|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الداعية ومواعظ القرآن محمد بن عبدالرحمن بن عبدالله المرحوم ورد ذكر الموعظة في القرآن الكريم في مواضع عدة، مما يدل على مشروعيتها. وإن أعظم ما يوعظ به العلماء هو القرآن الكريم، الكتاب الذي أنزله رب العالمين وهو أعرف بما يكون به صلاح عباده، فهو كتاب نور وهداية، يؤثر في النفوس، ويرق ويلين لآياته القلوب الخاشعة، ويكبح جماح النفوس المريضة. إنَّ كلام الله تعالى له تأثير عجيب على الجمادات التي هي فاقدة جميع حواس الإدراك، من السمع والبصر والعقل، فكيف لا يكون له تأثير على إنسان منَّ الله عليه بجميع مدارك الإدراك ! قال تعالى: ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الحشر: 21] [1]. إذا كانت هذه الجبال الصم، لو سمعت كلام الله تعالى وفهمته، لخشعت وتصدعت من خشيته.فكيف بكم يا أيها البشر وقد سمعتم وفهمتم؟ [2]. لذا ينبغي على الداعية أن يستخدم هذا الأسلوب النافع مع المدعوين؛ ليحصل له النفع التام بمشيئة المولى سبحانه. قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ * فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 65، 66] [3]. قال فخر الدين الرازي - رحمه الله تعالى -: أما قوله تعالى: ﴿ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ﴾ ففيه وجهان. أحدهما: أن من عرف الأمر الذي نزل بهم يتعظ به ويخاف إن فعل مثل فعلهم أن ينزل به مثل ما نزل بهم، وإن لم ينزل عاجلاً فلا بد من أن يخاف من العقاب الآجل الذي هو أعظم وأدوم. وأما تخصيصه المتقين بالذكر؛ لأنهم إذا اختصوا بالاتعاظ والانزجار والانتفاع بذلك صلح أن يخصوا به؛ لأنه ليس بمنفعة لغيرهم. الثاني: أن يكون معنى قوله: ﴿ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ﴾ أن يعظ المتقون بعضهم بعضاً: أي جعلناها نكالاً وليعظ به بعض المتقين بعضاً فتكون الموعظة مضافة إلى المتقين على معنى أنهم يتعظون بها، وهذا خاص لهم دون غير المتقين والله أعلم[4]. وقال الإمام الطبري - رحمه الله تعالى -: فتأويل الآية فجعلناها نكالاً لما بين يديها وما خلفها وتذكرة للمتقين؛ ليتعظوا بها ويعتبروا ويتذكروا بها. فجعل تعالى ذكره ما أحل بالذين اعتدوا في السبت من عقوبته موعظة للمتقين خاصة وعبرة للمؤمنين دون الكافرين به إلى يوم القيامة. عن ابن عباس - رضي الله عنهما- في قوله ﴿ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ﴾ إلى يوم القيامة[5]. قال تعالى: ﴿ هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 138] [6]. يقول الإمام الطبري - رحمه الله تعالى -: وأما قوله ﴿ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ ﴾: فإنه يعني: ( بالهدى ) الدلالة على سبيل الحق ومنهج الدين و ( بالموعظة ) التذكرة للصواب والرشاد[7]. وقال الشيخ السعدي - رحمه الله تعالى - في قوله: ﴿ هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ ﴾ أي: دلالة ظاهرة، تبين للناس الحق من الباطل، وأهل السعادة من أهل الشقاوة، وهو الإشارة إلى ما أوقع الله بالمكذبين. ﴿ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ﴾: لأنهم هم المنتفعون بالآيات فتهديهم إلى سبيل الرشاد، وتعظهم وتزجرهم عن طريق الغي. وأما باقي الناس فهي بيان لهم، تقوم به عليهم الحجة من الله، ليهلك من هلك عن بينة[8]. من خلال الآيات السابقة: يتبين أن ذكر أحوال الأمم السابقة، وما حصل لهم من أصناف العقوبات الدنيوية حين لم يستجيبوا لربهم بل عصوه وخالفوه، فإن له أبلغ الأثر في موعظة المدعوين، وبالأخص ( العلماء ) الذين هم أعرف الناس بربهم تبارك وتعالى وأقربهم إليه. قال تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴾ [النساء: 34] [9]. وحول تفسير هذه الآية يقول الإمام القرطبي - رحمه الله تعالى -: أمر الله أن يبدأ النساء بالموعظة أولاً ثم بالهجران فإن لم ينجعا، فالضرب فإنه هو الذي يصلحها له ويحملها على توفية حقه. والضرب في هذه الآية هو ضرب الأدب غير المبرح وهو الذي لا يكسر عظماً ولا يشين جارحة كاللكزة[10] ونحوها، فإن المقصود منه الصلاح لا غير [11]. وقال الشيخ السعدي - رحمه الله تعالى - في قوله: ﴿ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ ﴾ أي: ارتفاعهن عن طاعة أزواجهن، بأن تعصيه بالقول أو الفعل، فإنه يؤدبها بالأسهل فالأسهل. ﴿ فَعِظُوهُنَّ ﴾ أي: ببيان حكم الله في طاعة الزوج ومعصيته، والترغيب في الطاعة، والترهيب من المعصية. فإن انتهت، فذلك المطلوب، وإلا فيهجرها الزوج في المضجع، بأن لا يضاجعها، ولا يجامعها بمقدار ما يحصل به المقصود. وإلا، ضربها ضرباً غير مبرح[12].. قد يُبتلى الداعية بأن يحدث من زوجته نشوزٌ، وقد تكون زوجته وصلت مرحلة متقدمة من العلم مثل ما وصل إليه بعض الصحابيات - رضي الله عنهن- أمثال عائشة - رضي الله عنها - حيث كان الصحابة - رضي الله عنهم - يسألونها من شدة فقهها، فينبغي له أن يبدأ بالموعظة الحسنة. فهذه الآية تخاطب الرجال بعدم ظلم المرأة سواءٌ أكان عالماً أم متعلماً ، وتخاطب المرأة سواء ٌأكانت عالمة أم متعلمة بطاعة زوجها وعدم التقصير في حقوقه. قال تعالى: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا ﴾ [النساء: 62، 63] [13]. قال الخازن - رحمه الله تعالى - في بيان قوله تعالى: ﴿ وَعِظْهُمْ ﴾ يعني: باللسان والمراد زجرهم بالوعظ عن النفاق والكفر والكذب، وتخويفهم بعذاب الآخرة[14]. وقال الشيخ السعدي - رحمه الله تعالى - في قوله: ﴿ وَعِظْهُمْ ﴾ أي: بيّن لهم حكم الله تعالى، مع الترغيب في الانقياد لله، والترهيب من تركه. ﴿ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا ﴾ أي: انصحهم سراً، بينك وبينهم، فإنه أنجح لحصول المقصود، وبالغ في زجرهم وقمعهم، عما كانوا عليه. وفي هذا دليل على أن مقترف المعاصي، وإن أعرض عنه، فإنه ينصح سراً، ويبالغ في وعظه، بما يظن حصول المقصود به[15]. فالداعية يهدف من دعوته إلى الله تعالى صلاح حال المدعوين، بأي وسيلة يحصل بها الوصول إلى الهدى والرشاد[16]. إنَّ الموعظة الحسنة تفيد الموعوظ حتى ولو كان منافقاً، حيث إنه ليس للداعية إلا ما ظهر، والله تعالى يتولى ما خفي. هذا في حال المنافق فغيره من باب أولى. فإذا حصل من عالم زلة، فإنه يوعظ سراً، لفضله ومكانته، وليس لك إلا ما ظهر، حتى يحصل المقصود، بأي وسيلة مناسبة. قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ﴾ [النساء: 66] [17]. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: إن هناك أناساً يعترفون بالحق لكن لهم أهواء تصدهم عن اتباعه، فهؤلاء يدعون بالموعظة الحسنة المشتملة على الترغيب في الحق، والترهيب من الباطل، والوعظ أمر، ونهى بترغيب، وترهيب كما قال تعالى ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ ﴾، وقال تعالى: ﴿ يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا ﴾ [النور: 17] فالدعوة بهذين الطريقين (الحكمة والموعظة) لمن قبل الحق، ومن لم يقبله فإنه يجادل بالتي هي أحسن[18]. ويقول الشيخ أبو بكر الجزائري - حفظه الله تعالى - في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ ﴾ أي: ما يذكرون به ترغيباً، وترهيباً من أوامر الله تعالى لهم بالطاعة والتسليم، لكان ذلك خيراً في الحال والمآل[19]. إنَّ مَنْ يستجيب من المدعوين لرب العالمين، ويسعى لمرضاته، فإنه ينال الخيرية، والتثبيت. لذا على الداعية ألا يغفل عن هذا الجانب المهم ( جانب الترغيب ) تجاه المدعوين، لما في ذلك من الأثر العظيم عليهم الذي يؤدي إلى سرعة الاستجابة؛ طلباً لمرضاة خالقهم سبحانه وتعالى؛ ولكي ينالوا عظيم الأجر. قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [الأعراف: 164] [20]. قال فخر الدين الرازي - رحمه الله تعالى - في بيان قوله تعالى: ﴿ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذّبُهُمْ ﴾: دل ذلك على أنهم كانوا منكرين عليهم أشد الإنكار، وأنهم إنما تركوا وعظهم؛ لأنه غلب على ظنهم أنهم لا يلتفتون إلى ذلك الوعظ ولا ينتفعون به. فإن قيل: إن ترك الوعظ معصية، والنهي عنه أيضاً معصية، فوجب دخول هؤلاء التاركين للوعظ الناهين عنه تحت قوله: ﴿ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ ﴾. قلنا: هذا غير لازم؛ لأن النهي عن المنكر إنما يجب على الكفاية. فإذا قام به البعض سقط عن الباقين[21]. وقال الشنقيطي - رحمه الله تعالى - في قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيدًا ﴾ أخبر أنهم أنكروا فعلهم وغضبوا عليهم، وإن لم يواجهوهم بالنهي، فقد واجههم به من أدى الواجب عنهم. فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية، فلما قام به أولئك سقط عن الباقين فلم يكونوا ظالمين بسكوتهم. وأيضاً فإنه سبحانه إنما عذب الذين نسوا ما ذكروا به، وعتوا عما نهوا عنه، وهذا لا يتناول الساكتين قطعاً. فلما بين عكرمة لابن عباس - رضي الله عنهما - أنهم لم يدخلوا في الظالمين المعذبين كساه برده وفرح به[22]. ينبغي على الداعية ألا يلتفت إلى المخذلين الذين يصدونه عن السير في دعوته، فقد يقول قائل: لا تعظ العالم؛ لأنه قد بلغ ما بلغ من العلم، فيقال له: أنه لا فرق في الموعظة بين العالم وغيره، بل إن الجميع محتاج لها، والكل معرض للخطأ، كما جاء عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون»[23]. قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: 57] [24]. قال الزمخشري - رحمه الله تعالى - في بيان قوله تعالى: ﴿ قَدْ جَاءتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ ﴾ أي: قد جاءكم كتاب جامع لهذه الفوائد من موعظة وتنبيه على التوحيد[25]. وقال الثعالبي - رحمه الله تعالى - في تفسيره لقوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ الآية هذه آية خوطب بها جميع العالم والموعظة: القرآن؛ لأن الوعظ إنما هو بقول يأمر بالمعروف، ويزجر، ويرقق القلوب، ويعد، ويوعد وهذه صفة الكتاب العزيز[26]. إنَّ القرآن العظيم اشتمل على المواعظ العظيمة، التى تحث على محاسن الأعمال، وتحذر من مساوئ الأعمال، فهو يهدي إلى الحق، واليقين، وينجي من ظلمات الضلال من الشرك والبدع إلى نور الإيمان ؛ لذا ينبغي على الداعية في مواعظه أن يستشهد كثيراً بمواعظ القرآن العظيم[27]. قال تعالى: ﴿ قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [هود: 46] [28]. لما سأل واستعلم نوح - عليه الصلاة والسلام - ربه - تبارك وتعالى- عن حال ولده، نهاه الله تعالى عن هذا السؤال؛ كراهية أن يكون من الجاهلين. وكانت هذه الموعظة من الله تعالى، رفعة له عن مقام الجاهلين، وعلو به إلى مقام العلماء والعارفين[29]. قال الشيخ محمد رشيد رضا - رحمه الله تعالى -: إنما اقترن النهي هنا بالوعظ؛ لأن عاطفة الرحمة الوالدية حملته على سؤال ما ليس له به علم اعتماداً على استنباط اجتهادي غير صحيح،... فاكتفى في إرشاده بالنهي وحسن في إرشاد نوح التصريح بالوعظ[30]. وقال الشيخ السعدي - رحمه الله تعالى -: قال الله له: ﴿ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ﴾ الذين وعدتك بإنجائهم ﴿ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ﴾ أي: هذا الدعاء الذي دعوت به؛ لنجاة كافر لا يؤمن بالله، ولا رسوله. ﴿ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾ أي: ما لا تعلم عاقبته، ومآله، وهل يكون خير، أو غير خير ؟. ﴿ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ أي: إني أعظك وعظاً، تكون به من الكاملين، وتنجو به من صفات الجاهلين[31]. إنَّ الداعية لا غنى له عن مواعظ القرآن الكريم؛ لذا على الداعية أن يقتدي بالأنبياء والرسل - عليهم الصلاة والسلام - في دعوتهم، وما حصل لنوح - عليه الصلاة و السلام - مع ولده ومحاولة هدايته حتى لا يكون من المغرقين، لهو مثال يحتذى به، و لما أُخبر أنه لن يؤمن، تبرأ منه، حيث وعظه الله تعالى؛ لكي ينجو من صفات الجاهلين. قال تعالى: ﴿ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [هود: 120] [32]. أخبر تبارك وتعالى نبيه محمداً - صلى الله عليه وسلم -، أنباء الرسل المتقدمين من قبله مع أممهم، وما جرى لهم من التكذيب والأذى من قومهم، وكيف نجى الله تعالى عباده المؤمنين!. كل هذا تثبيت لقلب محمد - صلى الله عليه وسلم -، وعبرة وعظة يتذكر بها المؤمنون المصدقون بتوحيد الله تعالى[33]. قال الشيخ السعدي - رحمه الله تعالى - في قوله تعالى: ﴿ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾ أي: قلبك ليطمئن، ويثبت، وتصبر، كما صبر أولو العزم من الرسل. فإن النفوس تأنس بالاقتداء، وتنشط على الأعمال، وتريد المنافسة لغيرها، ويتأيد الحق بذكر شواهده، وكثرة من قام به. ﴿ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ أي: يتعظون به، فيرتدعون عن الأمور المكروهة، ويتذكرون الأمور المحبوبة لله، فيفعلونها. وأما من ليس من أهل الإيمان، فلا تنفعهم المواعظ، وأنواع التذكير[34]. إن القرآن الكريم قد قصَّ علينا ما حصل للرسل السابقين - عليهم الصلاة والسلام -ليتعظ ويستفيد من كان له قلب حي من هذه المواعظ، ويحصل الاقتداء بمن سبق، فلا أحد بمنأى عن الموعظة سواء أكان عالماً أم جاهلاً، فإن القلوب بحاجة إلى من يثبتها، ولا أعظم من مواعظ القرآن الكريم في ذلك. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |