
11-04-2021, 10:50 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,446
الدولة :
|
|
العزيمة في المسألة وترك الاستثناء (خطبة)
العزيمة في المسألة وترك الاستثناء (خطبة)
عبدالمحسن بن إبراهيم اللعبون
العزيمةُ في المسألةِ وتَرْكُ الاستثناءِ
الحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمينَ، وأَشهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شَريكَ لَهُ في رُبوبِيَّتِه وإِلَهِيَّتِه وأَسمائِهِ وصِفاتِه، وأَشهَدُ أَنَّ مُحمَّدًا عَبدُه ورَسولُه المُعلِّمُ الأوَّلُ والمُرَبِّي الأَكمَلُ صلى الله عليه وسلم، وعَلى آلِه وأَزْواجِه الطاهِراتِ، وعَلى صَحابَتِه، وعَلى مَنْ سارَ عَلى هَدْيِه واقْتَفَى آثارَهُ إلى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعدُ:
فاتَّقوا اللهَ تَعالى أيُّها المُؤمِنونَ وتَأدَّبوا بآدابِ نَبيِّكُمْ مُحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فإِنَّ ما أَتاكُمْ بِهِ هُوَ خَيْرُ الهُدَى قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ [الفتح: 28]، وقالَ تَعالى: ﴿ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الحشر: 7].
ومِمَّا أَمَرَ بِه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم العَزمُ في المَسأَلةِ، أَيْ: إِذا أَرادَ المُسلِمُ أَنْ يَدعوَ اللهَ فلْيَعزِمْ في المَسأَلةِ ولا يَستَثْنِ بالمَشيئَةِ، فلا يقلْ: اللَّهُمَّ ارْحَمْني إِنْ شِئْتَ.
وكَثيرٌ مِنَ الناسِ اليَوْمَ يَقولُ إِذا أَرادَ أَنْ يَدعوَ لأَحَدٍ: اللهُ يَجْزيه خَيْرًا إِنْ شاءَ اللهُ، أَوِ اللهُ يَغفِرُ لَهُ إِنْ شاءَ اللهُ. فهَذا الدُّعاءُ بِهَذِه الصِّيغةِ نَهَى عَنْه الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم، والصَّحيحُ أَنْ يَقولَ: جَزاهُ اللهُ خَيْرًا وغفَرَ اللهُ لَهُ. دونَ أَنْ يَقولَ: إِنْ شاءَ اللهُ؛ لِقَوْلِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ، اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ، لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ فَإِنَّهُ لَا مُكْرِهَ لَهُ» مُتَّفَقٌ علَيْهِ[1] وفِي رِوايةٍ لمُسلِمٍ: «وَلَكِنْ لِيُعْظِمِ الرَّغْبَةَ فَإِنَّ اللهَ لَا يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ أَعْطَاهُ»[2]، وعَنْ أنَسٍ رضِيَ اللهُ عَنْه قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلْيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ، وَلَا يَقُولَنَّ: اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِنِي فَإِنَّهُ لَا مُسْتَكْرِهَ لَهُ»، مُتَّفَقٌ علَيْه[3].
وكَثيرٌ مِنَ الناسِ لا يَقصِدُ التَّعليقَ على المَشيئةِ وإِنَّما هُوَ شَيءٌ جَرَى بِهِ لِسانُهُ دونَ قَصْدٍ، لإِرادةِ الزِّيادةِ في الدُّعاءِ، والواجِبُ أَنْ يَنْتَبِهَ المُسلِمُ لكِلامِهِ، ويَهتدِيَ بهَدْيِ نَبيِّه مُحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
ولعَلَّ مِنْ هَذا القَبيلِ ما انتَشَرَ في وَسائِلِ الإِعْلامِ بقَوْلِهِم: فُلانُ بنُ فُلانٍ المَغفورُ لَهُ بإِذْنِ اللهِ تَعالى؛ لأنَّ قَولَهُمُ: «المَغْفورُ لَهُ بإِذْنِ اللهِ» إِنْ كانَ يُرادُ بِهِ الدُّعاءُ للمَيتِ فإِنَّ هَذا مَنهِيٌّ عَنْه، فلا يَجوزُ أَنْ تَقولَ: «بإِذْنِ اللهِ»، وإِنْ كانَ لا يُرادُ بِهِ الدُّعاءُ، وإِنَّما يُرادُ بِهِ وَصْفُ المَيتِ بِهَذا الوَصْفِ تَفاؤُلًا لَهُ بالمَغْفِرةِ، فإِنَّ هَذا لا يُفيدُ الميتَ بشَيْءٍ، والأَوْلى الدُّعاءُ لَهُ بِما يَنفَعُهُ، فعَلى كِلا الحالَيْنِ هَذِه الصِّيغةُ لا تَنبَغي، والأَوْلى الِالْتِزامُ بعِبارةِ الدُّعاءِ المَأْثورةِ الَّتي لا لَبْسَ فيها ولا مَحذورَ، وهِيَ قَوْلُنا: فُلانُ بنُ فُلانٍ غَفَرَ اللهُ لَهُ، أَوْ فُلانُ بنُ فُلانٍ رَحِمَهُ اللهُ.
والْإِلْحاحُ في الدُّعاءِ والعَزْمُ علَيْه أَمْرٌ مُرغَّبٌ فيه شَرْعًا، فاللهُ سُبْحانَه وتَعالى يُحِبُّ المُلِحِّينَ في الدُّعاءِ، وقَدْ كانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُلِحُّ في الدُّعاءِ كَما في غَزْوةِ بَدْرٍ، عِندَما قالَ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ فَلَنْ تُعْبَدَ فِي الْأَرْضِ بَعْدُ»، فالْتَزَمَه أَبو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه مِنْ وَرائِهِ وقالَ: حَسْبُكَ مُناشَدَتُكَ رَبَّكَ يا رَسولَ اللهِ، أَبْشِرْ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُنْجِزَنَّ اللهُ لَكَ ما وَعَدَكَ[4].
فاتَّقوا اللهَ عِبادَ اللهِ، وتَعلَّموا شُروطَ الدُّعاءِ وآدابَهُ، واعْلَموا أنَّ الدُّعاءَ هُوَ العِبادةُ، وقَدْ أَمَرَ اللهُ عِبادَهُ بالدُّعاءِ، ووَعَدَهُمْ بِالإِجابةِ، قالَ تَعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60].بارك اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم.
أَقُولُ قَولِي هذَا، وأسْتَغْفِرُ اللهُ لِي ولَكُمْ ولَجميعِ المسلمينَ مِن كلِّ ذَنْبٍ، فاسْتغفروه، إنَّه هُوَ الغفورُ الرحيمُ.
الخُطْبةُ الثانِيةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَهُ الْحَمْدُ الْحَسَنُ وَالثَّناءُ الْجَمِيلُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أمَّا بَعْدُ:
فاتَّقوا اللهَ تَعالى أيُّها المؤمنون، واعْلَموا أنَّ الدُّعاءَ هُوَ العِبادةُ، وأنَّ للدُّعاءِ شُروطًا وآدابًا، مِنْها أَنْ يَعزِمَ العَبدُ في المَسأَلةِ فلا يَقُلِ: غفرَ اللهُ لَهُ إِنْ شاءَ اللهُ أَوِ رَحِمَهُ اللهُ إنْ شاءَ اللهُ. كما أنَّ الأَوْلى أَنْ يَجتَنِبَ المُسلِمونَ عِبارةَ: المَغْفورُ لَهُ بإِذْنِ اللهِ تَعالى، الَّتي شاعَتْ في إعلامِ اليَوْمِ، وأَنْ يَقولوا بَدَلَ ذلِكَ: غَفَرَ اللهُ لَهُ.
ثُمَّ صَلُّوا وسَلِّموا على مَنْ أُمِرْتُمْ بالصَّلاةِ والسَّلامِ عَلَيْهِ؛ قالَ اللهُ تعَالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾.
[1] أخرجه البخاري (6339)، ومسلم (2679).
[2] أخرجه مسلم (2679/8).
[3] أخرجه البخاري (6338)، ومسلم (2678).
[4] أخرجه مسلم (1763).
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|