العنوان بوابة النص - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         عون المعبود شرح سنن أبي داود- الشيخ/ سعيد السواح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 732 - عددالزوار : 95419 )           »          إنه ينادينا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 14 - عددالزوار : 449 )           »          {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ}ا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 381 - عددالزوار : 83295 )           »          إنها صلاة الضحى… صلاة الأوّابين. (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          فضائل وآداب يوم الجمعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          عيادة المريض: عبادة ورحمة وطريق إلى الجنة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          لماذا لا نتغير بالقرآن؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          الغزو الفكري دسائس اليهود والنصارى ضد المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          تحذير النبي صلى الله عليه وسلم أمَّتَه من الفتن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          في ضرورة الهداية والسداد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13-12-2022, 02:46 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 154,618
الدولة : Egypt
افتراضي العنوان بوابة النص

العنوان بوابة النص (1)
محمد صادق عبدالعال





العنوان هو العتبة الأولى للوُلوج لمفاد ومَغزى النص، أو الفهم الظاهر لما يُريد الكاتب الحديث عنه، أو إن شئت قل: هو اللحظة التنويرية المبدئية لفحوى النص، والعنوان مُقوِّم رئيس من مقوِّمات عُروج النصوص لمنصَّة الإبداع، أو هو البوابة الرئيسية ذات الجهات الأربع الأصلية اللواتي يصنعن المطابقة بين النص وشخصية الكاتب والبيئة المحيطة وميوله الأدبية.


ومعلوم أنَّ كثيرًا من الكُتَّاب الذين يُشار إليهم بالبنان تروّج لكُتبهم وأعمالهم أسماؤهم، وصيتُهم وخبرات الذين سبقوا بالقراءة والاطِّلاع لهم، وبكونهم ثقاتٍ لهم باع وصاع، وذيوع شهرة وانبهار الكثير بأقلامهم، وفيض أحبارهم، وليس هذا الأمر هو ما يعنينا مِن المقال، فمقصد القلم في ذلك هو العنوان أيًّا كان صاحبُه.


والكُتَّاب في صناعة وابتكار العنوان على مستويات وأنماط عديدة، تتبايَن وتختلف، وربما كانت العناوين كاشفاتِ الظنون لمن لم يدرِ من صاحب الكتاب! فترى مثلًا من الكُتَّاب من يختار العنوان اليسير السهل الكاشف، وبدهي أن يكون النص المنسدل تحت مظلَّته من صيغته، حتى ولو وُصِف من قِبَل النُّقَّاد بالسطحية والمباشرة، فذلك في الكتابة ديدنه، والناس أهواء وأذواق.


ومنهم من يختار العنوان المعبِّر بمهارة عالية، يحار فيه من ليس له أرض راسخة من فضل اكتساب العلم والثقافة أو التعرُّف على نمطية هذا الكاتب في سياق عناوين أعماله، ومنهم من يكون بين هذا وذاك، أو كما يقولون: المعتدل، لا إلى الفلسفية العالية يميل، ولا إلى السطحية المباشرة يقيل.


من أشكال العنوان الأدبي:
نجد "العنوان الإيحائي" الذي يتوسَّط المباشرة والتعمُّق، وهو ما يستخدم دلالةً مُعبِّرة أو عناوينَ مُغايرةً، لكنها تصُبُّ في نطاق الموضوع صبًّا صبًّا، يتَّضح ذلك جليًّا لمن كانت له العين الثالثة كما قلنا قبل، "ترى ما لا يراه المطَّلعون، وهذا النوع من العناوين غالب شيوعه في مناطق القهر الفكري أكثر من أخريات تتمتَّع بالحريَّات، ولا يُعدُّ "العنوان الإيحائي" ذو الدلالة أو "كلمة السرِّ" بين المثقَّفين وأَمثلهم طريقةً هو ما يخدم هذا الغرض الوقائي فقط؛ بل من سماته الكشف عن إبداعات الكاتب وموروثه الثقافي المكنون الذي يلجأ إليه حال مخاض الكتابة.


ومن فضل الله عليَّ بنعمة القراءة اقتنائي لكتاب ذات يوم وأنا قادمٌ من مدينة "دمياط الجديدة"؛ إذ رأيتُ شابًّا بناصية الطريق يعرض كُتبًا للبيع قديمة هي في تاريخ صدورها، وأنا من يعشق القديم عشقًا، وكأن عبق التراث نابضٌ فيها، فأمسكتُ برواية ذات غلاف أزرق زُرْقة النيل ومخطوط عليها أسفل صورة صاحبها المرسومة بالريشة: "البحث عن الشمندورة"، تضاءلتْ عزيمتي في اقتنائها؛ وكدتُ أتراجع عن شرائها ظنًّا منِّي أنها شبيهة بالقصص البوليسية أو حكايات "ميكي"، مع احترامي لأربابها، لكنه لونٌ لا يستهويني، ولما تنقلتُ سريعًا بين سطورها وصفحاتها وجدتُها ذات قيمة أدبية ونقدية تستحقُّ الاقتناء؛ ضممتُها إلى صدري، وناولت البائع الشابَّ ما طلب بعد فصال اتَّسم بالتسامُح مِن كلينا، وهأنا اليوم أُفتِّش عنها من بين الكُتب بمكتبتي فعثرتُ عليها ليقين عندي أن هذا العنوان "إيحائي" يستحقُّ الاستشهاد به داخل تلك الصفحات القليلة، وبالفعل صدق حدسي حين اعتدلتُ أقرأ من أول التقدمة لثلاثة من الأدباء والنقاد لصاحب العمل الكاتب الأديب "محمد خليل قاسم"، تنقُّلًا بين حياته في البيئة النوبية المصرية، وكيف كانت "الشمندورة" عنوانًا رمزيًّا مواكبًا موفَّقًا للكاتب "محمد خليل قاسم" - وهو من مواليد النوبة المصرية - استنْزَف الأحبار من أقلامه استِنْزافًا، ونزع خيوط الرواية من بين براثن القهر، وتحدَّى الظروف، حتى خرجت "الشمندورة" تحكي حلمه الكبير عن التحام النوبة بالقطر المصري من الجنوب، والدعوة لعدم حرمانه بالانعزالية التي قد تدفع بالكاره لهذا الوطن أن يصنع جبهةً مضادةً للبلد الأمِّ بدلتاه وشماله وشرقه، داعيًا إلى النهضة الفكرية والالتفات لمتطلَّبات هذا الجنوب المعزول برغم استشرافه فيض النيل، وأن سبب كتابة الرواية جاء بعدما قامت حكومة "صدقي باشا" بما هو غير إنساني حين التعلية الثانية لسدِّ أسوان، وتهجير سُكَّانها بطريقة مُفزعة - حسب قوله - والمستخلَص أن العنوان حين يكون مُناسبًا معبرًا فمؤكَّد أن تكون ثنايا السطور مرايا له ولفكرة اختياره.


ويحضرني الآن وأنا على منصة الكتابة التي أتَّكِئ عليها - روايةُ أستاذنا الأديب الكبير المبدع "إبراهيم السيد طه"، من كبار كُتَّاب الرواية والقصة في وطننا العربي، وهو ابن أرض "الدقهلية - مصر"، وروايته بعنوان: "رياح الخليج"، والعنوان إيحائيٌّ يَغُوص في حقبة زمنية بعينها ربما عاصرتها كثرةٌ من محافظات مصر، يتناول فيها بأسلوبه الرائع والمتنقِّل بين السرد والحوار أحوال قُرى وأرياف مصر عقب السفر لبلاد الخليج لقاء الدينار "والدولار"، وتغيُّر الظروف وانقلاب موازين القُرى من اليسر وقلَّة الاحتياجات إلى المعاصرة وغلبة الكماليات على الضرورات، وأثر ذلك على العلاقات الإنسانية والأواصر الاجتماعية.


أما رواية "الوتد" للمبدع "خيري شلبي"، التي تستدعي من القارئ حالةً من يقظة الذهن مع الربط بين ما هو مُجتمعي مَحلِّي قروي وإقليمي وعربي، وكيف أن (أُمًّا) استطاعت أن تجمع حولها الأبناء لتُجاهد بهم تحوُّلات الأيام ومعايشة الخلق بما لا يسمح لأحد أن يَتِرَهم حقوقهم، أو يبغي في الأرض الفساد، والقصة مِن عُمق الأعماق بريف مصر، لكنها درس وإسقاط لواقع عربي مطلوب، فما أحوج الأُمَّة الآن للمثل المحتذى به! وعنوانها رمزيٌّ - أعني الرواية - حيث استخدم الكاتب رمزًا شاع بين الناس الأخذ به لمن يجمع حوله أشياعه بقوَّة الجماعة وغلبة العقل، فضلًا عن اقتباسه من القرآن الكريم لقوله تعالى: ﴿ وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ﴾ [النبأ: 7]، فالوتد فسَّره (معجم المعاني التقني كالآتي: وَتَد / وَتِد، الجمع: أوتاد.


الوَتِدُ: ما ثُبِّتَ في الأرض أو الحائط من خشب ونحوه، لدعم سور، أو تثبيت خيمة، أو ربط حيوان، أو تعليم نقاط في مسح، أو كسلاح عندما يُسنَّن طرفه.


أوتادُ الأرض: جبالُها، أوتادُ البلاد: رُؤساؤها، زعماؤها - أوتادُ الفم: الأسنان، - ذو الأوتاد: فرعون).
لذا نشهد بأن الكاتب القدير "خيري شلبي" قد وُفِّق في انتقاء العنوان الرمزي الدال على مضمون العمل توفيقًا شامَ سماء الإبداع.


وحتى لا يختلط علينا الأمر، فمَن يقرأ لفظة "العنوان الإيحائي" تُراوده مفردة أخرى تكاد تقترب منها أو ترتفع عنها قليلًا، ألا وهي: "العنوان الرمزي أو الإسقاطي" الذي يذهب بفكر القارئ لمنطقة مماثلة ليكشف النقب عن حالة مشابهة ليس له من خيار سوى التلاعُب وإيجاد البديل الرمزي الذي يصبح هو الآخر كلمة سرٍّ سرعان ما تشيع بين جمهور المثقَّفين، وقد تمتدُّ للبسطاء ممَّن لهم باع في الثقافة والقراءة.


وأغراض العنوان الرمزي أو الإسقاطي لا تختلف كثيرًا عن العنوان الإيحائي، إلا في مجانبة المخاطر والمساءلة، غير أنهما يلتقيان في بوتقة واحدة لينتجَا الإبداع الخالص.


(العنوان حَمَّال أوجه): وبما مَنَّ الله عليَّ من نعمة الكتابة، والمحاولة في خوض تجربة القصِّ، كانت العناوين تُمثِّل عندي حالة من القلق والهدوء في آن واحد، حتى لا أكون شبيه من ذكرتُ باختيار العنوان المبهر الخَلَّاب، وباطنه لا ينمُّ عن ظاهره، أو أتخيَّر العنوان الكاذب؛ وممَّا ذهبت إليه ذاكرتي من منشوراتي بالشبكة العربية الألوكة الطيبة قصتي بعنوان: "المدينة"، تلك التي قدح ومدح فيها كثيرٌ ممَّن قرأتُ عليهم، لكن الذي أسعدني وأفردني بالانتشاء بها هو أستاذي الذي ذكرهم بمفردة من أصول التراث الأدبي النقدي وهي: "الكلام حمَّال أوجه"، فالعنوان هنا "حمَّال أوجه"، فقد ذهب البعض منهم للقول: بأنها "المدينة المنورة" لسمات تكاد تقترب منها، ومنهم من قال: "المدينة الفاضلة" حلم أفلاطون، ومنهم من أصاب موضع النجابة فسطا على فكرتي فنال منها، وأدرك مقصدي بأنها "القبور"، حين رتَّب المفردات والجمل، واستدعى التراكيب الموحية بذلك، وعلى أية حالة حُمِل العنوان الرائع فإنها نالت إعجاب الكثير، وحازت شرف النشر بشبكة الألوكة العربية الراقية.


ولن أتورَّع أن أسوق المثال الآخر لشكل من أشكال العنوان الإسقاطي الرمزي، لكن هيهات أن أناظر الرائع أستاذنا "خيري شلبي" في رمزيته "الوتد"، فكتبتُ "المستضعفون في الحقل"، وهي شبيهة "كليلة ودمنة" التراثية، فيها من الترميز ربما يكون مكشوفًا للكثير، لكن لا ضير من استخدام الإسقاط الذي لا يضرُّ صاحبه، ويسوق الفكرة - وهي الرسالة المنوط بها الكاتب في الوقت ذاته - لتصل للناس، وقد نُشرت بشبكة الألوكة/ حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة / جاء فيها: المستضعفون في الحقل (ثلاثة هم: اثنان منهم يجوبان الأرض قهرًا تحت ظُلمة مُصطنعة، فما زالت شمس النهار تلسع أجسادهم لسعًا، عطاشٌ برغم خرير الماء الناشئ عن هديرِ، وأما الثالث فمطية لكلِّ راكب، مكبَّل بعربة الحصاد والزراعة، فضلًا عن كونه الوسيلة لصاحب الحقل في المكوث والنقل، وشاهد عيان على الخديعة الكبرى التي يظنُّ صاحباه بها أنهما في سياحة، وما يُغادران الساحة، لكنه صامت يخشى أن يُفصح، وأما الرابع، وما أدراك ما الرابع؟! فمُتابع وملاحق، ولاهث خلف صاحب الحقل يُحيِّيه أينما حلَّ، مُدلَّل رغم أنف الثلاثة سالفي الذِّكر؛ فطعامه النضيج، ومقامه الظل، فباتت عيون الثلاثة ترمقه حسدًا وبُغضًا، ينتظرون هدأة الليل وسكونه، ودفْء المكان وشموله، حتى يُفصح كلٌّ منهم عما يُكِنُّه صدره حيال هذا المدلَّل).




يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 13-12-2022, 02:46 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 154,618
الدولة : Egypt
افتراضي رد: العنوان بوابة النص

العنوان بوابة النص (1)
محمد صادق عبدالعال







وعناوين النصوص الأدبية على اختلاف وتعدُّد أنواعها من قَصٍّ تنسدل تحت مظلته الرواية والقصة الطويلة والقصة القصيرة، وصولًا إلى مستحدثات القَصِّ، وانتهاءً بما تُسمَّى (الومضة)، تتباين ولا قياس عليها، إلَّا في حالات نادرة، تخضع جميعًا للزمان والمكان و"ديناميكية" الكاتب نفسه في أسلوبه واختيار مفرداته.


ولو تتبَّعنا الأمثلة لذلك لظهرتْ لنا اختلافات كثيرة، قد تُشكِّل الناحية البيئية عليها مُنحنًى ظاهرًا، ولربما فرضت على الكاتب اختيار العنوان أو الاقتراب من بيئته، ولو عُدْنا بالذاكرة مثلًا لقديمٍ بدايةً من قرض الشعر في البيئة العربية مثلًا، ونحن نعلم أسبقية الشعر على القص كأنموذج لجنس أدبي مُصنف، حتى ولو كانت ثنايا الشعر العربي القديم نفسه قصصًا لبطولات ومغامرات العربي والفروسية والغزل لأهل البداوة منهم والحضر، لكننا لا نعني ذلك؛ بل إن المبتغى هو الوصول إلى أن البيئة الثقافية العربية قديمًا كانت تتجاهل عنونة النصِّ الأدبي، فيُنسب النصُّ لصاحبه دون عنونته أو ضمِّه لباب من أبواب افتخار العربي بشيعته أو رثائه أو وقوفه على الأطلال أو هجاء بينه وبين الآخر لشقيقة وخصام، فنجد مثلًا (في الفخر أو الغزل لعنترة العبسي أو العتاب للمتنبي، أو في الهجاء لجرير أو الحطيئة، أو في الحكمة للسهروردي، أو في الزهد لأبي العتاهية، وفي الزهر للشيخ ناصيف اليازجي بعد ذلك ...إلخ)، ومن الشعراء من كان له مجال معين يرتع فيه ولا يبرحه، فأصبح عالقًا بذاكرة الناس مهما تعاقبت الأزمنة؛ كالفرزدق مثلًا وجرير صاحبي قصائد الهجاء المتبادل بينهما؛ أو كامرئ القيس في الوصف للخيل والليل، وكثير من أرباب وجهابذة تلك الحقبة الذين نُسبت عناوين أعمالهم إلى أغراضهم الشِّعرية.


ونستطيع القول منطقيًّا وبعيدًا عن تاريخ الأدب: إن اهتمام العربي قديمًا بالنصِّ، وجودته وربما تلقائية إلقاء الشعر والنثر جعلته لا يلتفت إلى اختيار عنوانه لحفظ عمله من الاندثار والضياع مع أشباه الغرض الواحد.


وللتوضيح: فما نحن بصدده هو العنوان الخاص بالقصة والشعر والنصوص السردية والنثرية الأدبية، ولم نتطرَّق بعد لما يُسمَّى "بالعنوان المسجوع"، الذي كان من أبرز السمات في كتابات السلف من العصور الوسطى وما قبلها وبعدها، وبدا ذلك العنوان ظاهرًا في تسمية المعاجم والمراجع في شتى صنوف المعرفة، وهذا هو الآخر كان يتطلَّب من صاحب العمل إنشاء العنوان الجذَّاب ذي الجرس الموسيقي الرنَّان ليكون مميزًا وجديدًا؛ مثال: "صبح الأعشى في صناعة الإنشا" للقلقشندي، "كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون" لحاجي خليفة، "الآثار الباقية عن القرون الخالية" للبيروني، ولو أراد الله لنا أن نسرد منها لما وسعت صفحاتنا تلك التراثيَّات الرائعة ذات الأسماء المشبعة رغبات محبي الاطِّلاع وموروث الثقافة العربية الأصيل.


ولو تتبَّعنا كما قلنا الأعمال الأدبية من بعد ظهور الإِسلام وفترة من الخلافة وما تلاها، والعصور العباسية التي هي أوج عصور ازدهار الأدب العربي، وصولًا لعهد ليس ببعيد - لوجدنا أن النمطية والمباشرة التي كانت عليها العناوين لا نستطيع الحكم بها على روائع أعمال الكُتَّاب والشعراء؛ ذلك لأن العنوان حينها لم يكن من أساسيات صنع القصيدة أو صياغة القصة.


بل إن كثيرًا من القصائد والنصوص الأدبية رحل عنها أصحابها وما وُضِعت لها عناوين إلا بعدما رحلوا، ومنها ما تاه في مواكب النسيان وتقلُّبات الدهور، فأصبح المشهور مغمورًا؛ وحار الناس لمن ينسبون العمل فإن عُثر على صاحبه لم يعد مطلب التنقيب عن اسمه وعنوانه مطلوبًا حين كُتب، فتولوا هم ذلك، فالغالب منها - أقصد عناوين الأعمال الأدبية- مجهولة الاسم، منها ما هو وضعيٌّ أي مِن صُنع المؤرخين والدارسين لأجل الفهرسة بنوعيها الوصفي والموضوعي والتصنيف والحِفْظ الرقمي.


ومن العناوين التي تَنسلُّ إلى مسامع الناس ما يوضع زكاةً لقافية الشاعر أو الناظم لطولها ولوفرة الحكمة العالية بها واشتمالها على المناقب والمحامد؛ مثل: لامية العجم "جامعة الأمثال والحكم، التي أصبح لها شروح ومناهج دراسية" للوزير الشاعر الطغرائي، ومطلعها:
أصالةُ الرأي صانتْني عن الخَطَلِ ♦♦♦ وحِليةُ الفَضْلِ زانَتْني لدَى العَطَلِ


ونونية البستي لأبي الفتح البستي، ومطلعها:
زيادَةُ المرء في دُنياهُ نُقصانُ ♦♦♦ وربْحُهُ غير مَحْضِ الخَيْرِ خُسرانُ


ونونية القحطاني حديثًا، وهي من عيون القصائد السلفية، ومطلعها:
يا مُنْزِلَ الآياتِ والفُرْقانِ
بَيْني وبينكَ حُرْمةُ القُرْآنِ

اشرحْ به صَدْرِي لِمَعْرِفةِ الْهُدَى
واعْصِمْ به قلبي من الشَّيْطانِ




والقصيدة الهائية، وهي عنوان لأكثر من صاحب، فتلك لحُجَّة الإسلام الغزالي، ومطلعها:
ما بال نفسي تطيل شَكْواها ♦♦♦ إلى الورى وهي ترتجي اللهَ


و"القصائد العينية"؛ حيث اندرج تحت هذا العنوان الكثير منها على سبيل النقل والذكر: (القصيدة العينية لابن سينا الشيخ الرئيس، والقصيدة العينية للإمام الجيلي حفيد الإمام الجيلاني، والعينية للجواهري، وللإمام الحداد"، والكثير ممَّا يجعل الطالب لواحدة منهن أن يُحدِّد صاحب "العينية" بغية الحصول عليها دون مشقة، وربما كانت تلك العناوين مفاتح لحفظ واستظهار تلك الروائع التراثية في أدبنا العربي الجميل.


العنوان "المستهلك والمستعار" ومع مرور الزمن وسطوع بدر القصة وثبوت أهليتها في أقطارنا العربية، واستخراج المضمون القصصي من بين ثنايا التراث الشعري والسردي أيضًا، رضي بذلك الناقد أو قال بأن لها أرباب صناعة غربيين، نقول ولا ننثني:
إنه مع الزخم الكثير من نتاج القصة وشيوع الرواية وتعدُّد أقلام الشعر، أصبحت العناوين من مقوِّمات النجاح؛ بل قل من مُسوِّغات الملكية الفكرية للعمل، فنجد أعمالًا تتشابه مع أعمال أخرى لكُتاب في العناوين وتختلف في المضامين، وهذا هو الفيصل، ويجيز ذلك المصطلح النقدي "توارُد الأفكار وابتعاث الحكمة بعضها بعضًا"، أو كما يقول العلماء اللغويون: "النص ابن النص، أو لا يوجد نصٌّ وليد الساعة"، "فيجتمع الكاتبان أو أكثر على عنوان واحد، لكن اختلاف وجهات النظر، والفكرة المكنونة داخل النص، والمعالجة، هي الحَكم أو الدليل لبراءة اختراع العمل، وسلامة صاحبه من تهمة الجَور على ممتلكات غيره، وإن لم يكن ذلك فنقول له كما قيل في سارق قصيدة عمر بن الفارض: "وقع الحافر على الحافر، من الأول إلى الآخر".


وقد تأتي المطابقة والتشابه في العناوين بسبيل المصادفة أكثر من العَمْد، والفكرة والتناول هما الفيصل كما بيَّنَّا؛ فالعنوان يعدُّ من خصوصيات الكاتب واتجاهه الثقافي والأدبي، ولقد صادف ذلك الأمر عندي في اختيار عنوان قصة قصيرة بعنوان: "قصة نظرة" تطابقًا مع نفس العنوان لعَلَم من أعلام الرواية والأدب في عصرنا الحديث رحمة الله عليه هو الأستاذ يوسف إدريس، صاحب قصة "نظرة "مع حفظ المقامات بالطبع.


والناظر في كلتا القصتين يجد أن أستاذنا "يوسف إدريس" قد سلَّط الضوء تسليطًا شديدًا على القهر الطبقي في تلك الفترة، وبدا ذلك من مفردات القصة، ووصفه الواضح لسمات الطفلة التي كانت تحمل فوق رأسها صينية الطعام، ولا أراني قد ادَّعيت الاستعارة لعنوان إبداعي لكاتب كبير كـ"يوسف إدريس"، إلا لما رأيتُ شبه مواكبة بين كلتا نظرتينا؛ فنظرتي أي - "قصة نظرة" الخاصة بي - لا علاقة لها بالطبقية، ولا أشكال القهر الطفولي لحقبة معينة؛ بل إن النظرة كلها سلطت ضوءها وومضتها على لحظة مُفجعة حين يكتشف المتبرِّع بملاحقة اللصِّ السارق لحقيبة السيدة المسنة كان لأجل صورة شابٍّ قطع بأنه ولدها الراحل مع المعايشة في جو الضوضاء المعاصرة والقهر الغوغائي والهمجية المنظمة، ممَّا حدا بالعجوز أن تلتزم يمين الطريق مخافة المتهورين.


• وللمقال جزء ثانٍ بإذن الله.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 13-12-2022, 02:54 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 154,618
الدولة : Egypt
افتراضي رد: العنوان بوابة النص

العنوان بوابة النص (2)


محمد صادق عبدالعال




البيئة الزمانية والمكانية والنصِّية


اتفقنا على أن البيئات قد تُصنع، ولربما تُحبَّذ العناوين لخلفية ثقافية شائعة عند الناس، أو تُراث وموروث، أو حادث جَلل كالملاحم والفِتَن، وتطغى المسمَّيات باختلاف البيئات؛ فكُتَّاب أهل الشام يختلفون عن كُتَّاب أهل مصر والمغرب العربي وكذلك بلاد الحجاز؛ بل إن الاختلاف والتبايُن يتَّضح جليًّا داخل القطر الواحد، فلو نظرنا لصعيد مصر وأعلاها نجد الكاتب يتخيَّر العناوين التي تميل لبيئة بلاده، ويميل كُتَّاب مُدن القناة للعناوين التي تحكي أو تنمُّ عن تراث مدنهم؛ "كالسمسمية"، أو حال الصيَّادين، وارتباط المضمون بآليات الحياة عندهم، والمدن الساحلية كذلك كالإسكندرية، يميل كُتَّابهم إلى تسمية أعمالهم الإبداعية "بالنَّوَّة"، أو قصيدة بنفس الاسم، وكذلك ريف مصر في شرق الدلتا بما اشتمل على محافظات يغلب عليها الطابع الزراعي؛ كالدقهلية ودمياط والشرقية والغربية وكفر الشيخ، وسبق أن ذكرنا رواية "الوتد" باعتبارها مفهومًا يعني الكثير لدى تلك البيئات المصرية، وأيضًا "السيناوي"؛ أي: ابن شمال سيناء الحبيبة وجنوبه، كل يُغنِّي على ليلاه!


ولا نقول: إنَّ هذا الكلام مطلق وفرض عين؛ بل هو نسبي غالب، وإن سياق الفروض يتطلَّب التعليل وذِكْر المثال.


ولو كلف القارئ رأسه بالتجوُّل والتنقيب لاكتَشَف ما يستطيع القياس عليه، ذلك حتى ولو حَلَّق الجميع حول فكرة واحدة؛ كعُروبة وإسلامية القدس مثلًا، وما اجتمع عليه الهمُّ العربي أو الشأن الإنساني.


يأتي الزمان هو الآخر كمُؤثِّر أو كما يقولون: "القاهر فوق أقلام الكُتَّاب"، يفرض عليهم عناوينَ مُتعارفًا عليها بين سواد الناس ليروج لهم إنتاجهم وسط زخَم ثقافي كبير، فنجد أن الأزمنة والأمكنة لها من مقوِّمات صناعة العنوان في النصوص الأدبية ما يجعل الكاتب في مأمنٍ مِن أن يُجافي الناسُ نصوصَه وسطوره برًّا بعنوانٍ ارتبط عندهم بوشائج وصلات قوية، أو ظروف طارئة، أو مَلاحم جليلة، وهذا الكلامُ لا أدعم به القائلين بالحداثة المطلقة ومجانبة الفصحى السامية؛ استجداءً لجمهورٍ جُبِل على العامي الشائع، لكن المواكَبة مع الرُّقيِّ أفضلُ مِن المجانبة والانغلاق.


وثَمّة عناوين لبعض الأعمال القديمة مثل: "الكتابة على نَمَط العصور الوسطى" التي أُقِرُّ دائمًا وأبدًا أنها كانتْ وما زالت أرقى أساليب القصِّ والسرد، حتى ولو قال عنها المحدَثون: "يُعيبها التقريريةُ وتوالي المفردات بغير مطلب"، تُسعفني الذاكرة الآن برواية الكاتبة "عائشة التيمورية" "نتائج الأحوال في الأقوال والأفعال" كعنوان مباشر وتقريرية وشَتْ عن استنباطٍ مكشوفٍ للأحوال والظروف التي ستمرُّ بها مدارات الرواية، وعلى الرغم من تلك المباشرة، فإنَّ من يطَّلع على الرواية بداية بالتقدمة ووصولًا للخاتمة، أَعِدُه بأن يُصيب زخمًا مِن مفرداتنا العربية التي تجعله يَنتشي بين من يُبارزونه الفصحى والبيان، فرجاءً لو نترك السائر على هذا النمط مِن الكتابة كما هو، مع الأمر بالمعاصرة وصناعة المُواكَبة، والنهي عن الاستغراق في القديم، فيكون قد أحيَا تُراثًا صِرْنا عنه عازفين!


مِن الكُتَّاب مَن يَصنع لنفسه هالةً من العناوين الخلَّابة التي تُجبر المارَّ على أزقَّة الكتب ومحافل المعارض أن ينحني لها اقتناءً واختيارًا؛ فيكون ذلك المقتني للكتاب بين اثنتين:
الأولى: صادفت الفكرة لدى صاحب الكتاب عنوانًا مناسبًا موفقًا دلَّ على أسبقيَّة الكاتب بالاستيعاب والتقدير الجيد؛ فكان العنوان خلَّابًا ومَدعاةً للترويج.


الثانية: كذب الكاتب، ولو تَعمَّد عنوانًا مُبهرًا ليُواري فكرته المتدنية أو المستهلَكة، فيُصبح غير قادرٍ على الوصول بها إلى عتبة الإبداع؛ جهلًا منه أن العنوان يكفي بأن يكون مُروِّجًا، فمثلُه كَمَثَل مَن زَيّن بيته من الخارج، والبيت من الداخل أشبه بالمغارة أو الكهف المظلم، وأجد سؤالًا يطرح نفسه:
هل الفئة المستهدَفة من قراءة النصِّ تَفرض على الكاتب عنوانًا ذا صبغة مباشرة؟!
بالتأكيد يوجد مِن فئات القُرَّاء مَنْ يفرض على الكاتب أن يتخيَّر العنوان الأكثر وصولًا، المباشر غير المقتحم دهاليز الفكر العميق، ويتَّضح ذلك جليًّا في كتابات الأطفال في أشعارهم وقصصهم؛ بل إنَّ البارع الرائع هو من يستطيع أن يُطوِّع قلمه المتمرِّس فنَّ النصوص العالية إمكانية الاعتدال والسهولة دون إسفافٍ أو تهميش؛ كقصص ونصوص الأطفال مثلًا ليُناسبَ الفئة العمرية المأمول الوصول إليها، ولدينا مثالٌ ينطق بالفعل - فإني لا أسوق الكلام اعتباطًا ونثرية - إنه أمير الشعراء أحمد بك شوقي، حين كتب للأطفال مجموعةً رائعةً من القصص التي يغلب عليها عنصرَا التشويق والسهولة معًا.


ومِن مختارات شِعْر شوقي للأطفال مقال بعنوان "على درب لافونتين" / اختيار وتقديم: سعد عبدالرحمن/ رسوم د: خالد سرور، صادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، قدَّم أمير الشعراء مجموعة من القصائد القصصية الحكائية الرائعة التي تحمل العنوان السهل اليسير، برغم عُمق الفكرة وصياغة حِكْمة عالية وقيمة خُلُقية في نهاية كل قصة صيغتْ في قالب شعري، فنجده على سبيل الاطِّلاع سمَّى عناوينه على هذا النحو:
(الكلب والحمامة - المدرسة - سليمان والهدهد - القبرة وابنها)، فضلًا عن الكثير من نصوص شوقي الرائعة التي صِيغَتْ مِن حكمة شاعرٍ قادرٍ على تسهيل مرور الحكمة والقيم عبر منافذ أكثر تشويقًا وبهجةً.


ولقد قام أ/ سعد عبدالرحمن بتصدير تَقْدِمة كاشفةٍ لسبب التفات أمير الشعراء لهذا الفن الجميل البنَّاء، قال فيها:
"هل يمكننا القول: إن النقَّاد يَنظُرون إلى الشعر المكتوب للأطفال - ومنه ما كتب شوقي نفسه - نظرةَ استهانةٍ؛ فلا يعترفون أن لهذا الشعر قيمةً إبداعيةً يُمكن أن يوزن بميزان النقد؟[1]".


ثم انتقل المقدم إلى لفت الانتباه وحث الكثير على أن كتابة شوقي للأطفال كانتْ أكثر تقدُّميَّة؛ حيث نقل عن شوقي قوله في "ديوان الشوقيات" المنشور 1898: (والخلاصة أنني كنتُ ولا أزال ألوي في الشعر على كل مطلب، وأذهب في فضائه الواسع كل مذهب)، ومن هنا لا يسعني إلا الثناء على صديقي خليل مطران صاحب المنن على الأدب والمؤلف بين أسلوب الإفرنج في نَظْم الشعر وبين نهج العرب، والمأمول أننا نتعاون على إيجاد شِعْر للأطفال والنساء، وأن يساعدنا سائر الأدباء على ذلك)[2].


بالتأكيد لا يخفى على صاحب إمارة الشعر العربي شوقي أن الكتابة للطفل تستدعي العنوان السهل والمشوق والميسور معًا.


ولديَّ تَحفُّظ لا أجد مفرًّا من الإقرار به، وليس درب لافونتين وأمثاله من الغربيين من له قصب السبق والاستباق في كتابات الأطفال، فلدينا من تراثنا العظيم ما يُؤدِّب ويُهذِّب أولادنا نحن المسلمين والعرب، لكننا - للأسف - قد لا نرى الأعمال قَيِّمةً إلَّا إذا حوت أصحابَ القبَّعات والأعجميات، وهذا مجرد رأي ليس أكثر! لأجل هذا أسجِّل شهادةً تستحقُّ الحضور للمبدع المغربي "نورالدين كرماط" الذي كتب عنه د/ جميل حمداوي من كتَّاب الألوكة الأفذاذ بصفحة شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية / أدب الأطفال (دراسات في أدب الأطفال)، وقد كان "نورالدين كرماط" سبَّاقًا إلى كتابة قصص قصيرة جدًّا خاصة بالأطفال - على حد علمنا - على مستوى الوطن العربي، على الرغم من وجود قصص أطفال قصيرة جدًّا تتضمنها بعض الأضمومات الإبداعية الأخرى، سواء أكانتْ مغربية أم عربية، كأضمومة (حب على طريقة الكبار) لعزالدين الماعزي التي نُشرتْ سنة 2006م، كما تحضر هذه الخاصية الطفلية في إبداعات أخرى ولاسيما النسائية منها؛ مثل: السعدية باحدة، والزهرة رميج، وأمينة القضيوي، وأمنة برواضي، وغيرهن...، وقد تناول بالدراسة الصورة السردية في مجموعته القصصية للأطفال "حديقة الحرية".


ولدينا مثال ثالث لشاعر معاصر هو اللواء الأديب: ماهر عبدالواحد، ابن محافظة كفر الشيخ، والقاطن بالمنصورة - دقهلية - استطاع أن يُطوِّع قلمه السامي للمباشرة والخطابية وإضفاء جانب الحكمة والوعظ على غالبية شعره؛ فتراه يكتب لقصص الطفل عناوين مباشرة تجنح للسلامة مِن التعمُّق، وشاعرنا قادر على تطويعها لكنه يعي الفئة العمرية المرغوب الوصول إليها بفكرته، والمعتاد على منوال وخيط يسير عليه، فيجد أن نسيجه الفكري وإن اختلف ائتلف واتَّفق جميعًا، حتى لو تعددت الأفكار والأغراض، فنجد "الماهر عبدالواحد"- أديبنا الطيب كما كَنَّاه الشاعر: السيد عبدالصمد، الباحث والمحاضر المركزي بالمنصورة - نجده يُبسِّط عناوينه ويمنحها المباشرة شبه التامة في أشعار المناسبات التي سبَق أن نوَّهنا إلى أن اختيار العنوان المبسَّط المباشر مِن خصائص كُتَّاب المناسبات والمحافل الإنسانية المتَّفق عليها.


وممَّا قرأتُ لأستاذنا الأديب ماهر عبدالواحد في سلسلة "أوراق ثقافية" الشهرية الميلاد، والصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، فرع الدقهلية - المنصورة، في عددها السادس والعشرين"، هي قصته الوعظيَّة الطفوليَّة الشائقة "الأفعى وحظيرة الدجاج" التي هي بالفعل ترميز لما يُرجى استكشافه والانتباه له، ومع ذلك خرجت القصَّة في هيئة قصصية جيدة، يُحمد للكاتب نسيجُه الخيالي فيها، فضلًا عن موروثه الثقافي الملاصق لحكايات وقصص الحيوان.


ولن نطيلَ؛ فلسنا بصدد الكتابة في أدب الطفل، لكن المستخلص من جملة الاستشهاد هو: القول بأن العنوان المباشر في العمل الإبداعي لا غبار عليه إن كان لطائفة من القرَّاء العاديين أو الطفل أو الذين لم يقدروا على استيعاب مصطلحات الإبداع النصِّي.


وكثير من أشعار وقصص المناسبات الدينية والوطنية أو الموسمية يغلب عليها طابع العنوان المباشر، ولا يعدُّ هذا عيبًا بقدر ما هو مسلك من مسالك النجاة من التحوير والتفكير في صياغة عنوان مطابق للحالة.


بعض الكُتَّاب يرون أن العناوين التي فيها رمزية وإسقاط هي منافذ لتجنُّب المشكلات والوقوع في براثن المساءلة والإيقاف، وذلك وارد بالفعل.


العنوان المصاحب أو العنوان الفرعي: يبقى الحديث عن عنوان آخر وهو: "العنوان المصاحب أو العنوان الفرعي"، وقلَّما ينشأ أو يُدرج في كتابات المبدعين بخاصة الشعراء والقُصَّاص؛ نظرًا لما يُثار مِن الجدل أو التقليل من مقدرة الكاتب اللغوية والإبداعية في سياق عنوان يُوضع على الإجمال ولا يتطلَّب التفصيل؛ حيث يُترك للنصِّ التوضيح، فالفكرة في القصة القصيرة مجرد وَمْضة تُسلَّط بشدة على النصِّ لإيضاح الفكرة، وكذلك القصيدة تدور في فَلَك ومدار وبحر واحد تستدعي العنوان المختصر المفيد، فكلاهما يمتلك حُجَّة قوية في استبعاد العنوان الفرعي أو الآخر الإيضاحي، لكن لا غبار على كاتبه خاصَّة في النصوص المقالية والصحفية والأعمال ذات السلاسل الفصلية، وذلك للتوضيح وتحديد واجهة المبدع الكتابية والتأريخية.


وأرى أن هذا الفرض - أقصد عجز الكاتب بعنوانه الرئيس عن توضيح مقصد وإرفاق عنوان آخر فرعي- لا يُعدُّ في الغالب عجزًا أو قلة حيلة، ويتَّضح ذلك جليًّا في الكتابات الروائية الطويلة والتاريخية؛ حيث يُعتبر العنوان الثاني نوعًا من التمييز والتحديد للمسار الزمني وإشكالية التناوُل.


وأخيرًا:
المتفق عليه أن العنوان الذي هو البوابة أو الميناء - كما يقال - للدخول لفلسفة الكاتب ومحتوى النص، ولا بدَّ أن يكون - بعد التوافُق - راقيًا، علاوة على أَخْذ الحيطة والحذر مِن أن ينساق الكاتب خلْفَ فِتَن الإبداع، فيصنع عنوانًا يستجدي به الإثارة والتشويق، ويكون مخالفًا للشرع الحنيف في أمور التوحيد والآداب الإنسانية "كصديقي الذي تشاور معي في عنوان روايته، وقال سوف أجعلها "الرب يَقِيل ساعة"، معتبرًا أن إثارة الجدل من علامات الانتشار والذيوع للنص المجهول ذِكر صاحبه! فاستنكرتُ ذلك منه، وطلبتُ منه أن يبدله بـ:"الراعي يَقِيل ساعة" ليكون مقبولًا، وليصرف عنه فتنة الإبداع وارتكاب الحماقة المتعمَّدة، وصديقي هو أنا!


وما يُطلب من الكاتب في جوهر نصوصه الأدبية من مُجانبة التطاوُل على الثوابت والدين حفظًا لريق ماء وجهه وفتنة التكبُّر - يُرتجى أيضًا في وضع وسياق العناوين الرئيسية؛ فلا يجوز بحال من الأحوال اختيار عنوان أكثر ملاءمة لكن فيه تطاوُل وشبهة تطاوُل على الدين، فالقاعدة الأصولية الضمنيَّة في الأدب "البلاغة أن تُبدع، ولا تلمز بالمفردات شرعة ومنهاج السماء".


كما أن البيئة الزمانية والمكانية لهما أثر ظاهر في إنشاء العنوان للعمل الأدبي، فكذلك بيئة النص نفسه تفرض على الكاتب نمط العنوان وشكله؛ فلا يليق أن يُصاغ عنوان فصيح بليغ لنصٍّ عامِّي دارج، وكذلك لا يُستحسَن صناعة عنوان عامِّي لنصٍّ فصيح، ومن يفعل ذلك يَصْلَ نقدًا ذا لهب، وانتقاء العنوان المناسب لجوِّ النص ومستوى اللغة مُقوِّم أساسي للتقييم.


ونخلص إلى القول بأن العنوان الذي هو البوابة الرئيسية للنصوص الإبداعية - لا يمكن وضع معيار بعينه لاختياره إلا التوافق مع جوِّ النصِّ، والجفوة بينهما تُعدُّ خرقًا لميثاق الإبداع الأدبي، فضلًا عما ذكرناه من معايير أخلاقية وأدبية.


الحديث عن العناوين في النصوص الإبداعية بحرٌ طام، وأفكاره ذاخرة بما لا يستطيع قلمي المسكين أن ينال من فيضه قدرَ قطرةٍ، وكذلك كل العلوم الإنسانية منها والتطبيقية مآلها ومستودعها لمن أحاط علم الأولين والآخرين ومن كل شيء عنده بمقدار، والحمد لله رب العالمين.


[1] مختارات من شعر شوقي للأطفال/ مقال بعنوان: "على درب لافونتين"، ص4 / اختيار وتقديم: سعد عبدالرحمن/ رسوم: د/ خالد سرور، صادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، ص (5/ 6).

[2] مختارات من شعر شوقي للأطفال/ مقال بعنوان: "على درب لافونتين"، ص4 / اختيار وتقديم: سعد عبدالرحمن/ رسوم: د/ خالد سرور، صادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، ص (5/ 6).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 93.35 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 90.76 كيلو بايت... تم توفير 2.59 كيلو بايت...بمعدل (2.77%)]