خطر المشاحنة والمخاصمة وفضل العفو والمسامحة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1369 - عددالزوار : 139942 )           »          معالجات نبوية لداء الرياء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          التربية بالحوار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          صور من فن معالجة أخطاء الأصدقاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          في صحوةِ الغائب: الذِّكر بوابة الحضور (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          آيات السَّكِينة لطلب الطُّمأنينة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (العليم, العالم. علام الغيوب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          سبل إحياء الدعوة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          التساؤلات القلبية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          الحب الذي لا نراه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-04-2021, 09:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,143
الدولة : Egypt
افتراضي خطر المشاحنة والمخاصمة وفضل العفو والمسامحة

خطر المشاحنة والمخاصمة وفضل العفو والمسامحة
الزبير بن مبارك الحدي




















هل سمِعتُم بِعبْدٍ محافظٍ على العبادات، حريصٍ على الطاعات، مجتهدٍ في الخيرات، ثم يُفاجَأ في النهاية بأن أعمالَه متأخِّرةٌ عن القبول والمثوبة، متوقِّفة بأمرٍ مِن اللهِ الجليل سبحانه؟ كيف ذلك؟ عبد، مُوحِّد، مجتهد، ثم يُؤخَّر ويُنظَر؟!







السبب: لأنه مصابٌ بِداءِ الشحناء والخصومة - نسأل اللهَ السلامة والعافية - تراه يحمل في قلبه على إخوانه، على أحد أرحامه، على بعض أصدقائه وجيرانه، ثم إذا فتَّشْتَ عن سبب هذه الخصومة، وجدْتَها دُنْيا دنيَّة تافهة، لا تعدل عند الله جناح بعوضة!







روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ فِي كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ، فَيَغْفِرُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِكُلِّ امْرِئٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، إِلَّا امْرَأً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أُرْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أُركُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا))؛ أي: رُدُّوهما وأخِّرُوهما!







وعنه بلفظ آخر: ((تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْاثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا)) كرَّرها لِعِظَم الأمر! لا إله إلا الله.







مسكينٌ مَنْ عاش في شحناء مع المسلمين؛ فمنذ أن بدأت تلك الخصومة، وأعمالُه الصالحة مُبعَدةٌ مُؤخَّرة متوقِّفة عن القَبول والمثوبة!







انظر منذ متى بدأ الهجر؟ منذ شهر؟ منذ سنة؟ من تلك اللحظة صلاتُه وصيامُه، زكاته وقيامُه، طاعتُه وعبادتُه؛ ترفعها الملائكةُ الكَتَبةُ للعرض، والربُّ سبحانه يردُّها على صاحبها في الأرض، حتى يصطلحَ مع خَصِيمه، حتى يُطهِّرَ ما في قلبه، ثمَّ بعد ذلك يُثابُ على عمله، وينالُ مغفرةَ ربِّه، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين!







أيها الإخوة، ما هي هذه الدنيا حتى نختصمَ فيها وعليها؟! البعض يُخاصِم أشقَّاءه؛ لأجل أطماع وأموال! وآخر يخاصمُ أرحامَه وأقرباءه؛ لأجل خلاف بين العيال! وآخر يهجُرُ أصحابَهُ وجيرانه بالأسابيع والشهور؛ لأجل كلمة قِيلَتْ بين الحُضور، غفر الله لي ولك! عفا الله عنك! ما خُلِقْتَ لِهذا، ليس هذا شأنُك؛ شأنك أن تكون بالمعالي، أن تقتدي بالنبي - بأبي هو وأُمِّي صلى الله عليه وسلم - الذي رماه قومُهُ بالجنون، اتَّهموه، جوَّعوه، شرَّدوه، ضربوه، خانوه، قاتلوه، ثم يُمكِّنه اللهُ منهم في فتح مكة، فيقول لهم: ((ما ترون أني فاعلٌ فيكم؟)) قالوا: "خيرًا، أخٌ كريم، وابنُ أخٍ كريم"، فيقول: ((اذهبوا فأنتم الطلقاء)) الله أكبر! الكريم يبقى كريمًا، المعدنُ الأصيل لا تزيده الإساءةُ إلا طيبًا.





فدهرَهُ يَصفَحُ عن قُدرَةٍ

ويَغفِرُ الذَّنْبَ على عِلْمِهِ



كأنَّهُ يأنفُ مِن أن يرى

ذنْبَ امرِئٍ أعظمَ مِن حِلْمِهِ!










هذا يوسف عليه الصلاة والسلام يحسُدُه إخوتُه لِتميُّزِه، يَنْفُونَه مِن بيْتِه، يحرِمونه مِنْ حنانِ أبيه وأُمِّه، يَرمُونه بلا شفقةٍ في بئرٍ عميقة! وهو غلامٌ مِسكين لا حولَ له ولا قوة، ثمَّ يمكِّنُهُ اللهُ منهم بعد سنينَ عديدة، فيقول بكلِّ عظمة ورحمة: ﴿ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف: 92]، الله أكبر! والأعجب أنه يُلقي باللَّوم على الشيطان ونَزْغِه، لا على إخوته، وقد كادوا به، قال: ﴿ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ﴾ [يوسف: 100].



لَمَّا عَفَوْتُ وَلَمْ أحْقِدْ عَلَى أحَدٍ *** أرحتُ نفسي مِن همِّ العداواتِ







إنه العفو - أيها الكرام - شأْنُ العظماء، خُلُقُ الأنبياء، دأبُ الأتقياء ﴿ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ﴾ [البقرة: 237] ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199]،







العفو ما العفو؟ إنه المحو، تقول: عفا عليه الدهر: إذا محاه، عفتِ الريحُ الأثر: إذا أزالتْهَ ومَحَتْه، وهكذا مع العفو؛ لا شيءَ يبقى في الصدر، مَحْو، نقاء، صفاء، مقامٌ لا يناله إلا الموفَّقون الكرماء أمثالكم.







يقول ربنا تبارك وتعالى: ﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 22]، كلُّنا أخطأ في حق الله جل وعلا، وكلُّنا نطمع أن يغفر الله لنا؛ إذًا فلنعفُ نحن عمَّنْ أساءَ في حقِّنا، ابتغاءَ أن يعفوَ اللهُ عنَّا.







هذه الآية العظيمة نزلت في أبي بكر رضي الله عنه بعد أن منع النفقة عن مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَة - ابن خالته - بعد أن تكلَّم في عِرْضه، في أُمِّنا عائشة الطاهرة رضي الله عنها، فعاقبَه بأنْ منعَه النفقة، وقد كان فقيرًا، فأنزل الله سبحانه: ﴿ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 22]، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: "بَلَى، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي"، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ الَّذِي كَانَ يُجْرِي عَلَيْهِ.







الله أكبر! تصوَّرْ معي، فقيرٌ تُحسِن إليه ثم يتكلَّم في عِرْضِكَ، فتعفو عنه، وتُعيد إحسانك إليه مرةً أخرى! من يفعل هذا؟! يفعلُها من يشتري الجنة، من يشتري المغفرة: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133] من هم؟ ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134].







كانت جاريةٌ عند زين العابدين (علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب) رضي الله عنهم، فسكبتْ عليه ماءً ليتوضَّأ؛ فسقط الإبريقُ مِن يدها على وجهه فشجَّه! [تصوَّر؛ خادمة تجرح سيدها!]، فرفع رأسَه إليها [غاضبًا]، فقالت له الجارية: "إن الله يقول: ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ﴾"، قال: "وقد كظمْتُ غيظي"، قالت: ﴿ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ﴾، فقال: "عفا اللهُ عنكِ"، فقالت: ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾، قال: "أنتِ حُرَّةٌ لوجه الله تعالى"؛ [مصنف عبدالرزاق]، الله أكبر! آيات تعمل في قلوب المؤمنين عَمَلَها، أين نحن منها؟ أين أنا وأنت من مبدأ العفو؟







نعم قد يكون أحدُهم أخطأ عليك حقًّا؛ ولكن تنازل أنت لِتَغنم! تنازَل لِتَنْعَم!



لَذَّةُ العَفْوِ إنْ نظرتَ بعينِ الـ *** ـعَدْلِ أشفى مِن لذَّةِ الانتقامِ







كُنْ أنتَ أفضلَ الناس، أتدري مَنْ هو أفضلُ الناس؟ قال عبدُالله بن عَمرو رضي الله عنهم، قيل لرسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: أيُّ الناسِ أفضل؟ قال: ((كلُّ مخمومِ القلب، صَدُوقِ اللِّسان))، قالوا: "صدوقُ اللسانِ نعرفُه، فما مخمومُ القلب؟!" قال: ((هو التقيُّ النقيُّ، لا إثمَ فيه، ولا بغيَ، ولا غِلَّ، ولا حَسَد))؛ [رواه ابن ماجه، وصحَّحه الألباني].







ينام وقلبُه طاهرٌ على جميع المسلمين، لا يحمل ضغينةً على أحد، أبدًا؛ إنما هي الرحمة والمحبة، والخير للغير، يقول أحد السلف: "أفضلُ الأعمال: سلامةُ الصدور، وسخاوةُ النفوس، والنصيحةُ للأمة؛ وبهذه الخصال بَلَغَ مَن بلغ، لا بكثرة الاجتهاد في الصوم والصلاة"؛ [لطائف ابن رجب: ٢٥١]، وهذه حقيقة عظيمة أيها الأحبة.







اعلموا أنَّه مَنْ كان نقيَّ الفؤاد، صفيَّ الوداد، فحالُه كحال أهلِ الجنَّة؛ لأن الله يَصِفُ أهلَ جنَّته بِقوله: ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ﴾ [الحجر: 47] فمن كان حاله كذلك؛ فإنما هو يعيش نعيمًا قبل وقته، هو يتنفَّسُ أنفاسَ الجنةِ قبل دخولها، هنيئًا له هذه اللَّذَّة؛ التي لا يعرف حلاوتَها إلا مَنْ ذاقها!



فصدرُهُم مِنْ عَفْوِهِم باردٌ *** كالماء إذْ يُشرَبُ عند الظَّمأ







هؤلاء هم الذين امتدحهم الله في كتابه العظيم: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10] يدعو لنفسه ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ﴾، ثم يدعو لإخوته ﴿ وَلِإِخْوَانِنَا ﴾؛ بل ويسأل الله ألَّا يجعل في قلبه شيئًا على واحد منهم، فتأمَّلْ أيُّها الكريم!







هذا الحسن البصري رحمه الله يدعو ذات ليلة: "اللهم اعْفُ عمَّن ظلمني، اللهم اعْفُ عمَّن ظلمني" فأكثَرَ في ذلك، فقال له رجل: "يا أبا سعيد، لقد سمِعْتُك الليلة تدعو لمن ظلَمك حتى تمنَّيْتُ أن أكون فيمن ظلمك! فما دعاك إلى ذلك؟!"، قال: قوله تعالى: ﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾ [الشورى: 40]"؛ ا ه، إي والله، أجرُك على الله: بمعنى أنك إذا لم تعْفُ أخذت حقَّكَ كاملًا يوم القيامة بالمساواة والمماثلة، من غير زيادة؛ ولكنَّك إذا عفَوْتَ أخذْتَ حقَّكَ أضعافًا مُضاعفةً؛ لأنَّ الذي يجزيك الآن هو العفوُّ الكريم، فضلُهُ العظيم، فيغرفُ لك مِن عطائه غرفًا لا يخطر لك على بال! ﴿ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾.







أخي الكريم، الآن راجع قلبك، وانظر فيمن حولك، لا تخرج من هنا إلا وقد نِلْتَ المنى؛ بالعفو عن كُلِّ مَنْ أساء في حقِّكَ، طَمَعًا في عفو ربِّك.







مرةً ألقيتُ كلمةً مِثْل هذه، قال لي أحدُهم: أنا لا أكلم أختي منذ أربع سنوات! قلت له: "الله المستعان، وماذا تنتظر؟!"، قال لي: "لا أستطيع أن أكسر نفسي"، سبحان الله! لا يمكنك أن تكسر نفسك يا أخي؟! أنت الآن مكسورٌ بجفوتِكَ وهجرانك! أما إذا أردْتَ العزة والرِّفْعة، فبعفوك واعتذارك؛ لأن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما زادَ اللهُ عبدًا بعفْوٍ إلَّا عِزًّا، وما تواضَعَ أحَدٌ لله إلَّا رفعه الله))؛ [رواه مسلم].







أنت عندما تذهب لِتَتَصالح لا تَنْظُر إلا لله جلَّ في عُلاه، لا تنظر لا لنفسك ولا لغيرك! تتنازل لله وحده، تمحو نفسَك وأنَفَتك، هذه ليست سهلةً، تحتاج إلى مجاهدة وتضحية؛ ولكن عاقبتها سعادة وترقية.



لن يُدرِكَ المجدَ أقوامٌ وإنْ كَرُمُوا *** حتَّى يَذِلُّوا وإنْ عَزُّوا لِأقوامِ







أنت تشتري بهذا التصالح الخيريَّة بِشهادة خير البريَّة الذي قال: ((لَا يَحِلُّ لمسلمٍ أَن يهجر أَخَاهُ فَوق ثَلَاث ليالٍ، يَلْتَقِيَانِ، فَيُعرِضُ هَذَا، ويُعرِضُ هَذَا، وخيرُهما الَّذِي يبْدَأ بِالسَّلَامِ)) تأمَّل؛ قال: ((الذي يبدأ)) ولم يقل: الذي هو أكبر، الأصغر، الأحقُّ، قال: ((الذي يبدأ)) فكن أنت المبتدئ، ولا يغلبنَّك غيرُك إلى خيرك.







فاجِئْه بزيارة إلى بيته، باتِّصال على هاتفه، ولو رسالة صوتية أو نصِّيَّة، فقط أَظهِرْ له صِدْقَ النيَّة وصفاء المحبَّة؛ وتأكَّد أنك سترى الخيرَ والسعادة، وما يدريك أنه في انتظارك من أيام طويلة، سلامٌ واحد صادق من قلبك، يكفي أن تكسب به الموقف؛ لأن فيه سرًّا نبويًّا لو تعرِف: ((أوَلَا أدلُّكم على شيءٍ إذا فعلتموهُ تحابَبْتُم؟ أفشوا السلام بينكم))؛ [رواه مسلم].







وتأكد - وفَّقَكَ الله - إنْ هو لم يُجِبْكَ إلى ما تُحِبُّ - لا قدَّر الله- تأكَّد بأنك قد أبرأْتَ ما عليك أمام الله تعالى، والآن تُرفَع أعمالك، ولا شيء عليك، أنت لم تخسَرْ شيئًا بهذه المحاولة؛ بالعكس أنت كسبتَ أغلى شيء، أنت اشتريت الجنَّة ((ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة))، أهلُ الآخرة؛ ليس لديهم وقتٌ للانشغال بأكدار الدنيا؛ لأنهم ينظرون إلى هناك، إلى الأمام: ﴿ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ﴾ [الحجر: 85].







الكلام يَطُول - أيها الموفقون - ويبقى الميزان بالأفعال، فأروا الله من أنفسكم خيرًا.



أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [فصلت: 34 -36].







فلينظر كلُّ واحد منَّا في قلبِه، وليُسارع بتطهيره ابتغاءَ مغفرة ربِّه، فما أشدَّهُ مِن غبْن! أن تفوتَ العبدَ هذه المغفرة الواسعة؛ لأجل غَضَبِ ساعة! لأجل حِقْدٍ وكراهية! تنازَلْ لِتَغْنَم، اِصفَحْ لِتَرْبَح.







كيف يمكن لقلبٍ أن يستقبلَ نفحاتِ رمضان، أن يستجلبَ بركاتِ القرآن، أن يتذوَّقَ حلاوةَ الإيمان؛ وقلبُه مُكدَّر بالآثام والأضغان؟ "والله لو طَهُرَتْ قلوبُكم ما شَبِعتْ مِن كلام ربكم" كما قال عثمان بن عفان رضي الله عنه.







هذا وإننا نقول لمن وفَّقَه الله لسلامة القلب ونقاوة الصدر، أن ينظر حوله مِن المتخاصمِين، ولْيُسارِع في إصلاح ذاتِ بَيْنِهم مِن غيرِ تسويفٍ ولا تأخير، إصلاحُ ذاتِ البَيْن مِن أعظم القُرُبات؛ بل هي أفضلُ مِن نوافل العبادات؛ يقول رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ، وَالصَّلاةِ، والصَّدقة؟!))، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: ((إصْلاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ))؛ [رواه أبو داود والترمذي، وصحَّحَه الألباني].







وقال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ هَجَرَ أخاه سنةً، فهو كَسَفْكِ دَمِهِ!))؛ [رواه أبو داود، وصحَّحَه الألباني]؛ يعني: أن هجره يُوجِب عليه العقوبة كما تجب على مَنْ قتل!







وقال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((لا هِجْرَةَ فَوْقَ ثَلاثٍ، فَمَنْ هَجَرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثٍ، فَمَاتَ؛ دَخَلَ النَّارَ)) [رواه أبو داود، وأحمد، وصحَّحه الألباني].







أَلا إخوة الإيمان: فاعفوا واصفحوا، وتجاوزوا واغفروا ((ولا تحاسَدُوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا ... وكونوا - عبادَ الله - إخوانًا))؛ [رواه مسلم] اللهم ألِّف بين قلوبنا، وأصلِح ذاتَ بَيْنِنا، واهدِنا سُبُلَ السلام، اللهم سلِّمْنا إلى رمضان، وسلِّمْ لنا رمضان، وتسلَّمه مِنَّا بالقَبول والإحسان.







هذا، وصلُّوا وسلِّموا على مَنْ أُمِرْتُم بالصلاة والسلام عليه؛ فقال عزَّ من قائل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، ((اللَّهُمَّ صلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ)).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 72.59 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 70.92 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.30%)]