خطبة: فوائد من قصة يوسف عليه السلام - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4952 - عددالزوار : 2055783 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4527 - عددالزوار : 1323596 )           »          احمى أسرتك وميزانيتك.. دليلك الشامل لشراء أفضل اللحوم الطازجة والمجمدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          4 خطوات تقلل من شيب الشعر وتجعله صحيا وحيويا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          4 وصفات سموزي مناسبة للرجيم.. نكهات لذيذة لحر الصيف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          طريقة عمل الفراخ في المقلاة الهوائية بطعم حكاية.. السر في العسل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          وصفات طبيعية لتفتيح الأندر أرم.. تقشير آمن وترطيب للبشرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          4 أفكار مختلفة لتصميمات مطبخ عصري.. موضة 2025 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          خلصي بيتك من السموم في 5 خطوات.. أهمها تغيير أدوات الطهي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          7 خضراوات تحتوي على فيتامين سي أكثر من البرتقال.. هتنور وشك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-04-2021, 10:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي خطبة: فوائد من قصة يوسف عليه السلام

خطبة: فوائد من قصة يوسف عليه السلام (1)
د. صغير بن محمد الصغير



مختصرة من الفوائد التي ذكرها الشيخ

عبدالرحمن بن ناصر بن سعدي رحمه الله


الخطبة الأولى
الحمد لله...
أيها الإخوة، للشيخ العلامة عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله تعالى رسالةٌ مطبوعةٌ، عظيمةُ النَّفْع، جليلةُ القَدْر بعنوان: "فوائد مستنبطة من قصة يوسف عليه السلام"، لعلِّي إن شاء الله تعالى ألخِّص لكم بعضًا من تلك الفوائد في هذه الخطبة، وأُكمِل ما تبقَّى منها بإذن الله تعالى في خطبة أخرى.

أيها الإخوة، لقد خصَّ الله تعالى قصة يوسف عليه السلام بقوله: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ ﴾ [يوسف: 7]، فيها آيات وعِبَر منوَّعة لكل مَنْ يسأل، ويريد الهدى والرشاد؛ لما فيها من التنقُّلات من حال إلى حال، ومن محنة إلى منحة ومنَّة، ومن ذلة ورِقٍّ إلى عِزٍّ ومُلْكٍ، ومن فرقة وشتات إلى اجتماع وإدراك غايات، ومن حزن وتَرَح إلى سرور وفرح، ومن رخاء إلى جدب، ومن جدب إلى رخاء، ومن ضيق إلى سعة، إلى غير ذلك مما اشتملت عليه هذه القصة العظيمة، فتبارك مَنْ قصَّها، ووضَّحها وبيَّنَها.

فمن فوائد هذه السورة أن فيها أصولًا لعلم تعبير الرؤيا، فإن علم تعبير الرؤيا علمٌ عظيمٌ، والرؤيا الصحيحة هي إلهامات يُلهمها الله للروح عند تجرُّدها عن البدن وقت النوم، أو أمثال مضروبة يضربها الملك للإنسان ليفهم بها ما يُناسبها، وقد يرى الشيء على حقيقته، ويكون تعبيرُه هو ما رآه في منامه:

ولهذا لما حصل الاجتماع، ودخل أبوه وأمُّه وإخوته مصر، ورفع أبويه على العرش خرَّ الجميع له سُجَّدًا، قال يوسف متذكِّرًا ذلك تعبير رؤياه السابقة ﴿ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ﴾ [يوسف: 100].

وهذه الغاية تستدعي وسائل ومُقدِّمات لا تحصل إلَّا بها؛ وهو العلم الكثير العظيم والعمل الصالح والإخلاص والاجتباء من الله، والقيام بحق الله وحقوق الخلق، فلهذا قال سبحانه في ذكر السبب الموصِّل لهذه الغاية الجليلة: ﴿ وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ ﴾ [يوسف: 6].

وأما رؤيا الفتَيَينِ حيث: ﴿ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا ﴾ [يوسف: 36]، فتلطفوا ليوسف أن يُنبِّئَهما بتأويل رؤياهما؛ لما شاهدوا من إحسانه للأشياء، وإحسانه إلى الخلق، ففسَّر رؤيا مَنْ رأى أنه يعصر خمرًا بأنه ينجو من سجنه، ويعود إلى مرتبته وخدمته لسيِّده، فيعصر له العنب الذي يؤول إلى الخمر، وفسَّر رؤيا الآخر بأنه يُقتَل، ثم يُصلَب فتأكل الطير من رأسه.

فالأول: رؤياه جاءت على وجه الحقيقة، والآخر رؤياه جاءت على وجه المثال، وأنه يقتل ومع قتله يصلب، ولا يدفن حتى تأكل الطيور من رأسه، وهذا من الفهم العجيب والغوص إلى المعاني الدقيقة.

ومن كمال يوسف عليه السلام ونصحه وفطنته العجيبة أنهما لما قصَّا عليه رؤياهما، تأنَّى في تعبيرها، ووعدهما بتعبيرها بأسرع وقت، فقال:﴿ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ﴾ [يوسف: 37]، فوعدهما بتعبيرها قبل أول طعام يأتيهما من خارج السجن؛ ليطمئِنَّا ويشتاقا إلى تعبيرها، وليتمكَّن من دعوتهما؛ ليكون أدعى لقبول الدعوة إلى الله.

وأما رؤيا الملك، فإنه رأى سبع بقرات سِمان يأكلهن سبع بقرات عِجاف، وسبع سُنبلات خُضْر يأكلهن ويستولي عليهن سبع سنبلات يابسات ضعيفات، فهالته وجَمَعَ لها كُلَّ من يظنُّ فيه المعرفة، فلم يكن عند أحد منهم علمٌ بتعبيرها، وقالوا: ﴿ أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ ﴾ [يوسف: 44].

وبعد هذا تفطَّن الذي خرج من السجن لحالة يوسف، فلما جاء يوسف قال له: يا ﴿ يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ﴾ [يوسف: 46].

ففي الحال فسَّرها يوسف صلى الله عليه وسلم، وزادهم مع التفسير حسن العمل بها وحسن التدبير؛ فأخبرهم أن البقر السِّمان والسنابل السبع الخُضْر هي سنون رخاء وخصب متواليات، تتقدَّم على السنين المجدبات، وأن البقر العجاف والسنابل اليابسات سنون جدب تليها، وإن بعد هذه السنين المجدبات عامًا فيه يُغاث الناس، وفيه يعصرون، وإنه ينبغي لهم في السنين المخصبات أن ينتهزوا الفرصة، ويعدوا العدة للسنين الشديدات، فيزرعون زروعًا هائلة أزيد بكثير من المعتاد.

ثم اعلم أن رؤيا الملك وتعبير يوسف لها، وتدبيره ذلك التدبير العجيب من رحمة الله العظيمة على يوسف، وعلى الملك وعلى الناس، فلولا هذه الرؤيا وهذا التعبير والتدبير، لهجمت على الناس السنون المجدبات قبل أن يعدُّوا لها عِدَّتها، فيقع الضرر الكبير على الأقطار المصرية وعلى ما جاورَها.

ومن فوائد هذه القصة - أعني: قصة يوسف عليه السلام - أنه يتعيَّن على الإنسان أن يعدل بين أولاده، وينبغي له إذا كان يحبُّ أحدهم أكثر من غيره أن يخفي ذلك مهما أمكنه، وهذا ظاهر في قولهم: ﴿ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [يوسف: 8] ﴿ اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ ﴾ [يوسف: 9].

ومن فوائدها: الحثُّ على التحرُّز ممَّا يخشى ضرره؛ لقوله: ﴿ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ﴾ [يوسف: 5].

ومن الفوائد: أن بعض الشر أهونُ من بعض؛ فحين اتَّفقوا على التفريق بين يوسف وأبيه، ورأى أكثرهم أن القتل يحصل به الإبعاد الأبدي، ﴿ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ ﴾ [يوسف: 10]، فخفَّف به بعض الشر عنهم.

ومن الفوائد: أن العبرة في حال العبد بكمال النهاية لا بنقص البداية؛ وذلك لأن إخوة يوسف عليه السلام جرى منهم ما جرى من هذه الجرائم؛ لكن في آخر أمرهم ونهايته تابوا إلى الله، وطلبوا السماح من أخيهم يوسف ومن والديهم الاستغفار، فحصل لهم السماح التامُّ، والعفو الكامل، فعفى الله عنهم، وأوصلهم إلى الكمال اللائق بهم.

ومن الفوائد: أن الإخلاص لله تعالى أكبرُ الأسباب لحصول كل خير، واندفاع كل شرٍّ؛ كما قال تعالى: ﴿ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾ [يوسف: 24].

ومن الفوائد: ما دلَّتْ عليه القصة من العمل بالقرائن القويَّة من عدة وجوه؛ منها حين ادَّعَتِ امرأةُ العزيز أن يوسف راودَها، وقال: هي راودَتْني عن نفسي، فشهد شاهدٌ من أهلها؛ أي: حكم حاكمٌ بهذا الحكم الواضح، وكانت قد شقَّت قميص يوسف وقتَ مراودتها إيَّاه: ﴿ إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾ [يوسف: 26]؛ لأنه يدل على إقباله عليها، وأن المراودة صادرةٌ منه، ﴿ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [يوسف: 27]، فكان هذا هو الواقع؛ لأنها تريده، وهو يفرُّ منها ويهرب عنها، فقدَّتْ قميصه من خلفه، فتبيَّن لهم إنها هي المراودة في تلك الحال، وبعد ذلك اعترفت اعترافًا تامًّا؛ حيث قالت: ﴿ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ [يوسف: 51، 52].

ومن العمل بالقرائن وجود الصواع في رَحْل أخيه، وحكمهم عليه بأحكام السرقة لهذه القرينة القوية.

ومن الفوائد: أنه ينبغي للعبد أن يبتعد عن أسباب الفتن، ويهرب منها عند وقوعها، كما فعل يوسف حين راودَتْه امرأة العزيز.

ومن الفوائد: ما عليه يوسف صلوات الله عليه من الجمال الظاهر الذي أخذ بلُبِّ امرأة العزيز وشغفها حبًّا، وحين رأتْهُ النسوة قطَّعْنَ أيديهن وأكْبَرْنَه، وقُلْنَ: ﴿ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ ﴾ [يوسف: 31]، ومن الجمال الباطن؛ وهو العِفَّة والإخلاص الكامل والصيانة.

ومن الفوائد: أنه ينبغي للعبد أن يلتجأ إلى الله عند خوف الوقوع في فتن المعاصي والذنوب، مع الصبر والاجتهاد في البعد عنها، كما فعل يوسف ودعا ربه، قال:﴿ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [يوسف: 33]، وإن العبد لا حول ولا قوة ولا عصمة له إلا بالله، فالعبد مأمور بفعل المأمور، وترك المحظور والصبر على المقدور مع الاستعانة بالملك الشكور.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي، ولكم من كل ذنب.

الخطبة الثانية
الحمد لله.
أيها الإخوة، ومن فوائد قصة يوسف عليه السلام: أن استعمال الأسباب الواقية من العين أو غيرها غير ممنوع؛ بل جائزٌ ومستحبٌّ بحسب حاله، وإن كانت جميع الأمور بقضاء الله وقدره، بشرط أن يفعل العبد الأسبابَ وهو معتمد على مُسبِّبها؛ لأن يعقوب عليه السلام حين أراد أن يوصي بنيه لَمَّا أرسل بنيامين معهم قال: ﴿ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ﴾ [يوسف: 67].

ومن الفوائد: جواز استعمال الحيل والمكائد التي يتوصَّل بها إلى حقٍّ من الحقوق الواجبة والمستحبَّة أو الجائزة، كما استعمل يوسف ذلك مع أخيه؛ حيث وضع السقاية في رحل أخيه، ثم أذن مُؤذِّن بعد رحيلهم ﴿ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ ﴾ [يوسف: 70] إلى قوله: ﴿ فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ ﴾ [يوسف: 76].

ومن الفوائد: استعمال المعاريض عند الحاجة إليها؛ فإن في المعاريض مندوحة عن الكذب، وذلك من وجوه؛ منها قوله: ﴿ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ ﴾ [يوسف: 76]، ولم يقل سرَقَها وكذلك قوله: ﴿ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ ﴾ [يوسف: 79]، ولم يقل: من سرق متاعنا، وإذا قيل: إن هذا اتهام للبريء، قيل: إنما فعل ذلك بإذن أخيه ورضاه، وإذا رضي، زال المحذور.

ومن الفوائد: أن الإنسان لا يحلُّ له أن يشهد إلَّا بما يعلم؛ لقولهم: ﴿ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا ﴾ [يوسف: 81]، وإن العلم يحصل بإقرار الإنسان على نفسه وبوجود المسروق ونحوه معه، وفي يده أو رحله.

ومن الفوائد: هذه المحنة العظيمة التي امتحن الله بها نبيَّه وصفيَّه يعقوب عليه السلام؛ حيث قضى بالفراق بينه وبين يوسف هذه المدَّة الطويلة، التي يغلب على الظنِّ أنها تبلغ ثلاثين سنة فأكثر، وهو في هذه المدة لم يفارق الحزن قلبه، وهو دائم البكاء حتى ابيضَّتْ عيناه من الحزن، وفقَدَ بَصَرَه وهو صابرٌ لأمر الله، محتسب الثواب عند الله، قد وعد من نفسه الصبر، ولا شك إنه وفى بذلك، ولا ينافي ذلك قوله: ﴿ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ ﴾ [يوسف: 86]، فإن الشكوى إلى الله لا تُنافي الصبر؛ وإنما ينافي الصبر الشكوى إلى المخلوق.


ومن الفوائد: أن الفرَج مع الكرب، فإنه لما اشتدَّ الكرب بيعقوب وقال: ﴿ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ ﴾ [يوسف: 84]، قال: ﴿ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87]، وهم حين دخلوا على يوسف، وقفوا بين يديه موقف المضطر، فقالوا: ﴿ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ ﴾ [يوسف: 88]؛ أي: قليلة حقيرة، لا تقع الموقع، فأوْفِ لنا الكيل ﴿ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ ﴾ [يوسف: 88]، فحينئذٍ لما بلغ الضُّرُّ مُنتهاه من كل وجه عرَّفهم بنفسه، فحصل بذلك البشارة الكبرى لأبويه وإخوته وأهلهم، وزال عنهم الضُّرُّ والبأساء، وخلفه السرورُ والفرحُ والرخاءُ.

أيها الإخوة، هذه بعض فوائد تلك القصة، وللحديث بقية عن فوائدَ أخرى، إن شاء الله تعالى.
عباد الله، ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 11-04-2021, 10:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خطبة: فوائد من قصة يوسف عليه السلام

خطبة: فوائد من قصة يوسف عليه السلام (2)


د. صغير بن محمد الصغير









خطبة: فوائد من قصة يوسف عليه السلام (2)

مختصرة من الفوائد التي ذكرها الشيخ

عبدالرحمن بن ناصر بن سعدي رحمه الله

الخطبة الأولى
الحمد لله، أيها الإخوة: ولا زال الحديث إتمامًا لما سبق عن فوائدَ من قصة يوسف عليه السلام.
فمن فوائد تلك السورة: جواز إخبار الإنسان بما يجد، وما هو فيه؛ من مرض، أو فقر، أو غيرهما على غير وَجْه التسخُّط؛ لقول إخوة يوسف عليه السلام: ﴿ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ ﴾ [يوسف: 88]، وأقرَّهم يوسُفُ على ذلك.
ومن الفوائد: فضيلة التقوى والصبر، وأن كل خير في الدنيا والآخرة فمن آثارهما، وإن عاقبة أهلهما أحسن العواقب؛ لقوله: ﴿ قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 90].
ومن الفوائد: ما مَنَّ اللهُ به على يوسُف عليه السلام من حُسْن عَفْوِه عن إخوته، وإنه عفا عمَّا مضى، ووعد في المستقبل ألَّا يُثرِّب عليهم، ولا يذكر منه شيئًا؛ لأنه يجرحهم ويحزنهم، وقد أبدوا الندامة التامَّة، ولأجل هذا قال: ﴿ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ﴾ [يوسف: 100]، ولم يقل من بعد أن نزغهم؛ بل أضاف الفعل إلى الشيطان الذي فرَّق بينه وبين إخوته، وهذا من كمال الفتوَّة، وتمام المروءة.
ومن الفوائد: ما في هذه القصة العظيمة من البراهين على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم؛ حيث قصَّها على الوجه المطابق، وهو لم يقرأ من الكتب السابقة شيئًا، ولا جالَسَ مَنْ له معرفة بها، ولا تعلَّم من أحدٍ، إنْ هو إلا وحيٌ أوحاه الله إليه؛ ولهذا قال: ذلك من أنباء الغيب نقُصُّه عليك، ما كنت تعلمها أنت، ولا قومُك من قبل هذا.
وفي تضاعيف القصة فضيلةُ العلم من وجوه كثيرة، وبيان أنه سببُ الرِّفْعة في الدنيا والآخرة، وسبب صلاح الدين والدنيا، فيوسُف صلى الله عليه وسلم لم ينل ما نال بعد توفيق الله تعالى، إلا بالعلم؛ ولهذا قال له أبوه: ﴿ وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ﴾ [يوسف: 6]، وقال يوسُف: ﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [يوسف: 101]، ففضائل العلم وثمراته الجليلة العاجلة والآجلة لا تُعَدُّ ولا تُحصى.
ومن الفوائد: أن شفاء الأمراض كما تكون بالأدوية الحسِّيَّة تكون بأسباب ربَّانية؛ بل يحصل بهذا النوع من أنواع الشفا ما لا يحصل بغيره، فيعقوب عليه السلام قد ابيضَّتْ عيناه من الحزن، وذهب بصرُه، فجعل الله شفاءه وإبصاره بقميص يوسف حين ألقاه على وَجْهِه فارتدَّ بصيرًا؛ لما كان فيه من رائحة يوسف عليه السلام، الذي كان داء عينيه بسبب حُزْنه عليه، فصار شفاؤه الوحيد مع لطف الله في قميص يوسف الملاصق لجسده.
ومن فوائد القصة: أن الجهل كما يُطلَق على عدم العلم، فإنه يُطلَق على عدم الحلم، وعلى ارتكاب الذنب؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [يوسف: 33]، وأما قوله: ﴿ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ ﴾ [يوسف: 89] ليس المعنى في ذلك عدم العلم؛ وإنما هو عدم العمل به، واقتحام الذنوب.
ومن الفوائد: قوله تعالى: ﴿ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ ﴾ [يوسف: 72]، استدل به على ثلاثة أبواب من أبواب العلم: باب الجعالة، وباب الضمان، وباب الكفالة.
ومن الفوائد: أن العمل بالشريعة فيه إصلاح الأرض والبلاد واستقامة الأمور، والعمل بالمعاصي من سرقة وغيرها فيه فساد؛ ذلك لقولهم: ﴿ تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ ﴾ [يوسف: 73].
ومن الفوائد: الحثُّ على فعل الأسباب الجالبة للخيرات والحافظة من الكريهات، وفي القصة مواضع تدلُّ على هذا الأصل الكبير، وتمام ذلك أن يقوم بالأسباب مستعينًا بالله، واثقًا به، وقد عمل يعقوب عليه السلام الأسباب التي يقدر عليها في استحفاظ أولاده ليوسف عليه السلام، ثم لأخيه حين أرسله معهم، وقال مع ذلك: ﴿ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف: 64].
وكذلك على العبد إذا همَّتْه المصائب، وحلَّت بهِ النكبات، عليه أن يصبر ويستعين بالله على ذلك، قال يعقوب عليه السلام حين عمل إخوة يوسف ما عملوا بيوسف عليه السلام، وحلَّت به المصيبة الكبرى: ﴿ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴾ [يوسف: 18]، وذلك أن الصبر على الطاعات، والصبر عن المحرَّمات، والصبر على المصيبات لا يتمُّ، وينجح صاحبُه، إلَّا بالاستعانة بالله، وألَّا يتَّكِل العَبْدُ على نفسه؛ قال يوسف: ﴿ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [يوسف: 33].
ومن الفوائد: أن الدين المستقيم الذي عليه جميعُ الرُّسُل وأتباعهم هو عبادة الله وحده لا شريك له؛ لقوله: ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ﴾ [يوسف: 40]، فهو الدين المستقيم المقيم للعقائد والأخلاق والأعمال، الذي لا تستقيم أمورُ الدين والدنيا إلَّا به.
ومن الفوائد: وجوب الاعتراف بنِعَمِ الله الدينية والدنيوية؛ لقوله: ﴿ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا ﴾ [يوسف: 38].
ومن الفوائد: أن الإحسان في عبادة الله، والإحسان إلى العباد سببٌ يُنال به العلم، وتُنال به خيرات الدنيا والآخرة؛ لقوله: ﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 22]، وقوله: ﴿ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾ [يوسف: 56، 57]، فجعل الله الإحسان سببًا لنَيْل هذه المراتب العالية.
ومن الفوائد: أن النظر إلى الغايات المحبوبة يُهوِّن المشاقَّ المعترضة في وسائلها، فمتى علم العبد عاقبة الأمر، وما يؤول إليه من خير الدنيا والآخرة، هانَتْ عليه المشقَّةُ، وتسلَّى بالغاية؛ لقوله تعالى: ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [يوسف: 15].
ومن فوائد تلك القصة: قوله تعالى عن يعقوب في أول ما صنع أبناؤه بأخيهم يوسف: ﴿ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴾ [يوسف: 18]، وقوله: عندما اشتدَّ به الأمر حين احتبس الابن الآخر: ﴿ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [يوسف: 83]، في هذا دليل على أن أصفياء الله إذا نزلت بهم الكوارثُ والمصيباتُ، قابلوها في أول الأمر بالصبر والاستعانة بالمولى، وعندما ينتهي، وتبلغ الشِّدَّة منتهاها، يقابلونها بالصبر والطمع في الفرج والرجاء، فيُوفِّقهم الله للقيام بعبوديته في الحالتين، ثم إذا كشف عنهم البلاء، قابلوا ذلك بالشكر والثناء على الله وزيادة المعرفة بلُطْفه؛ لقول يوسف: ﴿ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [يوسف: 100].
ومن الفوائد: أن المشاورة نافعةٌ في كلِّ شيء، حتى في تخفيف الشرِّ؛ لهذا تَشاوَرَ إخوةُ يوسف عليه السلام ما يعملون به من قَتْل أو طَرْح في الأرض، قَرَّ رأيُهم على رأي مَنْ أشارَ عليهم بإلقائه في الجُبِّ ليلتقطه بعضُ السيارة، ففيه شاهِدٌ للقاعدة المشهورة "ارتكاب أخفِّ المفْسَدَتَينِ أوْلى من أغلظهما.
ولما قرَّ القرارُ على أخْذ من وُجِدَ الصواع في رَحْله، وعالجوا يوسُف على أخْذِ بدله؛ لأجل ما يعلمون من مشقَّة أبيهم، فأمتنع، خلصوا نجيًّا يتشاورون، فقرَّ رأيُهم على رأي كبيرهم أن يبقى هو في مصر يُلاحظ مسألة أخيه، وهم يذهبون ويُخبرون أهلَهم، ويُخبرون أباهم بالقضية وتفصيلها، ولا شكَّ أن بقاءه في مصر أهون على يعقوب وأرجى لتحصيل المطلوب، وفيه نوعُ مواساة منه بأخويه يوسف وبنيامين؛ ولهذا قال: ﴿ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [يوسف: 83].
ومن أعظم الفوائد في تلك السورة: أنَّه لما قصَّ الله تعالى علينا هذه القصة العجيبة بتفاصيلها، قال في آخرها: ﴿ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [يوسف: 111]، فنفى عن هذا القرآن الكذب والخطأ من جميع الوجوه، ووصفه بثلاث صفات؛ كل واحدة منها فيها أكبر بُرْهان على أنه من عند الله تعالى، وأنه الحق الذي لا ريب فيه.
الصفة الأولى: أنه تصديق الذي بين يديه؛ أي: من الكتب المنزَّلة من السماء، ومن كلام الرُّسُل المعصومين الذين أوحى الله إليهم، كما قال تعالى: ﴿ بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [الصافات: 37].
الصفة الثانية: أنه تفصيل لكُلِّ شيء؛ وهذا شاملٌ لجميع ما يحتاجه الخَلْق في عقائدهم وأخلاقهم، وأعمالهم الظاهرة والباطنة، وفي دينهم ودنياهم.
الصفة الثالثة: أنه ﴿ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 52]، ﴿ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ ﴾ [المائدة: 16]، ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ [الإسراء: 9]؛ أي: لكل حالة قويمة وطريقة مستقيمة، يهدي لأحسن الأعمال والأخلاق، ويهدي لمصالح الدين كلها ومنافع الدنيا التي بها يقوم الدين وتتمُّ السعادة[1].
أقول قولي هذا، وأستغفر الله...
الخطبة الثانية عمَّا ورد في شهر شعبان
الحمد لله:
أيها الإخوة: نحن نعيش في خِضَمِّ شهر شعبان، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم «يُكِثر من الصيام فيه حتى كان يصومُه إلَّا قليلًا»، وعلى هذا، فمن السُّنَّة أن يُكثِر الإنسان الصيامَ في شهر شعبان اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأمَّا صيام يوم النِّصْف بخصوصه، فوردت فيه أحاديث ضعيفة لا تصِحُّ عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يُعمَل بها.
وأمَّا تخصيص ليلة النصف منه بقيام فبِدْعة؛ لأنه لم يرِدْ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلم أنه كان يُخصِّص تلك الليلة بقيام؛ بل هي كغيرها من الليالي، إن كان الإنسان قد اعتاد أن يقوم الليل فلْيَقُم تلك الليلة أسْوةً بغيرها من الليالي، وإن كان ليس من عادته أن يقوم الليل، فإنه لا يُخصِّص ليلةَ النصف من شعبان بقيام[2].


[1] انتهت الفوائد مُلخَّصة من رسالة الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله تعالى بعنوان "فوائد مستنبطة من قصة يوسف عليه السلام".
[2] انتهى مُلخَّصًا من خطبة للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 81.22 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 79.09 كيلو بايت... تم توفير 2.13 كيلو بايت...بمعدل (2.63%)]