
25-08-2022, 09:54 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,527
الدولة :
|
|
صيد الأحلام
صيد الأحلام
د. خاطر الشافعي
ذات عصرٍ تعطِّره نسماتُ الربيع اللطيفة، جلس الرجل مُتَّكئًا على بساطٍ من النجيل الأخضر، واضعًا يده تحت خدِّه، مُستندًا إلى جذع شجرة الصَّفصافِ التي تحتَضِنُ البحرَ، وتحكي تاريخَ الشاطئ مُذ كان طفلاً فاتحًا صدرَه لأقصى اتِّساع؛ كي ينهل من نسمات اللحظة ما سَلبه منه تلوث المدينة، فهنا قد نشأ في ذاك البيت المُطلِّ على النهر، وهنا قد نسج الأحلام وزيَّن مآقي الأمل، تمامًا كما تُزيِّن أوراقُ الصفصاف المتساقطة صفحةَ الماء، وكما يداعبها الهواء والموج، داعبتْه رياحُ الأيام وأمواجها، وبات يقبض بما تبقى من ذاكرة الفرحِ على بقايا أمل يعتَصِرُ الصدرَ، ويشق هدوء اللحظة وتداعيات الذكريات، تمامًا كما يشق صفحة الماء فجأة أسماكٌ تقفز، فما تكاد ترَى الضوء حتى ترتد إلى أعماق الماء، وكأنها تحاكي الحلم! ولا زال الرجل مُنتشيًا بالذكريات، ومُستغرِقًا في اللحظة، ومقارنًا حلمَه - الذي ما يكاد يخرج إلى حيِّز الوجود إلا ويرتد داخله - بتلك السمكة التي ما تكاد تقفز إلا وترتد لعمق الماء، وتساءل: كيف للحلم أن يولد ولادة طبيعية ويشب ويكبر؟! وكيف له أن يحصل على السمكة فلا ترتد إلى أعماق النهر؟! ماذا عليَّ القيام به لصيد السمكة؟! لا بد من أدوات؛ إما صِنارة أو شِباك، أو الاختيار الأصعب: أن أنزل إلى الماء وأغوص إلى الأعماق وأمسك السمكة بيدي! ولكن ماذا لو لم يُسعفني العوم؟! وماذا لو اشتد الموجُ وأخذتني الدوَّامة؟! فأنا لا أجيد العوم، وغالبًا سيكون الغرق مصيري، سألجأ إلى طريقة أخرى للحصول على السمكة، فهناك الصيَّاد الماهر سأعطيه المال وأشتري السمكة. ولا زال الرجل مُستغرِقًا في اللحظة الثرية، عيناه ترمقان السمك وهو يلهو وسط الماء، وعقله مشغولٌ ببقايا أحلام تنزف على جدار القلب! ماذا عليَّ القيام به لصيد أحلامي؟! لا بد من عملٍ دؤوب، فإذا كنت استطعْتُ شراءَ السمكة، فهناك من يبيعها، ولكن هل أستطيع شراءَ الحلم؟!
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|