|
ملتقى الشعر والخواطر كل ما يخص الشعر والشعراء والابداع واحساس الكلمة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() زهايمر (قصة قصيرة) علي قوادري في سنة 2030، بدأت أَدخل سنَّ الشيخوخة، لم أعُدْ أذكرُ الكثير من الأحداث، وحتى بيتي وسنِّي واسمي، وأصبحت أَخْلِط أحيانًا في تسمية أبنائي وأحفادي، قال الطبيب: • بعض أعراض الزهايمر بدأت تتسرَّب لذاكرتك يا حاجُّ. كاستباقٍ للنسيان، كنت أُحدِّث أبناءَ ذاك الجيلِ عن فلسطينَ، والمسجد الأقصى، وغزة، وعن جهاد الكفار، ومن شدة ما كنت أحدثهم عنه؛ تخيَّلتُ أني أسرِد أساطيرَ من أيام عجائز القرن الماضي، وأني غريب الأطوار؛ رجلٌ تحنَّطتْ لغته، وعاد من غيابات الماضي. لمحتُ في وجوههم دهشةً وتعبيرًا ينُمُّ عن الجهل، سألتُ كبيرَهم الذي علَّمهم الاستهزاءَ بي: • هل سمعتم بفلسطين، أو بغزةَ، أو بمسجدٍ منهوب لنا اسمه: المسجد الأقصى؟ أجابني - غامزًا الآخرين -: • إيه يا شيخ، هَرِمْتَ، وأُصبتَ بأضغاث أحاديثَ، وتَوَزَّعتْك الوساوس والأخيلة، تفتَّتتْ ذاكرتك، تُكلِّمنا عن أشياءَ لم نسمع بها في آبائنا الأولين، لو كلَّمتنا عن الربيع العربي، وجهاد الشيعة للسنة، وجهاد السنة للشيعة، وجهاد آبائنا في اليمن وليبيا وسوريا، ووو..؛ ولكن شطَّ بك الخيال فرُحتَ ترسم لنا مدنًا، وتترك أعداء ديننا، وتوجِّهُنا لأحبةٍ لنا. وجدتُني كالمُهرِّج أو كالحكواتي، لا أحدَ يهتمُّ بحديثي، ولا بتاريخ أُمَّة تغير بسرعة وأصبح بقيةً باقيةً في رؤوس القليل من الشيوخ مثلي؛ ممن تساقطت أسنانهم، وانحنت ظهورهم، وخفَّ نظرهم، وتباطأت خطواتهم. مات أكثرهم، وبقيت أنا وصديق غادر المدينة، ولم نعُدْ نسمعُ عنه شيئًا، كان أنيسي ويصحِّح لي أحيانًا؛ فذاكرته - ما شاء الله - كذاكرة الفيل. وسِرْت تتقاذفُني حَيرة، وتمزِّقني دقاتُ قلبٍ مُتْعَبٍ، لا يمكنه مصاحبتي إلَّا بدواء لا يفارقني، أتَّكئ على عصاي - التي أَهُشُّ بها على سِنِي عمري الثقيلةِ، ولي فيها عزاءٌ وصحبةٌ - بأصابعَ لا تتوقف رَعَشاتُها، ولي في كل شارع صِبْيَةٌ يلاحقونني، وإمَّا توقفت، تحلَّقوا حولي وهم يصفقون ويصرخون - غيرَ عابئين بعصاي السابحة في ملكوت نسائمِ الربيع المَسائي -: • فلسطين فلسطين.. غزة غزة.. الأقصى الأقصى...مجنون مجنون! حتى إذا افرنْقَعوا عني، جمعتُ بعضي وأنا أحمِل طاقم أسناني في يدي، متشبِّثًا ببقايا جدار سقط بسب هِزَّةٍ أرضية خفيفة، قابَ خطواتٍ من بيتي الذي أفرُّ منه خشيةً من زوجة ابني الصغير؛ مسكينة، تنهرني ولا تحب أن تراني، تعاملني بوجهين؛ إذا ما كان زوجها في البيت، فرشت ليَ الهُدُبَ والنَّمارِق، وأطعمتني فاكهةً ولحمًا، وألبستْني النظيف المُعطَّر مِسْكًا، وإذا ما غادر زوجها إلى عمله في الصحْراء، انقلبت وانعكس حقدُها على مرايا وجهها ليغدوَ بسَحنةٍ سوداءَ أقربَ إلى الفحم، كلَّما سألني ابني الصغير عن معاملتها، طفِقتُ أَخْصِفُ عليها من ورق الدعاء. لا أدري كم من الوقت قضيتُ لأصِلَ إلى عتبة الباب؛ ولكني سعيد لأني ثقيل المشي، فلا بد لكَنَّتي أنها نامت يملأ شَخيرها البيت. ألْتفتُ نحو الصِّبيَةِ الذين تلاشوا كسِنِي العمر وككلِّ الأحبة، وأهمِس بصوت شبيه بأنين خافت من مُحتضَرٍ؛ أتحداهم، وأتحدى كَنَّتي، وأتحدى الزهايمر، وأتحدى الشيخوخة: نعم.. فلثطين.. غذة.. الأقثى[1]... [1] فلثطين = فلسطين. غذة = غزة. الأقثى = الأقصى.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |