|
ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() أبعاد فكرية وحضارية في العبادات الإسلامية محمد حسن بدرالدين اقترنت جميع العبادات في الإسلام بمبدأ الحركة ودورة الزمان، وذلك لأن جميع ما في الكون من حركات تخص عالم الإنسان أو الجماد أو الحيوان، إنما يسير وفق غاية واحدة، هي شهادة حق لله تبارك وتعالى، المهيمن على كل شيء في هذا الوجود.. فالشهادة، وهي الركن الأول في الإسلام، كما يدل اسمها، مرتبطة بمبدأ الاعتراف بأنه لا حقيقة مطلقة وخالدة في هذا الوجود والزمان إلا الله جل شأنه: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (آل عمران:18). والصلاة هي تدعيم يومي لفكرة تعاقب الزمان، باعتبارها نداء يتكرر خمس مرات، يذكر الإنسان أنه ضيف في هذه الدنيا، وأن عليه أن يكابد من أجل الفوز بملاقاة الله: {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ} (الانشقاق:6). إن مواقيت الصلاة لها أبعاد كونية أيضا، لأنها نظمت بحسب طلوع الكواكب وغروبها، من أجل أن ينسجم الإنسان ضمن نظام الكون. أما حركات الصلاة، فقد جمعت كل مستويات التناغم مع هذا الوجود، فالمصلي يستقيم مثل الجبال والزروع والأشجار، ويركع ويقوم من جديد مثلما تشرق النجوم وتغرب، وينحني مثل فرع النخيل، تماما كما تنحني جميع الرؤوس نحو مصدر الحياة، وواهب الوجود. وفضلا عن كون الصلاة تربط الإنسان بربه، فإنها توحد بينه وبين قوى الطبيعة والكون، وتجمعه مع البشرية في كل أنحاء العالم. فقبلة كل مسجد من مساجد العالم، تشكل دوائر مركزية حول الأرض، ترمز إلى وحدة الحياة والخلق، حيث تتغير أوقات الصلاة حسب خطوط العرض والطول، ففي كل لحظة تنحني جبهة وترتفع أخرى، في موجة من العبادة، ترتطم باستمرار حول الأرض (1). وفي ذلك التفاعل البديع توكيد وتوطيد لوحدة الدين، في رموز مادية وروحية منذ بناء الكعبة من قبل إبراهيم الخليل إلى يوم الدين. وتمثل عبادة الحج أعظم مظهر لذلك التوجه المادي والروحي، فهي تجمع في أيام معدودات، على امتداد الزمن، أجناسا عديدة من البشر، ومن ورائهم أفئدة ملايين المسلمين، ليشهدوا أكبر مهرجان إسلامي تتجمع فيه وحدة الصفوف والقلوب والأهداف، نحو غاية واحدة ورمز واحد، يمثل الطواف فيها أبهى صور الاتصال بحقيقة الوجود الكبرى. وشهر الصيام تجسيد كذلك لتلك الحقيقة، حينما تشرئب أعناق المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لرؤية الهلال السعيد، فيشعر كل فرد أنه جزء معتبر في حركة هذا الكون، تربطه به روابط الانقياد والولاء للخالق العظيم، فحينما يمتثل لأوامره ويدعوه طمعا في رحمته وابتغاء القربى منه، يكون قد شارك أعمق تطلعات ذاته نحو الخلود. إن التوجه إلى الكعبة في الطواف والصلاة يمثل المبدأ الأسمى في تحرك الإنسان نحو الله تعالى، فهو يشارك جميع الكائنات في عملية التعظيم والسجود، ولكنه يتميز عنها بكونه يفعل ذلك عن حب واختيار. وإن ارتباط عمل المسلم بهذه المقاصد والغايات، يحرره من كل عبودية لغير الله، ما لم تتحول العبادة إلى عادة، فالصوم يحرره من عبودية الهوى وسلطان الغرائز، والصلاة تحرره من السجود والتقديس لغير الله. أما غير المسلم فهو خاضع بالضرورة لعبودية العباد والنفس والمادة. وتربط فريضة الزكاة المسلم بمبدأين على الأقل، هما: الارتباط بحقيقة الزمن، والتحرر من عبودية المال. فمبدأ الحول هو يقظة دائمة طوال العام، حتى لا تتكدس الثروة بين يديه، فيفتتها بالإنفاق، ويرتفع بذلك فوق سلطان المال وإغراء الذهب. وحدة الصف والهدف من مظاهر منزع الشمول في العبادات، كونها جماعية، تربط جموع المؤمنين في عمل دائب لتحقيق إرادة الله ضمن وحدة فكرية وعملية، زكاها القرآن الكريم في قوله تعالى: { لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } (الأنفال:63). يتراءى هذا التأليف بين القلوب بوضوح في المشاركة الوجدانية العامة التي حكمت علاقات الأفراد في المجتمع المسلم، خصوصا أيام الصيام والتهليل والتكبير، وضمن صفوف الصلاة. وهو اجتماع فريد يحطم الفوارق، ويزيل الكبرياء من النفوس، مهما كانت مكانتها، إلى مستوى التساوي بمجموع المسلمين، وإن تلك الصفوف وإن تراءت مستقيمة، دلالة اجتماعية وداخلية على الانضباط ووحدة الصف والهدف، إلا أنها في الحقيقة الخارجية، تمثل دوائر فيها حركة دائبة لعمليات القيام والسجود، ففي الوقت الذي يسجد فيه الناس في مكان ما من العالم، يركع آخرون، وفي اللحظة نفسها، تبدأ مجموعة أخرى بتكبيرة الإحرام. هو انتظام بلا انقطاع ليل نهار في كل بقاع الدنيا، بحيث تمثل أجمل مظاهر الطاعة والانقياد تحت لواء صف واحد في دوام منقطع النظير. إن فكرة إصلاح الصلاة نفسها تتضمن هذا المعنى، فالمسبوق في الصلاة هو مسبوق بالزمان لا بالأركان، ولذلك يواصل صلاته بعد تسليم الإمام ولا يعيدها من جديد، لأن ذلك يعد انقطاعا عن الديمومة والتواصل، التي أراد الإسلام تحقيقها في أبعاد العبادات، فهذا المسبوق إذ يتم ما قد فاته، يكون قد انضم إلى مجموعة أخرى، شرعت في تلك اللحظة في عبادة ربها، فهي بعيدة عنه بالمكان، لا بالتوجه والزمان. إن المعنى العميق والبعيد للإسلام، هو كون جميع الموجودات مسلمة: فالطير والدواب والأنعام والشجر في توجهها وحركاتها منقادة وخاضعة لمشيئة رب العالمين وتقديره: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} (آل عمران:83). ولكن الإنسان يتميز عنها، لأنه يفعل ذلك عن إدراك وارتضاء، وفي ذلك شرفه وكرامته، حيث هيأه هذا الاختيار لأن يضطلع بمسؤوليتي التسخير والتكليف، وإلا فإن جميع المخلوقات، وهو معها، أسلمت راضية وطائعة أو غير راضية ومكرهة: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} (الرعد:15). إن القوانين التي تحكم فطرة الإنسان تلتقي مع المبدأ نفسه الذي ألهم الطير أو الحيوان، لأنها صادرة عن مبدع واحد هو الله جل جلاله، فما ينطبق على الوجود ينسجم مع ذات المسلم من جميع الوجوه، فليس هناك صراع بين الإنسان والطبيعة، بل هي مسخرة له، وليس هناك غرابة أو تناقض بين توجهات الإنسان ومقاصد الكون، فالكل خلق لما هو ميسر له: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} (النور:41). نجد أصداء هذا الناموس الذي يحكم فطرة الإنسان وفطرة الوجود، وينسقها كلها جملة واحدة، في أعمال البر والقربى التي يقوم بها المسلم امتثالا لأوامر ربه، فهي لا تختلف رغم تباعد المواقع والأحوال. ففوارق التوقيت في الصلاة والإفطار والإمساك، وسائر الشعائر والعبادات، لا تمثل اختلافا بين المسلمين، بل هي تتابع يحكم تباعد الأمصار وتعاقب الليل والنهار، إذ ليس هناك نهاية في العبادات، وإنما هي حركة متواصلة إلى يوم يبعث الناس للحساب. والذين يحرصون على تحكيم الحساب في جميع أمور العبادات، لا يدركون بعض أسرار هذا الدين الذي أراد ربط حياة العباد بحركة الكون والطبيعة النابضة بأعمق مظاهر الروعة والجلال. العبادة وإدراك مقاصد الله تعالى ولأن طريق الملاحظة يؤدي إلى المعرفة الصادقة، فإن اليقين المكتسب من طريق التجربة، يقتحم بدوره أبواب الإيمان، ويفسح مجالا أرحب من محيط المادة الضيق. ولأن الحقيقة في شمولها واحدة، فأيا كان الطريق الذي يسلكه المرء، فإنه سيلاقي الله تعالى المتفرد بكل مظاهر الخلق والتدبير. ولذلك ربط الإسلام بين العلم والإيمان باعتبارهما وحدة متكاملة غير قابلة للتجزئة. فلا مجال للفصل بين البحث عن الوسائل والنواميس وبين البحث عن النتائج والمعاني المترتبة عليها. وبمعنى آخر، فإن الهدف الأساسي للعلم والمعرفة في الإسلام، هو البحث عن آيات الله في الطبيعة وفي التاريخ لتحقيق أمر الله دون الابتعاد عن الأسباب والنواميس الكونية. إن هذا البحث عن الحقيقة في كلياتها، هو من مقتضيات العبادة في أعمق مستوياتها الشعورية والسلوكية، لأن العبادة في حقيقتها الداخلية إدراك لمقاصد الله تعالى إدراكا عميقا، والتعلق به سبحانه وتعالى بعلاقة متينة، كما جاء في الحديث النبوي الشريف: «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» (2). وإذا تحقق مقام الإحسان هذا في صور الطاعات والشعائر التعبدية المختلفة، يسعد الإنسان لا محالة بتأييد الله ونصرته، لأن هذا هو الأساس الذي تقوم عليه جميع المظاهر الدينية الأخرى، لأن مفهوم العبادة ليس مساحة ضيقة لا تتجاوز دائرة الشعائرية والاتصال الروحي كما يظن بعض المسلمين، بل هي تجربة حياة كاملة، تنظم فعاليات الجماعة البشرية في الأرض وتمنحها المعنى والمقصد، وتسير بها إلى هدف مرسوم، فيخرجون من دائرة العبث وغياب المعنى، التي تسيطر على مساحات واسعة من الأنشطة الحضارية المعاصرة، على مستوى الواقع والفكر. فالعبادة هنا تتعلق بالتصور والعمل الاجتماعي العام؛ لأن كل عمل يقوم به الفرد والمجموعة يبتغي به وجه الله، فهو عبادة، ولأن الله تعالى غني عن العالمين، يصبح مفهوم وجه الله خير الإنسان ونفعه أينما كان: {وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} (البقرة:272). الهوامش 1- رجاء الجارودي، الإسلام دين المستقبل، ترجمة: عبدالمجيد بارودي، دار الإيمان للنشر والتوزيع، بيروت،1983م. ص35. 2- مسند الإمام أحمد بن حنبل (ت:241هـ)، تحقيق: أحمد محمد شاكر، دار الحديث، الطبعة الأولى، القاهرة، 1416هـ/1995م. ونص الحديث هو: قال: فما الإحسان؟ قال: «أن تعمل لله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك»، 1/243. وانظر: صحيح ابن حبان 1/391، وسنن أبي داود 7/81.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |