|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() وسائل اكتساب الأخلاق (1) د. عصام بن عبدالمحسن الحميدان إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. ï´؟ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ï´¾ [آل عمران: 102]. ï´؟ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ï´¾ [النساء: 1]. ï´؟ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ï´¾ [الأحزاب: 70، 71]. أما بعد: يتفق الجميع على أن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم، كما قال صلى الله عليه وسلم، وأهل العلم بحمد الله يحرسون العقيدة ويحمون جناب التوحيد على ما جاء في الكتاب والسنة، والقضية المهمة في قضية الأخلاق كيف نصل إلى هذه الأخلاق في واقعنا، في تربيتنا، في تصرفاتنا. هناك عدة وسائل لاكتساب الأخلاق أهمها العبادات: فالله تعالى عندما أمرنا بالأخلاق هيأ لنا الوسائل التي من خلالها نكتسب هذه الأخلاق، فالدين بحمد الله كامل، وهذه من أهم خصائص هذا الدين؛ التكامل في أصوله وفروعه، ليس فيه ثغرات، متسلسل بحيث كل فرع يؤدي إلى أصل من الأصول، ولذلك استطاع العلماء أن يتوصلوا إلى خمسة أمور هي الأمور الكلية التي ترجع إليها كل أصول الدين وفروعه، وهي: حفظ الدين، والنفس، والعقل، والمال، والنسل. فأين الأخلاق منها؟ الأخلاق تحافظ على كل هذه الأمور، فالأمانة تحفظ الدين والنفس والمال، وحسن التعامل والصبر يحفظ النفس والعقل والمال، والبذل والعطاء يحفظ المال، والعفة تحفظ النسل والنفس، فكيف نحصل على هذه الأخلاق؟ إن من أهم وسائل اكتساب الأخلاق العبادات، ورأس العبادات الصلاة، وهي تؤثّر في خلق المسلم تأثيرًا عظيمًا؛ قال تعالى: ï´؟ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ï´¾ [البقرة: 177]، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ فُلاَنَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلاَتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا، غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهاَ بِلِسَانِهَا، قَالَ: هِيَ فِي النَّارِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنَّ فُلاَنَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلاَتِهَا، وَأَنَّهَا تَصَدَّقُ باِلأَثْوَارِ مِنَ الأَقِطِ وَلاَ تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا ؟ قَالَ: هِيَ فِي الْجَنَّةِ. (أخرجه أحمد والبُخاري في الأدب المفرد). إذًا ليس العبرة بالصلاة الركوع والسجود والحركات ولكن آثار الركوع والسجود، قال عمر رضي الله عنه: لا تغرني صلاة امرئ ولا صومه، ولكن لا إيمان لمن لا أمانة له. فهل معنى ذلك أن من لم يكن أمينًا فالأفضل ألَّا يصلي لأن صلاته لا تعلّمه الأمانة؟ الجواب لا، ولكن لعلّه مع مداومة الصلاة يتعلم الأمانة، وأيضًا فإن هذا المصلّي له أجر الصلاة وعليه وزر عدم الأمانة، وأيضًا فإن أداءه الصلاة من الأمانة فقد جاء ببعضها. والمهم أن نقرر أن الصلاة لها مقاصد، الصلاة تعلمنا الانضباط في الحياة لأن المسلم ينظم وقته على ضوء الصلاة، فيتوقف عن العمل وقت الصلاة، ولا يقدم الصلاة عن وقتها ولا يؤخرها، ويقدم الوضوء الذي هو شرط لها، ويطبق التعليمات الربانية بالركعات والقيام والسجود حسب ما فرض عليه، ويخاف أن يخلّ بها فلا تقبل منه، فينضبط، وينتظم في حياته وشؤونه، لا تكون حياته فوضى، لا يجوز أن نكون منظمين في أعمالنا في وظائفنا وشركاتنا وسفرنا فوضويون في حياتنا، كم هو منظر جميل الناس وهم صفوف خلف الإمام، الدوائر البشرية خلف الإمام في مكة، والصفوف المنتظمة في المساجد، بنفس الحركات، ونفس الاتجاه، لا يجوز أن تركع والإمام قائم، أو تسجد والإمام جالس، ولا أن تسابق الإمام. الصلاة فيها راحة للقلب والدماغ وخشوع للبدن وهدوء تنعكس على السلوك، قال سبحانه: ï´؟ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ï´¾ [الرعد: 28]، فتجد المصلي هادئًا في حياته، مرتاحًا، حليمًا، متدبرًا، متأنيًا، فيورثه ذلك هدوءً في حياته وسلوكه، وراحة للدماغ، ومساعدة على سلامة التفكير والتفكر. فقد قررت الشريعة أنه لا يجوز رفع الصوت في الصلاة، أو النقر السريع لها، جاء رجل إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى سريعًا فقال له صلى الله عليه وسلم: « ارجع فصل فإنك لم تصل » متفق عليه. أي هذه ليست صلاة وإن كانت حركاتها كاملة ولكنها فقدت الاطمئنان الذي يؤدي إلى الهدوء والخشوع والتفكر. ويزداد الاطمئنان من الوضوء قبل الصلاة، والاستعاذة من الشيطان، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (إذا غضب أحدكم فليتوضأ) رواه أحمد وأبو داود، وقال صلى الله عليه وسلم: (لو قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ذهب عنه ما يجد)؛ أي: من الغضب. رواه البخاري. الصلاة تعلمنا التواضع الذي ينغرس في النفس من السجود لله تعالى والخضوع له، وترك زينة الدنيا في الصلاة والمسجد لئلا تلهيه عن إقامة الصلاة تامة، والوقوف مع الضعفاء والمساكين. فليس في المساجد صفوف خاصة للكبراء، وليس في الصلاة هيئات خاصة لأهل المال والثراء. الخطبة الثانية الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، كل شيء هالك إلا وجهه، له الحكم وإليه ترجعون، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، (ï´؟ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ï´¾ [الأحزاب: 56]، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا عليّ من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة عليّ)، وقال صلى الله عليه وسلم: (أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليّ صلاة). وبعد: فالصلاة تؤدّبنا بالصبر، الصبر على أوقاتها والتزاماتها، والصبر على طولها ومتابعة الإمام فيها، قال سبحانه: ï´؟ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ï´¾ [طه: 132]، اصطبر أبلغ من اصبر، أي داوم المصابرة واصبر على الصبر عليها؛ لأن الصلاة تصليها في الحر والقر، في الضيق والسعة، في الحضر والسفر، في الفقر والغنى، في الراحة والتعب، في البادية والحاضرة، في الشرق والغرب، في السفينة والطائرة، في المنطاد والمركبة الفضائية، اصطبار عظيم لا يذوقه إلا المصلون. فهل نتعلم الصبر من الصلاة؟ الصبر على حياتنا الخاصة والمجتمعية، الصبر على أبنائنا وبناتنا وزوجاتنا، الصبر على مصائبنا وهمومنا، الصبر على ديننا. الصلاة تعين المسلم على ترك الفواحش الخلقية، قال سبحانه: ï´؟ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ï´¾ [العنكبوت: 45]، فالمسلم يستمع في الصلاة لنصائح الرب سبحانه وتوجيهاته الخلقية فيستجيب لها، وكم من مجرم لما عرف حقيقة الإسلام وانتظم فيه ترك الجريمة وأصبح من أشرف الناس وأنجحهم.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() وسائل اكتساب الأخلاق (3) د. عصام بن عبدالمحسن الحميدان إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]. ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]. أما بعد: فإن من أهم ما يسعى المسلم لتحقيقه الأخلاق الإسلامية، وهو من أهم ما جاء الإسلام لتشريعه، بل هو من التشريعات التي اتفقت عليها جميع الرسالات السماوية، لذا فإن الأخلاق لا تُنسخ في الشرائع السماوية، وقد حصر النبي صلى الله عليه وسلم رسالته في الأخلاق، فقال: (إنما بُعثت لأُتمم صالح الأخلاق)؛ رواه البيهقي، وقال شوقي: وإنّما الاُمم الأخلاق ما بقيتْ *** فإن همُ ذهبَتْ أخلاقهم ذهبوا وقال: إنَّما الأُمَمُ الأخلاقُ ما بَقِيَتْ *** فإنْ تَوَلَّتْ مَضَوا في إثرِها قُدُما وقال: كذا الناسُ بالأخلاقِ يبقى صَلاحُهم *** ويَذَهبُ عنهم أمرُهم حينَ تذهبُ وقال: وَإذا اُصِيبَ القَوْمُ في أخلاقِهِمْ *** فأقِمْ عَلَيْهِمْ مَأْتَمًا وَعَوِيلا وقد ذكرنا أن من أهم ما يحقِّق هذه الأخلاق، ويبنيها العبادات التي شرعها الله تعالى، وليست العبادات في الإسلام وحدها التي تربي المسلم على الأخلاق، بل التوحيد قبلها يربِّي على الأخلاق ووسائل أخرى كذلك نتعرَّض لها في هذه الخُطبة، منها القدوة: والقدوة العملية الماثلة أمام الإنسان تُعين المسلم على الالتزام بالواجبات، وترك المنهيات، فأنت أيها المسلم لست أول من يفعل هذه الأخلاق، فقد سبقك أناس التزموا بالأخلاق، وبيَّنوا لك أن الوصول إلى الكمال ممكن، وأن الموضوع سهل وميسَّر لمن يسَّره الله عليه، وأولهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والأنبياء عليهم السلام جميعًا، فقد مثلوا الأخلاق خير تمثيل، في الصدق والصبر والتواضع والرحمة والأمانة والعدل، وجاء بعدهم أقوام من الصالحين منهم من قضى نَحْبَه، ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلًا، وصلوا إلى مراتب قريبة من النبوة، إلا أنهم لا يوحى إليهم، أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهم، فقال: (اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي مِنْ أَصْحَابِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَاهْتَدُوا بِهَدْيِ عَمَّارٍ، وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ ابْنِ مَسْعُودٍ)؛ رواه الترمذي وحسَّنه. لقد كان بعض الصحابة رضي الله عنهم من حبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقتدون به في غير العبادات، فمنهم من يمشي في المكان الذي مشى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يحرص على أكل الطعام الذي كان يحب أكله رسول الله صلى الله عليه وسلم رغبة في موافقته في محابِّه، ولا شك أن كمال الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم من كمال محبته، فكلما قوِيت المحبة قوِي الاقتداء، وكلما قويت محبة الصحابة قوي الاقتداء بهم. ولكن ما رأيكم أن نرتقي درجة، لماذا نكون من المقتدين فقط، لماذا لا نكون من المقتدين والقدوات المقتدى بهم؟ وهل هذا ممكن؟ نعم، بشيء من المجاهدة والاستعانة بالله، قال سبحانه: ﴿ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74]؛ أي: قدوة يُقتدى بنا، فلنشعر أنفسنا نفسيًّا بأن كل فعل نفعله، فهناك من يقلِّدنا فيه من أهلنا وأبنائنا، وهل تريد أن يكون أبناؤك إلا خير ذريَّة؟ والسبيل لذلك أن تُعينهم بنفسك ولفظك وخلقك وتطبيقك، ولا يشترط أن تكون قدوة في كل شيء، بل ما استطعت عليه. الوسيلة الثانية التي نكتسب بها الأخلاق هي النصيحة والوعظ، وكثيرًا ما يلتزم الواحد منا بالأخلاق الحسنة، أو يترك الأخلاق السيئة نتيجة لنصيحة أو موعظة من واعظ أو أب أو أم، أو أخ أو معلم أو غيرهم، لكن النصيحة لا تؤتي أكلها إلا إذا توفَّر فيها عوامل النصح الناجح، وهي: الأسلوب الحسن، والتحبب للمنصوح، والاختصار، وتخير الوقت المناسب، والانفراد، وحب الخير له، وصدق النصح، وأفضل الموعظة والنصيحة موعظة القرآن الكريم، فإن القرآن موعظة: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ ﴾ [يونس: 57]، فالقرآن الكريم يستخدم أسلوب الموعظة والنصيحة للمؤمنين، فيوجِّه لهم الأوامر والنواهي: (يا أيها الذين آمنوا)، ويضرب القرآن الكريم الأمثال بنصائح السابقين؛ كنصيحة إبراهيم عليه السلام لأبيه، ونصيحة لقمان لابنه، والنبي صلى الله عليه وسلم يستخدم الأسلوبين عامًّا وخاصًّا، ومن الموعظة العامة قول العرباض رضي الله عنه: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون؛ رواه أبوداود والترمذي وصححه. ومن الموعظة الخاصة نصيحة النبي صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب بالتوحيد، يجب أن نقوم بواجب النصح لأبنائنا وبناتنا وزوجاتنا، وأهلنا ومعارفنا بالأسلوب الحسن المحبب الرفيق، وما كان الرفق في شيء إلا زانه، والمهم ألا يشعر الناصح أنه أفضل من المنصوح، فلا دخل للخيرية في ذلك، فربَّ منصوح هو خيرٌ عند الله من الناصح، لكن الناصح أكثر منه علمًا واطلاعًا، أو أفضل منه في هذه الجزئية المنصوح بها دون غيرها، أو أن المنصوح فعل ذلك الفعل معذورًا والناصح لا يعلم. لقد بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المؤمن مرآة أخيه المؤمن، فالقصد من النصح تحسين صورة المؤمن كما يرى الإنسان نفسه في المرآة، فيجمِّل صورته، وليس القصد من النصح الفضيحة أو التفضل والتعالي، لذا فإن النصيحة إذا كانت خالصة صادقة يجب على المنصوح أن يتقبلها، وكان عمر رضي الله عنه يقول: رحم الله امرأً أهدي إليَّ عيوبي، فاعتبر مَن يدلُّه على عيوبه ليتخلص منها مهديًا له هدية، والهدية يثاب عليها. وهناك أناس يتبرمون من النصح، وهذا خطأ؛ لأنك لست معصومًا، ولأن التقصير من طبع الإنسان وفطرته، ولأن الناصح إن كان صادقًا فهو يريد الخير لك، ولأن النقد البناء مقبول، حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المعصوم الموحى إليه من الله يتقبل نقد الآخرين إن كان في محلِّه، وكذلك خلفاؤه رضي الله عنهم، وكان الإمام أحمد رحمه الله على جلالته وسعة علمه يجلس إلى بعض الوعاظ يستمع لا ليزداد علمًا، ولكن ليرقِّق قلبه. الخطبة الثانية الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، كل شيء هالك إلا وجهه، له الحكم وإليه ترجعون، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليَّ)، وقال صلى الله عليه وسلم: (أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليَّ صلاة)، أما بعد: فمن وسائل التربية الثواب والعقاب، والقرآن الكريم مليء ببيان الثواب على الصالحات والعقاب على السيئات، وهذا لا شك يورث المسلم رغبة في الخير ورهبة من الشر، فكم من خلق سيئ تركناه خوفًا من عقابه يوم القيامة، أو خوفًا من الفضيحة في الدنيا، وكم من خلق حسن فعلناه وصبرنا عليه أملًا في النجاة به يوم القيامة. لقد شرع الله تعالى الحدود الشرعية؛ لتنهى عن الفواحش من الزنا والخمر والسحر، ويستقيم المجتمع على الخلق الحسن بعدها، ولا يعلم من خلق إلا الله تعالى وهو اللطيف الخبير، فلا ينبغي أن نتبرم من الحدود الشرعية والعقوبات؛ لأنها تقوِّم العقيدة والخلق والدين، لقد كان الصحابي يأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيُصرُّ على أن يعاقب ليتطهَّر، كما فعل ماعز الأسلمي والغامدية رضي الله عنهما، كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عنهما وهما مُصرَّان على العقوبة، إنها النفس التي تعلم أن العقوبة لم يشرعها الله انتقامًا، ولكن تقويمًا. لا مانع أن نعاقب أبناءنا وبناتنا بعقوبات معنوية تهدف إلى التقويم، والثواب يجب أن يسبق العقاب؛ لأن النفس مفطورة على حب المكافأة على العمل الصواب.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |