
29-05-2021, 03:56 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,446
الدولة :
|
|
المسارعة إلى الخيرات
المسارعة إلى الخيرات
د. لحسن العيماري
الخطبة الأولى إن الحمد لله... أما بعد:
فيا عباد الله، إن المؤمن الحق لا يكون إلا كيسًا فطنًا، ذكيًّا زكيًّا، يحرص على فعل الخير، ويسارع إليه، ويتحرى أهله، ويحضر مكانه، ويرتقب زمانه، فإذا شهد مناسبته، أو عرض له سببه، أو دُعي إليه - سبق إليه مجيبًا لداعيه، ففعل ما استطاع منه، واعتذر عما عجز عنه، ورجا من الله ثواب الاثنين بفضله ورحمته.
عباد الله، إن العبد الذي يستجيب لداعي الخير فيسارع إليه، ويسابق الناس فيه - لا شك أنه يفوز من الله الكريم بمنح كثيرة كريمة، وعطايا كبيرة جزيلة؛ فيعيش حياة طيبة كريمة، ويأمن من أن يحال بينه وبين قلبه، ويسلم من المحن، وينجو من الفتن، خصوصًا إذا استحضر النية، واحتسب الأجر عند ذي الكرم والجلال؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بينما رجل يمشي بطريق، وجد غصن شوك على الطريق فأخره، فشكر الله له، فغفر له))، وفي رواية لمسلم: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لقد رأيت رجلًا يتقلب في الجنة؛ في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس)).
والسابق إلى الخير ابتغاء وجه ربه، يجعله الله إمامًا في هذا الخير لمن يعمل به بعده، فيعطيه الله أجره ومثل أجر من فعله؛ لإحيائه لسنَّةٍ غفل عنها الناس؛ ففي صحيح مسلم عن جرير بن عبدالله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سنَّ في الإسلام سُنَّة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء))، وكان سبب قول النبي صلى الله عليه وسلم هذا أنه دعا الناس يومًا للصدقة، فسبق رجل بالصدقة فتبعه الناس، وفي صحيح مسلم أيضًا عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من دل على خير، فله مثل أجر فاعله)).
بل إن الرجل إذا فعل الخير ولازم عليه، فحصل له عارض منعه منه من غير قصد التخلف عنه - أجرى الله له عمله على ما كان عليه قبل ذلك العارض؛ ففي صحيح البخاري عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا مرض العبد أو سافر، كتب له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا))، وهذا من عظيم فضل الله علينا، كذلك إذا مات المسلم على فعل خير يُبعث عليه يوم القيامة؛ لما في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يُبعث كلُّ عبد على ما مات عليه)).
عباد الله، لقد جاء في الحديث عن عقبة بن الحارث رضي الله عنه أنه قال: ((صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة العصر، فسلم ثم قام مسرعًا، فتخطى رقاب الناس إلى بعض حجر نسائه، ففزع الناس من سرعته، فخرج عليهم، فرأى أنهم عجبوا من سرعته فقال: ((ذكرت شيئًا من تِبْرٍ - فتات الذهب أو الفضة قبل أن يصاغ - عندنا، فكرهت أن يحبسني؛ فأمرت بقسمته))، ومن هذا الحديث يتبين أنه على المسلم أن يسارع إلى الطاعات؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في أجر من سابق إلى الصف الأول: ((لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه، لاستهموا عليه))، وعن جابر رضي الله عنه قال: ((قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد: يا رسول الله، إن قُتلت أين أنا؟ قال: أنت في الجنة، قال: فألقى تمرات كُنَّ في يده، ثم قاتل حتى قُتل)).
عباد الله، إن للمسارعة إلى الخيرات فوائد كثيرة؛ منها:
1- أنها استجابة لله ورسوله؛ يقول تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [الأنفال: 24]، فالله عز وجل أمر في كتابه بالمسارعة إلى الخيرات، والنبي صلى الله عليه وسلم بلَّغ هذا الأمر لأمته، وما على الرسول إلا البلاغ؛ قال تعالى: ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾ [البقرة: 148].
2- أنها دليل على علو الهمة، والإسلام حث على علو الهمة؛ فقال تعالى: ﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾ [النور: 37]، وقال تعالى: ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطففين: 26]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إذا سألتم الله، فاسألوه الفردوس؛ فإنه أعلى الجنة)).
3- أن الإنسان لا يدري ما يعرض له من موت أو مرض؛ وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((اغتنم خمسًا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل مرضك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك)، وقال صلى الله عليه وسلم: ((بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا))، فلا يدري الإنسان متى يهجم عليه الموت؛ لأن الموت يأتي بغتة، والقبر صندوق العمل، فالموت لا يستأذن أحدًا، ولا يعرف فلاحًا، ولا تاجرًا، ولا عاملًا، ولا وزيرًا، ولا محكومًا.
عباد الله، إن المسارعة إلى الخيرات دليل على حب الله تعالى، والثقة بوعده والإيمان به؛ فاتقوا الله، واستجيبوا له إذا دعاكم إلى المسارعة إلى الخيرات، وعمل الصالحات، والتوبة من فعل الفواحش والمنكرات، وما يُغضب رب الأرض والسماوات.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الهدى والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن هذه الدنيا دار للمسابقة في فعل الخيرات والأعمال الصالحات، فالعمل الصالح هو زادنا في الآخرة؛ قال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]، فالعمل الصالح هو أنيسنا في قبورنا، ولذلك ينبغي لنا أن نجتهد في استغلال الأوقات بالطاعات، وكل ما يقرب إلى رب الأرض والسماوات، لا أن تُقضى في المحرمات، ومشاهدة المنكرات.
عباد الله، استبقوا الخيرات، وبادروا بالأعمال الصالحة قبل الممات، وأكثروا من الصلاة والسلام على عبدالله ورسوله محمد خير البريات؛ فإن الله قد أمركم بذلك إذ يقول في محكم الآيات: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة، ومَن تبِعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم اجعلنا من المسارعين إلى الخيرات، ومن الساعين إلى رِضوانك والجنات، اللهم وفِّقنا لاغتنام الأوقات في الطاعات بشتى أنواع القُربات.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|