|
ملتقى الشعر والخواطر كل ما يخص الشعر والشعراء والابداع واحساس الكلمة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الشَّاعِرُ الأُمَويُّ جَمِيلُ بُثَينَةَ (ت 82هـ) د. سعد الدين إبراهيم المصطفى الحَمدُ للهِ ربِّ العَالمِينَ، وأَفضلُ الصَّلاةِ وأتمُّ التَّسلِيمِ على سيِّدنا محمَّدٍ وعلَى آلِهِ وأصحابِهِ، ومنِ اتَّبَعَ هداهم إلَى يَومِ الدِّينِ، وبعد. مقدمة: الغَزلُ العُذريُّ نقيٌّ طاهرٌ، نُسِبَ إلَى بنِي عُذرَةَ إحدى قبائِلِ قُضاعةَ التي كانَتْ تَنزِلُ بِوادِي القُرى شَمالَ الحجازِ، فأغلبُ شعرائِها أكثَرُوا من التَّغنِّي بِهِ ونظمِ الشِّعرِ فِيهِ. ولم يَكُنِ الحبُّ العُذرِي منتشراً في قُضاعةَ وَحدَها بل تَعدَّاها إلى وادِي نَجْدٍ والحجازٍ، وخاصة بنِي عامر، حتَّى أَصبحَ ظاهِرة عامَّة تَحتَاجُ إلَى دِراسةٍ وتفسيرٍ، ولا شَكَّ أنَّ شيئاً مِن تَفسِيرِها إنَّما يَرجِعُ إلى الإسلامِ الَّذِي طهَّر النُّفوسَ، وزكَّى القُلوبَ، وجَعَلَ الإنسانَ في أعلَى مراتبِ الخيرِ والفَضلِ. وكانَتْ هذِهِ النُّفُوسُ طيِّبة لم تَعرفِ الحياةَ المتحضِّرةَ ولا ما يُطوَى فِيها مِن لهوٍ وعبثٍ ومِن تحلُّلٍ أحياناً من أَخلاقِ بعضِ الشُّعراءِ كالأحوصِ والعَرجِيّ، وهِيَ مِن أجلِ ذلِكَ لم تَعرفِ الحبَّ الصَّريحَ الفاضِحَ الَّذِي تَدفَعُ إلَيهِ الغرائِزِ، فقد كانَتْ تَعتزُّ بِبَداوتِها وتَفتَخِرُ بِأنسَابِها، وتَعِيشُ بِإسلامِها الحَنيفِ، وتَسمُو بِهِ فلا تَقترِبُ مِن الحبِّ الفاضِحِ، وإنَّما تَعرِفُ الحبَّ العَفيفَ الَّذِي يُشعِلُ المحبُوبَ بِنارٍ بينَ جوانِحِهِ وفِي أَحشائِهِ، حتَّى لكأنَّه مَرضٌ أو داءٌ عُضَالٌ ألمَّ بِهِ، أو مِحنةٌ صَعبةٌ وَقَعَ بِشِركِها، فهُو يُحاوِلُ النَّجاةَ مِنها ولا نَجاةَ. وِلادَتُهُ وَنَشأَتُهُ: ونحنُ الآنَ مَعَ شاعرٍ اقترنَ اسمُهُ بِهذا الفَنِّ، بل إنَّهُ مِن أَشهَرِ شُعراءِ العُذرِيِّينَ، وَقِصَصُهُ فِيها بَسَاطةٌ وسَذاجةٌ وعُذوبةٌ، قِصصٌ تُصَوِّر حَياةَ هؤلاءِ العُشَّاق المتَبَدِّينَ إنَّهُ جميل بنُ عبد الله بن مَعْمرَ العُذرِيُّ القُضَاعِيُّ، ويُكنّى أبا عَمرٍو (ت 82 هـ) شاعِرٌ ومِن عُشَّاقِ العربِ المشهُورينَ. كانَ فَصِيحاً مُقدمًا جامعًا للشِّعرِ والرِّوايةِ. وكانَ فِي أوَّلِ أمرهِ راويةً لشعرِ هُدبةَ بنِ خَشرَمِ، كما كان كُثَّيرُ عزَّة راويةً لَهُ فِيما بعد. لُقِّبَ بِجَميلِ بُثَينةَ لحبِّهِ الشَّدِيدِ لَهَا وجَميلُ بنُ عبداللهِ بن مَعْمرٍ أَصابَهُ ما أصابَ غَيرَهُ من هؤلاءِ الشُّعراءِ العُذرِيِّينَ، فَقَد أَحبَّ ابنَةَ عمِّهِ بُثينةَ بِنتَ حبَأ بنِ حُنٍّ بنِ رَبيعةَ، مِن عُذرَةَ، فَهِيَ ابنَةُ عمِّهِ تَلتَقِي مَعَهُ فِي حُنٍّ مِن رَبِيعةَ فِي النَّسَبِ، وكانا يُقِيمانِ بِوادِي القُرى، وهُوَ مَوضِعٌ فِي الحِجازِ قَريبٌ مِن المدينةِ، وقِيلَ إنَّهُ أحبَّها وهُوَ غُلامٌ صَغِيرٌ، وَهِيَ جُويريَّةٌ لم تُدرِكْ، ويَرووُنَ علَى ذلِكَ خَبَراً مُستَطرَفَاً، قِيلَ فِيهِ إنَّ جميلاً أَقبَلَ يَوماً بِإِبِلِهِ حتَّى أَورَدَها وَادِياً يُقالُ لَهُ بَغِيض، فَمَرَّت بُثَينةُ وَمعَها جَاريةٌ فَضَرَبَتْ إِبِلَهُ فَسَبَّها جَمِيلٌ فَردَّتْ علَيهِ شَتِيمتَهُ، فَاستَملَحَ سِبابَها، فَقَالَ: وأوَّلُ ما قَادَ المودَّةَ بينَنا ![]() بِوادِي بَغِيضٍ -يا بُثَينَ -سِبَابُ ![]() فَقُلْنا لَها قَولاً فجاءَتْ بِمِثلِهِ ![]() لِكُلِّ كلامٍ، يا بُثَينَ، جَوابُ[1] ![]() وَبُثينةُ الَّتِي أَوحَتْ إلَيهِ الغَزلَ الجَمِيلَ الَّذِي لم يَعرِفِ الشِّعرُ العَربِيُّ القَديمُ أَوقَعَ مِنهُ أثراً في النَّفسِ، ولا أبلغَ مِنهُ تَحرِيكاً لِلقَلبِ وإثارةً لِلعَاطِفةِ، لا يَقتصِرُ علَى التَّشبُّبِ بِمحَاسِنِ المرأةِ بل يُضِيفُ إلَيه شَيئاً مِن الرُّوحانيَّةِ يُعنَى بِنفسِ الشَّاعِرِ ومشاعِرِها وآلامِها وآمالِها، وربَّما كانَتْ عِنايَتُهُ بِنفسِهِ أكثرَ مِن عِنَايتِهِ بِوَصفِ مَحبُوبتِهِ، فلا يَكادُ يَذكُرُها حتَّى يَنصرِفَ إلَى بثِّ شَكواهُ وما يُلاقِيهِ مِن تَبارِيحِ الهَوى والبُعدِ والجفَاءِ والحِرمانِ، صَادقَ اللَّوعةِ، عفَّ الضَّمير واللَّسانِ، رَصِينَ التَّعبيرِ لا يَتبَذَّل. والغَزلُ العُذرِيُّ تَشُعُ مِنهُ حَرارةُ العاطفةِ، وشِدَّةُ الأشواقِ، وهُوَ يُصوِّرُ خَلجاتِ النَّفسِ، وفَرحةَ اللِّقاءِ، وألمَ الفِراقِ والرَّحِيلِ، ولا يَحفُلُ بِجمالِ المحبُوبةِ، بِقَدر ِما يَحفُلُ بِجَاذبِيتِها، وسِحرِ نَظَراتِها، وقوَّةِ أَسرِها، ومِن ثمَّ يَقتصِرُ فيهِ الشَّاعرُ علَى محبُوبةٍ واحِدةٍ طَوالَ حياتِهِ، أو مُدَّةً طَوِيلةً مِن حَياتِهِ [2]. ويَرَى الدكتور شكري فيصل أنَّ هذا الغَزَلَ كونَهُ ظاهِرةً اجتِماعيَّةً وفنِيَّةً لَيسَتْ مُنفَصِلةً عمَّا قَبلَها وعمَّا بَعدَها، فهِيَ تَنمُو كَمَا نَمَتْ النَّبتَةُ شَيئاً فَشَيئاً، إلَى أنْ تَستَويَ علَى ساقِها[3]. وكذلِكَ رأى الدكتور صلاح الدين الهادي أنَّ الغزلَ العُذريَّ كانَ ثمرةً للقِيمِ الأخلاقيَّةِ والروحيَّةِ الَّتِي بثَّها الإِسلامُ فِي البَادِيةِ العَربيَّةِ، والَّتِي صَنَعَتْ نُفُوسَ الشَّعراءِ العُذرِيِّينَ وأحالَتِ العِشقَ فيِها إلَى البَراءةِ والعِفّةِ والطَّهرِ.[4]. شِعرُهُ: ولَقَد عُنِي الرُّواةُ والنَّاسُ بأشعارِهِ، كما أنَّ المغنِّينَ قد عُنُوا أشدَّ العِنايةِ بِهِ، وهِي أَشعارٌ مُعظَمُها في التَّغنِّي بمحبوبَتِهِ بُثَينَةَ، إِحدَى نِساءِ قَبيلتِهِ، تحابَّا صَغيريْنِ، ولم تَلبَثْ أنْ كانَتْ سَبَباً في إلهامِهِ الشِّعرَ. فقد أحبَّها حُبَّاً بلغَ درجةَ الهُيامِ، فَعَرَفَتْ مِنهُ ذلِكَ فَمَنَحتْهُ حبَّها وحَنانَها وعَطفَهَا.فَقَالَ: أَلا لَيْتَ شِعري هَلْ أَبِيتَنَّ لَيلةً ![]() بِوادِي القُرَى إنِّي إذاً لَسَعِيدُ ![]() وهلْ أَلقَيَنْ فَرداً بُثَينَةَ مرَّةً ![]() تَجُودُ لَنا مِن وُدِّها ونَجودُ ![]() عَلِقْتُ الهَوى مِنها وَلِيداً فَلَم يَزَلْ ![]() إلَى اليَومِ يَنمِي حُبُّها ويَزِيدُ ![]() وأَفنَيْتُ عُمرِي فِي انتِظارِ نَوالِها ![]() وأَبْلَيْتُ فِيهَا الدَّهرَ وهُوَ جَدِيدُ ![]() وَيَمتَازُ شِعرُ جَمِيل بِصدقِ اللَّهجةِ وحرارةِ العاطِفةِ، وجَمالِ التَّعبِيرِ، ونَصَاعَةِ البَيانِ، وَهُوَ يَحمِلُ فِي طَيَّاتِهِ وثنايَاهُ حبَّهُ ومَشَاعِرَه، فَكُلَّمَا أَبصَرَ بُثَينَةَ ازدَادَ عِشقاً، وكلَّما فَارَقَها اضطَرَمَ نَارُ الوَجدِ فِي فُؤادِهِ، وهُوَ يَعِيشُ مَعَها بِكُلِّ جوارِحِهِ، فَعَقلُهُ مَسلُوبٌ مِن شِدَّة الهُيامِ، والتَّعلُّقِ بِها، فالحبُّ بَينَهُ وَبَينَها يَزيدُ كلَّما ذُكِرَتْ وكلَّما رَآهَا، وهِيَ تُبَادِلُهُ ذلِكَ الشَّهدَ الرُّضابَ، فلا يَفتَرِفانِ رُوحَاً وإنَّما يَفتَرِقانِ جَسَداً، وهذا ما بَدَا لَنَا فِي أَبياتِهِ: إذا قُلْتُ ما بِي يا بُثَينةُ قاتِلِي ![]() مِنَ الحُبِّ قالَتْ ثابِتٌ ويَزِيدُ ![]() وإنْ قُلْتُ رُدِّي بَعضَ عقلِي أَعِشْ بِهِ ![]() مَعَ النَّاسِ قَالَتْ: ذاكَ مِنكَ بَعِيدُ ![]() فلا أنا مَردُودٌ بِما جِئْتُ طالِباً ![]() ولا حُبُّها فِيما يَبِيدُ يَبِيدُ ![]() يَمُوتُ الهَوَى مِنِّي إذا ما لَقِيْتُها ![]() ويَحيَا إذا فَارَقْتُها فَيَعُودُ[5] ![]() وصَارَتْ بُثَينةُ تلتقِي بِهِ في غَفلَةٍ عن أَعيُنِ أهلِها والرُّقباءِ، وقَد كانَتْ أَخواتُها وصَدِيقاتُها يُساعِدْنَها فِي تَأمِينِ اللِّقاءِ بينَهُما، وَخَافَ أهلُها -حِينَ سَمِعُوا- مِن عَواقِبِ لقائِهِما، فَضَيَّقُوا علَيها الخِناقَ، علَى الرُّغمِ مِن مَعرفَتِهِم أنَّ هذا الحبَّ بَينَها وبَينَ جميلٍ حبٌّ طاهِرٌ وبَرِيءٌ وَنَقِيٌّ. وأَصبَحَتِ الأَلسِنَةُ لا تَكُفُّ عنِ التَّعرِيضِ بالمتحابَيْنِ، فَهَجَرَتْهُ واحتَجَبَتْ دُونَهُ مُرغَمةً، وهُوَ علَى ذلِكَ لا يَسلُوها، يَقُولُ[6]: وإنِّي لأَرضَى مِن بُثَينَةَ بِالَّذِي ![]() لو اَبْصَرَهُ الواشِي لَقَرَتْ بَلابِلُهْ ![]() بِلا وبِأنْ لا أستَطِيعُ وبِالمُنَى ![]() وبِالأَمَلِ المرجُوِّ قَد خَابَ آمِلُهْ ![]()
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |