|
الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() أهمية التكرار الشيخ طه محمد الساكت فضله، حكمته، شدة الحاجة إليه في الترتيب والتهذيب التكرار في الكتاب الكريم والسنة النبوية، تأثيره في الفرد والجماعة وَعَدْنا القراءَ الكرام في عدد الإسلام الأسبق بمقالٍ في التكرار وفضله وحكمته، ويَرْجِعُ أكثر ما نكتب في هذه المجلة الغرَّاء إلى الأسباب، نرجو أن تكونَ خالصةً لوجه الله الأعلى. والباعثُ على هذا المقال هو أنَّ علَمًا من أعلام الإسلام[1] يَعرِف ما التكرار عند الحاجة وحكمته، فهو يأخُذ به مذهبًا له، وكفاه شرفًا مذهب القرآن الكريم والرسول العظيم صلى الله عليه وسلم، ولقد سمعتُ محاضرتينِ في الرد على الإلحاد والملحدين، كُرِّر في أخراهما كثيرٌ مما جاء في أولاهما، وما كان أبرعه وأحكمه حينما علمنا بلطفٍ أن الحديثَ ليعاد على قدر عِظَم المحدث عنه ومبلغ مكانته، وإليكم التوحيد والبعث مثلَينِ في أصول الدين، كرَّرها القرآنُ الكريم في أساليبَ متنوعةٍ، وفي ألوانٍ مختلفةٍ؛ لأنهما ركنا السعادة، وقوامَا الخير والصلاح، ودونكم الصلاة والصبر مثلينِ في التربية والتهذيب، ذَكَرَهُما الكتابُ العزيز أكثر مِن سبعين مرة، وقرَنَهما في بعض المواضع لِمَا لهما مِن عظيم الخطَر، وبعيد الأثر، وكذلك الحال في كلِّ ما كرَّر مِن الفوائد مِن مواعظَ وعبرٍ وقصص وأنباء؛ قال صاحب الكشاف: وفائدة تكرير قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 17] أن يُجددوا عند استماع كلِّ نبأ مِن أنباء الأولين ادكارًا واتعاظًا، وأن يستأنفوا تنبيهًا واستيقاظًا إذا سمعوا الحثَّ على ذلك والبعث عليه، وهذا حِكَم التَّكْرار في قوله تعالى: ﴿ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾ [الرحمن: 13] عند كل نعمة عدَّها، وقوله جل سلطانه: ﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴾ [المرسلات: 15] عند كلِّ آية أَوْرَدَها، وكذلك تكرير الأنباء والقصص في أنفسها؛ لتكونَ تلك العبرة حاضرةَ القلوب، مُصوَّرةً للأذهان، مذكورةً غير منسيةٍ في كلّ آن. بيد أنَّ كثيرًا مِمَّن جهلوا هذه المزايا والحِكَم، راحوا يُنكرون ويطعنون. ومَنْ يكُ ذا فم مُرٍّ مريض *** يجد مُرًّا به الماء الزُّلالا إنَّ الذي ينكر فضل التكرار أو يَتَنَكَّره، إنما يُنكر نفسه، ويجحد حسه، ويُكابر وجدانه، إن كان فيه مسكةٌ مِن وجدان. إلى التَّكرار يرجع الفضلُ الأول في تكوين الأخلاق، وتربية النفوس، وهل حيواتنا[2] كلها - مادية وأدبية وفردية واجتماعية - إلا مجموعة مكررة، وصورٌ مُعادة؟ إن علماء النفس والأخلاق لم يكونوا مبالغين حينما قالوا: إن التكرار الحكيم - وهو ما تكوَّن على فترات - من أهم وسائل الحفظ والذكر، وتربية العادات الحسنة، وما أعمال المرء إلا مجموعة عادات وآثارها المتكررة، ولقد أحسنوا التعليلَ حينما قالوا: إن مِن النادر أن يستمر الشيء قويًّا في الذهن إذا خطر به مرةً واحدة؛ لأن الصورَ العقلية تضعف تدريجيًّا بمرور الزمن، فلا بد مِن تَكرارها لترسخَ في الذهن، ويعمل آثارها فيه، وهكذا النصائحُ والمواعظُ لا بد مِن تَكرارها على فترات لتأخذ مِن النفس مأخذها، وتصل إلى القلوب فتحفظها، ومن هنا تُدْرَك حكمةُ الشرع الشريف في تَكرار الخطب والمواعظ في كلِّ جمعة، وعند كل مناسبة، ولقد أدرك الساسةُ وعلماء الاجتماع ما للتَّكرار مِن جليل الآثار، فنادوا به، ودعوا إليه، وجعلوه ركنًا من أركان الإصلاح، وقاعدةً مِن قواعد التذكير والإرشاد، وها نحن نرى إدارة الإذاعة تُسجِّل كثيرًا مِن المحاضرات المهمة، والإرشادات النافعة؛ لتذيعَها على الجمهور في المناسبات، وانظروا إلى مقالة جوستاف لوبون في كتاب روح الاجتماع: "للتكرار تأثير في عقول المستنيرين، وتأثيرُه أكبرُ في عقول الجماعات من باب أَوْلَى، والسببُ في ذلك كونُ المكرر يَنطبع في تجاويف الملكات اللاشعورية[3] التي تختمر فيها أسبابُ أفعال الإنسان، فإذا انقضى شطرٌ مِن الزمن نسي الواحدُ منا صاحب التكرار، وانتهى بتصديق المكرَّر، وهذا هو السرُّ في تأثير الإعلانات العجيب، يقرأ الواحدُ مائة مرة أن أحسن الحلوى ما كان مِن صُنع زيد، فيُخيَّل إليه من التكرار أنه سَمِع ذلك مِن مصادرَ شتى، وينتهي باعتقاد صحة الخبر، ويقرأ ألف مرة أن دواء فلان شفى أعاظم القوم مِن مرض عُضال، فيميل إلى التجربة إنْ أُصيب بمثل المرض المذكور، ويقرأ كل يوم في الصحف أن زيدًا مِن الأنذال، وعمرًا من الفضلاء، فينتهي باعتقاد ذلك، إلا إذا كان يقرأ دائمًا في جريدة أخرى، ما يُناقضه، فإنه لا يفل التكرار إلا التكرار! وإذا كان هذا هو فِعل التكرار في الكذب والشر، والنفوس إلى الهوى أميل، وإلى الشر أسرع - فما أحوجنا إليه في الصدق والخير والتربية والإرشاد، لكن مع الحكمة والموعظة الحسنة، فإنَّ النفوس إلى السَّداد بطيئة، وعن الرشاد بعيدة، ولقد سبق علماءَ التربية والاجتماع إمامُ المربين، وقائد المصلحين، وخاتمُ النبيين، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين، إلى بيان التكرار وحكمته وفضله؛ قولًا وعملًا، وهديًا وإرشادًا، كما سبقهم إلى كل خير، وهدى الناس إلى كل فضل اقتداء بكتاب الله، وتبيينًا لنهجه وهداه؛ أخرج البخاري في "باب مَن أعاد الحديث ثلاثًا ليُفهم عنه"، عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنه كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا، حتى تُفهم عنه))، وظاهرٌ أنَّ هذا كان في قواعد الدين ومُهماته، حتى يفهم عنه المتعلمون والسائلون حق الفهم، ولا يفوتهم شيء مِن حكمه الغالية، وإرشاد القويم. وقُصارى القول: إننا لا نجد قاعدةً مِن قواعد التربية، ولا ركنًا من أركان الاجتماع، إلا بَيَّنَه الرسول صلى الله عليه وسلم أجلى بيان، ووفاه حق التوفية، وعسى أن يكون في هذا مقنعٌ لقوم يعرفون الحق فيتبعونه، ويرَوْنَ الباطل فيجتنبونه، ولعلهم يُنكرون علينا تكرار الدعاء لنا ولهم بالتوفيق والسداد، إنه الهادي إلى سبيل الرشاد. مجلة الإسلام: السنة التاسعة: العدد 15، 10 ربيع الثاني سنة 1359هـ، 17 مايو 1940م [1] هو عضو جماعة كبار العلماء، ويغني جهاده وحسن بلائه في الإسلام عن ذِكْر اسمه. [2] جمع حياة. [3] دخول أل مع حرف النفي ليس بعربي، وهو كثير في كلام الفلاسفة والاجتماعيين.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |