آخر الألحان - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         زيادة ركعة بعد كل فرض بسبب الوسواس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          التلفظ بالنية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          دخل ووجد الإمام راكعا هل يلزمه تكبيرة أم تكبيرتان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          20 قاعدة لحقوق وواجبات العمل في الاقتصاد الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          رمضان ووحدة الأمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          كبســولات نفسيــــة خفيفـــة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 57 - عددالزوار : 4403 )           »          واجب الأمة نحو تعليم القرآن والمشتغلين بحفظه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          السلفية بين تهمة التشدد وواقع الغربة (معالم الوسطية بين النص الشرعي ونزعات الهوى ..) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          حق اللجوء في الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى الشعر والخواطر > من بوح قلمي
التسجيل التعليمـــات التقويم

من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-08-2022, 03:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,560
الدولة : Egypt
افتراضي آخر الألحان

آخر الألحان
مروة سعيد علي








وُلِدْتُ لأبٍ يشكو الصمتُ من صمتِه، وأمٍّ تأمر ولا تقبَلُ أن يُعصى لها أمر، إخوتي كلهم ذكور، ليس لي في عرفِهم غير الطاعة العمياء، مُنِعتُ من اللعب مع بنات الجيران، وزميلات دراستي لم يكن يحقُّ لي أن أتبادل معهن الزيارات.



حبيسةً كنتُ في بيت أبي، لا سلوى لي غير التلفاز، كنت أعيش بعقلي وقلبي مع نجومه، حتى تخللوا كل وجداني، وحين حلَّت بي سنوات المراهقة غيَّرت بعض عاداتي، فتوجهت إلى قراءة الصحف، فكان باب القراء هو ما تعلَّق به فؤادي، كنت أقرأ رسائل القراء ورد الكاتب الناشر، يبهرني تحليله للرسالة تارة، وتارة أخرى أكتب في مذكراتي عن ردِّه بعض الملاحظات، فلم يكن عندي الجرأة لكي أرسل له تعليقاتي، هكذا مضت بي الأيام، أصدقائي هم أصحاب الهموم، وخيالي هو محل الملتقى معهم، وأوراقي ومدادي يتم بهم الحوار، وتعلق مع الأيام قلبي بهذا المحرر، فصار معلمي وأستاذي، حلمي أن أقابله، كان عندي يقين سيتحقَّق بلا جدال، وطالت صحبتي معهم من الثانية عشرة إلى أن صرت في أوائل العشرينيَّات.



وتبدَّلت حياتي فجأة، عندما جاء مَن يطلبني للزواج، منحوه الموافقة بغير سؤالي، فقد رأَوا أنه الأنسب لنسبِهم، ولم يسألني أحدهم: "أيرغب فيه قلبكِ أم يضنُّ عليه بالقبول الفؤاد؟"



لم يكن ما أريده يومًا محل الاهتمام، ولبست خاتم الخطبة، وأنا لا أعلم جيدًا معالم وجه مَن قيَّد إصبعي، فلم أره قبل الخطبة غير بضع ثوانٍ، وبعد الخطبة أتى خطيبي ليجلس مع أبي وأمي، وإخوتي ساعات وساعات، أما أنا، فأنظر حيث أضع قدمي، لا أسمع غير أحاديثهم عن متطلبات إتمام الزواج، تتلهف مسامعي لكلمات كنت أحسبها ستهطل على قلبي بعد خطبتي، وطال صبري وانتظاري، واسيت قلبي بغدٍ سيأتي لن يفرق فيه بيني وبينه إنسان، يتحرر معه قلبي من قيود أسرتي وأشدو معه أعذب الألحان.



وجاء يوم زفافي، فما سمعتُ منه غير كلمات أقل في عددها من أصابع يدي، وماتت فرحتي، وحل محلها سؤالي الحائر: "أحقًّا سيأتي ذاك اليوم الذي تنهمر فيه على قلبي حلو الكلمات؟".



وتباطأت خُطى غَدِي، وزاد احتضار آمالي حتى هاجم الخوف كل كياني، بتُّ أخشى من يومٍ أُمسِك فيه قلمي لأكتب شجوني لأستاذي، أستاذي الذي ما ظننت أبدًا أنني سأكون من مراسليه بهمومهم، ولكن ماذا سأكتب؟ أتكون قصتي كتلك التي طُلِّقت بعد زواجها بعام واحد، وما عاد يشغلها من حينها غير التردُّد على المحاكم من أجل نَيْل حقوقها وحقوق وليدِها، فما رحمها تباطؤ الإجراءات ولا ألسنة السوء، ولم تترفَّق بها أعين الطامعين في شبابها من الرجال، الرجال لا يرون في المرأة غير ما يريدونه منها، أما ما ترجوه هي، فلا قيمة له عندهم، وإن كان كل ما تتمناه هو الإحسان.



وأصبحتُ أخاف من المستقبل الذي أجهله، ولا أعرف الطريق إلى النجاة، كل مَن حولي لا يرون في حياتي غير نُكراني لفضل الرجل الذي تزوَّجني ليطعم قلبي الصمت، الذي لم يكن لي غيره في سابق أيامي من طعام.

وبدأ وهج شبابي ينطفئ نوره، وما عدتُ أملك غير دمع يسطر في القلب قصة فتاة، ما كانت ترجو من الدنيا غير قلب تسكن إليه، تنتظر عودته بلهفة طفل، غابت عنه أمه نبع الحنان، يملأ قلبَها، وتكون هي في قلبه درَّة يخفيها عن أعين الحساد.

هكذا عدتُ حبيسة، غير أني في محبسي في بيت أبي، كان في قلبي أمل في شروق شمس غدي، أما الآن، فغدي هو أمسي، ويومي ليس فيه ما يميزه عما مضى من الأوقات.



وسمعت يومًا صوت عصفور يغني في شرفة جيراني، فهرولت إلى شرفتي أنظر إليه وأسأله بلسان حالي:

أسعيد أنت؟ كيف تسعد وأنت حبيس جدران لا فرق بينها وبين جدراني؟

وأصبحت أمضي أوقاتي في شرفتي أحاور عصفوري القاطن في شرفة الجيران، فصار بيني وبينه ودٌّ، أكثر مما بيني وبين زوجي الذي ينام كل ليلة إلى جواري.



وفاض الألم من قلبي، فأمسكت بقلمي الذي كنت هاجرة له، وأرسلت إلى أعز الأصدقاء، أسأله أن يعينني بالنصح على إيجاد زَوْرق نجاتي، فردَّ عليَّ قائلًا:

لا أحد يمكنه أن يحمل عن كاهلكِ تلك الأحمال، وزَوْرق نجاتكِ أن تتخذي أنتِ القرار، إلى أين ترسُو سفينتكِ، وإلى أين تذهب خُطاكِ، لا تتركيها لمَن يُسيرها لكِ كيفما يشاء.



أفزعتني كلماته "أتَّخذ أنا قراري"، أثارتِ الرعبَ في قلبي، وكأنه يطلب مني أن أقتل ذاتي، فأنا لم أتخذ مطلقًا أي قرار، كيف أخرج من عباءتي التي ألبسني إياها كل مَن ملكوا يدي، نعم ملكوا يدي، أنا لست حرة، بل أَمَة بِيعت بأزهد الأثمان، ولم تجد لقلبها مَن يعطيه قدره، وكأن به نقصان، مكبَّلة خطواتي بقيود لا أعرف كيف السبيل لكسرها.



أنا أضعف من هذا العصفور الذي شدا في قفصه، وغرد عندما وهبوه مَن تؤنس وحدته، وتهون عليه طول الساعات، أنا أهون على مَن ملكني، فلا عصفور عندي يؤنس وحدتي، أشحذ النظرات من عصفور جيراني، أختلسها منه خفية من وراء عازلي الزجاجي.



ومضت أشهر قليلة، وفارق مَن كنت أحسب الأيام لن تضنَّ عليَّ بلقائه، ورحلت عني معه آخر بسماتي، تصبَّرت برسالتي التي أرسلتها له فقد كان فيها اللقاء، حاوَرْتُه كما كان يحاورني سنوات وسنوات، سمعتني عيونه كما كنت أسمعه، وأخذت من لبِّه لحظات لي وحدي، كما أخذ من أيامي كل وجداني، وأقسم فؤادي ألا تتركه ذكراه.



وزاد من ضيقِ أيامي كثرة الأحزان فهاجمني المرض، لم أعرف ما مرضي؟ فكل مَن حولي لم يرغبوا في إخباري، ولم أهتمَّ، فمنذ متى وهم يخبرونني بأي شيء يتعلق بحياتي؟!



صرت طريحة الفراش أسمع نحيبهم، ولا أقوى على أن أحرِّك فاهي، وضمَّني أبي بين ذراعيه يومًا، فسمعت آهات قلبه حين وضع رأسي على صدره لأول مرة منذ ميلادي، أحرقتْ دموعُه الحجب التي كانت بيني وبينه، وزلزلت دعواته في قلبي محبة كنت أخفيها في طيّات أنفاسي، وسال مني دمعي متسائلًا: "الآن يا أبي، تخبرني كم تحبني، الآن وقد آن لأيامي أن تنقضي، أأعاتبك أم أعاتب الصمت الذي فرَّق بيننا سنين حسبنا أننا قضيناها معًا؟".




وسمعت عصفور الجيران يشدو شدوَه، فحاولت أن تنهض لتختلس منه بعض النظرات، ولكن القدر صوب سهامه نحوها، وغرد العصفور آخر الألحان.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 48.98 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 47.46 كيلو بايت... تم توفير 1.52 كيلو بايت...بمعدل (3.10%)]