاثة أشياء: يقول ابن القيم رحمه الله تعالى لا ينتفع أحد بالقرآن إلا بثلاث: الأولى: أن يكون المحل قابلاً للقرآن ) وهو القلب الحي، وهذا إنسان من قلبه يريد يقرأ القرآن، ويبحث عن الهداية ويطلب الاستقامة ويريد التوبة والرحمة، فإن صدقت فعليك بالثانية قال (الثاني: أن يحضر جوارحه عند القرآن ) فيرجع بصره إلى القرآن وينظر في المصحف أو يرجع سمعه إلى القرآن يستمع للآيات، لا يكن عند سماع القرآن بصره هنا وسمعه هناك وقلبه هنالك ويده تشتغل، لا حاول تركز، قال: ( الثالث: أن يشهد قلبه ) وكيف يشهد قلبه؟ قال: ( أن يشهد قلبه أن الكلام هذا هو كلام الله يخاطب به رسول الله ) فتسمع القرآن الآن استحضر أن الآن الله يتكلم يكلم الرسول، ويوصي الرسول، ويأمر الرسول، ويقص القصة ليسلي الرسول، استحضر هذا، والله لاشك أن الذي يستحضر هذا هو الذي يتأثر بالقرآن ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ ثلاثة أشياء ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ ﴾ يكون لك قلب حي وأنت تقرأ القرآن ﴿ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ ﴾ تحضر جوارحك تستمع ﴿ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ قلبه يشهد أن هذا كلام الله نزله على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أيها الأخ الكريم، " ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى به يجهر به " يعني القرآن، الله يستمع سبحانه وتعالى كأشد ما يكون استماعاً لهذا الذي يقرأ القرآن ويتغنى به، فتغنَ بالقرآن، حسّن صوتك بالقرآن بإقامة الحروف والمخارج والحركات، وبتحسين الصوت، تؤجر على تحسين صوتك بالقرآن، ما لم تقصد الرياء، إذا صليت بالناس حسّن صوتك من أجل مصلحة الناس، لأجل أن يخشعوا، ويكفي هذا أجر، ليس من أجل أن يمدحوك، ويثنوا عليك، لا، من أجل أن يتأثر الناس بالقرآن، قال أبو موسى رضي الله تعالى عنه: لو كنت أعلم يا رسول الله أنك تسمع لحبّرته لك تحبيراً؛ مرّ الرسول صلى الله عليه وسلم واستمع لأبي موسى وهو يقرأ، وأبو موسى الأشعري صوته بالقرآن جميل جداً، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: " لقد أوتيت مزاراً من مزامير آل داود "، وآل داود هؤلاء لهم قصة؛ داود عليه السلام كان صوته بالقرآن حسناً جداً حتى كان لما يقرأ القرآن الجبال الجامدة تردد معه، والطيور تجتمع من السماء وتردد معه، سبحان الله! ﴿ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ﴾ [سبأ: 10] ما أجمل أن يكون لك صوت حسن بالقرآن! أحد الصحابة قرأ بالقرآن فإذا بالسكينة تنزل وإذا بالنور ينزل من السماء فلما رأى ذلك خاف، فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: " هذه الملائكة لو أنك ما زلت تقرأ لصافحت الناس على طرقهم " ملائكة، جبال، طير، كلها تستمع لهذا القرآن والله رب العالمين يستمع لهذا الذي يتأمل في القرآن والذي يتغنى بكلامه فكن من أهلها أخي في الله، إياك أن تهجر العمل بالقرآن وتحكيم القرآن، حكّم القرآن على نفسك، كانوا لا يقرؤون عشر آيات إلا يعرفون ما فيها من الإيمان والعلم والعمل، فاعمل بالقرآن وكن ممن إذا قرأ القرآن فهم معناه وقام وطبّق، هؤلاء هم أهل القرآن ـ أيها الأخوة ـ هؤلاء هم أهل الله، تريد تكون من أهل الله، أهل القرآن هم أهل الله وخاصته، فكن ممن يستمع ويدرس ويحفظ ويقرأ، أو يحفّظ ويجوّد، ويعلّم، ويعمل، ويستشفي بالقرآن، حتى تكون من أهل الله عز وجل.

أخيراً - أيها الأخوة - ينبغي أن لا نهجر القرآن، ينبغي أن يكون في كل يوم أو ليلة لك حظ من القرآن، هذا عمل اليوم والليلة مهم جداً، تقرأ في كل يوم جزء فتختم القرآن في شهر، هذا أقل ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمرو، فلما أراد أن يزيد زاده أكثر، فتقرأ جزأين مثلاً فتختم في أسبوعين أو نصف شهر، تقرأ ثلاثة أجزاء في اليوم فتختم في عشرة أيام، تقرأ عشرة أجزاء في اليوم فتختم في ثلاثة أيام، أما الذي ما يختم القرآن في شهر أو في أربعين يوماً فهذا ممن هجر القرآن، كما أفتى بذلك إسحاق بن راهويه رحمه الله تعالى. انتبه يمر الشهر أو تمر الأربعين يوماً ولم تختم القرآن، فهل هذا من أهل القرآن؟! أنت من الذي هجروا القرآن، نسأل الله السلامة، ما تقرأ جزء في اليوم والليلة يخشى عليك أن تكون ممن هجر القرآن، فاتق الله عز وجل، يوم يأتي خصمك الله، يأتي خصمك الرسول صلى الله عز وجل يأتي خصمك القرآن الكريم. قراءة القرآن أيها الأحبة، من عمل اليوم والليلة الذي لابد أن نحافظ عليه، نظم وقتك، لعل الذي يناسبك أن تقرأ بعد الفجر، أو بعد الظهر، أو بالليل، أو أن تقرأ بين مغرب وعشاء، لكن لابد أن تقرأ القرآن، أما أنك متى ما جئت وتيسر لك فتحت المصحف وقرأت، ومتى لم تأت لم تأت؛ هذا هجر للقرآن، هذه علامة الهجر ما له وقت محدد يقرأ القرآن، اسأل نفسك الآن في اليوم والليلة متى تقرأ القرآن؟ إن كان لك وقت محدد؛ فأبشر فأنت إن شاء الله ممن يقرأ القرآن ويحافظ عليه. أما إذا كان الإنسان أصلاً ما له وقت محدد متى ما فضيت جئت قرأت القرآن، ولا يقرأ إلا يمكن على رأس الجمعة، يمكن حتى الجمعة ما يقرأ، هذا هو الهجر، نسأل الله السلامة.

أخي في الله، ثمة سور جاء في قراءتها أجر عظيم: ما هي أعظم سورة في القرآن؟ تعرفون؟ أو ما تعرفون؟ ما هي؟ الفاتحة، من أخبرك؟ الرسول صلى الله عليه وسلم، قال لأحد الصحابة رضي الله عنهم: " لأخبرنك بأعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد"، قال: فلما أردنا الخروج، قلت: يا رسول الله قلت لتخبرني بأعظم سورة من القرآن، فقال: " الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته " الفاتحة أعظم سورة في القرآن، لذا تقرأها في كل صلاة في كل ركعة، وهي شفاء إذا قرأتها بنية الشفاء شفى الله سبحانه وتعالى مريضك، وهي السبع المثاني.

من السور أيضاً العظيمة في القرآن سورة الإخلاص ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1]، وهذه تعدل ثلث القرآن، انظر كيف شوّق الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة لهذه السورة، جلس معهم صلى الله عليه وسلم فسألهم سؤالاً فقال:" أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟ " فقال أحد الصحابة: وأينا يطيق هذا يا رسول الله! كيف ثلث القرآن تقرأه في ليلة يا رسول الله كيف؟ فقال عليه الصلاة والسلام: " قل هو الله أحد الله الصمد ثلث القرآن " رواه البخاري. ثلث القرآن ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾، أحبها رجل فأخذ يكررها فأدخلته الجنة، ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ بعضنا يقول: أنا ما أحفظ قرآن أنا كذا أنا كذا، يا أخي ( قُلْ هُوَ اللَّهُ ) كررها رجل فأدخلته الجنة. سأله الرسول صلى الله عليه وسلم: لماذا تكررها، فقال: لأن صفة الرحمن وأنا أحبها، فقال: " حبك لها أدخلك الجنة ".

المعوذتين ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾ [الفلق: 1] و﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾ [الناس: 1] لا تتهاون بها فإنها خير عظيم، جاء أحد الصحابة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو عقبة بن عامر فقلت: يا رسول الله، لتقرأ علي يوسف أو يونس، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: " إنك لن تقرأ أبلغ من ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) " لما نزلت ( قل أعوذ برب الفلق) و ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) ترك الرسول صلى الله عليه وسلم كل ما كان يتعوذ به واكتفى بهما، فتعوذك من الشرور: شر المعاصي وشر الشياطين وشر المصائب وشر النفس؛ فالله الله في هاتين السورتين تعوذ بالله بهاتين السورتين وكررهما فإن فيهما خير عظيم.

ما هي أعظم آية في القرآن؟ ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [البقرة: 255] آية الكرسي رقم 255 في سورة البقرة، هذا سؤال سأله الرسول صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة الكبار وهو أبي بن كعب، قال: " يا أبي، ما أعظم آية في كتاب الله؟ " قلت: الله ورسوله أعلم، قال: " يا أبي ما أعظم آية في كتاب الله؟ " قلت: الله ورسوله أعلم، قال: " يا أبي ما أعظم آية في كتاب الله؟ " قلت: ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) فأعطاه الجائزة صلى الله عليه وسلم، قال: فضرب بصدري وقال: ليهنأك العلم أبا المنذر، أنت معك علم كثير، العلم الذي عندك ما هو سهل، عندك علم كثير، أنت تعرف أن أعظم آية في القرآن هي آية الكرسي؛ فاحفظها وكررها بعد كل صلاة فريضة، كررها في الصباح والمساء، كررها قبل ما تنام لا يضرك الشيطان ولا يزال من الله عليك حافظ حتى تصبح، فتقرأ ثمان مرات يوميًا.

سورة الملك - أيها الأخوة - سورة الملك سورة من ثلاثين آية شفعت لصاحبها فأدخلته الجنة، كما أخبر صلى الله عليه وسلم، سورة الملك هذه اقرأها كل ليلة، لأنها تنجيك من عذاب القبر، عذاب القبر وما أدراكم ما عذاب القبر! كم خوفتنا النصوص من عذاب القبر؟ كم خوفنا الوعاظ من عذاب القبر؟ عذاب القبر شيء مخيف، ليلة تفارق أهلك وتنام في الظلام، ماذا سيأتيك في القبر؟ تعوذوا بالله من عذاب القبر، قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من عذاب القبر، قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من عذاب القبر، قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من عذاب القبر، القبر أول منازل الآخرة، إن نجوت منه فما بعده أيسر، تريد تنجو من عذاب القبر اقرأ كل ليلة سورة الملك تنجيك من عذاب القبر حديث صحيح، فإذا جاءك العذاب من رأسك قامت سورة الملك وقالت: ليس لكم عليه مدخل، فإذا جاءك العذاب من وسطك قامت سورة الملك وقالت: ليس عليكم من هنا مدخل، فإذا جاءك العذاب من رجلك قامت سورة الملك تدافع عنك وتقول: ليس لكم عليه مدخل. سبحان الله! اقرأ سورة الملك ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الملك: 1] اقرأها كل يوم هذا من عمل اليوم والليلة، أو اقرأها قبل ما تنام، سيكون لك هذا الأجر العظيم، إن كنا حقيقة نخاف من عذاب القبر فلنحافظ على قراءة هذه السورة.

آخر آيتين في سورة البقرة ( آمن الرسول..) اقرأها في كل ليلة تكفيك، تكفيك المصائب، تكفيك من كثرة الطاعات، وقيل: يكفيك الله ما أهمك، آيتان في آخر سورة البقرة ( آمن الرسول بما أنزل إليه.. أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين ) اقرأها كل ليلة يكفيك الله عز وجل، هذا من عمل اليوم والليلة.

البقرة لو قرأتها في بيتك تطرد الشيطان، يُطرد الشيطان من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة.

الكهف، الكهف أيها الأخوة، ما أجر سورة الكهف؟ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم، حديث أبي الدرداء رواه مسلم: " من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عُصم من الدجال " وفي رواية " من آخر سورة الكهف" الدجال فتنة خطيرة جداً، يأتي الرجل يظن نفسه مؤمناً فإذا به يصير كافراً والعياذ بالله، الدجال أوتي من الأشياء والعجائب ما يذهب بالعقل، كم خوفنا الرسول صلى الله عليه وسلم من الدجال، ألم يقل: إن كل نبي حذّر قومه من الدجال، وإني أخبركم بما لم يخبر به نبي قومه وأخذ صلى الله عليه وسلم يذكر من صفات الدجال، الدجال شيء مخيف جداً، أعوذ بالله من الدجال، قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من فتنة الدجال، تريد الله أن يقيك من فتنة الدجال احفظ عشر آيات من أول أو من آخر سورة الكهف، عشر آيات، تحفظها وإن شاء الله ما تنساها لأنك ستكرره في كل جمعة، فمن قرأ سورة الكهف في الجمعة أضاء له ما بين الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام، فاحفظ عشر آيات من سورة الكهف، من لا يحفظ عشر آيات من سورة الكهف؟ إذًا سنجعل حلقتين بعد هذا الدرس لحفظ عشر آيات من أول سورة الكهف إن شاء الله.


نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا وإياكم على الطاعات، وأن يبارك لنا وإياكم فيما سمعنا من العظات، اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا وغمومنا، اللهم علّمنا منه ما جهلنا، وذكّرنا منه ما نُسّينا، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا، اللهم اجعل القرآن حجة لنا يوم القيامة لا حجة علينا، اللهم اجعل القرآن شاهداً وشافعاً لنا يوم القيامة، إنك سبحانك وتعالى قريب مجيب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 27-02-2023, 08:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مجالس المعتكفين

مجالس المعتكفين (5) أذكار النوم


د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري









الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ما زلنا معكم - أيها الأخوة الكرام - في فضائل تحثنا لعمل اليوم والليلة مما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم، مع بيان بعض هذه الأعمال وبيان سننها وآدابها، وكنا قد شرعنا في الدرس الماضي في الكلام على الذكر وخير الذكر قراءة القرآن، ودرسنا هذا إن شاء الله سيكون عن أذكار النوم والاستيقاظ.


المسلم كله لله سبحانه وتعالى ﴿ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162]، ومع أنك تذهب إلى فراشك متعباً وتصل وأنت تشعر بلذة وضع الجنب على الفراش، ومع أن النوم والنعاس يداعب عينيك، ويدعوك لسرعة إقفالهما والاستسلام، لكن مع ذلك ذكر الله عز وجل أعظم وأكرم.


ذكر الله عز وجل عند النوم قبل أن تنام، قبل أن تسلم هذه الروح لباريها، فالنوم - أيها الأخوة - هو الوفاة الصغرى، معنى النوم أن روحك هذه تخرج من الجسد وتذهب، وترى أشياء، قد يأخذها الملك ويضرب لها الأمثال والرؤى الطيبة، وقد يأخذها شيطان ويضرب لها الأحلام المفزعة، وقد ترجع إلى الجسد فتستيقظ بعد الموت ( الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور ) وقد لا تستيقظ، وتكون هذه هي موتتك. إذا عرفت الآن أنك تذهب إلى الوفاة الصغرى، فعليك أن تحرص أن تذكر الله سبحانه وتعالى قبل أن تموت، والله أعلم تقوم أو لا تقوم، قد لا تقوم إلا يوم يقوم الناس لرب العالمين.


إنك إذا وضعت جنبك، فإنما تُسلم الروح إلى الله ﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ﴾ فالله سبحانه وتعالى يتوفى نفسك يقبضها سبحانه وتعالى فيردها إن شاء فتستيقظ ﴿ وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ﴾، وقد لا تُرَد إليك؛ لذلك أيها الأخوة جاءت أذكار كثيرة عن رسولنا صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل النوم، وقبل أن نشرع في هذه الأذكار نبين بعض الأفعال، وعلى كثرة هذه الأذكار لكن احرص أن تحفظ وتعمل ببعضها ثم شيئاً فشيئاً حتى تعمل بالسنة ما استطعت، وأما من كان يعمل بها فلينتبه لها، ولينتبه لأجرها لكي يزداد حرصاً عليها وليحفظ ما لا يحفظه من أجل أن يزداد أيضاً في الخير فلا يُعدم هذا المجلس من فائدة.


أما عن الأفعال، فأولاً تتوضأ وضوء الصلاة، قبل النوم تتوضأ وضوءك للصلاة، وفي هذا أحاديث، منها حديث أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من أوى إلى فراشه طاهراً لم ينقلب ساعة من الليل يسأل الله شيئاً من الدنيا من خير الدنيا والآخرة ِإلا أعطاه إياه " إذاً إذا أويت إلى فراشك وأنت طاهر فلما تتقلب وتدعو الله عز وجل بخير الدنيا أو خير الآخرة فإن هذا يكون من الدعاء المستجاب. طبعاً الحديث إذا أوى إلى فراشه طاهراً فبمجرد كونك متوضئاً هذا كافٍ، لكن حديث البراء يقول فيه صلى الله عليه وسلم: " إذا أويت إلى فراشك فتوضأ وضوءك للصلاة " فهنا يأمر صلى الله عليه وسلم ويحث على أن يتوضأ الإنسان قبل أن يذهب إلى الفراش، فاحرص أن تكون متوضئاً حتى لا يفوتك الأجر، ولو توضأت وضوءاً خاصاً قبل أن تنام وجددت وضوءك السابق فهذا أيضاً طيب.


بعد الوضوء، تنفض الفراش بداخلة الإزار، وهذه سنة غائبة، قبل ما تنام تأخذ ثوباً مما يلي جسدك وتنفض به الفراش، كأن تأخذ غترة مثلاً وتنفض بها فراشك، يقول صلى الله عليه وسلم: " إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفضه بداخلة إزاره"، طبعاً نحن نقول: لماذا؟ يقول عليه الصلاة والسلام: " فإنه لا يدري ما خلفه عليه " ما تدري ماذا خلفك على هذا الفراش، قد تكون حشرات، وقد تكون دواباً من الأرض، وقد تكون بعض المؤذيات، بل قد يكون ما هو أدهى من هذا وما لا تراه. يقول بعض المشايخ: كنت اعتدت على هذه السنة أن لا أنام حتى أنفض بغترتي الفراش، قال: فجئت مرة متعباً ووضعت رأسي لأنام، قال: فلم يأتني النوم وعلى غير عادة، بل رأيت أشياء مفزعة، قال: فتذكرت السنة فقمت ونفضت الفراش بغترتي ثم نمت فجاءني النوم مباشرة ولم أر شيئاً مما كان يفزعني. سبحان الله! قد تكون هذه سبب تأخير النوم عن بعض الناس أو كثرة ما يرى من الأحلام المفزعة، قد يكون ذلك بسبب أنه ما يحرص على أن يطبق السنة ويذكر الله سبحانه وتعالى قبل أن ينام. فاحرص على هذه السنة.


من ذلك كذلك، أن ينوي قيام الليل، عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: " من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلي من الليل فغلبته عينه حتى يصبح كُتب له ما نوى وكان نومه صدقة عليه من ربه " رواه النسائي وابن ماجه بسند حسن. انظر إلى الفضل العظيم! تنوي قبل ما تنام أن تقوم الليل فلو قدر الله عز وجل وغلبتك عيناك فأنت مأجور.


إذاً لنعد الآن: يتوضأ، ثم ينفض بداخلة إزاره الفراش، ثم ينوي قيام الليل. هذه ثلاث يتوضأ وينفض الفراش ثم ينوي قيام الليل.


ثم يبدأ بالأذكار، وقبل ذلك يضطجع على شقه الأيمن، إذا جئت تنام تضطجع على شقك الأيمن، فإن هذا إن شاء الله يعينك بإذن الله عز وجل أن تموت على الفطرة كما أخبر صلى الله عليه وسلم، وتوضع في القبر وأنت على هذه الجهة الطيبة، وقد ذكر بعض الحكماء أن هذا الفعل يخ-فف النوم، فلما تنام على الجهة اليمنى يخف على القلب النوم ويكون أفضل لك ولنومك. هذه أربع: يتوضأ، ينفض إزاره بداخلة إزاره، ينوي قيام الليل، ثم يضطجع على شقه الأيمن.


وأما الأذكار فهي كثيرة، ولعلنا إن شاء الله نقسمها إلى أربعة أقسام:
فيها أذكار تفويض الأمر إلى الله عز وجل؛ لأنك الآن في حالة وفاة صغرى فتذكر هذا، تذكر الموت وإسلام النفس لله، وثمة أذكار ذكرٍ: من تحميد وتهليل وتسبيح وتكبير، وثمة تعوذٍ: تتعوذ من أشياء قبل ما تنام، وثمة آيات تقرأها قبل أن تنام، إذن هي أربعة: تفويض، وذكر، وتعوذ، وقراءة للقرآن.


لنبدأ بما جاء من أذكار النوم مما فيه تفويض الأمر إلى الله عز وجل: من ذلك حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه في الصحيحين يقول صلى الله عليه وسلم: " إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفضه بداخلة إزاره، فإنه لا يدري ما خلفه عليه، ثم ليضطجع على شقه الأيمن، ثم ليقل: بسمك ربي وضعت جنبي وبك رفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين " يعني: إن أمسكتها بالموت فارحمها، وإن أرسلتها إلى الحياة الدنيا فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين، انظر كيف تتوكل على الله لما تضع جنبك ولما ترفعه ولما تسأل الله عز وجل أن يرحمك وأن يحفظك.


من ذلك أيضاً، حديث البراء رضي الله تعالى عنه في الصحيحين، وهو حديث عظيم جداً يفجر في القلب معاني التوحيد والتوكل على الله، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه نام على شقه الأيمن، وفي رواية: قال لرجل:" يا فلان، إذا أويت إلى فراشك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوّضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجأ منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت ". هذا ينبغي أن نحفظه ونحافظ عليه، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: " من قالهن ثم مات مات على الفطرة، قال: وإن أصبحت أصبت خيراً " إذاً لنحفظ هذا الدعاء.


هناك أيضاً أذكار من تسبيح وتحميد وتهليل تأتي بها، من ذلك: حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عند ابن حبان بسند صحيح، يقول صلى الله عليه وسلم: " من قال حين يأوي إلى فراشه: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير - هذا التهليل -، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم - هذه الحوقلة -، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر غُفرت له ذنوبه أو خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر " حديث صحيح، ماذا تقول؟ تأتي بالتهليل والحوقلة والتسبيح والتكبير والحمد، تأتي بالأذكار من مرة.


فلماذا يحمد صلى الله عليه وسلم ربه إذا أوى إلى الفراش؟ لأن هذه نعمة - أيها الأخوة - كونك تنام مغمض العينين والله هذه من النعم العظيمة كم من إنسان ما ينام، لماذا لا ينام؟ بعض الناس لا ينام لأنه مريض ولم يستطع ينام من شدة الألم، بعض الناس لا يستطيع أن ينام لأنه في خوف وذعر لعله مسجون لعله معسور لعله مشرد لعله تحت أثر القصف والقتل والحرب، بعض الناس ما يأتيه النوم لأنه مغموم ومهموم ومديون، وأنت سبحان الله! تضع جنبيك تنام هذه نعمة أم لا؟ تريد تعرف أنها نعمة جرب ليلة لا تنام، حتى تعرف سبحان الله عظيم هذه النعمة العظيمة. إذاً عرفنا لماذا نحمد الله على النوم؟ فكيف تحمد الله على نعمة النوم؟ الجواب: قل كما كان صلى الله عليه وسلم يفعل: في صحيح الإمام مسلم من حديث أنس رضي الله عنه: كان إذا أوى صلى الله عليه وسلم إلى فراشه قال: " الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي له " تذكر هؤلاء انظرهم وانظر إلى أحوالهم ثم احمد الله عز وجل يوم عافاك، نعم والله إنها المعافاة - أيها الأخوة - " من بات منكم آمناً في سربه معافىً في جسده عنده قوت يومه فقد حيزت له الدنيا بحذافيرها " ماذا أعظم من هذه الدنيا؟ عندك الأمن والعافية والرزق هذه الدنيا كلها معك ولا تحمد الله! لا، بل كن من الحامدين لله عز وجل، واسمع لهذا الحديث العظيم، وهذا هدية في هذا المجلس لكم لكن بشرط أن تحرصوا على أدائه، فكم من هدايا سيقت إلينا فنسيناها لأننا ما عملنا بها، ليس لأنه طويل ويُنسى لا، لكن لأننا ما نعمل به فننساه، حديث عظيم تحمد الله فيه بحمد جليل، يقول صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما في حديث أنس رضي الله تعالى عنه بسند حسن: " من قال إذا أوى إلى فراشه الحمد لله الذي كفاني وآواني، الحمد لله الذي أطعمني وسقاني، الحمد لله الذي منّ علي فأفضل " إلى الآن ما حرصت أن تحفظه حتى تسمع ما هو أجره، قال: " فقد حمد الله بجميع محامد الخلق كلهم " ما تركت حمداً إلا وحمدت الله به، ولن يكن أحد أفضل منك في حمدك هذا، فقد حمدت الله بجميع محامد الخلق كلهم. إذاً لنحمد الله على الرزق وعلى العافية، لنحمد الله سبحانه وتعالى على أن آوانا وأنعم علينا، قبل أن تنام قل هذا الكلام، ماذا؟ الحمد لله الذي كفاني وآواني، الحمد لله الذي أطعمني وسقاني، الحمد لله الذي من علي فأفضل.


أيها الإخوة الكرام، هذه أجور عظيمة وأعمالها يسيرة، لكن لماذا نحن نتركها؟ ما السبب؟
لماذا تأتي تنام وكثيراً ما تأتي بشيء من أذكار النوم، أليس هذا هو الحق؟ أليس هذا الواقع الذي يحدث؟ ما السبب؟
هذا هو ما يبينه صلى الله عليه وسلم، اسمع ماذا يقول، يقول صلى الله عليه وسلم في حديث بن عمرو عند ابن ماجه: "خصلتان لا يحصيهما رجل مسلم إلا دخل الجنة "، يعني ما تأتي بهاتين الخصلتين إلا وتدخل الجنة، قال: "وهما يسير، ومن يعمل بهما قليل " سبحان الله! مع أنها يسيرة جداً ومع ذلك الذي يعمل بها قليل جداً، طيب أولاً ما هي؟ ثم لماذا لا يعمل بها إلا القليل؟ قال صلى الله عليه وسلم: " يسبح الله في دبر كل صلاة عشراً، ويكبر عشراً، ويحمد عشراً " قال: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقبها بيده قال: "فذلك خمسون ومائة باللسان وألف وخمسمائة في الميزان " يعين كأنه يكبر ويحمد ويسبح عشراً لكنه قال وهذه خمسون ومائة باللسان يعني والله أعلم أنه يأتي بها عشراً ثم عشراً ثم عشراً ثم عشراً ثم عشراً حتى يوفي من كل واحدة خمسين، وبعد كل فريضة عشر تسبيحات وعشر تحميدات وعشر تكبيرات فتصبح مائة وخمسين باللسان وألف وخمسمائة في الميزان، قال: " وإذا أوى إلى فراشه سبح وحمد وكبّر مائة، فتلك مائة باللسان وألف في الميزان " يعني يسبح ثلاثاُ وثلاثين ويحمد ثلاثاُ وثلاثين ويكبر أربعاُ وثلاثين كما جاء في حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: فتلك مائة باللسان وألف في الميزان، فأيكم يعمل في اليوم ألفين وخمسمائة سيئة! " كأنه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم هذه ألفين وخمسمائة حسنة، لو أنك عملت ألفين وخمسمائة سيئة لأذهبت الحسنات السيئات، سبحان الله! إذن قبل أن تنام تسبح الله ثلاثاُ وثلاثين وتحمد الله ثلاثاً وثلاثين وتكبر الله أربعاً وثلاثين، قالوا: وكيف لا يحصيهما؟ وفي رواية قال رجل: يا رسول الله، ولماذا هما يسير والذي يعمل بهما قليل؟ من منا الآن يسبح الله ويكبر ويحمد مائة، قليل، طيب ما السبب؟ قال صلى الله عليه وسلم: " يأتي أحدكم الشيطان وهو في الصلاة، فيقول اذكر كذا وكذا حتى ينفك العبد لا يعقل " يعني يتركها، أو ما يركز فيها وهذه حقيقة أو لا؟ حقيقة يا إخوان، تجد الواحد يسبح كيف يسبح الواحد منا بعد الصلاة؟ بسرعة شديدة.. هذا لو ينادي العصافير ما يفعلها فكيف بتسبيح رب العالمين؟! يعني سبحان الله أصبعه يمشي بسرعة كأن أحداً يطارده، قال "حتى ينفك العبد لا يعقل"، قال: ويأتيه وهو في مضجعه فلا يزال ينومه حتى ينام، وهذا أيضاً كثير في الناس يأتيك الشيطان وينومك ولا تأتي بها، الله المستعان، جعلنا الله وإياكم من المقلين الذين يعملون بالسنة.


أما عن التعوذات، فقد جاءت عن رسولنا صلى الله عليه وسلم عدة تعوذات، ونحن بحاجة أن نتعوذ بالله سبحانه وتعالى من الشرور كلها، فمن ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند ابن ماجه وغيره، كان صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه يقول:" اللهم رب السموات والأرض ورب كل شيء، فالق الحب والنوى منزل التوراة والإنجيل والقرآن العظيم، أعوذ بك من شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عني الدين وأغنني من الفقر"، فتعوذ صلى الله عليه وسلم من شر الدين ومن شر الفقر ومن شر كل دابة الله عز وجل آخذ بناصيتها، ففيه تعوذ من شر الجن ومن شر الإنس ومن شر الهوام، فما أعظم هذا التعوذ! هذا قبل أن تنام.


التعوذ الثاني: عن أبي عبد الرحمن قال: أخرج لنا عبد الله بن عمرو قرطاساً، وقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت رب كل شيء وإله كل شيء، أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأن محمداً عبدك ورسولك والملائكة يشهدون، أعوذ بك من الشيطان وشركه، وأعوذ بك أن أقترف على نفسي إثماً أو أجرّه على مسلم " إذاً يتعوذ بالله عز وجل من الشيطان وشركه ويتعوذ بالله سبحانه وتعالى من الإثم أن يفعله أو أن يجرّه على مسلم، يعني: يوقع فيه مسلماً أن ينسبه إلى مسلم، قال أبو عبدالرحمن: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلّمه عبد الله بن عمرو أن يقول ذلك حين يريد أن ينام، سبحان الله! الرسول صلى الله عليه وسلم كان يمسك بعض الصحابة بل بعض كبار الصحابة ويعلمه دعاء يقوله قبل النوم، فمن منا - أيها الدعاة - يقوم بهذا العمل، هل تذكر أنك مرة مسكت واحداً وانفردت به وعلمته دعاء قبل النوم، قبل ما تنام قل كذا وكذا وكذا وجعلته يحفظ ويُسمع عليك، أذكر بعض الأفاضل - جزاه الله خيراً وكثر الله من أمثاله فينا - كان كل ما يراك يقول لك تعال عن أبي هريرة قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم كذا رواه كذا، هيا أعد، ثم يتركك..، فيلقى واحداً بعدك فيقول له اسمع عن أنس رضي الله عنه قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم كذا.. يحفّظه الحديث، طبعاً هو يقوى الآن في حفظ الحديث والعمل به وتعليمه للناس وله الأجر. يا أخوة، الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحرص على هذه الأشياء، يقول ابن مسعود: كان يعلمنا صلى الله عليه وسلم التشهد، وكفي بين كفيه، تخيّل! يأتي الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابة فيأخذ الواحد، ويضع كفه بين كفيه، حتى ينتبه، يمسكه بكفيه صلى الله عليه وسلم ويعلمه قل: التحيات لله، والصلوات والطيبات، يعلمه التشهد صلى الله عليه وسلم، وذكر ابن مسعود دعاء آخر، قال: ولم يكن يعلمنا إياه مثل ما كان يعلمنا التشهد، سبحان الله! كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم هذه الأشياء للصحابة ولكبار الصحابة، ونحن - أيها الأخوة - ننسى، إن لم نجد مثل هؤلاء الذي يعلمونا، لذلك أنا الآن بالمناسبة هذه أطرح عليكم اقتراحاً اقترحه بعض الأخوة - جزاه الله خيراً - وهو: تعليم صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن بعض الأخوة في هذا المجلس لعله ما تعلم كيف كان صلى الله عليه وسلم يصلي، لعل بعضنا يصلي مثل ما يرى الناس، وما يحسن سنن الصلاة تماماً، مع أن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: " من توضأ كما أُمر، وصلى كما أُمر غُفر له ما تقدم من ذنبه " ما أعظم أن تصلي كما كان صلى الله عليه وسلم يصلي! أجرها عظيم جداً، ولهذا حرص عليه صلى الله عليه وسلم فقام على المنبر، وصلى أمام الناس، ثم قال: " إنما فعلت هذا لتأتموا بي ولتعلّموا صلاتي " أمام الناس صلى - صلى الله عليه وسلم - عملياً، وجعلهم ينظرون كيف يصلي؟ فلعلنا إن شاء الله على شوق أن نتعلم صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم، هل تعرف كيف كان يصف قدميه إذا سجد؟ هل تعرف أين كان يضع يده إذا رفع في التكبير، وإذا ركع وإذا جلس وإذا تشهد وإذا سجد أين يضع يده؟ أماكن ذكرها الصحابة رضي الله عنهم وحدّدوها بالضبط، ماذا كان يقول؟ ماذا كان يفعل؟ لعلنا إن شاء الله نقيم مجلساً بعد هذا الدرس لمن أراد أن يتعلم هدي الرسول عليه الصلاة والسلام في الصلاة، لعلك نسيت سنة أو ما علمتها فتتعلمها وتحرص عليها.


نعود لأذكار النوم وما زلنا في التعوذات، من حديث حفصة رضي الله تعالى عنها عند الإمام أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه وضع يده - يعني اليمنى - تحت خده، إذاً هذه سنة عملية، تضع اليد والمراد والله أعلم الكف، تضع كفك الأيمن تحت خدك الأيمن، وضع يده - يعني اليمنى - تحت خده، ثم قال: " اللهم قني عذابك يوم تبعث أو تجمع عبادك " ثلاث مرات، تضع يدك تحت خدك الأيمن ثم تقول: اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك، ثلاث مرات.


من التعوذات أيضاً ما جاء في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، قال: كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه كل ليلة - فهذا يدل على المواظبة على هذا الذكر بالذات - جمع كفّيه ثم نفث فيهما - النفث: هو النفخ مع شيء من الريق يسير - قال: ثم نفث فيهما فقرأ فيهما - يعني في كفيه - ﴿ قل هو الله أحد ﴾ و﴿ قل أعوذ برب الفلق ﴾ و﴿ قل أعوذ برب الناس ﴾ ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات. إذاً تجمع الكفين ثم تنفث وتقرأ وقال بعضهم: يقرأ ثم ينفث، لكن ظاهر الحديث أنه ينفث ثم يقرأ ( قل هو الله أحد ) والمعوذتين، ثم تمسح من رأسك إلى وجهك، ثم إلى بقية الجسد، ثم تفعل مرة أخرى تنفث وتقرأ وتمسح وتفعل مرة ثالثة، هذه حافظ عليها ولا تفوتك.


وكأننا بدأنا الآن بالآيات، فمن السور التي تقرأ قبل النوم ( قل هو الله أحد ) و ( وقل أعوذ برب الفلق ) و ( قل أعوذ برب الناس ) ثلاث مرات.


من السور أيضاً التي تُقرأ، سورة ( قل يا أيها الكافرون ) وهذه السورة سبحان الله! تتكرر مع أننا غافلون عنها كثيراً؛ تكررت في سنة الفجر، وفي سنة المغرب، وفي الوتر، وخلف المقام - مقام إبراهيم - وحتى عند النوم، يقول عليه الصلاة والسلام، واسمعوا،: " إذا أخذت مضجعك من الليل، فاقرأ ( قل يا أيها الكافرون ) ثم نم على خاتمتها فإنها براءة من الشرك " الله أكبر، براءة من الشرك، تتبرأ من الشرك ومن العاملين بالشرك، ما أعظم من هذا! إذا كان إبراهيم الخليل يقول: ﴿ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ ﴾ دعاء الأنبياء؛ محمد صلى الله عليه وسلم يقول: " الله إني أعوذ بك من أن أشرك بك شيئاً وأنا أعلم وأستغفرك مما لا أعلم"، فاقرأ سورة الكافرون، ونم على التوحيد، لعلك تموت على التوحيد. أيها الأخوة الذي يواظب على هذه الأذكار قبل المنام لعله يسهل عليه أن يموت وهو موحد ذاكر لله عز وجل؛ لأنه بذل الأسباب ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ فمن اتقى الله وواظب على هذه الأشياء سهلت عليه إن شاء الله، فداوم عليها، ولعلك تحفظ هذا الحديث وتكتبه رسالة في الجوال، وترسله إلى أخ عزيز.


أيضاً كان صلى الله عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ (الم تنزيل..) السجدة، وتبارك الذي بيده الملك، قبل ما ينام كان صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة السجدة وسورة تبارك، حديث صحيح.


وفي القصة المشهورة قصة أبي هريرة مع الشيطان، قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي ﴿ الله لا إله إلا هو الحي القيوم.. ﴾ حتى تختم الآية، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربنك الشيطان حتى تصبح. إذاً آية الكرسي أيضاً.


ما هي السور والآيات التي تُقرأ؟ ( قل يا أيها الكافرون ) و ( قل هو الله أحد ) و ( قل أعوذ برب الفلق ) و ( قل أعوذ برب الناس)، وآية الكرسي، واحرص قدر ما تستطيع أن تقرأ ما يسّر الله سبحانه وتعالى لك من سورة السجدة ومن سورة الملك.


بهذا نكون قد أتينا على شيء كثير من أذكار النوم، فيها تفويض الأمور إلى الله، وذكره، والتعوذ من الشرور، وفيها أيضاً قراءة لبعض السور والآيات.


أما في الاستيقاظ، فحديث حذيفة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه قال: " اللهم باسمك أموت وأحيى " وإذا استيقظ قال: " الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور " قبل أن تنام تقول: اللهم باسمك أموت وأحيى، وبعد ما تستيقظ تقول: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور.


إذا استيقظت فهناك سنة عملية ننساها؛ في حديث ابن عمر كان صلى الله عليه وسلم لا ينام إلا والسواك عند رأسه فإذا استيقظ بدأ بالسواك. ما هي السنة؟ أن تضع السواك عند رأسك، فأول ما تستيقظ تستاك، بل في حديث قال: ثم أوى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى فراشه فاستل منه سواكاً، رواه النسائي، فاجعل لك سواكاً تضعه في الفراش، وتضعه عند رأسك أول ما تستيقظ تستاك، ثم تقول: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور.


مما ورد أيضاً أن تقول: الحمد لله الذي رد عليّ روحي وعافاني في جسدي وأذن لي بذكره، هذه أشياء تحتاج حمد؛ نعم عظيمة جداً من نعم الله عز وجل.


إذاً هذه أذكار الاستيقاظ؛ الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور، الحمد لله الذي رد عليّ روحي وعافاني في جسدي وأذن لي بذكره.


إذا تقلبت بالليل يقول صلى الله عليه وسلم: " من تعار من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على شيء قدير - التهليل - الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر - ثم الحوقلة - ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ثم قال: اللهم اغفر لي، أو دعاء استُجيب له " هذا موطن يُستجاب دعاك " أو صلى تُقبل صلاته " هذا موطن تُقبل فيه صلاتك. فاحرص عليه، بعضنا يتقلب من النوم، بعضنا ما شاء الله إذا نام يقلب الناس بشخيره، فالذين يتقلبون يحرصون على هذا الذكر.


وأما من يفزع من نومه، فقد علمه صلى الله عليه وسلم أن يقول: أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون، وقال: "فإنها لن تضره"، إذا فزعت فقل هذه الكلمات، كثير من الشباب يشكون: يقول: أنا أرى أحلاماً مفزعة، ما أنام إلا وأرى ما يفزعني فما هو الحل؟ وما هي الوصية؟
الجواب: إذا رأيت هذا وأردت ألا يضرك قل هكذا قل: أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون.


أما إذا رأى الإنسان الحلم من الشيطان فقد علمنا صلى الله عليه وسلم آداباً، قال صلى الله عليه وسلم: " الرؤيا من الله والحلم من الشيطان، فإذا رأى أحدكم شيئاً يكرهه فلينفث عن يساره ثلاث مرات إذا استيقظ، ويتعوّذ بالله من شرها؛ فإنه لن تضره إن شاء الله " إذاً إذا رأيت الأحلام المفزعة قمت مفزوعاً انفث ثلاثاً على اليسار ثم تعوّذ بالله من شرّها والأفضل أن تقول هكذا: أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون.


أيها الأخوة، هذا بعض ما يتعلق بأمور النوم والاستيقاظ، وهي لا شك من أعمال اليوم والليلة، فاحرص - بارك الله فيك - على هذا، احرص قبل أن تذهب إلى النوم تتوضأ أو أن تكون طاهراً، ثم تنفض فراشك بداخلة إزارك، ثم تنوي قيام الليل، ثم تجمع كفيك وتقرأ المعوذتين وتنفث فيهما وتمسح، ثم تستلقي على شقك الأيمن وضع يدك على خدك الأيمن، وقل ثلاثاً: اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك، ثم اذكر الله بالحمد والاستغفار وفوّض الأمر إلى الله عز وجل، اقرأ ( قل يا أيها الكافرون ) وآية الكرسي وما يسر الله سبحانه وتعالى لك، إذا أعطيت نشاطًا فاقرأ السجدة وتبارك، وأكثر من الذكر حتى تنام، عوّد نفسك على هذا لا تنام إلا على ذكر، إن لم تقدر أن تكمل فالحمد لله أنت في خير إن نمت قبل أن تكمل فأنت الحمد لله في خير، وإن لم يأتيك النوم فإن شاء الله ما يأتيك وإلا وقد نمت على ذكر الله سبحانه وتعالى.


وفّقنا الله وإياكم للصالحات، وجعلنا وإياكم من أهل الطاعات.


هل نسينا شيئاً أحد يريد يذكرنا به؟ أو يعلمنا إياه؟ من آداب النوم أو من ذكر النوم؟
آخر آيتين من سورة البقرة؟ تقرأ في الليل فهي من أذكار المساء، تذكرها بالليل بعد المغرب، نعم.
الجنب إذا أراد أن ينام السنة أنه يغتسل، فإن عجز عن الغسل فيتوضأ لحديث عمر رضي الله تعالى عنه في الصحيحين قال: أيرقد أحدنا وهو جنب يا رسول الله؟ قال: " نعم إذا توضأ " فيحرص على الوضوء ثم ينام، وهو إن توضأ إن شاء الله سيغتسل؛ لأنه سينشط. إذا توضأ يقرأ الأذكار وهو جنب أو لا؟
الجواب: أما بالنسبة للجنب فحديث علي رضي الله عنه حديث ضعيف الذي ينهى الجنب فيه عن قراءة القرآن، فما جاء في نهي الجنب نهياً مؤكداً عن الذكر - والله أعلم - إلا حديث: " إني كرهت أن أذكر الله على غير طهر " وهو عند أبي داود بسند صحيح، وفي رواية " على غير طهارة " فيكون الذكر مكروهاً لكن جائز أن يذكر الإنسان ربه وهو على غير طهارة، فإذا توضأ الإنسان ذكر الله تعالى؛ لأنه بهذا قد خفف من مانع كراهة الذكر، والله أعلم.

نسأل الله سبحانه أن ينفعنا وإياكم. سبحانك الله وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 177.18 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 173.67 كيلو بايت... تم توفير 3.51 كيلو بايت...بمعدل (1.98%)]