|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() منهج ابن كثير في دعوة أهل البدع والمنكرات مبارك بن حمد الحامد الشريف أولًا: معنى البدعة وأنواعها: قال صاحب مقاييس اللغة: "الباء والدال والعين: أصلان لشيئين أحدهما: ابتداء الشيء وصنعه لا عن مثال سابق، والثاني: الانقطاع والكَلال؛ كقولهم: أبدَعَت الراحلةُ؛ إذا كلَّت وعطلت"[1]. وعلى نحو هذا عرَّف ابن كثير البدعةَ، فقال عند تفسير الآية: ﴿ بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [البقرة: 117]: "أي خالقهما على غير مثال سبق، قال مجاهد والسدي، وهو مقتضى اللغة، ومنه يقال للشيء المحدَث: بدعة، وقال ابن جرير: ﴿ بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾: مُبدِعُهما، وإنما هو مُفعِل فصُرِف إلى فَعِيل، كما صُرِف المُؤلِم إلى الأليم، والمُسمِع إلى سميع، ومعنى المُبدِع: المُنشِئ والمحدِث ما لم يسبقه إلى إنشاء مثلِه وإحداثه أحدٌ. قال: ولذلك سمِّي المبتدع في الدين مبتدعًا؛ لإحداثه فيه ما لم يسبقه إليه غيرُه، وكذلك كلُّ محدِثٍ فعلًا أو قولًا لم يَتقدَّمْه فيه متقدِّم، فإن العرب تُسمِّيهِ مبتدِعًا، ومن ذلك قول أعشى ثعلبة في مدح هوذة[2] بن علي الحنَفيِّ: يُرْعِي إلى قولِ ساداتِ الرجال إذا *** أبدَوْا له الحزمَ، أو ما شاءه ابتدَعَا أي: يُحدِث ما شاء"[3]. وفي الاصطلاح: عرَّفها الشاطبي بقوله: "طريقة في الدِّين مخترَعة تُضاهي الشريعة، يُقْصَد بالسلوك عليها المبالغة في التعبُّد لله تعالى"[4]. فالبدعة إحداث في الدين، وليس لها أصل ومستندٌ شرعي؛ ولهذا يقول ابن كثير: "سميت البدعة بدعة؛ لأنه لا نظير لها فيما سلف"[5]. "والبدعة على قسمين تارة تكون بدعة شرعيَّة؛ كقوله: ((فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة))[6]، وتارة تكون لغويَّة؛ كقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عن جمعه إياهم على صلاة التراويح واستمرارهم: نِعْمَتِ البدعةُ هذه"[7]. وأشار ابن كثير إلى "أن أول بدعة وقَعت في الإسلام فتنةُ الخوارج، وكان مبدؤهم بسبب الدنيا، حين قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم حُنَيْنٍ، فكأنهم رأوا في عقولهم الفاسدة أنه لم يَعدِل في القسمة، ففاجؤوه بهذه المقالة، فقال قائلهم - وهو ذو الخويصرة[8]، بقَرَ الله خاصرته -: اعدِلْ فإنك لم تعدل، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لقد خبتَ وخسرتَ إن لم أكن أعدل، أيأمنُني على أهل الأرض ولا تأمنونني؟!))، فلما قَفَّى الرجلُ استأذن عمر بن الخطاب - وفي رواية خالد بن الوليد - رسولَ الله في قتله، فقال: ((دَعْهُ، فإنه يخرج من ضِئضئ هذا - أي جنسه - قومٌ يَحقِرُ أحدُكم صلاتَه مع صلاتهم، وصيامَه مع صيامهم، وقراءتَه مع قراءتهم، يمرُقون من الدِّين كما يمرُق السهم من الرَّميَّة، فأينما لقيتموهم فاقتُلوهم؛ فإن في قتلهم أجرًا لمن قتَلَهم))[9]، ثم كان ظهورهم أيام عليِّ بن أبي طالب، فقتَلَهم بالنهروان[10]، ثم تشعَّبت منهم شعوب وقبائل، وآراء وأهواء، ومقالات ونِحَل كثيرة منتشرة، ثم نبعت القدَريَّة ثم المعتزلة ثم الجهميَّة، وغير ذلك من البدع التي أخبَرَ عنها الصادق المصدوق في قوله: ((وستفترق هذه الأمَّة على ثلاث وسبعين فِرقةً، كلُّها في النار إلا واحدة))، قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: ((من كان على ما أنا عليه وأصحابي))"[11]. ثانيًا: منهجه: إن العصر الذي عاش فيه ابنُ كثير، عصرٌ مليء بالبدع والمنكَرات والمِلَلِ المنحرفة، فقد تعدَّدَت الفِرَقُ والمذاهب في كثير من المجتمعات الإسلامية، وقد قيَّض الله في تلك الفترة من يتصدى للدفاع عن الإسلام وبيان حقيقته ومنهجه الصافي الذي سار عليه الرسول صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح من بعده، فقاموا بالردِّ على هؤلاء المبتدعة، وبيان انحرافهم وضلالهم، وتحذير الأمَّة من خطرهم، وفي نفس الوقت قاموا بدعوتهم إلى الحقِّ ومناظرتهم والرد عليهم. وقد كان رائد هذه المدرسة الإصلاحية شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ومن أبرز تلاميذِ هذه المدرسةِ المزيُّ والذهبي وابن القيم وابنُ كثير وغيرهم، فكان داعيتُنا الإمام ابنُ كثير من أنصار هذه المدرسة، وقد تبنَّى منهجَ شيخه ابن تيمية في الدعوة إلى منهج السلف والدفاع عنه، والردِّ على أهل البدع والأهواء والضلال؛ ولذلك نجد أن تفسيره طافح بذلك. فقد انبرى رحمه الله لبيان منهج الإسلام الصحيح، والرد على المناهج التي تخالفه، وبيان انحرافها وضلالها، وقيامه بمناقشة مقولات أهل الفِرَق والمِلَل، وبيان شُبَههم مع دحضها والرد عليها، إضافة إلى مواقفه العمليَّة مع أهل البدع والضلال، التي أورَدَ بعضًا منها في كتابه البداية والنهاية، وسنتحدث عن منهج ابن كثير في دعوته لأهل البدع من خلال النقاط التالية: 1- حرص ابن كثير على تبيين حال أهل البدع وضلالهم، وأن بدعهم التي ابتدعوها واخترعوها ليس لهم فيها مستندٌ شرعي؛ وإنما هي في كثير من الأحيان افتراء وكذب على الله، ومخالفة لما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام؛ ولذلك عاقَبَهم الله بالذلِّ والصَّغار في الحياة الدنيا، وجعلهم في ضلال عن الحق بسبب ما هم فيه من الشكوك والاضطراب في الآراء والأحكام، وخلَص رحمه الله إلى أن كل الفِرَق على ضلالة إلا أهل السُّنة والجماعة، وهم الفِرقة الناجية المتمسِّكون بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبما كان عليه الصدر الأول من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين، وأخيرًا دعاهم رحمه الله إلى التوبة والرجوع إلى الحق؛ فكل من تاب إلى الله وأناب إليه، تاب الله عليه؛ لقوله تعالى: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 160]، قال ابن كثير: "وفي هذا دلالة على أن الداعية إلى كفر أو بدعة إذا تاب إلى الله، تاب الله عليه"[12]، وقد ذكرنا ذلك مفصلًا في المبحث السابق شمول دعوة ابن كثير للطوائف والفرق، فليُرجع إليه. 2- قام ابن كثير رحمه الله في تفسيره بذكر بعض الطوائف والفرق من أهل البدع، وأورَدَ مقولاتها وشُبَهَها، وتصدَّى للرد عليها وبيان خطئها وضلالها، فمن ذلك مثلًا: 1- الخوار[13] وهم يرون التكفير بالكبائر من الذنوب، وقد ردَّ عليهم ابن كثير في ذلك، فقال عند تفسير الآية: ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ﴾ [الحجرات: 9]: "فسماهم مؤمنين مع الاقتتال، وبهذا استدل البخاريُّ وغيره على أنه لا يخرج من الإيمان بالمعصية وإنْ عظُمت، لا كما يقوله الخوارج ومن تابَعَهم من المعتزلة ونحوهم"[14]. 2- المعتزلة[15]: وقد تعقَّبهم ابن كثير، وأوضَحَ خطأهم في مسائلَ عديدة خالَفوا فيها منهج السلف؛ كنفي رؤية المؤمنين ربَّهم في الآخرة، وأن الله سبحانه لم يكلِّمْ موسى عليه السلام، وعدم تفريقهم بين الإسلام والإيمان، وإنكارهم السِّحرَ، ونحو ذلك من المسائل الأخرى؛ فعند تفسير الآية: ﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ﴾ [الأنعام: 103]، قال ابن كثير: "هذا في الدنيا.... وقال آخرون: ﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ﴾ أي: جميعها، وهذا مخصص؛ لِما ثبَتَ من رؤية المؤمنين له في الدار الآخرة، وقال آخرون من المعتزلة بمقتضى ما فهموه من هذه الآية: إنه لا يُرى في الدنيا ولا في الآخرة، فخالَفوا أهل السُّنة والجماعة في ذلك، مع ما ارتكبوه من الجهل بما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ أما الكتاب فقوله تعالى: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ [القيامة: 22، 23]"[16].، وقال تعالى عن الكافرين: ﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾ [المطففين: 15]، قال الإمام الشافعي: فدلَّ على أن المؤمنين لا يُحجَبون عنه تبارك وتعالى، وأما السُّنة فقد تواترت الأخبارُ عن أبي سعيد وأبي هريرة وأنسوجريروصهيب[17] وبلال[18] وغير واحد من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن المؤمنين يَرَوْن الله في الدار الآخرة في روضات الجنات، جعلنا الله تعالى منهم بمنِّه وكرمه، آمين[19]. وعند تفسير الآية: ﴿ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ﴾ [النساء: 164]: "وهذا تشريف لموسى عليه السلام بهذه الصفة؛ ولهذا يقال له: الكليم، وقد قال الحافظ أبو بكر بن مردويه[20]... جاء رجل إلى أبي بكر بن عياش[21] فقال: سمعت رجلًا يقرأ: (وكلم اللهَ موسى تكليمًا)، فقال أبو بكر: ما قرأ هذا إلا كافرٌ، قرأتُ على الأعمش، وقرأ الأعمش[22] على يحيى بن وثاب، وقرأ يحيى[23] بن وثاب على أبي عبدالرحمن السلمي[24]، وقرأ أبو عبدالرحمن على عليِّ بن أبي طالب، وقرأ عليُّ بن أبي طالب على رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وكلَّم اللهُ موسى تكليمًا)، وإنما اشتدَّ غضب أبي بكر بن عياش رحمه الله على من قرأ كذلك؛ لأنه حرَّف لفظ القرآن ومعناه، وكان هذا من المعتزلة الذين يُنكِرون أن الله كلَّم موسى عليه السلام أو يكلِّم أحدًا من خلقه، كما روينا عن بعض المعتزلة أنه قرأ على بعض المشايخ: (وكلَّم اللهَ موسى تكليمًا)، فقال: يا بن اللخناء[25]! فكيف تَصنع بقوله تعالى: ﴿ وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ ﴾ [الأعراف: 143]؟ يعني أن هذا لا يحتمل التحريف ولا التأويل"[26]. وعند تفسير الآية: ﴿ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 102]، قال: "وحكى أبو عبدالله الرازي في تفسيره عن المعتزلة أنهم أنكَروا وجود السِّحر، قال: ربما كَفَّرُوا من اعتقد وجوده، قال: وأما أهل السنة فقد جَوَّزُوا أن يقدر الساحر أن يطير في الهواء.... ثم استدل على وقوع السِّحر وأنه بخلق الله تعالى بقوله سبحانه: ﴿ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ ﴾ [البقرة: 102]، ومن الأخبار بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُحِر، وأن السِّحر عَمِل فيه"[27]. وعند تفسير الآية: ﴿ فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الذاريات: 35]، قال: "احتجَّ بهذه الآية من ذهب إلى رأي المعتزلة ممن لا يفرِّق بين مسمَّى الإيمان والإسلام؛ لأنه أطلَق عليهم المؤمنين والمسلمين، وهذا الاستدلال ضعيف؛ لأن هؤلاء كانوا قومًا مؤمنين، وعندنا أن كل مؤمن مسلمٌ، ولا ينعكس، فاتفق الاسمان هنا؛ لخصوصية الحال، ولا يلزم ذلك في كلِّ حال"[28]. وعند تفسير الآية: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ﴾ [الجاثية: 23]، قال: "أي إنما يأتمر بهواه، فمهما رآه حسنًا فعَلَه، ومهما رآه قبيحًا ترَكَه، وهذا قد يستدل به على المعتزلة في قولهم بالتحسين والتقبيح العقليين"[29]. 3- القدَريَّة[30]: وهم القائلون بأن الله لا ينفرد بالهداية والإضلال، بل إن العباد هم الذين يختارون ذلك ويفعلونه، فقال عند تفسير الآية: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2]: "وحذف الفاعل في الغضب في قوله تعالى: ﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ﴾ [الفاتحة: 7]، وإن كان هو الفاعل لذلك في الحقيقة، كما قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ﴾ [المجادلة: 14]، وكذلك إسناد الضلال إلى من قام به، وإن كان هو الذي أضَلَّهم بقدَرِه، كما قال تعالى: ﴿ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا ﴾ [الكهف: 17]، وقال: ﴿ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [الأعراف: 186]، إلى غير ذلك من الآيات الدالة أنه سبحانه هو المنفرد بالهداية والإضلال، لا كما تقوله الفِرقة القدَريَّة ومن حذا حذوهم من أنَّ العباد هم الذين يختارون ذلك ويفعلونه، ويحتجُّون على بدعتهم بمتشابه من القرآن، ويتركون ما فيه صريحًا في الرد عليهم، وهذا حال أهل الضلال والغي"[31]. 4- الجهميَّة[32]: القائلون بأن الله في كل مكان، تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا، يقول ابن كثير عند تفسير الآية: ﴿ وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ ﴾ [الأنعام: 3]: "اختلف مفسِّرو هذه الآية على أقوال، بعد الاتفاق على تخطئة قول الجهمية الأولِ القائلين بأنه - تعالى عن قولهم علوًّا كبيرًا - في كل مكان، حيث حملوا الآية على ذلك، فأصح الأقوال: أنه: المدعوُّ الله في السموات وفي الأرض؛ أي: يعبده ويوحِّده ويُقِرُّ له بالإلهية مَن في السموات ومن في الأرض، ويُسمُّونه اللهَ، ويَدْعونه رغبًا ورهبًا، إلا من كفر من الجن والإنس، وهذه الآية على هذا القول كقوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ﴾ [الزخرف: 84]؛ أي: هو إلهُ مَن في السماء وإلهُ من في الأرض"[33]. 5- الشيعة[34]: وقد ردَّ عليهم ابن كثير رحمه الله في عقيدة المهدي الغائب، وفي جواز المتعة، وإنكار المسح على الخفين، وأن ليلة القدر قد رُفِعت بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي سَبِّهم لعموم الصحابة وخاصة الشيخين، ونحو ذلك من الأمور التي خالَفوا بها إجماع الأمَّة، فقال رحمه الله تعالى عند تفسير الآية: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ﴾ [المائدة: 6]: "وقد ثبت بالتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشروعيةُ المسح على الخفَّين قولًا منه وفعلًا... وقد خالفت الروافضُ ذلك كلَّه بلا مستند؛ بل بجهل وضلال، مع أنه ثابت في صحيح مسلم..... كما ثبت في الصحيحين عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن نكاح المتعة، وهم يستبيحونها، وكذلك الآية دالَّةٌ على وجوب غَسلِ الرِّجلين، مع ما ثبت بالتواتر من فعل نفس الأمر، ولله الحمد"[35]. وقال عند تفسير الآية: ﴿ وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا ﴾ [المائدة: 12]: "يعني عُرَفاءَ على قبائلهم بالمبايعة..... وعن جابر بن سمرة[36] قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يزال أمر الناس ماضيًا ما وَلِيَهم اثنا عشر رجلًا))[37]... والظاهر أن منهم المهديَّ المبشَّرَ به في الأحاديث الواردة بذكره أنه يواطئ اسمُه اسمَ النبي صلى الله عليه وسلم، واسمُ أبيه اسمَ أبيه، فيملأ الأرض عدلًا وقسطًا، كما مُلئت جَورًا وظلمًا، وليس هذا هو بالمنتظر الذي يتوهم الرافضة وجودَه ثم ظهوره من سرداب سامراء؛ فإن ذاك ليس له حقيقة ولا وجود بالكلية، بل هو من هوس العقول السخيفة، وتوهُّم الخيالات الضعيفة، وليس المراد بهؤلاء الخلفاء الاثني عشر الأئمة الذين يعتقد فيهم الشيعة الاثنا عشرية من الروافض لجهلهم وقلة عقلهم"[38]. وقال عند تفسير الآية: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 58]: "وهذا هو البهت البيِّنُ أن يُحْكى أو ينقل على المؤمنين والمؤمنات ما لم يفعلوه على سبيل العيب والتنقص لهم، ومن أكثر من يدخُلُ في هذا الوعيدِ الكفرةُ بالله ورسوله، ثم الرافضة الذين ينتقصون الصحابة ويعيبونهم بما قد برَّأهم الله منه، ويصفونهم بنقيض ما أخبَرَ الله عنهم؛ فإن الله عز وجل قد أخبر أنه قد رضي عن المهاجرين والأنصار ومدحهم، وهؤلاء الجهلةُ الأغبياء يسُبُّونهم وينتقصونهم، ويذكرون عنهم ما لم يكن ولا فعلوه أبدًا، فهم في الحقيقة منكسو القلوب، يذمُّون الممدوحين، ويمدحون المذمومين"[39]. وقال رحمه الله عند تفسير الآية: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ [القدر: 1]، بعد ذكره الأحاديث الواردة في ليلة القدر: "وفيه أنها تكون باقية إلى يوم القيامة في كل سنة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، لا كما زعمه بعض طوائف الشيعة من رفعِها بالكلية على ما فهموه من الحديث.... ((رُفِعت وعسى أن يكون خيرًا لكم))[40]؛ لأن المراد رفعُ عِلمِ وقتها عينًا"[41]. وأخيرًا ردُّه على من زعم سقوط التكاليف عن الإنسان في حالة وصوله إلى درجة المعرفة كما زعموا، فقال رحمه الله عند تفسير الآية: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99]: "ويستدل من هذه الآية الكريمة - وهي قوله: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ - على أن العبادة كالصلاة ونحوها واجبةٌ على الإنسان ما دام عقله ثابتًا، فيُصلِّي بحسب حاله، كما ثبت في صحيح البخاري عن عمران بن حصين[42] رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((صلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب))[43]، ويستدل على تخطئة من ذهب من الملاحدة إلى أن المراد باليقين المعرفة، فمتى وصل أحدهم إلى المعرفة سقط عنه التكليف عندهم، وهذا كفر وضلال وجهل؛ فإن الأنبياء عليهم السلام هم وأصحابهم أعلَمُ الناسِ بالله، وأعرَفُهم بحقوقه وصفاته وما يستحق من التعظيم، وكانوا مع هذا أعبَدَ وأكثر الناس عبادةً ومواظبة على فعل الخيرات إلى حين الوفاة؛ وإنما المراد باليقين هاهنا الموت، كما قدمناه ولله الحمد والمنة، والحمد لله على الهداية، وعليه الاستعانة والتوكل، وهو المسؤول أن يتوفانا على أكمل الأحوال وأحسنها"[44]. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |