
06-11-2021, 04:03 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,183
الدولة :
|
|
حول أزمة التعليم بالمغرب: وجهة نظر ممارس تربوي
حول أزمة التعليم بالمغرب: وجهة نظر ممارس تربوي
امحمد عليلوش
حول أزمة التعليم بالمغرب
وجهة نظر ممارس تربوي
ذ. امحمد عليلوش (Iyider النقوب)[1]
على سبيل التقديم:
إذا كانت صناعة المدرسة بشكل عام عملًا ذكيًّا بامتياز وحدَثًا تاريخيًّا لا يمكن نسيانه، فإن الرهان على هذه المؤسسة في ضمان استمرارية المجتمعات البشرية يبقى في الوقت الراهن، وفي ظل العولمة والتقدم السريع وفي عصر الثورة الرقمية وسيطرة الشاشة والصورة، أمرًا مهمًّا جدًّا، وبالتالي ضرورة التفكير في كيفية استمرار الوظيفة الأساسية لهذه المؤسسة بشكل يضمن للمجتمعات الإنسانية الاستمرارية في تنشئة أفرادها وتكوينهم وَفْق حاجات الحياة اليومية؛ فالمجتمع الذي لا يراهن على المدرسة كمؤسسة ضامنة لبقائه وتطويرهوتجديده برعاية ناشئته وتوريثها المعارف وأنماط الحياة، فإنه بالأساس سيواجه بالفعل أزمات في شتى المجالات، مِن بينها التباين في مستوى مؤسساته وبين أفراده من حيث الكفايات بشتى أنواعها، وبالتالي عدم الانسجام الاجتماعي، وغياب التفكير المنطقي الواحد لمستقبل هذا المجتمع... مما سيسهل الأمر لكل التيارات الإيديولوجية والسياسية والاستعمارية الأجنبية لغرض التحكُّم والسيطرة على مستقبل مثل هذه المجتمعات، فكل المشاكل والظواهر المجتمعية التي تعاني منها الدول اليوم لها صلةٌ مباشرة بمستوى المدرسة وبدورها في إعداد الأفراد.
وأمام هذا الدور الإستراتيجي للمدرسة بشكل عام والعمومية بشكل خاص (لأن الأصل في التعليم أنه قطاع عمومي، ولا يصلح لأن يصبح خاصًّا) فإننا اليوم، كفاعلين تربويين وكممارسين ومتتبعين لمجريات التعليم بالمغرب، نطرح مجموعة من الأسئلة الجوهرية، التي تشكل محاور الحديث اليومي لكل المغاربة أفرادًا وجماعات مؤسسات وإدارات، وهي: ما هي مكانة المدرسة العمومية المغربية اليوم؟ ولماذا تراجَع دورها في التعليم والتعلم؟ وما هي الأسباب الحقيقية لفشل التعليم بالمغرب؟ أليس من اللازم التفكير في حلٍّ لإنقاذها من التدهور الذي أصبحت تعاني منه وبالتالي إنقاذ المجتمع ومستقبله برمَّته؟ ولماذا انتشار حمى التعليم الخصوصي؟ وهل الحل فعلًا هو التعليم الخصوصي؟ وماذا عن مصداقية كفاءاته وشواهده العلمية؟ أليس الأمر فقط لتكريس الميز الطبقي والعنصرية التعليمية؟ وماذا عن تهرُّب الدولة من مسؤوليتها الاجتماعية والتربوية؟ وماذا عن دور الإعلام كمدرسة موازية؟
إنها فعلًا أسئلة محيرة، وتبقى واقعية ومشروعة؛ نظرًا لما تعكسه من حقيقة مُرَّة للواقع ولمكانة المدرسة العمومية المغربية، هذه الأخيرة التي تحتاج إلى حلول واقعية وجذرية تعتمد على التعبئة الوطنية، والمشاركة الجماعية لمختلف الفاعلين على جميع المستويات والطبقات، كيف ذلك؟
أولًا: واقع المدرسة العمومية المغربية اليوم:
إن الحديث عن المدرسة المغربية بشكل عام يحيل بنا إلى ما عرَفته من تطورات وتغييرات نالت مِن موقف المجتمع المغربي صغيرًا وكبيرًا، ومن المسؤولين التربويين والسياسيين، ما تستحقه من ردود أفعال... (آخرها الخطاب الملكي السامي بتاريخ 20 غشت 2013)، لكنها في مجملها ترمي إلى عدم الرضا بما تنتجه من موارد بشرية ومن كفاءات، وثمَّة نقاش كبير حول التعليم المغربي والأزمات التي يتخبَّط فيها، والتي ما زالت إلى يومنا هذا تحتل الصدارةَ في الحديث اليومي لرجال التربية والتعليم أنفسهم داخل المؤسسات التربوية، وفي كل المنابر الاجتماعية بمختلف مواقعها وتوجهاتها... إذ يلاحظ بشكل عام أن المدرسةَ المغربية العمومية قد عرَفت موجات إصلاحية على المستوى النظري، وفي التوجهات العامة، وفي السياسة التربوية، وفي الترسانة القانونية، لكن على مستوى الواقع وعلى مستوى التحصيل والنتائج تبقى الأزمة متفاقمة، بل في تزايُدٍ مستمر (لقد قيل كل شيء عن التعليم، لكن ما زال لم ينجز كما هو مطلوب وأساسي)، ولا شك أن هذه الأزمة ما هي إلا وجهٌ من الوجوه الحساسة لأزمة اجتماعية أعمق، بدأت تظهر للجميع نتائجها، سواء على مستوى ما تنتجه هذه المؤسسة الاجتماعية التي صنعها المجتمع للتنشئة والتربية، أو على مستوى التخلُّف الفكري الذي يعاني منه أطفالنا اليوم، وتلك الفجوة الموجودة بين طبقات المجتمع... ناهيك عما يتخبَّط فيه المجتمع اليوم من أزمات أخلاقية وإيديولوجية وأزمة القيم، جعلت الشباب والأطفال عُرضة لمختلف التوجهات الفكرية المدمرة، وما أحداث الدار البيضاء لسنوات 2003 و2006 إلا دليل على صحة قولنا هذا، فما هو دور المدرسة في الوقت الذي يفجِّر فيه الشباب أنفسهم؟ وما جدوى الإصلاح التربوي والتعليمي في الوقت الذي تتزايد فيه نِسَب الهدر المدرسي والتخلُّف والتعثر الدراسيينِ بشكل مرتفع سنة بعد أخرى؟ وإلى أي تربية نهدف في الوقت الذي ترتفع فيه نِسب العنف المدرسي بين التلاميذ أنفسهم؟ أو بين رجال التربية؟ أو ما بين التلاميذ والأساتذة؟[2].
هناك إذًا إشكالية ضخمة وحلقة مفقودة في نظامنا التعليمي؛ حيث إن المدرسة المغربية قد تأثرت بالتغييرات التي عرَفها المجتمع دون أن تساير هذا التغيير أو تتحكم فيه، فرغم أنه أصبح من العادة أن تتجدد البرامج والمقررات وكذلك المقاربات المنهجية بعد مرور كل عشر سنوات، فإن السرعة التي يجري بها العالم اليوم بفضل التطور الهائل في كل المجالات العلمية، يفرض على المسؤولين - بل على الجميع - أن يساهم في الرفع من قيمة المدرسة، وتغيير سرعة الإصلاح...
وليس الحديث عن المدرسة المغربية العمومية ناتجًا عن الأزمة الخانقة التي تعاني منها كما أسلفنا، بل لإبراز ذلك التوجه الإصلاحي الذي أصبح موضة في دواليب المسؤولين التربويين، الذين يهتمون بالأرقام وبالمؤشرات دون النزول إلى أرض الواقع؛ حيث أصبحت المدرسة كمؤسسة حكومية لا يُهمها إلا التحدُّث والتباهي بالأرقام، في الوقت الذي تشكل فيه كذلك وزارة التعليم أكبر إدارة مغربية وأضخمها؛ نظرًا للعدد الهائل من التلاميذ، الذي يفوق ستة ملايين، كما أنها تضم ما يقرب من نصف موظفي الدولة المغربية... وبحكم تجرِبتي الميدانية المخضرمة بين الأهداف في الأمس والكفايات والإدماج قبيل اليوم وخلال الفراغ البيداغوجي اليوم، وفي انتظار الرؤية الإستراتيجية والتدابير ذات الأولوية... فإنه كان من الضروري الإشارة إلى هذه المفارقة، التي ليست إصلاحًا عميقًا في نظرنا، بل فقط موضة لمسايرة التغيير الخارجي الذي فرض على المدرسة وعلى المسؤولين من أجل السير، ولو على المستوى النظري، لكن كما يقال في المثل الدارج المغربي: "مكا احس بالمزود الا لمضروب به"، بمعنى لا يُحسُّ بألم السكين إلا مَن ضُرب به، أو كما يقال في المثل الأمازيغي المغربي: "أور إسين مايد الا ك أخريط خس وداغ اس اتوتن"، بمعنى: لا يعرف ما يوجد بالكيس إلا مَن ضُرب به... فأي إصلاح تربوي لا ينطلق من الواقع المغربي؟ وأي إصلاح لا يبنيه أهل الشأن أي رجال التربية؟ وأي إصلاح ينطلق من القمة ليقف أمام باب المدرسة؟
إنها إملاءات دولية فقط، تستجيب لطموحات الدول المتقدمة، التي تسعى دائمًا للحفاظِ على المسافة الفاصلة بين العرَبة والحِصان.
إن هذه النظرة التشاؤمية التي تبدو لنا والتي فعلًا عايشناها وتذوقنا مرارتها، ما هي إلا نتاج لسياسات تربوية غير مبنيَّة على أسس وطنية محضة، ولا على أسس منطقية يقبَلها العقل... ولكن هذا لا يجعلنا لا ننوِّه ولا نشير إلى ذلك الرِّبح والرهان الذي استطاعت المدرسة المغربية أن تحققَه، رغم كل هذه المنزلاقات التي عرفتها، من انفتاح نسبي، وبالتالي التخلِّي عن تلك النظرة التقليدية للفعل التربوي، لكن يبقى هذا التقدمُ وهذا التحول ضئيلًا بالمقارنة مع السرعة التي يعرِفها الانفتاح العالمي[3].
إن فكرةَ الإصلاح في المغرب تحتاج إلى بحوث خاصة، ودراسات عميقة، ليس فقط من منظور جهة واحدة، كما تفعل الدولة المغربية دائمًا، ولكن أيضًا من منظور المجتمع برمَّته، ومن توجهات السياسة المستقبلية والتراكمات التي ولَّدتها لنا أفعال الإصلاح الطويلة المتعاقبة إلى الآن (خطة المجلس الأعلى للتعليم في استشارة وإشراك الجميع عبر موقعه في الإنترنت بداية لمعرفة الداء التربوي)، فالحلول الترقيعية التي يتم الاعتماد عليها في كل مناسبة تبقى لا تعالج المشاكلَ الجوهرية والحقيقية، بل تلتفُّ حولها وتراوغها عبرتناسيها أو تأجيلها (فكم من حاجة قضيناها بتركها أو خَلْق لجنة خاصة لها)... كل هذا وذاك يجعل المدرسةالمغربية تتقدم بخطًى حثيثة نحو المزيدمن التردي والانهيار؛ فالخَصَاص الهائل في الموارد البشرية وسوء تدبير هذه الموارد وسوء أحوالها المادية والاجتماعية، والهدر المدرسي، وضعف التحصيل، وعدم ملاءمة المقررات والتدخلات التي لا تراعي معطيات الواقع - تبقى هي التي نجدها في كل التقارير، وفي كل الكتابات التي تعكس أزمة التعليم منذ الاستقلال إلى يومنا هذا، فكل مرة نحاول تغيير الصباغة والمظهر الخارجي لمنزل التعليم ونتجاهل أن المشكل الحقيقي في مواد البناء القديمة والمتآكلة، وفي التصميم والشكل الذي أكل عليه الدهر، وأثرت عليه السنون، كما أننا نعتمد على الطرق التقليدية في الإصلاح، أو اللجوء إلى نماذج أجنبية لا تتوافق مع المناخ المحلي، ولا مع التغيرات التي تحدث في المجتمع... فكيف يعقل أن يُحسَّ الطفل ويعبر عن كرهه للمدرسة عن طريق العنف المتزايد ونحن لا نقوم بدراسة اجتماعية عميقة لفهم الدواعي والأسباب؟ وكيف لنا إصلاح التعليم دون الاعتماد على وسائل الإعلام كأداة وكقنوات أساسية للإصلاح في الوقت الذي نعرف أننا في عصر الصورة والصوت؟
ولكي نتقرب مِن الصورة الواقعية للمدرسة المغربية العمومية، التي أظن أنها لا تخفى على أحد، أدرج هنا ما عبر عنه الباحث التربوي محمد الصدوقي في مقال له، اطلعت عليه في أحد المنتديات التربوية في الشبكة العنكبوتية: "لكن المتتبع لواقعِ مدرستنا العمومية المغربية يمكنه أن يلاحظَ عدة اختلالات بنيوية، تهدد وجودها الفعلي، فعلى المستوى البشري، نلاحظ التقليص المستمر للمناصب المالية، مما يترك خَصَاصًا كبيرًا في الموارد البشرية (كثرة المهام والأعباء، وجود تلاميذ بدون مدرسين، الاكتظاظ، تناسل الأقسام المشتركة، إعادة الانتشار المفبرك...)، تفاقم المعاناة الاجتماعية والإدارية والمهنية للهيئة التربوية (هزالة الأجرة والتعويضات أمام الارتفاعات المتتالية للأسعار، غياب عدالة الأجور، والتمييز بين الموظفين في القطاعات الوزارية، شبه غياب للشروط المِهْنية والبيداغوجية المساعدة على العمل، شبه غياب للدعم الاجتماعي والبيداغوجي الكافي للمتعلمين (هزالة وقلة المنح، ضعف خدمات الإطعام والإيواء، بُعد المدرسة عن سكن التلاميذ، غياب خدمات الدعم النفسي والاجتماعي، قلة المكتبات، عدم التوفُّر الكافي لمرافق الأنشطة الموازية وأنشطة التفتح...)، وعلى المستوى التنظيمي والإداري، نلاحظ ضعف الاعتمادات المالية المخصصة للتسيير والتجهيز، ضعف الوسائل اللوجستيكية المساعدة على العمل في ظرف جيدة وبكيفية فعالة وسريعة، على مستوى البنيات التحتية، يمكننا أن نلمس ميدانيًّا عدم كفاية بنايات المؤسسات التربوية والإدارية، تعرُّض مجموعة كبيرة من البنايات إلى التخريب والإهمال، عدم العناية بجمالية الفضاءات، الافتقار إلى المرافق الصحية والتثقيفية والرياضية، قلة السكن الوظيفي... أما على المستوى البيداغوجي، فنلاحظ الارتباك الحاصل في تطبيق الإصلاح البيداغوجي الجديد المعتمد على مدخل الكفايات والتربية على القيم، وذلك بعدم مواكبته تكوينيًّا، وتوفير أشكال الدعم المادية والبشرية والبيداغوجية مع المخلفات السلبية للتوظيف السيئ لتعددية الكتاب المدرسي، بحيث تعمل بعض اللوبيات على إفراغه من أهدافه البيداغوجية والزج به في سوق المضاربات التجارية، دون مراعاة القدرة الشرائية للآباء والأُطر التربوية (محمد الصدوقي)".
ثانيًا: الحلقات المفقودة لأزمة التعليم بالمغرب:
بشكل مختصر وبدون حرج وكممارس في الميدان وكمتتبع للشأن التربوي يمكن تحديد أهم الحلقات الأساسية لفشل التعليم بالمغرب، وتصنيفها إلى شقين كالآتي:
أ- عوامل غير مباشرة: وتتجلى أساسًا في ثلاثة عناصر أساسية، وهي:
1- التنازلات المفرطة للمدرسة العمومية في التسويق لمنتوجها التربوي: إذ أصبحت المدرسة هي التي تسعى إلى تلبية كل الحاجات التي يفرضها المجتمع، فباسم الخصوصيات المحلية تخلَّتِ المدرسة عن دورها كمؤسسة عمومية تمثل الدولة، وباسم الظروف الجغرافية والمناخية تخلت المدرسة عن إيقاعاتها الزمنية، وتركت الفرصة للمدرسين باختيار الوقت المناسب لهم وليس المناسب للمتعلم، وباسم ضغوطات الشركاء والفرقاء تخلت المدرسة عن قوانينها، وبدأت تلبي مطالب النقابات التعليمية من حركة ورخص وتعيينات وتنازلات كبيرة، كما تخلت عن مسؤولياتها القانونية والإدارية من التنقل المدرسي والإطعام المدرسي والحراسة والبنايات والتزويد بالكتب المدرسية وجميع التجهيزات... وباسم سياسة الانفتاح تخلت المدرسة عن قوانينها الداخلية، وعن سلطتها الإدارية، وعن مكانتها التربوية؛ إذ أصبح كلُّ مَن سولت له نفسه أن يدخل ويلج المدرسة دون إذن يسبق ودون إعلان، فتجد الغرباء داخل الساحة، وتجد تدخلات مَن ليس لهم علاقة بالشأن التربوي في كل المناسبات، ليبقى أهل الدار هم آخرَ مَن يعلم بجميع التغييرات والقرارات التي تتخذ، سواء على مستوى الأكاديميات أو النيابات، أو على المستوى المركزي أو المحلي في المؤسسات التعليمية... وهكذا نجد المدرسة اليوم تسعى إلى تلبية كل الحاجات المطروحة عليها من لدن المجتمع، وبالتالي تقع في اللاتوازن الإداري والتربوي، فلا تستطيع تلبية كل هذه الحاجات الكثيرة... ولأن كل من حاول إرضاء الجميع فإنه لا محالةَ سيخسر نفسه، فكفانا مِن التنازلات المفرطة للمدرسة العمومية، وحان الوقت لكي تأخذ العبرة من الإدارات الأخرى؛ كالجماعة الترابية، أو القيادة، أو الدرك الملكي، أو المؤسسة العسكرية، أو أية إدارة أخرى... فالمواطن هو الذي يلتزم بقوانين الإدارة، وبالتالي عليه تكييف ظروفه مع ظروف هذه المؤسسة؛ فالأُسَر مطالبة باحترام الوقت المقترح من لدن المدرسة، وكذا الشركاء، وعلى المدرسة أن تصونَ كرامتها وحدودها، وأن تتصرف كإدارة لها قانون ولها التزامات، وليس كما نجد اليوم، فالأب لا يقوم بتسجيل طفله إلا بعد أن تطلبه المدرسة وتقدم له الدعم المناسب، سواء على مستوى الكتب ودعم تيسير... أما المقاول المكلف ببناء مدرسة فهو لا يلتزم بالوقت؛ لأنها مدرسة، والكُتبيُّ كذلك، والجمعية (قِسْ على ذلك)... لماذا لا نتعامل مع المدرسة إما اداريًّا كإدارة قائمة الذات وبالتالي تجسد تلك السلطة الإدارية أو تربويًّا كمؤسسة للتنشئة مثل المسجد ونحترمها؟
1- الأثر السلبي لسياسة التعويضات النقدية مقابل العمل الإضافي في صفوف رجال التعليم بمختلف فئاتهم:
هذه السياسة التي عرَفتها المدرسة والإدارة التربوية بشكل عام، كانت بسبب تدخُّلات بعض المنظمات الوطنية والدولية في الشأن التربوي، وبالتالي تنظيم تكوينات لفائدة نساء ورجال التعليم، وبالمقابل منحهم تعويضات مادية للتنقل والمبيت، كما أن سياسةَ المشاريع التي جاءت مع البرنامج الاستعجالي كرَّست هذه السياسة، مما له أثَرٌ سلبي على عمل الموارد البشرية داخل المنظومة التربوية؛ إذ تم ربط كل عمل إضافي، وفي بعض الحالات العمل الرسمي، بتحريك آلة التعويضات، وبالتالي إبعاد المجانية والتطوعية في مجال التربية، الذي يحتاج إلى مزيد من التطوع، ومزيد من الخدمة وحب المهنة، فأصبح الجميعُ لا يتقن إلا لغة التعويضات، ولغة البحث عن التمويل، وعن الميزانية، وعن الترقية، وعن تغيير الإطار، وعن الالتحاق بالمكاتب والمشاركة في اللجن، والمشاركة في المشاريع، وفي اتخاذ القرارات ومتابعة الدراسة... والتخلي عن العمل الرئيسي للوزارة برمتها، وهو العمل التربوي الصِّرف المرتبط بالمتعلمين؛ إذ أصبح آخر ما يتم التفكير فيه هو ما يجري داخل الفصول الدراسية.
2- غياب التحكُّم والصرامة والإنصاف والالتزام في مختلف القرارات المتخذة على جميع الأصعدة مِن لدن الإدارة التربوية:
وهذا مرتبط أساسًا بفكرة دور الإدارة التربوية بمختلف مستوياتها كإدارة تطبق القانون وتلتزم بمختلف الإجراءات المتخذة من طرف جميع الأطراف المشكلة لهذه الإدارة، سواء عن طريق التواصل الداخلي والتواصل الخارجي بين مختلف المكونات... وهنا يظهَر لنا مدى قوة جميع الإجراءات والتدابير التي تتخذ في حق كل من يرتكب خطأً إداريًّا وتربويًّا داخل مؤسسة تعليمية أو في الإدارة، فأقصى ما يتم تطبيقه هو إحالته إلى المجلس التأديبي، فأين التقهقر في السلم وفي الرتبة؟ وأين العزل؟ وأين التوقيف؟ وأين الاقتطاع الفعلي من الأجرة؟ والخطير في الأمر داخل دواليب الإدارة التربوية هو غياب التنسيق والتواصل بين مختلف الأجهزة والمكاتب والمصالح والأقسام، وكذا المديريات، وبين النيابات والأكاديميات...وهذا بدوره يجسِّد غياب ذلك التحكُّم التربوي، وغياب السلطة، واحترام التخصصات، وكذا الالتزام والمسؤولية؛ فعبارة "اش داروا ليه" بمعنى "ماذا فعلوا له؟" هي السائدة في أوساط نساء ورجال التعليم؛ فلا أحد يخاف ويحترم القرارات الإدارية المتخذة، ولا يطبق فحوى المذكرات المنظمة والمراسيم، وحتى المنهاج والمقرر الدراسي، وبالتالي القانون برمته؛ لسببين، هما: أن الإدارة لا تلتزم كراعية وحامية لهذا القانون أولًا، ثم غياب الإنصاف والمساواة في تطبيق القانون ثانيًا؛ فالمدرِّس الذي يعمل بجد وبمثابرة لا يكافأ على ذلك، ومثله مثل الذي يتكاسل ولا يقوم بواجبه، وربما في بعض الحالات يرقى هذا الأخير وينتقل إلى مراكز المسؤولية، ويكافأ، عكس الأول، أما على مستوى الالتزامات فالمسؤولون داخل وزارة التربية الوطنية معروفون بكثرة الوعود، وبقلَّة الالتزامات، فكم مِن وعود تعطى ولكن دون تطبيق ودون التزام ومحاسبة! إلى أن أصبح كل ما يقال في الاجتماعات الرسمية وفي المناسبات الحاسمة من قرارات، لا يتم الالتزام بها، وبالتالي تكريس ثقافة محبطة في أوساط نساء ورجال التعليم، شعارها: غياب الثقة، وانتشار اللامبالاة، والوعود الكاذبة.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|