الحفاظ على الأوطان من المعاصي التي تدمر البلدان - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         How can we prepare for the arrival of Ramadaan? (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          الأسباب المعينـــــــة على قيام الليل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          حكم بيع جوزة الطيب واستعمالها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          تريد لبس الحجاب وأهلها يرفضون فهل تطيعهم ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          ما هي سنن الصوم ؟ . (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          هل دعا الرسول صلى الله عليه وسلم للمسلمين الذين لم يروه ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          حكم قول بحق جاه النبي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          ليلة النصف من شعبان ..... الواجب والممنوع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          فضل صيام شهر رمضان.خصائص وفضائل شهر رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          المقصود بالتثليث النصراني الذي أبطله القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 12-08-2022, 09:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,610
الدولة : Egypt
افتراضي الحفاظ على الأوطان من المعاصي التي تدمر البلدان

الحفاظ على الأوطان من المعاصي التي تدمر البلدان
السيد مراد سلامة

الخطبة الأولى
الحمد لله ذي العرش المجيد، والبطش الشديد، الفعَّال لما يريد، المنتقم ممن عصاه بنار تَلَظَّى بدوام الوقيد، المكرم سبحانه وتعالى لمن أطاعه واتَّقاه بجنَّاتِ لا ينفد نعيمُها ولا يغيب، فسبحان الذي قسم خلقه قسمين، وجعلهم فريقين؛ فمنهم شقي وسعيد، ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [فصلت: 46]، ونشهد أن لا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شريك له، الواحد الأحد، القيوم الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، لا مغيث غير الله، ولا مجير غير الله، ولا معين غير الله، ولا ناصر غير الله، ولا مُفرِّج لهمومنا وكروبنا إلا الله، فإذا أصابك هَمٌّ فقل: يا الله، وإذا أصابك حزن فقل: يا الله، وإذا واجهتك المشكلات فقل: يا الله، وإذا اجتمعت عليك الدنيا بأسْرِها فقل: يا الله، فإنه لا مُفرِّج لكل ذلك إلا الله، أما بعد:
فيا أحباب الحبيب صلى الله عليه وسلم، حديثنا اليوم عن المحافظة على الأوطان من المعاصي التي تُدمِّر البلدان، اعلموا، ثم اعلموا أنه لا أضر على الفرد والمجتمع من الذنوب والمعاصي، وقد يستهين بها الفرد، ويستهين بها المجتمع؛ ولكنها هي التي تفسد عليه أمنه الاجتماعي، وأمنه الاقتصادي، وأمنه السياسي، فكم من أُمَمٍ قد أهلكها الله تعالى كانت أشدَّ قوةً وأكثرَ جَمْعًا؛ ولكن الذنوب والمعاصي قصَمَتْ ظهورَهم، وجعل الله تعالى بأسَهَم شديدًا، يقول ابن القيم رحمه الله: ما الذي أغرق أهل الأرض كلَّهم حتى علا الماء فوق رؤوس الجبال؟ وما الذي سلط الريح العقيم على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض كأنهم أعجازُ نخلٍ خاويةٍ، ودمَّرَت ما مرَّتْ عليه من ديارهم وحروثهم وزروعهم ودوابِّهم حتى صاروا عبرةً للأُمَم إلى يوم القيامة؟ وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم، وماتوا عن آخرهم؟ وما الذي رفع قُرى اللوطية حتى سمِعَت الملائكة نبيح كلابهم، ثم قلبها عليهم، فجعل عاليها سافلها، فأهلكهم جميعًا، ثم أتبعهم حجارة من السماء أمطرها عليهم، فجمع عليهم من العقوبة ما لم يجمعه على أُمَّةٍ غيرهم، ولإخوانهم أمثالها، وما هي من الظالمين ببعيد، وما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظُّلَل، فلما صار فوق رؤوسهم أمطر عليهم نارًا تَلَظَّى؟ وما الذي أغرق فرعون وقومه في البحر، ثم نقلت أرواحهم إلى جهنم، فالأجساد للغرق، والأرواح للحرق؟ وما الذي خسف بقارون وداره وماله وأهله؟ وما الذي أهلك القرون من بعد نوح بأنواع العقوبات، ودمَّرَها تدميرًا؟ وما الذي سلط عليهم أنواع العقوبات مرةً بالقتل والسَّبْي، وخراب البلاد، ومرةً بجور الملوك، ومرةً بمسخهم قردةً وخنازيرَ؟ وآخر ذلك أقسم الرب تبارك وتعالى: ﴿ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ﴾ [الأعراف: 167].

قال الإمام أحمد: عن عبدالرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، قال: لما فتحت قبرص فُرِّق بين أهلها، فبكى بعضُهم إلى بعض، ورأيت أبا الدرداء جالسًا يبكي، فقلت: يا أبا الدرداء، ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟ فقال: ويحك يا جبير، ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا أضاعوا أمره! بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك، تركوا أمر الله، فصاروا إلى ما ترى.

عن أم سلمة - زوج النبي صلى الله عليه وسلم- أنها سمِعَت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا ظَهَرَ السوءُ في الأرضِ أنزلَ اللهُ عزَّ وجَلَّ بَأْسَه بأهْلِ الأرْضِ))، قلت: يا رسول الله، وإن كان فيهم صالحون؟ قال: ((نَعَمْ، وإنْ كان فيهم صالحون يصيبهم ما أصاب الناسَ، ثم يرجعون إلى رحمةِ اللهِ)) [1].

ركاب سفينة واحدة:أيها الإخوة الكرام، لا بد أن يعي الجميعُ أنالطالحين والصالحين ركَّابُ سفينة واحدة، فإن هلك الطالحون لطلاحهم؛ فسيهلك معهم الصالحون، وإن غرق المفسدون؛ فسيغرق معهم الصالحون، والله تبارك وتعالى يقول: ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾ [الأنفال: 25]، فلا يتوهمَنَّ متوهِّمٌ- ولو كان صالحًا- أنه سينجو إن نزلت العقوبة الجماعية، نسأل الله أن يرفع عن الأُمَّةِ البلاءَ.

عن النعمان بن بشير، رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَثَلُ القائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالمُدْهِنِ فِيها كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فِي البَحْرِ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاها، وبعضُهم أسفلَها، وكان الذين في أسفلِها يخرجون فيستقون الماء، ويشقون على الذين في أعلاها، فقال الذين في أعلاها: لا ندعكم تمرُّون علينا فتؤذونا، فقال الذين في أسفلها: إن منعتمونا فتحنا بابًا من أسفلها، فإن أخذوا على أيديهم فمنعوهم، نجَوا جميعًا، وإن تركوهم هلَكُوا جميعًا)) [2]؛ رواه البخاري.


خماسية الشقاء الاجتماعي:
أيها الأحباب - أحباب النبي الأوَّاب- ها هو النبي صلى الله عليه وسلم يحذرنا من خمسة أمور هي سبب كل شقاء في أي مجتمع من المجتمعات:
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يَا مَعْشَرَ المُهَاجِرِينَ، خِصَالٌ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيْتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِالله أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالمِيزانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ المؤنة وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إلا مُنِعُوا القَطْر من السماء، ولولا البهائم لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ الله وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللهُ عَلَيْهِمْ عَدُوَّهُمْ مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله عز وجل، ويَتَخيَّروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بَأْسَهَم بينهم))[3].

الآثار المترتبة على منع الزكاة:
يقول عليه الصلاة والسلام: ((ولا منعوا زكاة أموالهم إلا مُنِعُوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يُمطَرُوا))، كم يستسقي الناس، وكم يستغيثون الله عز وجل، ويطلبون منه المطر؛ بل نرى الجدب قد ضرب أطنابه في الأرض؛ وسبب ذلك أن الأمة الإسلامية فرَّطَت في دينها، وضيَّعت كثيرًا من أوامر ربِّها سبحانه وتعالى، لقد أصبحت أرقام الأموال لدى طائفة من الناس خيالية، لدرجة أنك قد تعجز عن إحصائها؛ ولكن مع الأسف نجد أن الكثير منهم امتنعوا عن إخراج زكاة أموالهم؛ بل رأينا كثيرًا من تلك الأموال تذهب في معصية الله عز وجل، وفيما لا يرضي الله.

وحينما يبخل الناس بالزكاة، فإن الله تعالى يمنع المطر، ولربما يظُنُّ ظانٌّ أن المطر إنما هو وسيلة لإنبات العشب؛ ولكن المطر حقيقة هو وسيلة لحياة هذا الإنسان، ﴿ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ ﴾ [الواقعة: 68، 69]، إن امتناع القطر من السماء سببُه الذنوب والسيئات، وأعظم هذه الذنوب وتلك السيئات التي كانت سببًا في حبس المطر حتى أجدبت الأرض هو منع إخراج الزكاة، فعلينا أن نصلح أحوالنا حتى يُغيِّر الله ما بنا؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11].

نقص المكيال والميزان وعاقبته:
وقد يستهين جموع المجتمع بقضية تطفيف الكيل والميزان، فلا يُبالي البائع أن يُطفِّف، ولا يبالي المشتري أن يُطفِّف، وما علموا أن ذلك سبب الغلاء والعناء والضراء؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ولا نقصوا الْمِكْيالَ وَالمِيزانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ المؤنة وَجَوْرِ السُّلْطَانِ))؛ المراد بنقص الميزان والمكيال إما بالازدياد إن اقتضى من الناس، وإما بالنقصان إن قضاهم.

وقد حذَّر شعيب عليه السلام قومَه من الشرك بالله، وبخس المكاييل والموازين، فقد كان قومه يغشون في المعاملات، وينقصون الناس أشياءهم، وذكرهم الخير الذي أدره الله عليهم، والأرزاق المتنوعة، وأنهم ليسوا بحاجةٍ إلى ظلم الناس في أموالهم؛ ولكنهم أبوا ذلك فأخذتهم الصيحةُ فأصبحوا في ديارهم جاثمين.

عاقبة نقض عهد الله وعهد رسوله:
ومن عقوبات الذنوب والمعاصي التي تجلب على الفرد والمجتمع الذُّلَّ والهوان، وتسلُّطَ الأعداء، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((ولا نقضوا عهد الله، وعهد رسوله إلا سلَّط الله عليهم عدوًّا من غيرهم، فيأخذ بعض ما في أيديهم))، ولقد نقض المسلمون عهودهم مع الله عز وجل، ومع رسوله صلى الله عليه وسلم، فتركوا ما أمرهم الله به، وارتكبوا ما نهاهم الله عنه، ثم كانت النتيجة الحتمية، والخاتمة السيئة: ((سلَّط الله عليهم عدوًّا من غيرهم))؛ أي: من غير الأمة الإسلامية، ((فيأخذ بعض ما في أيديهم))، إذا أردت دليلًا على هذا الواقع المرير، فتصفح خارطة العالم الإسلامي، أين فلسطين؟ وأين الأندلس؟ وأين كثيرٌ من البلاد التي أصبحت الآن في قبضة العدوِّ، وما بقي منها فيكاد أن يكون تحت سيطرة العدو إلا ما شاء الله؟ وإنا لنخاف أن يأتي ذلك اليوم الذي يأخذ العدوُّ كُلَّ ما في أيدينا، ويصبح هؤلاء المسلمون أسرى بسبب سيئاتهم وإعراضهم عن الله عز وجل.

المعاصي سبب كل فساد في البر والبحر أصاب الإنسان أو الحيوان أم الطير؛ كل ذلك بسبب ذنوب بني آدم، فأي مجتمع ما ظهرت فيه الفواحش وارتكاب المحرمات إلا شقي بما فيه، فمن آثار الذنوب والمعاصي أنها تتعدَّى إلى غير مرتكبها، فليست مقصورةً على العاصي فقط؛ بل إن آثارها متعدية إلى غيره من جيرانه، ومن يعيشون معه؛ بل وحتى لها تأثير على الأرض التي يعيش عليها، ولها تأثير أيضًا على الحيوانات والجمادات، فمن آثارها على المجتمع عامة أنها تُحدث في الأرض أنواعًا من الفساد في المياه والهواء، والزرع والثمار، والمساكن، قال تعالى: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41].

ومن آثارها على المجتمع عامة أنها سبب من أسباب الخسف والزلازل، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: توشك القرى أن تخرب وهي عامرة، إذا علا فُجَّارُها على أبرارها، وساد القبيلةَ منافقوها[4].

عن سهل بن سعد قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ))، قيل: ومتى ذلك يا رسول الله؟ قال: ((إِذَا ظَهَرَتِ الْقِيَانُ وَالْمَعَازِفُ، وَاسْتُحِلَّتِ الْخُمُورُ))[5].

عن عبدالرحمن بن غَنْم الأشعري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لَيَشْرَبَنَّ أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا، وَيُضْرَبُ عَلَى رُءُوسِهِمُ الْمَعَازِفُ، يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ، وَيَجْعَلُ مِنْهُمْ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ)) [6].

أيها الناس، ومن آثار الذنوب والمعاصي على المجتمع أن شؤمها وضررها ليس مقتصرًا على العاصي فقط؛ وإنما متعدٍّ إلى غيره من الجمادات والحيوانات، قال مجاهد بن جبر: إن البهائم تلعن عصاة بني آدم إذا اشتدت السنة، وأمسك المطر، وتقول: هذا بشؤم معصية ابن آدم.

ومن أثرها على المجتمع أنها سببٌ للتمزُّق والتفرُّق والاختلاف، وهذا ما نراه ونلاحظه اليوم في أُمَّتنا، قال تعالى: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30]، ولكن للعجب أن كثيرًا من الناس اليوم يَعْزُونَ ما حلَّ بالأمة من تمزُّقٍ وتشرذُمٍ واختلافٍ إلى أسباب مادية بحتة, أو إلى أسباب سياسية, أو إلى أسباب مالية, أو إلى أسباب حدودية، أو ما أشبه ذلك، وهذا مما لاشك فيه أنه من قصور فَهْمِهم، وضعف إيمانهم، وغفلتهم عن تدبُّر كتاب الله وسُنَّة رسوله، أو لا يعلم أولئك أن وراء تلك النكبات والمصائب أسبابًا غير تلك الأسباب المادية البحتة؛ أسبابًا شرعية، وهي الذنوب والمعاصي، أولم يسمعوا إلى الله وهو يقول: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [الأعراف: 96 - 99]، فاللهَ اللهَ- عباد الله- في تقوى الله، ومراقبته في السِّرِّ والعلانية، والحذرَ الحذرَ من الغفلة، والتمادي في معصيته.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
أما بعد:
ومنها تسليط الأعداء، وذَهاب القوة، ونزع الهيبة من قلوب الأعداء: روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عبدالله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بُعِثْتُ بالسيف بين يدي الساعة حتى يُعبَد الله وحده لا شريك له، وجُعِل رِزْقي تحت ظِلِّ رُمْحي، وجُعِل الذُّلُّ والصَّغارُ على مَنْ خالَفَ أمْري، من تَشَبَّه بقومٍ فهو منهم)).

إن صحائفَ التاريخ خيرُ شاهدٍ على عجيب تأثير المعاصي في الأُمَم، لقد كانت أمَّةُ الإسلامِ في سالِفِ دَهْرِها أُمَّةً موفورةَ الكرامة، عزيزةَ الجانب، مرهوبةَ القوة، عظيمةَ الشوكة؛ لكنها أضاعت أمر الله، وأقْصَتْ شريعتَه من حياتها، وراجَتْ أسواقُ الشرك في أصقاعٍ كثيرةٍ في العالم الإسلامي؛ فصار أمرُها إلى إدبارٍ، وعِزُّها إلى ذُلٍّ، وجثم على صدرها ليلٌ طويلٌ من الاستعمار الكافر، ولولا أنها الأمة الخاتمة لأصبحت تاريخًا دابرًا تحكيه الأجيال!

وليس الذي حَلَّ بنا ويحلُّ ظلمًا من ربنا، كلَّا وحاشا، فهو القائل في الحديث القدسي الصحيح: ((يا عبادي، إني حرَّمْتُ الظُّلْمَ على نفسي، وجعلته بينكم مُحرَّمًا، فلا تَظالموا))؛ وإنما هي السُّنَن الربانية النافذة التي لا تُحابي أحدًا؛ ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11]، ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الأنفال: 53].

روى الإمام أحمد في مسنده من حديث ثوبان مرفوعًا: ((يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا))، قلنا: يا رسول الله، أمِنْ قِلَّةٍ منا يومئذٍ؟ قال صلى الله عليه وسلم: ((أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ؛ وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ، تُنْزَعُ الْمَهَابَةُ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ، وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ))، قالوا: وما الوهن؟ قال صلى الله عليه وسلم: ((حُبُّ الدنيا وكراهةُ الموتِ)).

إننا- معاشر المسلمين- اليوم نئِنُّ تحت وطأة الذُّلِّ المسلَّط علينا، وكثير من المسلمين لا يزالون غافلين عن سبب البلاء الذي بيَّنه رسولنا صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث صحيح، فعن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إِذَا ضَنَّ النَّاسُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ، وَتَبَايَعُوا بِالْعِينَةِ، وَتَبِعُوا أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وتركُوا الجهادَ في سبيلِ اللهِ؛ سلَّطَ اللهُ عليهم ذُلًّا لا يرفعه حتى يراجعوا دينهم))؛ (رواه أبو داود وأحمد).

ويقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إننا كنا قومًا أذِلَّةً فأعَزَّنا اللهُ بهذا الدين، فإن ابتغينا العِزَّةَ في غيره أذَلَّنا الله.

الدعاء.

[1] مسند أحمد، ط الرسالة (44/ 216)، وأخرجه الطبراني في "الكبير" 23/ (747).

[2] أخرجه البخاري (2686).

[3] سنن ابن ماجه ت الأرنؤوط (5/ 150) وأخرجه أبو نعيم في "حلية الأولياء" 3/ 220 و 8/ 333 -334 إسناده ضعيف.

[4] صحيح الجامع: 5467, الصحيحة: 2203.

[5] الترمذي (4/ 495) (2212).

[6] سنن أبي داود ت الأرنؤوط (5/ 530)، وأخرجه ابن ماجه (4020) (صحيح) انظر حديث رقم: 5453 في صحيح الجامع.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 82.77 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 81.05 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.08%)]