تحذير من شر المخدرات المستطير - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         How can we prepare for the arrival of Ramadaan? (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          الأسباب المعينـــــــة على قيام الليل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          حكم بيع جوزة الطيب واستعمالها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          تريد لبس الحجاب وأهلها يرفضون فهل تطيعهم ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          ما هي سنن الصوم ؟ . (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          هل دعا الرسول صلى الله عليه وسلم للمسلمين الذين لم يروه ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          حكم قول بحق جاه النبي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          ليلة النصف من شعبان ..... الواجب والممنوع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          فضل صيام شهر رمضان.خصائص وفضائل شهر رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          المقصود بالتثليث النصراني الذي أبطله القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19-05-2021, 03:28 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,610
الدولة : Egypt
افتراضي تحذير من شر المخدرات المستطير

تحذير من شر المخدرات المستطير


الشيخ عبدالله بن محمد البصري




أَمَّا بَعدُ، فَـ ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21].
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، لا يَخفَى أَنَّ أَعظَمَ نِعمَةٍ مَيَّزَ اللهُ بها الإِنسَانَ عَن غَيرِهِ هِيَ نِعمَةُ العَقلِ، وَإِلاَّ فَلَيسَ الإِنسَانُ في شَيءٍ مِن سَائِرِ القُوَى خَيرَ حَيٍّ وَلا أَفضَلَهُ وَلا أَقوَاهُ، فَثَمَّةَ مَخلُوقَاتٌ أَقوَى مِنهُ وَأَشَدُّ، وَأُخرَى أَجرَأُ مِنهُ وَأَشجَعُ، وَمِنهَا مَا هُوَ أَصبَرُ مِنهُ وَأَكثَرُ تَحَمُّلاً، وَمِنهَا مَا هُوَ أَبصَرُ وَأَسمَعُ، وَمَا هُوَ أَسبَقُ وَأَسرَعُ، بَل وَمَا هُوَ أَبقَى وَأَطوَلُ عُمُرًا، لَكِنَّ ذَلِكُمُ المَخلُوقَ المُكرَمَ بِعَقلِهِ دُونَ سَائِرِ المَخلُوقَاتِ، يَفُوقُهَا جَمِيعًا وَيَغلِبُهَا بِتِلكُمُ الهِبَةِ، وَيَفضُلُهَا بِعِبَادَةِ رَبِّهِ وَمَعرِفَتِهِ مَا أَحَلَّهُ لَهُ وَمَا حَرَّمَهُ عَلَيهِ، وَالوُقُوفِ عِندَ شَرَائِعِهِ وَعَدَمِ تَعَدِّي حُدُودِهِ، ثم دُخُولِ الجَنَّةِ إِنْ هُوَ أَطَاعَ وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالحُسنَى، بَينَمَا تَكُونُ هِيَ تُرَابًا بَعدَ أَن يُقتَصَّ مِن بَعضِهَا لِبَعضٍ في مَوقِفِ الحِسَابِ.
أَجَل أَيُّهَا الإِخوَةُ، إِنَّ العَقلَ هُوَ المِيزَةُ العُظمَى لِلإِنسَانِ، وَمِن ثَمَّ كَانَ مِن ضِمنِ ضَرُورَاتٍ خَمسٍ، اتَّفَقَتِ الشَّرَائِعُ عَلَى حِفظِهَا، وَجَعَلَت عَلَى التَّعَدِّي عَلَيهَا عُقُوبَاتٍ شَرعِيَّةً وَحُدُودًا وَتَعزِيرَاتٍ، تِلكُمُ هِيَ: الدِّينُ وَالنَّفسُ وَالعَقلُ وَالعِرضُ وَالمَالُ.
وَيَا لَهَا مِن خَسَارَةٍ مَا أَعظَمَهَا، حِينَ يَعمَدُ بَعضُ مَن خَطِئَهُمُ التَّوفِيقُ مِنَ البَشَرِ إِلى مَأكُولاتٍ أَو مَشرُوبَاتٍ أَو مَشمُومَاتٍ طَبِيعِيَّةٍ أَو مَصنُوعَةٍ، فَيَتَنَاوَلُونَهَا يَومًا بَعدَ يَومٍ وَشَهرًا بَعدَ شَهرٍ وَسَنَةً بَعدَ سَنَةٍ، حَتَّى تَأتِيَ عَلَى عُقُولِهِم فَتُعَطِّلَهَا، وَعَلَى أَجسَادِهِم فَتُنهِكَهَا، وَعَلَى عِظَامِهِم فَتَنخَرَهَا، وَعَلَى قُلُوبِهِم فَتُضعِفَ نَبضَهَا، وَعَلَى مَسَالِكِ الدَّمِ في عُرُوقِهِم فَتَسُدَّهَا، وَعَلَى مَجَارِي التَّنَفُّسِ فَتُضَيِّقَهَا، فَتُبَدَّدَ بِذَلِكَ طَاقَاتُهُم، وَتَتَوَقَّفَ حَيَاتُهُم، وَتَضِيعَ أَحلامُهُم، وَتُقطَعَ آمَالُهُم، وَشَرٌّ مِن ذَلِكَ أَنَّهَا تَأتي عَلَى مَبَادِئِهِم وَقِيَمِهِم وَأَخلاقِهِم، فَتَنحَرُ مَا بَقِيَ مِنهَا وَتَقضِي عَلَيهِ، ثم لا تَسَلْ بَعدَهَا عَن إِنسَانٍ بِلا دِينٍ وَمَخلُوقٍ بِلا عَقلٍ، وَكَائِنٍ لا تَميِيزَ لَهُ وَحَيٍّ بِلا إِرَادَةٍ، وَمُسلِمٍ لا نَخوَةَ لَدَيهِ وَلا غَيرَةَ وَلا عِزَّةَ.
إِنَّهَا المُخَدِّرَاتُ وَالمُسكِرَاتُ وَالمُفَتِّرَاتُ، أَصلُ كُلِّ بَلِيَّةٍ، وَأَسَاسُ كُلِّ رَزِيَّةٍ، وَمَدفَنُ كُلِّ فَضِيلَةٍ، وَمَنبَتُ كُلِّ رَذِيلَةٍ، هِيَ أُمُّ الخَبَائِثِ، وَأَسَاسُ كَثِيرٍ مِنَ المَصَائِبِ، وَسَبَبُ الانحِرَافِ وَبِدَايَةُ الضَّيَاعِ، وَمِفتَاحُ الشُّرُورِ وَالمُوبِقَاتِ وَالجَرَائِمِ، وَمُنطَلَقُ الوُقُوعِ في الكَبَائِرِ وَاقتِرَافِ العَظَائِمِ، رِجسٌ مِن عَمَلِ الشَّيطَانِ، تُوقِعُ العَدَاوَةَ وَالبَغضَاءَ حَتَّى بَينَ الأَقَارِبِ، وَتُفسِدُ شُؤُونَ الأُسَرِ وَتُشَتِّتُ أَفرَادَهَا، وَتَهدِمُ البُيُوتَ وَتُزَعزِعُ حَيَاتَهَا، وَتُذهِبُ طُمَأنِينَتَهَا وَاستِقرَارَهَا، تَذهَلُ بِالأَبِ عَن أَبنَائِهِ، وَتَصرِفُ الابنَ عَن وَالِدَيهِ، وَتَقطَعُ العَلائِقَ وَتُفسِدُ الخَلائِقَ، وَتَصُدُّ عَن ذِكرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ، وَتَهتِكُ الأَستَارَ وَتُظهِرُ الأَسرَارَ، وَتُدخِلُ صَاحِبَهَا في دَائِرَةِ المُجرِمِينَ وَالفُجَّارِ، وَهِيَ سَبِيلٌ لِهَتكِ حِجَابِ الحَيَاءِ، وَسَبَبٌ لإِطفَاءِ نُورِ الغَيرَةِ مِنَ الصُّدُورِ، بَل هِيَ انتِحَارٌ بَطِيءٌ، وَإِزهَاقٌ لِلرٌّوحِ بَارِدٌ.
فَيَا للهِ! كَم أُزهِقَت بِسَبَبِهَا مِن نُفُوسٍ بَرِيئَةٍ، وَشُتِّتَت مِن أُسَرٍ كَرِيمَةٍ، وَدُنِّسَت مِن أَعرَاضٍ طَاهِرَةٍ، وَضُيِّعَت مِن أَموَالٍ كَانَت مَحفُوظَةً! كَم أَبكَت مِن وَالِدٍ وَوَالِدَةٍ عَلَى وَلَدِهِمَا، وَكَم أَرمَلَت من زَوجَةٍ وَيَتَّمَت مِن طِفلٍ! وَكَم أَفقَرَت وَأَمرَضَت وَأَذَلَّت، وَجَلَبَت مِن نِقمَةٍ وَسَلَبَت مِن نِعمَةٍ، وَارتُكِبَت بِسَبَبِهَا مِن جَرِيمَةٍ ضَجَّت لَهَا الأَرجَاءُ، وَاستَنكَرَهَا الأَسوِيَاءُ وَالأَصِحَّاءُ، وَذَهَبَ ضَحِيَّتَهَا خَلِيُّونَ أَبرِيَاءُ، وَصَدَقَ المَصدُوقُ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – حِينَ قَالَ لأَبي ذَرٍّ: " لا تَشرَبِ الخَمرَ؛ فَإِنَّهَا مِفتَاحُ كُلِّ شَرٍّ " رَوَاهُ ابنُ مَاجَه وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، لَقَد فَشَتِ المُخَدِّرَاتُ في مُجتَمَعَاتِ المُسلِمِينَ وَبَينَ أَبنَائِهِم، وَفَاقَ خَطَرُهَا خَطَرَ الحُرُوبِ، يُدرِكُ ذَلِكَ مَن عَايَشَ المَأسَاةَ، مِن أَهلِ مُتَنَاوِلِهَا وَأَبنَائِهِ وَإِخوَانِهِ، أَو زُمَلائِهِ وَجِيرَانِهِ، أَو رِجَالِ الأَمنِ أَوِ القُضَاةِ، أَوِ الأَطِبَّاءِ وَالمُعَالِجِينَ، وَيَكفِي لِتَصَوُّرِ خَطَرِ المُخَدِّرَاتِ وَالمُسكِرَاتِ، أَن نَتَصَوَّرَ مَن وَقَعَ في شِبَاكِهَا، وَقَد تَحَوَّلَ مِن إِنسَانٍ سَوَيٍّ عَاقِلٍ إِلى سَبُعٍ ضَارٍ مَسعُورٍ، فَصَارَ يَسرِقُ وَيَقتُلُ، وَيَضرِبُ وَيُؤذِي، ثم لم يَزَلْ حَتَّى بَاعَ عِرضَهُ وَبَدَّدَ شَملَ أُسرَتِهِ، في سَبِيلِ تَحصِيلِ مَا لا صَبرَ لَهُ عَنهُ، وَآخَرِينَ مِنَ المُدمِنِينَ قَتَلُوا زَوجَاتِهِم، وَآبَاءً نَحَرُوا أَولادَهُم، وَشَبَابًا وَقَعُوا عَلَى مَحَارِمِهِم، ثم تَنتَهِي رِحلَةُ الضَّيَاعِ بِكَثيِرٍ مِنهُم بِالمَوتِ في الحَمَّامَاتِ، أَو تَحتَ حَاوِيَاتِ القُمَامَةِ، أَو في الأَمَاكِنِ القَذِرَةِ أَو عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ. وَمَعَ مَا سَنَّتهُ بِلادُنَا مِن عُقُوبَاتٍ صَارِمَةٍ، إِلاَّ أَنَّ طُوفَانَ المُخَدِّرَاتِ مَا زَالَ طَاغِيًا، تَئِنُّ مِنهُ أَروِقَةُ المَحَاكِمِ وَجُدرَانُ السُّجُونِ، وَعِيَادَاتُ المُستَشفَيَاتِ وَزَوَايَا البُيُوتِ، بَل وَالشَّوَارِعُ وَطُرُقُ النَّاسِ وَحَدَائِقُهُم وَمَسَاجِدُهُم، مِمَّا يُوجِبُ عَلَينَا آبَاءً وَمَسؤُولِينَ وَمُرَبِّينَ، التَّعَاوَنَ عَلَى مُنَابَذَةِ هَذَا الدَّاءِ وَمُحَارَبَتِهِ، بَيَانًا لِحُكمِهِ وَأَضرَارِهِ، وَتَحذِيرًا مِن آثَارِهِ السَّيِّئَةِ وَأَخطَارِهِ، وَقَضَاءً عَلَى الأَسبَابِ الَّتي تَجُرُّ إِلى المُخَدِّرَاتِ وَتُوقِعُ في عَفَنِهَا، وَالَّتي مِن أَهَمِّهَا قِلَّةُ العِلمِ وَضَعفُ الإِيمَانِ، وَصُحبَةُ رُفَقَاءِ السُّوءِ، الَّذِينَ يَجمَعُ المَرءَ بِهِم سُوءُ تَربِيَتِهِ وَإِهمَالُ أُسرَتِهِ لَهُ، مَعَ مَا بُلِيَ النَّاسُ بِهِ مِنَ الفَرَاغِ وَقِلَّةِ الشَّوَاغِلِ الجَادَّةِ، وَصَدَقَ مَن قَالَ:
إِنَّ الشَّبَابَ وَالفَرَاغَ وَالجِدَة *** مَفسَدَةٌ لِلمَرءِ أَيُّ مَفسَدَة


أَجَل أَيُّهَا الإِخوَةُ، إِنَّ قِلَّةَ العِلمِ وَضَعفَ التَّربِيَةِ الإِيمَانِيَّةِ وَطُولَ الفَرَاغِ وَعَدَمَ اشتِغَالِ المَرءِ بِمَا يَنفَعُهُ، لَهِيَ مِن أَسبَابِ شُعُورِهِ بِالضِّيقِ وَالمَلَلِ، وَابتِلائِهِ بِالفَقرِ وَقِلَّةِ ذَاتِ اليَدِ، فَيَظُنُّ مَعَ مَا يُملِيهِ عَلَيهِ أَصدِقَاءُ السُّوءِ أَنَّ تَنَاوُلَهُ المُخَدِّرَاتِ سَيُخَفِّفُ عَنهُ مَا يُعَانِيهِ وَيُقَاسِيهِ، وَسَيُخرِجُهُ مِن وَاقِعِهِ الأَلِيمِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، وَمَا عَلِمَ المُغَرَّرُ بِهِ أَنَّهَا بِدَايَةُ المَسِيرِ في النَّفَقِ المُظلِمِ، وَبَابُ الدُّخُولِ إِلى النِّهَايَةِ المَأسَاوِيَّةِ، إِنْ لم يَتَدَارَكْهُ اللهُ بِرَحمَتِهِ وَيَلطُفْ بِهِ.

يُضَافُ إِلى ذَلِكَ مِنَ الأَسبَابِ المُؤَدِّيَةِ إِلى تَنَاوُلِ المُخَدِّرَاتِ حُبُّ الاستِطلاعِ وَالرَّغبَةُ في خَوضِ التَّجرِبَةِ، وَمَحَبَّةُ مُحَاكَاةِ الأَقرَانِ وَتَقلِيدِهِم أَو مُجَامَلَتِهِم، خَاصَّةً مِمَّن هُم في مَرحَلَةٍ الشَّبَابِ، وَلا نَنسَى تَفَكُّكَ الأُسَرِ وَغِيَابَ المَوَدَّةِ بَينَ الزَّوجَينِ، وَضَعفَ المَحَبَّةِ بَينَ الأَبوَينِ، وَالَّتي تَضعُفُ مَعَهَا التَّربِيَةُ، وَيَقِلُّ التَّوجِيهُ وَتَصعُبُ المُتَابَعَةُ، فَيُصبِحُ مَن هَذِهِ حَالُهُم لُقمَةً سَائِغَةً وَصَيدًا سَهلاً لِمُرَوِّجِي المُخَدِّرَاتِ.
وَمِن أَسبَابِ الوُقُوعِ في المُخَدِّرَاتِ السَّفَرُ لِلخَّارِجِ وَالتَّرَدُّدُ عَلَى البُلدَانِ المُنفَتِحَةِ، سَوَاءٌ في البِعثَاتِ الدِّرَاسِيَّةِ، أَوِ الرِّحلاتِ السِّيَاحِيَّةِ، وَقَرِيبٌ مِن هَذَا السَّبَبِ مُشَاهَدَةُ التَّمثِيلِيَّاتِ وَالمَسرَحِيَّاتِ الهَابِطَةِ، الَّتي تُعرَضُ فِيهَا صُوَرُ شَارِبي الخُمُورِ كَثِيرًا في مَنَاظِرَ تُوهِمُ السَّفِيهَ أَنَّ هَذَا هُوَ سَبِيلُ الرَّاحَةِ وَطَرِيقُ السَّعَادَةِ.
وَمِنَ الأَسبَابِ كُونُ الأَبِ مُدَخِّنًا، وَتَسَاهُلُهُ في مُمَارَسَةِ ذَلِكَ أَمَامَ أَبنَائِهِ، فَيَتَأَثَّرُونَ حِينَئِذٍ بِهِ تِلقَائِيًّا وَيَقعُونَ في التَّدخِينِ، وَتَكُونُ تِلكَ هِيَ البِدَايَةَ لِمَا بَعدَهَا، وَالعَتَبَةَ الأُولى لِلتَّجَاوُزِ إِلى عَالَمِ المُخَدِّرَاتِ المُدَمِّرِ.
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ، وَلْنَحرِصْ عَلَى تَربِيَةِ أَبنَائِنَا تَّربِيَةً إِيمَانِيَّةً عَمِيقَةً؛ فَإِنَّهُ لا عِلاجَ لِلنُّفُوسِ وَلا بِنَاءَ لِلشَّخصِيَّاتِ البِنَاءَ الأَكمَلَ الأَمثَلَ إِلاَّ بِتَقوِيَةِ الإِيمَانِ في القُلُوبِ، وَلْنَحرِصْ - مَعشَرَ الآبَاءِ – مَعَ ذَلِكَ عَلَى التَّربِيَةِ بِالحُبِّ، نَعَم، لِنَحرِصْ عَلَى التَّربِيَةِ بِالحُبِّ، بِالمُعَامَلَةِ بِالرِّفقِ وَاللِّينِ، وَالحِوَارِ بِالكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ العَذبَةِ، وَاللَّهَجِ لِلأَبنَاءِ بِالدَّعَوَاتِ الصَّادِقَةِ، بَعِيدًا عَنِ التَّدلِيلِ الزَّائِدِ وَإِغدَاقِ المَالِ بِلا حِسَابٍ وَلا رَقَابَةٍ، وَالحَذَرَ الحَذَرَ مِنَ التَّربِيَةِ بِالعُنفِ وَالتَّسَلُّطِ وَالشِّدَّةِ. وَلا نَنسَى المُؤَسَّسَاتِ المُختَصَّةَ أَمنِيَّةً وَصَحِيَّةً وَاجتِمَاعِيَّةً وَدِينِيَّةً وَتَعلِيمِيَّةً، فَإِنَّ عَلَيهَا حِملاً كَبِيرًا، وَلَهَا دُورُ فَاعِلٌ في عِلاجِ هَذِهِ المُشكِلَةِ وَحَلِّ هَذِهِ المُعضِلَةِ، بِالتَّوجِيهِ وَالنَّصِيحَةِ، وَبَيَانِ الأَضرَارِ وَالتَّحذِيرِ مِنَ الأَخطَارِ، فَلْيَتَّقِ اللهَ كُلُّ مُؤتَمَنٍ في أَمَانَتِهِ، وَلْيَجتَهِدْ فِيمَا هُوَ مَسؤُولٌ عَنهُ وَلْيَرعَهُ حَقَّ رِعَايَتِهِ؛ فَإِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا استَرعَاهُ حَفِظَ أَم ضَيَّعَ؟! أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ [المائدة: 90، 91].
♦ ♦ ♦
أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ -تعالى- وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ، وَاعلَمُوا أَنَّ النُّفُوسَ وَدَائِعُ وَالعُقُولَ نِعَمٌ، وَأَنَّ الاعتِدَاءَ عَلَى أَيٍّ مِنهَا خِيَانَةٌ وَكُفرَانٌ، قَالَ - جَلَّ وَعَلا -: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ [النساء: 29] وَقَالَ – سُبحَانَهُ -: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7].
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، أَكبَرُ أَسبَابِ وُقُوعِ الشَّبَابِ في شَرَكِ المُخَدِّرَاتِ هُوَ ضَعفُ الوَازِعِ الدِّينيِّ وَالإِعرَاضُ عَن ذِكرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ، وَاللهُ – تَعَالى - يَقُولُ: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 124] وَيَقُولُ - سُبحَانَهُ -: ﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ﴾ [مريم: 59] وَيَقُولُ -صلى الله عليه وسلم-: " لا يَزني الزَّاني حِينَ يَزني وَهُوَ مُؤمِنٌ، وَلا يَشرَبُ الخَمرَ حِينَ يَشرَبُهَا وَهُوَ مُؤمِنٌ... " الحَدِيثَ رَوَاهُ البُخَارِيُّ. فَمَن تَرَبَّى عَلَى طَاعَةِ اللهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ تَربِيَةً إِيمَانِيَّةً عَمِيقَةً، وَعُوِّدَ عَلَى الصَّلاةِ وَكَانَ مِن مُعتَادِي المَسَاجِدِ وَمُرتَادِيهَا، فَإِنَّ الصَّلاةَ تَنهَاهُ عَنِ الفَحشَاءِ وَالمُنكَرِ، وَسَيَجِدُ في بُيُوتِ اللهِ رِجَالاً يَأخُذُونَ بِيَدِهِ إِلى كُلِّ خَيرٍ وَيَحجُزُونَهُ عَن كُلِّ شَرٍّ، وَإِنَّهُ حِينَ غَفَلَ الآبَاءُ عَن وَاجِبَاتِهِم وَتَسَاهَلُوا في أَمَانَاتِهِم، وَتَخَلَّوا عَن تَربِيَةِ أَبنَائِهِم عَلَى الصَّلاةِ وَلم يَحرِصُوا عَلَى أَن يَعتَادُوا المَسَاجِدَ، وَسَلَّمُوهُم لِوَسَائِلِ الاتِّصَالِ وَأَجهِزَةِ التَّوَاصُلِ الحَدِيثَةِ لِتُرَبِّيَهُم، وَتَرَكُوهُم عِندَ وَسَائِلِ الإِعلامِ أَو مَعَ أَصحَابِ السُّوءِ لِيَصُوغُوا أَفكَارَهُم، ضَعُفَ عِندَ ذَلِكَ الوَازِعُ الدِّينيُّ في قُلُوبِ أُولَئِكَ الأَبنَاءِ، وَسَقَطُوا في أَوحَالٍ كَثِيرَةٍ مِن شَرِّهَا المُخَدِّرَاتُ وَالمُسكِرَاتُ، فَمَن أَرَادَ لأَبنَائِهِ الصَّلاحَ وَالسَّلامَةَ مِنَ الآفَاتِ فَلْيَضبِطْ أَمرَ صَلاتِهِم، وَلْيُلزِمْهُمُ المَسَاجِدَ وَلْيَربِطْهُم بِالصُّحبَةِ الصَّالِحَةِ مِن خِلالِهَا، وَلْيَأخُذْهُم إِلى مَجَالِسِ الصَّالِحِينَ، وَلْيَقِفْ بِحَزمٍ أَمَامَ المُخَدِّرَاتِ الفِكرِيَّةِ الَّتي تُفسِدُ أَفكَارَهُم وَتَسرِقُ صَلاحَهُم، مِن قَنَوَاتٍ فَاسِدَةٍ، وَمَوَاقِعَ في الشَّبَكَاتِ مُفسِدَةٍ، وَمُسَلسَلاتٍ مَاجِنَةٍ، وَأَلعَابٍ الكتُرُونِيَّةٍ مُوَجَّهَةٍ، تَهدِفُ إِلى زَعزَعَةِ الإِيمَانِ في القُلُوبِ، وَبَثِّ الشُّكُوكِ في النُّفُوسِ، وَزَرعِ الانحِلالِ في مُجتَمَعَاتِ المُسلِمِينَ وَإِضعَافِ صِلَتِهِم بِدِينِهِم، وَإِفسَادِ قِيَمِهِم وَأَخلاقِهِم.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 57.64 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 55.97 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.90%)]