بعض المحاذير الشرعية في الأوقاف - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4977 - عددالزوار : 2096586 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4556 - عددالزوار : 1372057 )           »          حكم كتابة القرآن بالرسم الإملائي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          مصير صحف إبراهيم، وزبور داود عليهما السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          الإجهاض للحمل الناتج عن اغتصاب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          استحباب الدعاء في كل الصلوات بـ: اللهم اغفر لي ذنبي كله... (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          حكم قول الشخص لمتابعيه في الفيس بوك: من له حاجة لأدعو له في الحرم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          ما حكم التدخين لمن يعلم أنه حرام ولا يقلع عنه؟. (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          معلومات هامة عن أفكاروأماكن يضيع فيها شبابنا، الروتراكت.. شباب الروتاري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          حكم خروج المرأة من بيتها للعمل ,فتوى خروج المرأة من بيتها للعمل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة
التسجيل التعليمـــات التقويم

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 03-03-2022, 09:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,175
الدولة : Egypt
افتراضي بعض المحاذير الشرعية في الأوقاف

بعض المحاذير الشرعية في الأوقاف (1)
حماده إسماعيل فوده

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلَّم؛ أما بعد:
ففي هذا المقال ذكر لبعض المحاذير الشرعية في الأوقاف من جهة الواقف، وأقصد بها بعض الأمور المخالفة للشرع، والتي قد يقع فيها الواقف في وقفه؛ منها:
أولًا: ألا يبتغي الواقف بوقفه وجه الله عز وجل: كأن يوقف من أجل جاه أو شهرة أو ليقال: فلان أوقف كذا؛ ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضيَ الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلَّم قال: ((إن أول الناس يُقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد، فأُتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال: جريء، فقد قيل، ثم أُمر به فسُحب على وجهه حتى أُلقي في النار، ورجل تعلم العلم، وعلمه وقرأ القرآن، فأُتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم، وعلمته وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أُمر به فسُحب على وجهه حتى أُلقي في النار، ورجل وسع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال كله، فأُتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن يُنفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: هو جواد، فقد قيل، ثم أُمر به فسُحب على وجهه، ثم أُلقي في النار))[1].


ثانيًا: أن يقصد الواقف من الوقف الإضرار بالورثة كحرمانهم من الميراث:
وهذا مخالف لقول الله تعالى في الوصية: ﴿ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا ﴾ [النساء: 12]؛ أي: لتكون وصيته على العدل، لا على الإضرار والجور والحيف بأن يحرم بعض الورثة، أو ينقصه، أو يزيده على ما قدر الله له من الفريضة، فمتى سعى في ذلك، كان كمن ضاد الله في حكمته وقسمته[2].

ومخالف أيضًا لهدي النبي صلى الله عليه وسلَّم؛ لحديث سعد بن أبي وقاص رضيَ الله عنه لما قال له النبي صلى الله عليه وسلَّم: ((إنك أن تذر ورثتك أغنياء، خير من أن تذرهم عالةً يتكففون الناس، وإنك لن تنفق نفقةً تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها، حتى ما تجعل في في امرأتك))[3].

وعليه؛ فلا يجوز للواقف أن يقصد بوقفه الإضرار بورثته، بل يحرص على إخلاص النية لله تبارك وتعالى.


ثالثًا: أن يشترط الواقف شرطًا مخالفًا للشرع:
مما لا شك فيه أن شرط الواقف لا يجوز العمل بموجبه إذا خالف الشرع، ولذلك نقل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إجماع الأمة على أن من شروط الواقفين ما هو صحيح معتبر يعمل به، ومنها ما ليس كذلك[4].

ولذلك فسر كثير من العلماء قول الفقهاء: "شروط الواقف كنصوص الشارع"، بأنها كالنصوص في المفهوم والدلالة على مراد الواقف، لا في وجوب العمل بها[5].

فلم يُجزْ أحد من أهل العلم العمل بشروط الواقف إذا خالفت شرع الله تعالى، سواء في ذلك الحنفية[6]، والمالكية[7]، والشافعية[8]، والحنابلة[9]، وغيرهم من أهل العلم.

قال الكمال ابن الهمام الحنفي رحمه الله: "شرائط الواقف معتبرة إذا لم تخالف الشرع، والواقف مالك، له أن يجعل ملكه حيث شاء ما لم يكن معصية"[10].

وقال الدردير المالكي رحمه الله: "واتبع وجوبًا شرطه إن جاز شرعًا، ومراده بالجواز: ما قابل المنع"[11].

وقال ابن حجر الهيثمي الشافعي رحمه الله: "إن قلت شرائط الواقف مراعى كنص الشارع، قلت: محل مراعاته حيث لم يخالف غرض الشارع"[12].

وقال: "أما ما خالف الشرع كشرط العزوبة في سكان المدرسة - مثلًا - فلا يصح"[13].

وقال البلباني الحنبلي رحمه الله: "ويجب العمل بشرط الواقف إن وافق الشرع"[14].

وقال ابن القيم رحمه الله: "وكذلك الإثم مرفوع عمن أبطل من شروط الواقفين ما لم يكن إصلاحًا، وما كان فيه جنف[15]، أو إثم، ولا يحل لأحد أن يجعل هذا الشرط الباطل المخالف لكتاب الله بمنزلة نص الشارع، ولم يقل هذا أحد من أئمة الإسلام، بل قد قال إمام الأنبياء صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله: ((كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، كتاب الله أحق، وشرط الله أوثق))[16].

فإنما ينفذ من شروط الواقفين ما كان لله طاعة، وللمكلف مصلحة، وأما ما كان بضد ذلك، فلا حرمة له كشرط التعزب والترهب المضاد لشرع الله ودينه... والمقصود: أن الله تعالى رفع الإثم عمن أبطل الوصية الجانفة الآثمة، وكذلك هو مرفوع عمن أبطل شروط الواقفين التي هي كذلك، فإذا شرط الواقف القراءة على القبر، كانت القراءة في المسجد أولى وأحب إلى الله ورسوله وأنفع للميت، فلا يجوز تعطيل الأحب إلى الله الأنفع لعبده، واعتبار ضده"[17].

وعلى كل حال: فإن ما يختلف فيه العلماء من اعتبار بعض الشروط أو ردها، فإنما هو ناتج عن اختلافهم هل هي من الشروط المخالفة لأمر الله تعالى، أو من الشروط المرغوبة عند الشارع، أو من الشروط المباحة، فالجميع متفقون على عدم اعتبار ما خالف الشرع - وإن اختلفوا في ضابط ما خالف الشرع - كما أن الجميع متفقون على مراعاة ما وافق الشرع، واختلفوا في اعتبار ما ليس بمكروه ولا مستحب، والله أعلم[18]؛ ا.هـ.



رابعًا: أن يرجع الواقف في وقفه:
ذهب الفقهاء إلى أن الوقف متى أصبح لازمًا، فلا يجوز الرجوع فيه، فلا يباع ولا يرهن، ولا يوهب ولا يورث، ولكن الفقهاء اختلفوا فيما لو شرط حين الوقف أن له الرجوع فيه، أو شرط أن له الخيار، فذهب الحنابلة والشافعية في الصحيح إلى أنه لا يصح الشرط ولا الوقف، فيكون الوقف باطلًا، وفي احتمال عند الحنابلة والشافعية ذكره ابن سريج أنه يصح الوقف ويبطل الشرط[19].

قال النووي: "لو وقف بشرط الخيار أو قال: وقفت بشرط أني أبيعه أو أرجع فيه متى شئت، فباطل، واحتجوا له بأنه إزالة ملك إلى الله سبحانه وتعالى كالعتق، أو إلى الموقوف عليه كالبيع والهبة، وعلى التقديرين، فهذا شرط مفسد،وقال ابن قدامة: إنْ شرط الواقف أن يبيع الموقوف متى شاء أو يهبه أو يرجع فيه، لم يصح الشرط ولا الوقف؛ لأنه ينافي مقتضى الوقف ويحتمل أن يفسد الشرط، ويصح الوقف بناء على الشروط الفاسدة في البيع، وإن شرط الخيار في الوقف فسد، نص عليه أحمد؛ لأنه شرط ينافي مقتضى العقد فلم يصح، ولأنه إزالة ملك لله تعالى، فلم يصح اشتراط الخيار فيه كالعقد"[20].


واختلف فقهاء الحنفية فيما لو شرط الواقف الخيار لنفسه حين الوقف، فإن كانت مدة الخيار معلومة كأن قال: وقفت داري هذه على كذا على أني بالخيار ثلاثة أيام، فعند أبي يوسف يجوز الوقف والشرط؛ لأنه لا يشترط تمام القبض عنده، فيجوز شرط الخيار.

وقال محمد: الوقف باطل؛ لأنه يشترط عنده تمام القبض لينقطع حق الواقف، وباشتراط الخيار يفوت هذا الشرط، واختار هلال قول محمد.

وفي رواية أخرى عن أبي يوسف أن الوقف جائز، والشرط باطل، وهو قول يوسف بن خالد السمتي؛ لأن الوقف كالإعتاق في أنه إزالة الملك لا إلى مالك، ولو أعتق على أنه بالخيار عتق وبطل الشرط، فكذا يجب هذا.

وإن كانت مدة الخيار مجهولة، بأن وقف على أنه بالخيار دون تحديد مدة الخيار، فالوقف والشرط باطلان بالاتفاق، هكذا ذكر الكمال بن الهمام في فتح القدير، لكن الطرابلسي ذكر في الإسعاف أن يوسف بن خالد السمتي قال: الوقف جائز والشرط باطل، على كل حال[21].

ولو قال الواقف حين الوقف: على أن لي إبطاله أو بيعه أو رهنه، أو على أن لفلان أو لورثتي أن يبطلوه أو يبيعوه وما أشبه ذلك، كان الوقف باطلًا على قول الخصاف وهلال، وجائزًا على قول يوسف بن خالد السمتي لإبطاله الشرط بإلحاقه إياه بالعتق[22].

وما مر من الخلاف عند الحنفية في شرط الخيار أو البيع أو الهبة وما أشبه ذلك حين الوقف، إنما هو في غير وقف المسجد، أما في وقف المسجد لو اشترط أنه بالخيار أو اشترط إبطاله أو بيعه، صح الوقف وبطل الشرط باتفاق[23].


وعند المالكية قال الدسوقي: يلزم الوقف ولو لم يحز، فإذا أراد الواقف الرجوع في الوقف، لا يمكن من ذلك، وإذا لم يحز عنه، أجبر على إخراجه من تحت يده للموقوف عليه، ثم قال: واعلم أنه يلزم، ولو قال الواقف: ولي الخيار كما قال ابن الحاجب، وبحث فيه ابن عبدالسلام بأنه ينبغي أن يوفى له بشرطه، كما قالوا: أنه يوفى له بشرطه إذا شرط أنه إن تسور عليه قاضٍ رجع له، وأن من احتاج من المحبس عليهم باع[24].

وقال الدردير: إذا شرط الواقف لنفسه الرجوع أو البيع إن احتاج له فله ذلك[25]؛ ا.هـ.

وعلى هذا لا يجوز للواقف الرجوع في وقفه حتى لو شرط لنفسه ذلك؛ لأنه إزالة ملك لله تعالى، والله أعلم.


خامسًا: أن يكون الواقف غير جائز التصرف (صبي دون الحلم – مجنون أو معتوه -محجور عليه لسفه أو لغفلة – عبد):
يشترط أن يكون الواقف جائز التصرف، ويقصد به صلاحية الشخص لممارسة الأعمال التي يتوقف اعتبارها الشرعي على العقل، إذ لا بد أن تتوافر في الواقف الشروط التالية[26]:
1- العقل: فلا يصح وقف المجنون؛ لأنه فاقد العقل، ولا وقف المعتوه؛ لأنه ناقص العقل، ولا وقف مختل العقل بسبب مرض أو كبر؛ لأنه غير سليم العقل؛ لأن كل تصرف يتطلب توافر العقل والتمييز[27].

2- البلوغ: فلا يصح وقف الصبي، سواء أكان مميزًا أم غير مميز؛ لأن البلوغ مظنة كمال العقل، ولخطورة التبرع[28].

3- الرشد: فلا يكون محجورًا عليه لسفه أو غفلة، وأجاز بعض الفقهاء وقفه في حالة واحدة، وهي أن يقف على نفسه أو على جهة بر وخير، لأن في ذلك مصلحة له بالمحافظة عليها[29].

4- الاختيار: فلا يصح وقف المكره[30].

5- الحرية: فلا يصح وقف العبد؛ لأنه لا ملك له؛ ا.هـ.

كانت هذه بعض الأمور المخالفة للشرع، والتي قد يقع فيها الواقف في وقفه، فليتنبه لها، ولنذكر الناس بها، و((من دل على خير ‌فله ‌مثل ‌أجر ‌فاعله))[31]، ويتبع إن شاء الله تعالى بمقال آخر يتناول بعض المحاذير الشرعية المتعلقة بالمال الموقوف.

وصلى الله وسلم، وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

[1] رواه مسلم (1905).

[2] انظر: تفسير ابن كثير (2/ 231).

[3] رواه البخاري (1295) واللفظ له، ومسلم (1628).

[4] ينظر : مجموع فتاوى ابن تيمية (31/ 47).

[5] ينظر : الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص:195)، وحاشية ابن عابدين (4/ 433)، ومجموع فتاوى ابن تيمية (31/ 47)، والمبدع (5/ 333).

[6] انظر : فتح القدير (6/ 200)، والبحر الرائق (5/ 245).

[7] انظر : الشرح الصغير (2/ 305)، والشرح الكبير (4/ 88)، ومواهب الجليل (6/ 33).

[8] انظر : نهاية المحتاج (5/ 376)، وتحفة المحتاج (6/ 256).

[9] انظر : أعلام الموقعين (3/ 96)، والإنصاف (7/ 56)، وأخصر المختصرات (ص:198).

[10] فتح القدير (6/ 200).

[11] الشرح الكبير (4/ 88).

[12] الإتحاف ببيان أحكام إجارة الأوقاف ضمن فتاوى ابن حجر (3/ 342).

[13] تحفة المحتاج (6/ 256).

[14] أخصر المختصرات (ص:198).

[15] الجنف: الميل المتعمد؛ [انظر: المصباح المنير، مادة (جنف) (1/ 111)].

[16] أخرجه البخاري (2563)، ومسلم (1504) عن عائشة رضي الله عنها.

[17] إعلام الموقعين (3/ 96).

[18] الأوقاف في العصر الحديث، كيف نوجهها لدعم الجامعات وتنمية مواردها، د.خالد المشيقح ص(44-47)

[19] الموسوعة الفقهية الكويتية (44/ 121-122).

[20] الروضة (5/ 328، 329)، ومغني المحتاج (2/ 385)، والمغني (5/ 606)، والإنصاف (7/ 25).

[21] فتح القدير (6/ 229، 230)، والدر المختار وحاشية ابن عابدين (3/ 360)، والإسعاف (ص: 28).

[22] الدر المختار وحاشية ابن عابدين (3/ 360)، والإسعاف (ص:29).

[23] الدر المختار وحاشية ابن عابدين (3/ 360)، والإسعاف (ص:28).

[24] حاشية الدسوقي (4/ 75)، وجواهر الإكليل (2/ 208).

[25] الشرح الكبير (4/ 82).

[26] الوقف العقاري في الشريعة الإسلامية، الشيخ سليمان بن جاسر الجاسر وفقه الله، الإصدار رقم (6) من سلسلة إصدارات مركز واقف خبراء الوصايا والأوقاف (ص: 20-21).

[27] بدائع الصنائع (6/ 291)، والشرح الصغير (2/ 298)، ونهاية المحتاج (5/ 356)، وكشاف القناع (4/ 240).

[28] المراجع السابقة.

[29] حاشية ابن عابدين (3/ 359)، والشرح الصغير (2/ 298)، ومغني المحتاج (2/ 148)، والمغني (4/ 486).

[30] حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (4/ 77)، ومغني المحتاج (2/ 377).

[31] رواه مسلم (1893).





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 03-03-2022, 09:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,175
الدولة : Egypt
افتراضي رد: بعض المحاذير الشرعية في الأوقاف

بعض المحاذير الشرعية في الأوقاف (2)
حماده إسماعيل فوده



بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:
ففي المقال السابق تناولنا بعض المحاذير الشرعية في الأوقاف من جهة الواقف، وفي هذا المقال بحول الله سنتناول بعض المحاذير الشرعية في الأوقاف من جهة المال الموقوف؛ وأقصد بها: بعض الأمور المخالفة للشرع، التي قد يقع فيها الواقف في وقفه، المتعلقة بالمال الموقوف؛ منها:
أولًا: عدم تعيين المال الموقوف بشكل ينفي الجهالة عنه:
فلقد ذهب الفقهاء إلى أنه يشترط في العين الموقوفة أن تكون معينة، فلا يصح وقف المبهم؛ قال الحنفية: يشترط أن يكون الموقوف معلومًا، فلو وقف شيئًا من أرضه ولم يسمِّه، لا يصح؛ لأن الشيء يتناول القليل والكثير، ولو بيَّن بعد ذلك؛ إذ ربما يبين شيئًا قليلًا لا يوقف عادةً، ولو قال: وقفت هذه الأرض أو هذه الأرض، كان باطلًا لمكان الجهالة[1].

وذكر الشافعية والحنابلة أن الوقف لا يصح إلا في عين معينة، فإن وقف عبدًا غير معين أو فرسًا غير معين، فالوقف باطل، وكذا لو وقف أحد داريه أو أحد عبديه، لا يصح؛ لأن الوقف نقل ملك على وجه القربة والصدقة، فلا يصح في غير معين، كما لا يصح في عين في الذمة كدار وعبد، ولو موصوفًا[2].

وذكر المالكية- كما جاء في الشرح الكبير - أنه يجوز الوقف المعلق كقول الواقف: إن ملكت دار فلان، فهي وقف، وعلق الدسوقي على ذلك بقوله: وانظر هل لا بد في التعليق من تعيين المعلق فيه، أو يدخل فيه ما إذا قال: كل ما تجدد لي من عقار أو غيره، ودخل في ملكي فهو ملحق بوقفي؟ أقول: المأخوذ من كلام الرصاع في شرح الحدود أنه إذا عم التعليق، فإن الوقف لا يلزم للتحجير كالطلاق[3]؛ ا.هـ[4].

ومما سبق يتبين لنا أن الوقف لا بد أن يكون معلومًا حتى ينفذ هذا الوقف، إلا أن الفقهاء اختلفوا في حكم الوقف المجهول - غير المعين - على قولين، والراجح القول بعدم صحة وقف المجهول لِما يفضي إلى النزاع، ولكونه إخراجًا من الملك؛ فيجب التوضيح والتعيين للعين الموقوفة على الوجه الصحيح، حتى لا يقع الإشكال[5].

ثانيًا: أن يتعلق بالعين الموقوفة حق للغير دون إذنه، كأن تكون مرهونة أو مؤجرة:
اختلف الفقهاء في صحة وقف العين التي يتعلق بها حق الغير كأن تكون مرهونة أو مؤجرة.

فذهب جمهور الفقهاء إلى صحة وقف العين التي يتعلق بها حق الغير، فنص الحنفية والمالكية على صحة وقف العين المرهونة أو المؤجرة، وتعود العين بعد افتكاكها من الرهن، وبعد انقضاء مدة الإجارة إلى الموقوف عليهم، ووافقهم الشافعية في العين المؤجرة.

وأما المرهونة، ففيها عندهم وجهان:
الأول: وهو المذهب، أنه يصح وقف المرهون كالعتق؛ لأنه حق لله تعالى لا يصح إسقاطه بعد ثبوته فصار كالعتق.

وفي الوجه الآخر عند الشافعية لا يصح وقف المرهون؛ لأنه تصرف لا يسري إلى ملك الغير فلا يصح كالبيع والهبة[6].

وقيَّد الحنابلة صحة وقف المرهون بما إذا كان الوقف بإذن المرتهن؛ لأن منعه من التصرف فيه لتعلق حق المرتهن به، وقد أسقطه بإذنه وبطل الرهن؛ لأن هذا التصرف يمنع الرهن ابتداء؛ فامتنع معه دوامًا[7].

وهذا في الجملة؛ إذ لكل مذهب نوع من التفصيل، فعند الحنفية: نقل ابن عابدين عن الإسعاف وغيره: لو وقف المرهون بعد تسليمه صح، وأجبره القاضي على دفع ما عليه إن كان موسرًا، وإن كان معسرًا، أبطل الوقف وباعه فيما عليه.


وإن وقف المرهون وافتكه، جاز، فإن مات عن عين تفي بالدين، صح الوقف ولا يغير، وإن لم يفِ ما تركه ما عليه من الدين، فإن القاضي يبطل الوقف ويبيعه للدين[8].

وقيَّد المالكية صحة وقف المرهون والمستأجر بما إذا قصد أن يكون موقوفًا بعد الخلاص من الرهن والإجارة؛ لأنه لا يشترط في الوقف التنجيز[9]؛ ا. هـ[10].

ثالثًا: أن يكون المال الموقوف غير مملوك للواقف:
لا يخفى أن الوقف لا يصح ولا يلزم إلا إذا كان الموقوف ملكًا للواقف في الجملة، فملكية الوقف شرط لصحة الوقف[11]؛ وذلك لعموم الأدلة الدالة على منع الإنسان من التصرف فيما لا يملك؛ كقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تبع ما ليس عندك))[12]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((ولا بيع إلا فما تملك))[13]، ولأنه تصرف في أصل العين بإخراجها عن الملك فلا ينفذ ذلك إلا من واقف مالك لهذا العين، حتى يصح أن تخرج من ملكه.

وبناء على ما سبق: لا يصح وقف ما لا يملك. أما إذا وقف ملك غيره دون إذنه، فهو ما يسمى عند الفقهاء بالوقف الفضولي، وقد اختلف الفقهاء فيه على قولين:
القول الأول: أن الوقف صحيح، ولكنه موقوف على إجازة المالك الأصلي.

وهو قول الحنفية[14]، وقول عند المالكية[15]، ورواية عند الحنابلة[16].

واستدلوا بما جاء في صحيح البخاري من حديث عروة البارقي رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه دينارًا يشتري له به شاةً، فاشترى له به شاتين، فباع إحداهما بدينار، وجاءه بدينار وشاة، فدعا له بالبركة في بيعه، وكان لو اشترى التراب لربح فيه))[17].

ووجه الدلالة: أنه تصرف فيما لا يملك على وجه المصلحة لغيره، فأقره النبي صلى الله عليه وسلم ودعا له بالبركة، ولأنه الواقف لا ضرر عليه، فهو موقوف على إجازته.

القول الثاني: الوقف باطل وغير نافذ.

وهو قول عند المالكية[18]، وقول الشافعية[19]، والمذهب عند الحنابلة[20].

واستدلوا بأدلة المنع من التصرف في ملك الغير؛ كقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تبع ما ليس عندك))[21]، وغيره مما سبق الإشارة إليه.

ويناقش:
بأننا لم نعارض هذه الأحاديث، وإنما أوقفنا إنفاذ الوقف على إجازة المالك للعين الموقوفة.

الترجيح:
الذي يظهر - والله أعلم - صحة الوقف الفضولي إذا أجاز الواقف ذلك؛ لأنه لا ضرر عليه فيه؛ حيث إنه موقوف على إجازته، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز التصرف الفضولي من الصحابي عروة.

وعليه، فيقال للواقف أن عليه أن يكون مالكًا للعين الموقوفة قبل إنفاذ الوقف، وصياغة الصيغة الوقفية، حتى لا يتعرض وقفه للإبطال[22].

كانت هذه بعض الأمور المخالفة للشرع، التي قد يقع فيها الواقف في وقفه فيما يتعلق بالمال الموقوف، فليتنبه لها، ولنذكر الناس بها، و((من دل على خير ‌فله ‌مثل ‌أجر ‌فاعله))[23]، ويتبع إن شاء الله تعالى بمقال أخير، يتناول بعض المحاذير الشرعية المتعلقة بالموقوف عليه.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

[1] البحر الرائق (5/ 203)، والدر المختار وحاشية ابن عابدين (3/ 360).

[2] المهذب (1/ 447)، ومغني المحتاج (2/ 377)، وشرح منتهى الإرادات (2/ 492).

[3] الشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه (4/ 76).

[4] الموسوعة الفقهية الكويتية (44/ 166).

[5] حقيبة تدريبية بعنوان: «مشكلات الأوقاف وحلولها»، د. عبدالله بن محمد الدخيل وفقه الله.

[6] فتح القدير (6/ 201)، وحاشية الدسوقي (4/ 77)، والزرقاني (7/ 75)، والمهذب (1/ 320)، وشرح منتهى الإرادات (2/ 234، 400، 376)، والمغني (4/ 401)، وأسنى المطالب (2/ 458).

[7] شرح منتهى الإرادات (2/ 234)، والمغني (4/ 401)، والإنصاف (5/ 153 - 156).

[8] الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه (3/ 391، 395)، والإسعاف (ص: 21).

[9] حاشية الدسوقي (4/ 77)، وشرح الزرقاني (7/ 75).

[10] الموسوعة الفقهية الكويتية (44/ 168).

[11] ينظر: الدر المختار (4/ 348)، الذخيرة (6/ 339)، شرح مختصر الخليل للخرشي (7/ 84)، نهاية المطلب (4/ 247)، وروضة الطالبين (5/ 326)، المغني (6/ 24)، الإنصاف (7/ 34)، وإن كان ثم خلاف بين أهل العلم في مسألة: هل يشترط الملك في وقت الوقف بمعنى لو قال: إن ملكت دار فلان، فهي وقف، هل يصح ذلك؟ الجماهير لا يصححون ذلك، خلافًا للمالكية الذين يرون صحة ذلك؛ [ينظر: حاشية ابن عابدين (3/ 497)، وحاشية الدسوقي (4/ 76)].

[12] أخرجه أبو داود: (3503)، وصححه الألباني كما في الإرواء 5/ 132.

[13] أخرجه أبو داود في باب الطلاق قبل النكاح برقم: 2190، وصححه الألباني كما في الإرواء 6/ 173.

[14] ينظر: بدائع الصنائع (5/ 148).

[15] ينظر: حاشية الدسوقي (4/ 76).

[16] ينظر: شرح المنتهى (3/ 130).

[17] أخرجه البخاري (3642).

[18] ينظر حاشية الدسوقي (4/ 76).

[19] مغني المحتاج (2/ 21).

[20] ينظر: شرح المنتهى (3/ 130).

[21] أخرجه أبو داود: (3503)، وصححه الألباني كما في الإرواء (5/ 132).

[22] حقيبة تدريبية بعنوان: «صور معاصرة للأوقاف»، د. عبدالله بن محمد الدخيل وفقه الله.

[23] رواه مسلم (1893).





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 03-03-2022, 09:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,175
الدولة : Egypt
افتراضي رد: بعض المحاذير الشرعية في الأوقاف

بعض المحاذير الشرعية في الأوقاف (3)
حماده إسماعيل فوده




بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد.

ففي المقالين السابقين تناولنا بعض المحاذير الشرعية في الأوقاف من جهتي الواقف والمال الموقوف، وفي هذا المقال بحول الله سنتناول بعض المحاذير الشرعية في الأوقاف من جهة الموقوف عليه، وأقصد بها بعض الأمور المخالفة للشرع والتي قد يقع فيها الواقف في وقفه والمتعلقة بالموقوف عليه، منها:
أولًا: أن يكون الموقوف عليه جهة معصية:
يشترط أن تكون الجهة الموقوف عليها جهة بر وقربة سواء أكان الموقوف عليه مسلمًا أم ذميًا لأن الذمي موضع قربة ولهذا يجوز التصدق عليه[1]، وقد روي «أَنَّ صَفِيَّةَ ابْنَةَ حُيَيٍّ رضي الله عنها - زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم - أَوْصَتْ لِابْنِ أَخٍ لَهَا يَهُودِيٍّ» [2].

ونظرًا لاشتراط أن يكون الموقوف عليه جهة قربة فلا يجوز أن يكون الموقوف عليه جهة معصية: كالوقف على الكنائس والبيع وبيوت النار ولو من ذمي؛ لأنه معصية وإعانةً لهم على إظهار الكفر؛ لأن القربة تتحقق بكونها قربة في نظر الشريعة [3].

قال ابن قدامة -رحمه الله-: «وإذا لم يكن الوقف على معروف أو بر فهو باطل، وجملة ذلك أن الوقف لا يصح إلا على من يعرف، كولده، وأقاربه، ورجل معين، أو على بر، كبناء المساجد والقناطر، وكتب الفقه والعلم والقرآن، والمقابر، والسقايات وسبيل الله»[4].

وقال منصور بن يونس البهوتى-رحمه الله-: «الشرط الثاني: كونه- أي الوقف - على بر، كالوقف على المساكين والمساجد والقناطر والأقارب؛ لأنه شرع لتحصيل الثواب. فإذا لم يكن على بر لم يحصل مقصوده الذي شرع لأجله»[5] اهـ.

ثانيًا: أن يكون الموقوف عليه جهة منقطعة:
الوقف على جهة لا تنقطع كالفقراء والمساجد صحيح باتفاق الفقهاء[6] لكنهم يختلفون فيما إذا كان الوقف على منقطع الابتداء أو الوسط أو الانتهاء.

وبيان ذلك فيما يأتي:
أولًا: إذا كان الموقوف عليه منقطع الابتداء والانتهاء:
كمن يقف على ولده ولا ولد له فلا يصح هذا الوقف عند الحنابلة والشافعية في المذهب، ويصح عند الحنفية وتصرف الغلة للفقراء فإذا وجد الولد صرف إليه، وللمالكية أقوال ثلاثة[7]:
أولها للإمام مالك قال: الوقف على ولده ولا ولد له صحيح إلا أنه غير لازم، فللواقف بيعه قبل ولادة المحبس عليه وإن لم يحصل له يأس من الولد، فإن غفل عنه حتى حصل له ولد تم الوقف.


والثاني لابن القاسم، قال: الوقف لازم بمجرد عقده ولا يكون ملكًا للواقف إلا إذا حصل يأس من الولد فيوقف أمر ذلك الحبس للإياس فإذا يئس من الولد كان له بيعه.


والثالث: لابن الماجشون، قال: يحكم بحبسه ويخرج إلى يد ثقة ليصح حوزه وتوقف ثمرته فإن ولد له كان الحبس والغلة له وإن لم يولد له كان لأقرب الناس للواقف.


قال الدسوقي: ومحل الخلاف إذا لم يكن قد ولد له سابقًا، أما إن كان قد ولد له فإنه ينتظر بلا نزاع. اهـ

ثانيًا: إذا كان الموقوف عليه منقطع الابتداء متصل الانتهاء:
كمن وقف على نفسه - عند من لا يجيز الوقف على النفس - أو على عبدٍ ثم على الفقراء، فعند الحنابلة في المذهب يصرف إلى من بعده - أي الفقراء - في الحال، وعند المالكية الحكم كذلك إن حيز من الموقوف عليهم قبل حصول مانع للواقف من فلس، أو مرض، أو موت فإن لم يحصل حوز حتى حصل للواقف مانع من هذه الأمور الثلاثة (الموت أو المرض أو الفلس) لم يتم الوقف وللورثة في حالة المرض أو الموت إبطاله ولهم إجازته، وفي حالة الفلس كان للغريم إبطاله وأخذه في دينه.


وقال الشافعية: فيه طريقان: قال الشيرازي: من أصحابنا من قال يبطل قولًا واحدًا، لأن الأول باطل، والثاني فرع لأصل باطل فكان باطلا، ومنهم من قال فيه قولان أحدهما أنه باطل لما ذكرناه.


والثاني أنه يصح لأنه لما بطل الأول صار كأن لم يكن، وصار الثاني أصلًا، فإذا قلنا إنه يصح فإن كان الأول لا يمكن اعتبار انقراضه كرجل غير معين صرف إلى من بعده وهم الفقراء، لأنه لا يمكن اعتبار انقراضه فسقط حكمه.


وإن كان يمكن اعتبار انقراضه كالعبد ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها ينقل في الحال إلى من بعده، لأن الذي وقف عليه في الابتداء لم يصح الوقف عليه فصار كالمعدوم.


والثاني وهو المنصوص: أنه للواقف ثم لوارثه إلى أن ينقرض الموقوف عليه ثم يجعل لمن بعده، لأنه لم يوجد شرط الانتقال إلى الفقراء فبقي على ملكه.


والثالث أنه يكون لأقرباء الواقف إلى أن ينقرض الموقوف عليه ثم يجعل للفقراء، لأنه لم يوجد شرط الانتقال إليهم[8].

ثالثًا: إذا كان الموقوف عليه منقطع الوسط:
كما إذا وقف على زيد ثم على عبده أو على رجل مبهم ثم على الفقراء، أو وقف على زيد ثم على نفسه ثم على الفقراء.


فعند الحنفية والمالكية والحنابلة يصرف إلى الفقراء بعد انقطاع من يجوز الوقف عليه لكن ذلك مقيد عند المالكية بما إذا حصل حوز للموقوف عليه قبل حصول مانع للواقف من فلس أو مرض أو موت على ما مر بيانه في الحالة الثانية.


ويصح الوقف أيضا عند الشافعية، إلا أنهم فرقوا بين صورتين:
الأولى: لو كان الوقف منقطع الوسط كوقفت على أولادي ثم على رجل مبهم ثم على الفقراء فالمذهب صحته لوجود الصرف في الحال والمآل؛ وعلى هذا فإنه بعد أولاده يصرف للفقراء لا لأقرب الناس إلى الواقف لعدم معرفة أمد الانقطاع.


الثانية: كأن قال: وقفت على أولادي ثم على العبد نفسه ثم على الفقراء، كان منقطع الوسط أيضًا، ولكن في هذه الصورة يصرف بعد أولاده لأقرباء الواقف[9].

رابعًا: إذا كان الموقوف عليه منقطع الانتهاء:
كمن وقف على أولاده ولم يزد، أو وقف على زيد ثم على الكنيسة.


فعند الحنفية يشترط أن يجعل آخر الوقف لجهة لا تنقطع، أي أنه لابد أن ينص على التأبيد وهذا عند أبي حنيفة ومحمد وهذا في غير المسجد، وعند أبي يوسف روايتان: الرواية الأولى: أن التأبيد غير شرط، ولو سمى جهة تنقطع كما لو وقف على أولاده ولم يزد جاز الوقف، وإذا انقرضوا عاد إلى ملكه لو حيًا، وإلا فإلى ملك الوارث.


والرواية الثانية: أن التأبيد شرط حتى تصرف الغلة بعد الأولاد إلى الفقراء[10].

والمالكية يفرقون بين الوقف المؤبد والوقف المؤقت:
فبالنسبة للوقف المؤبد: إذا انقطعت الجهة الموقوف عليها رجع الوقف لأقرب فقراء عصبة المحبس نسبًا ويكون وقفًا عليهم، ويستوي في الأنصبة الذكر والأنثى حتى ولو كان الواقف شرط في أصل وقفه أن يكون للموقوف عليهم للذكر مثل حظ الأنثيين، لأن مرجع الوقف إليهم ليس بإنشاء الواقف وإنما هو بحكم الشرع.


لكن لو قال الواقف: إن انقطع الوقف رجع لأقرب فقراء عصبتي للذكر مثل حظ الأنثيين، فالظاهر أنه يعمل بشرطه حيث نص عليه في المرجع، لأن المرجع صار بذلك في معنى الحبس عليه فيقدم الابن فابنه فالأخ فابنه فالجد فالعم فابنه ويشترك معهم أقرب امرأة من فقراء أقارب الواقف لو كانت ذكرًا كانت عصبته كالبنتوالأخت والعمة، فإن ضاق الوقف في الغلة الناشئة عنه قدم البنات على الأخوة لا على الابن فتأخذ البنات ما يكفيهن ولا يأخذن الجميع، ولا يدخل فيه الواقف ولو فقيرًا، فإن كان الأقرب غنيًا فلمن يليه في الرتبة.

وإن كان الوقف مؤقتًا: كمن وقف على شخص أو أكثر وقيده بحياتهم أو حياة فلان أو قيد بأجل كعشرة أعوام، فإن من مات منهم فنصيبه لبقية أصحابه، فإذا انقرضوا رجع ملكًا لربه أو لوارثه إن مات، فإن لم يقيد بشيء وأطلق فيرجع بعد انقراض جميعهم مرجع الأحباس على الأصح، وهو رواية المصريين عن مالك ومنهم ابن القاسم وأشهب. ومقابل الأصح رجوعه ملكًا للواقف أو لوارثه وهو رواية المدنيين.


وإذا رجع مرجع الأحباس فإنه يكون كالوقف المؤبد أي لأقرب عصبة المحبس ولامرأة لو فرضت ذكرًا عصبت كالبنت، فإن لم يكن عصبة أو انقرضوا فللفقراء[11].

وعند الشافعية لهم رأيان، الأول وهو الأظهر: صحة الوقف لأن مقصود الوقف القربة والدوام وإذا بين مصرفه ابتداء سهل إدامته على سبيل الخير. والثاني: بطلان الوقف لانقطاعه على الأظهر فإذا انقرض المذكور فلهم رأيان:
فالأظهر أنه يبقى وقفًا.


والثاني: يرتفع الوقف ويعود ملكًا للواقف أو وارثه إن مات.


وعلى الرأي الأول الذي يرى صحة الوقف، لهم رأيان في مصرفه: أحدهما وهو الأظهر أنه يصرف إلى أقرب الناس إلى الواقف يوم انقراض المذكور لأن الصدقة على الأقارب من أفضل القربات، وفي الحديث: «الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَهِيَ عَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ: صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ»[12].


ويختص المصرف وجوبًا - كما صرح به الخوارزمي وغيره بفقراء قرابة الرحم لا الإرث في الأصح فيقدم ابن بنت على ابن عم.


فإن لم يكن له أقارب صرف الإمام الريع إلى مصالح المسلمين، كما حكاه الروياني عن النص، وقيل: يصرف إلى الفقراء والمساكين.


ومقابل الأصح أنه يصرف إلى الفقراء والمساكين، لأن الوقف يؤول إليهم في الانتهاء[13].

وعند الحنابلة يصح الوقف ويصرف بعد من يجوز الوقف عليه إلى ورثة الواقف نسبا حين الانقطاع على قدر إرثهم، ويكون وقفا عليهم فلا يملكون نقل الملك في رقبته[14]اهـ[15].


وعلي ما سبق ينبغي أن يحدد الواقف الموقوف عليه بعناية بحيث تكون جهة بر وقربة، فله أن يوقف وقفًا خاصًا على ذريته، أو عامًا على أوجه البر المختلفة، أو مشتركًا بين الذرية وأوجه البر.

كانت هذه بعض المحاذير الشرعية في الأوقاف والمتعلقة بالواقف والمال الموقوف والموقوف عليه، أسأل الله عز وجل أن أكون قد وفقت في جمعها وطرحها، فما كان من توفيقٍ فمن الله وحده، وما كان من خطأٍ أو سهوٍ أو نسيانٍ فمن نفسي والشيطان، ورحم الله من قرأها فسد خللًا أو أصلح عيبًا أو ذكّر بمفيد، و«مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ ‌فَلَهُ ‌مِثْلُ ‌أَجْرِ ‌فَاعِلِهِ»[16].

وصلَّى الله وسلَّم وبارَك على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


[1] الدر المختار وحاشية ابن عابدين (3/ 360 ، 361)، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (4/ 77)، ومغني المحتاج (2/ 379 ، 380)، والمهذب (1/ 448)، وشرح منتهى الإرادات (2/ 492 ، 493)، والمغني (5/ 644 ، 646).

[2] أخرجه عبد الرزاق في المصنف (6/ 33) عن ابن عمر رضي الله عنهما.

[3] الموسوعة الفقهية الكويتية (44/ 140).

[4] المغني (6/ 37 - 38).

[5] شرح منتهى الإيرادات (2/ 401).

[6] ابن عابدين (3 / 365)، والمهذب (1 / 448)، والمغني (5 / 622، 623)، والدسوقي (4 / 84).

[7] حاشية ابن عابدين (3 / 414)، والدسوقي (4 / 89)، ومنح الجليل (4 / 66)، ومغني المحتاج (2 / 379، 386)، والمهذب (1 / 448)، وشرح منتهى الإرادات (2 / 495 - 496)، والمغني (5 / 607).

[8] الشرح الكبير وحاشية الدسوقي (4 / 80 – 81)، والشرح الصغير (2 / 304)، والمهذب (1 / 449)، وشرح منتهى الإرادات (2 / 497- 498).


[9] حاشية ابن عابدين (3/ 414)، وحاشية الدسوقي (4 / 80)، مغني المحتاج (2/ 384)، وحاشية القليوبي (3/ 103)، وشرح منتهى الإرادات (2/ 497 - 498.).

[10] حاشية ابن عابدين (3/ 365)، وتبيين الحقائق (3/ 326 – 327)، وفتح القدير (6/ 214 – 215).

[11] الدسوقي (4 / 85 – 87)، والشرح الصغير (2 / 305 – 306).

[12] حديث: " الصدقة على المسكين... " أخرجه الترمذي (3/ 38) من حديث سلمان بن عامر. وقال: حديث حسن.


[13] مغني المحتاج (2 / 384)، والمهذب (1/ 448 وما بعدها).

[14] شرح منتهى الإرادات (2/ 498).

[15] الموسوعة الفقهية الكويتية (44/ 139-149 بتصرف يسير).

[16] رواه مسلم (1893).






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 104.07 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 101.47 كيلو بايت... تم توفير 2.59 كيلو بايت...بمعدل (2.49%)]