|
ملتقى التنمية البشرية وعلم النفس ملتقى يختص بالتنمية البشرية والمهارات العقلية وإدارة الأعمال وتطوير الذات |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() التخوف من المسؤوليات حيدر الحجار لا مشاحة أننا (في كثير من مظاهرنا) نجد تخلصاً (من معاصرينا) عن احتمال التبعات، وتخوفاً من المسؤوليات، وسعياً وراء اجتنابها والابتعاد عنها ما أمكن. إننا نجد في كثير من شبابنا ميلاً إلى الأوضاع الثابتة ذات الطمأنينة التي لا تحرك ساكناً، إننا نجد انصرافاً عن الحياة المليئة بالحركة والنشاط، إننا نجد حذراً من الخوض في ميدان المسؤوليات. فإلامَ نعزي هذا الخلق الذي فشى فينا وانتشر؟ إلام نرجع علة هذا الداء الذي سرى في كثير من هيئاتنا؟ إننا إذا تأملنا الأسباب وجدنا أن أكبر العوامل، وعلة العلل، إنما هو ضعف الإرادة الذي يخمد جذوة النشاط ويشين معنى الحياة فيكون التقاعس والخلود إلى الراحة والطمأنينة. إن أجدادنا العظماء (وهم من نعتز بهم ونفتخر) لم يفتحوا الممالك والأمصار ولم يؤسسوا بنيانهم ويشيدوه إلا بأعظم الجهود وأبلغ الثبات، وإنهم لم يبلغوا ذلك الشأن الخطير بما فيه من مكانة سامية إلا بقيامهم أحسن القيام بما تفرضه عليهم المسؤوليات التي تقلدوها وبما تقتضيه الواجبات الملقاة عليهم، لقد كانوا أولي إدارة قوية وعزم شديد وهمة عالية. وإذا رغبنا نحن في بناء مجد كمجدهم فإنه لا سبيل لنا إلا أن نـزيل ما لصق بإرادتنا من ضعف وخور فنتعهدها بالإصلاح وننعشها ونقويها. إن الإرادة قوة في أنفسنا موجودة أو نظن وجودها تجعلنا لا نفعل إلا ما قررنا فعله، ونحن مبتعدون بأنفسنا عن كل البواعث المختلفة: كالأهواء والشهوات والمطامع ونحوها من البواعث التي ليست همنا الصحيح. ولا أحسبني أطعن في القدر شيئاً - (وحاشا لله أن افعل ذلك وأنا أول من يؤمن به بمعناه الأتم الصحيح) - إذا قلت: إننا بالإرادة نستطيع أن نملك زمام أنفسنا ونوجهها إلى حيث أردنا فلا نكون مسيرين بأهواء تقاذفنا. هذا كتاب الله الكريم طافح بالحض على العمل الصالح (حتى لا تكاد صفحة تخلو من الحث عليه)، فأنّى لفاقد الإرادة أو ضعيفها أن يأتي بعمل صالح؟! إن الإنسان إذا تبادر إلى فكره عمل يرى أنه قادر على القيام به تتنازعه حينئذ أفكار تنتسب للفكرة الأصلية بعلاقة ما، فبعض هذه الأفكار تظهر المنافع، التي يمكن حصولها من إمضاء هذا العمل على اختلاف درجاتها، وبعضها تبدي المحاذير التي يمكن أن تنتج من ذلك العمل، فالإنسان من هذه الأفكار المتقاربة يجد نفسه مضطراً لأن يقابل ما بينها ليعلم في أية جهة يجب أن يكون قراره النهائي. فإذا تبين له أن العمل خطير ذو نتائج جسيمة وأن محاذيره عظيمة أيضاً فإنه يبقى في فترة التردد ويطول وضع قراره، إلى أن يأتي الزمن الذي يقضي فيه على هذا التردد فيرضى أحد الجانبين، وإذا انتهى (بعد كل ما دار في خاطره) أن يقوم بالعمل فيستلزم عليه التصميم والإمضاء، وهنا تأتي مهمة الإرادة. الإرادة هي شكل الفعالية التي يتمخض عنها التفكير وتقتصر على أن يقرر الإنسان إنجاز فعل بعد أن أشبعه درساً وتمحيصاً، إن ضعيف الإرادة يعجز عن التصميم والإمضاء لما وجده (بعد الفكر والإمعان) جديراً بالأخذ به والعمل بمقتضاه. هذه هي الإرادة وأثرها.. فجدير بنا بعد هذا أن نبحث في عقدة العقد من الشكوك الطارئة فنقول: هل الإنسان حر ليبت ويجزم في ما وجده صالحاً؟ أو بمعنى أوضح هل الحرية البشرية موجودة حقيقة؟ الجواب: نعم وإن كانت الحرية البشرية ليست إلا وهماً، ذلك لأن الوهم فكرة بصورة تقريبية. وما الفكرة إلا قوة (منذ انبعاثها واستطاعتها على إحداث أثر فينا) نشعر بأنها تدفعنا نحو اتجاه تقصده، فهي تسوقنا إلى حيث أحبت. لقد ذكرني هذا بقول فيلسوف عبقري قال: آه! هل الحرية إلا وهم؟ فلا عجب عندي بعد أنها أضحت قوية جداً! وفي الواقع الثابت أننا نساق كثيراً بالأوهام ولكن بأية قدرة وأية قوة؟ ومهما يكن القول فإن الإرادة هي القوة التي نعتقد امتلاكها لتعين لنا وجهة وتقرر اتجاهها. ولئن كانت في الواقع وهماً فإنه ليكفي أن نشعر بها كحقيقة واقعية لتغدو من حيث النتيجة حقيقة ذات قوة لا تشاكلها (من جميع القوى التي نشاهد أثرها على أنفسنا) قوة. إن هذه القوة الغريبة، هذه القوة القاهرة تصبح نفسها ميلاً، فالإرادة تغدو هوى وهوى جارفاً وما هي بالإجمال إلا مظهر من مظاهر حب الإنسان نفسه. فعندما نريد، وعندما نريد أن لا نفعل إلا ما نريده فذلك معناه أننا أدركنا أننا نملك أنفسنا. إن الهوى منية يسعى إلى حوزها، وما عسى أن يكون الهوى إذا لم يكن منيةً نجري وراءها؟ إن في أنفسنا رغبة تدعونا لامتلاك أنفسنا فما عساها تكون هذه الرغبة؟ إنها الهوى وإن هذا الهوى هو الإرادة.. المصدر: مجلة التمدن الإسلامي، السنة الثانية، العدد السادس، 1356هـ - 1937م [1] استقيت كثيراً من الأفكار الموردة في هذا المثال من محاضرة للكاتب الكبير إميل فاكه.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |