سور صلاة الجمعة (3) سورة الجمعة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         نباتات منزلية تمتص رطوبة الصيف من البيت.. الصبار أبرزها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          طريقة عمل برجر الفول الصويا.. وجبة سريعة وصحية للنباتيين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          4 وسائل علمية لتكون أكثر لطفًا فى حياتك اليومية.. ابدأ بتحسين طاقتك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          وصفة طبيعية بالقهوة والزبادى لبشرة صافية ومشرقة قبل المناسبات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          3 عادات يومية تزيد من تساقط الشعر مع ارتفاع درجات الحرارة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          6 خطوات فى روتين الإنقاذ السريع للبشرة قبل الخروج من المنزل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          تريندات ألوان الطلاء فى صيف 2025.. الأحمر مع الأصفر موضة ساخنة جدًا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          طريقة عمل كرات اللحم بالبطاطس والمشروم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          وصفات طبيعية لتقشير اليدين بانتظام.. من السكر لزيت جوز الهند (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          أبرز 5 تريندات ديكور منزلى في صيف 2025.. لو بتفكر تجدد بيتك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-04-2021, 10:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,655
الدولة : Egypt
افتراضي سور صلاة الجمعة (3) سورة الجمعة

سور صلاة الجمعة (3) سورة الجمعة
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل





الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عِمْرَانَ: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النِّسَاء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الْأَحْزَاب: 70-71].







أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.







أَيُّهَا النَّاسُ: يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمٌ عَظِيمٌ، وَهُوَ خَاتِمَةُ الْأُسْبُوعِ وَعِيدُهُ، وَلَهُ فَضَائِلُ وَخَصَائِصُ كَثِيرَةٌ أَفْرَدَهَا الْعُلَمَاءُ بِمُصَنَّفَاتٍ مِنْ كَثْرَتِهَا. وَمِنَ السُّنَنِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ قِرَاءَةُ سُورَتَيِ الْجُمْعَةِ وَالْمُنَافِقُونَ، أَوِ الْجُمْعَةِ وَالْغَاشِيَةِ، أَوِ الْأَعْلَى وَالْغَاشِيَةِ. كُلُّ ذَلِكَ جَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَا بُدَّ أَنَّ لِقِرَاءَةِ هَذِهِ السُّوَرِ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ مَعَانِيَ أَرَادَهَا الشَّارِعُ الْحَكِيمُ. وَهَذِهِ وِقْفَةُ تَأَمُّلٍ مَعَ سُورَةِ الْجُمُعَةِ.







بُدِئَتِ السُّورَةُ بِتَسْبِيحِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالتَّسْبِيحُ تَنْزِيهٌ وَثَنَاءٌ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ، مَعَ ذِكْرِ جُمْلَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ الْحُسْنَى، ثُمَّ ذُكِرَ فِيهَا امْتِنَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ الْأُمِّيَّةِ إِذْ بَعَثَ فِيهَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا وَرَسُولًا، وَمُهِمَّتُهُ: تَزْكِيَتُهُمْ وَتَعْلِيمُهُمُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَأَحْكَامَ دِينِهِمْ، وَلَوْلَا هَذِهِ الْبَعْثَةُ الْمُبَارَكَةُ لَبَقُوا فِي دَيَاجِيرِ الضَّلَالِ وَالظُّلْمِ وَالضَّيَاعِ.







﴿ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الْجُمُعَةِ: 1]. «فَبَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا يُطَهِّرُ نُفُوسَهُمْ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ. فَصِفَةُ الْمَلِكِ: تَعَلَّقَتْ بِأَنْ يُدَبِّرَ أَمْرَ عِبَادِهِ وَيُصْلِحَ شُؤُونَهُمْ، وَصِفَةُ الْقُدُّوسِ: تَعَلَّقَتْ بِأَنْ يُزَكِّيَ نُفُوسَهُمْ، وَصِفَةُ الْعَزِيزِ: اقْتَضَتْ أَنْ يُلْحِقَ الْأُمِّيِّينَ مِنْ عِبَادِهِ بِمَرَاتِبِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَيُخْرِجَهُمْ مِنْ ذِلَّةِ الضَّلَالِ فَيَنَالُوا عِزَّةَ الْعِلْمِ وَشَرَفَهُ، وَصِفَةُ الْحَكِيمِ: اقْتَضَتْ أَنْ يُعَلِّمَهُمُ الْحِكْمَةَ وَالشَّرِيعَةَ».







وَالتَّزْكِيَةُ هِيَ إِصْلَاحُ النَّفْسِ وَالْقَلْبِ، وَفِي تَقْدِيمِهَا عَلَى التَّعْلِيمِ بَيَانُ أَهَمِّيَّتِهَا، وَأَنَّ الْعِلْمَ بِلَا تَزْكِيَةٍ لَا يَنْفَعُ صَاحِبَهُ، وَأَنَّ عَلَى الْعُلَمَاءِ وَالدُّعَاةِ وَالْمُرَبِّينَ أَنْ يَعْتَنُوا بِتَزْكِيَةِ النَّاسِ؛ وَلِذَا قِيلَ: التَّرْبِيَةُ قَبْلَ التَّعْلِيمِ. «فَكَانُوا بَعْدَ هَذَا التَّعْلِيمِ وَالتَّزْكِيَةِ مِنْهُ أَعْلَمَ الْخَلْقِ، بَلْ كَانُوا أَئِمَّةَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ، وَأَكْمَلَ الْخَلْقِ أَخْلَاقًا، وَأَحْسَنَهُمْ هَدْيًا وَسَمْتًا. اهْتَدَوْا بِأَنْفُسِهِمْ وَهَدَوْا غَيْرَهُمْ، فَصَارُوا أَئِمَّةَ الْمُهْتَدِينَ، وَهُدَاةَ الْمُؤْمِنِينَ، فَلِلَّهِ عَلَيْهِمْ بِبَعْثِهِ هَذَا الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْمَلُ نِعْمَةٍ، وَأَجَلُّ مِنْحَةٍ».







وَهَذِهِ الْبَعْثَةُ الرَّبَّانِيَّةُ، وَالْمِنْحَةُ الْإِلَهِيَّةُ كَانَتِ اسْتِجَابَةً لِدَعْوَةِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ بَنَى الْبَيْتَ فَدَعَا عَقِبَ بِنَائِهِ فَقَالَ: ﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 129].







وَأَرَادَ سُبْحَانَهُ بِبَعْثَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَهْتَدِيَ بِهِ الْعَرَبُ وَغَيْرُ الْعَرَبِ مِنْ شَتَّى الْأَجْنَاسِ وَالْبِقَاعِ؛ لِأَنَّ رِسَالَتَهُ لِلنَّاسِ كَافَّةً، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الْجُمُعَةِ 1-2]. وَجَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْجُمُعَةِ، فَلَمَّا قَرَأَ: ﴿ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ﴾، قَالَ رَجُلٌ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَلَمْ يُرَاجِعْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى سَأَلَهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، قَالَ: وَفِينَا سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، قَالَ: فَوَضَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى سَلْمَانَ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ كَانَ الْإِيمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنْ هَؤُلَاءِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.







ثُمَّ ضَرَبَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ مَثَلًا بِالْيَهُودِ الَّذِينَ أُعْطُوا الْكِتَابَ وَلَمْ يَحْفِلُوا بِهِ، وَحُمِّلُوهُ فَلَمْ يَحْمِلُوهُ وَلَمْ يَهْتَدُوا بِهِ، وَأُمِرُوا بِالْعَمَلِ بِهِ فَلَمْ يَعْمَلُوا؛ وَذَلِكَ لِئَلَّا نَحْذُوَ حَذْوَهُمْ، وَلِكَيْ نَحْذَرَ مِنْ مَسْلَكِهِمْ ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الْجُمُعَةِ 5]. وَهُوَ ذَمٌّ بَلِيغٌ، يُنَفِّرُ الْعُقَلَاءَ مِنْ سُلُوكِ هَذَا الْمَسْلَكِ؛ إِذْ كَيْفَ يَكُونُ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَيْدِيهِمْ، وَهِدَايَتُهُ وَاصِلَةً إِلَيْهِمْ، ثُمَّ يُعْرِضُونَ عَنْهَا، وَيَرْكَبُونَ أَهْوَاءَهُمْ. قَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ: «الْحِمَارُ لَا يَدْرِي أَسِفْرٌ عَلَى ظَهْرِهِ أَمْ زَبِيلٌ، فَهَكَذَا الْيَهُودُ». «وَفِي هَذَا تَنْبِيهٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِمَنْ حُمِّلَ الْكِتَابَ أَنْ يَتَعَلَّمَ مَعَانِيَهُ وَيَعْلَمَ مَا فِيهِ؛ لِئَلَّا يَلْحَقَهُ مِنَ الذَّمِّ مَا لَحِقَ هَؤُلَاءِ».







وَقَدْ زَعَمَ الْيَهُودُ أَنَّهُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ تَعَالَى وَأَحْبَابُهُ؛ كَمَا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ﴾ [الْمَائِدَةِ: 18]، وَاللَّهُ تَعَالَى فَنَّدَ زَعْمَهُمْ هَذَا بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [الْجُمُعَةِ: 6]، وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْ أَنَّ الْيَهُودَ تَمَنَّوُا الْمَوْتَ لَمَاتُوا، وَرَأَوْا مَقَاعِدَهُمْ مِنَ النَّارِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَحَقِيقَتُهُمْ أَنَّهُمْ لَنْ يَتَمَنَّوْهُ لِحُبِّهِمُ الْعَيْشَ فِي الدُّنْيَا، وَحِرْصِهِمْ عَلَيْهَا. بَلْ هُمْ أَحْرَصُ النَّاسِ عَلَيْهَا، وَهَذَا يُفَسِّرُ شِدَّةَ جُبْنِهِمْ وَخَوْفِهِمْ وَبُخْلِهِمْ وَحِرْصِهِمْ عَلَى الْمَالِ، وَسُلُوكَ كُلِّ طَرِيقٍ لِتَحْصِيلِهِ وَلَوْ كَانَ بِطَرِيقٍ مُحَرَّمَةٍ، أَوْ بِدَنَاءَةِ نَفْسٍ وَذِلَّةٍ، كَمَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: ﴿ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 96]، وَفِي سُورَةِ الْجُمُعَةِ قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴾ [الْجُمُعَةِ: 7]. وَلِذَا امْتَنَعُوا عَنِ الْجِهَادِ مَعَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَتَحْرِيرِ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ مِنَ الْوَثَنِيِّينَ ﴿ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴾ [الْمَائِدَةِ: 24].







وَفِي بُخْلِهِمْ وَحِرْصِهِمْ عَلَى الْمَالِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا ﴾ [النِّسَاءِ: 53]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الْمَائِدَةِ: 62]. وَهَذَا مُشَاهَدٌ فِي وَاقِعِهِمُ الْمُعَاصِرِ؛ فَإِنَّهُمْ أَشَدُّ الْأُمَمِ جُبْنًا وَبُخْلًا. ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ حِرْصَهُمْ عَلَى الْحَيَاةِ، وَفِرَارَهُمْ مِنَ الْمَوْتِ لَنْ يُنْجِيَهُمْ مِنْهُ، بَلْ هُوَ مُلَاقِيهِمْ، فَيَجْزِيهِمْ بِأَعْمَالِهِمْ ﴿ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الْجُمُعَةِ: 8].







بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ...







الخطبة الثانية



الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.







أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 281].







أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى الْمِنَّةَ بِبِعْثَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفَضَحَ الْيَهُودَ، وَمَثَلَّهَمُ بِأَبْشَعِ صُورَةٍ، وَهِيَ صُورَةُ مَنْ أُعْطِيَ الْخَيْرَ فَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ؛ تَحْذِيرًا لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ سُلُوكِ مَسْلَكِهِمْ.. بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ خَاطَبَ سُبْحَانَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِقَولِهِ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الْجُمُعَةِ: 9]. قَالَ الْحَسَنُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «أَمَا وَاللَّهِ مَا هُوَ بِالسَّعْيِ عَلَى الْأَقْدَامِ، وَلَقَدْ نُهُوا أَنْ يَأْتُوا الصَّلَاةَ إِلَّا وَعَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، وَلَكِنْ بِالْقُلُوبِ وَالنِّيَّةِ وَالْخُشُوعِ». «وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى تَحْرِيمِ الْبَيْعِ بَعْدَ النِّدَاءِ الثَّانِي». ثُمَّ جَاءَتِ الرُّخْصَةُ بِالِانْتِشَارِ وَالْبَيْعِ بَعْدَ الصَّلَاةِ ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الْجُمُعَةِ: 10]. وَكَانَ عِرَاكُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا صَلَّى الْجُمُعَةَ انْصَرَفَ فَوَقَفَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَجَبْتُ دَعْوَتَكَ، وَصَلَّيْتُ فَرِيضَتَكَ، وَانْتَشَرْتُ كَمَا أَمَرْتَنِي؛ فَارْزُقْنِي مِنْ فَضْلِكَ، وَأَنْتَ خَيْرٌ الرَّازِقِينَ».







وَخُتِمَتِ السُّورَةُ بِهَذِهِ الْآيَةِ: ﴿ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [الْجُمُعَةِ: 11]. وَجَاءَ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا حَدِيثُ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ قَائِمًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَجَاءَتْ عِيرٌ مِنَ الشَّامِ، فَانْفَتَلَ النَّاسُ إِلَيْهَا، حَتَّى لَمْ يَبْقَ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، فَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الَّتِي فِي الْجُمُعَةِ: ﴿ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا ﴾ [الْجُمُعَةِ: 11]» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَذَلِكَ كَانَ فِي أَوَّلِ فَرْضِ الْجُمْعَةِ قَبْلَ نُزُولِ وُجُوبِ الْحُضُورِ وَالْإِنْصَاتِ، فَعَلَّمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ فَضْلًا مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَمِنَّةً، وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.







وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ السُّورَةَ إِلَّا لِبَيَانِ فَضْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَفَضْلِ صَلَاتِهَا، وَحَرِيٌّ بِالْمُؤْمِنِ أَنْ يُعْطِيَهَا حَقَّهَا فَيَسْتَعِدَّ لَهَا وَيَغْتَسِلَ وَيَتَطَيَّبَ وَيَسْتَاكَ وَيَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ وَيُبَكِّرَ لَهَا؛ لِيَنَالَ فَضْلَ التَّبْكِيرِ لِلْجُمْعَةِ، وَيُنْصِتَ لِلْخُطْبَةِ لِيَسْتَفِيدَ مِمَّا فِيهَا مِنَ التَّذْكِيرِ وَالْمَوْعِظَةِ، وَيُصَلِّيَهَا بِخُشُوعٍ وَحُضُورِ قَلْبٍ، وَيَأْتِيَ بِسُنَنِهَا، وَيَلْتَزِمَ آدَابَهَا؛ لِيَعْمَلَ بِمَا عَلِمَ.



وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 65.87 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 64.16 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (2.60%)]