العفة والاستعفاف - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         ابتسامة تدوم مدى الحياة: دليلك للعناية بالأسنان في كل مرحلة عمرية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          كم يحتاج الجسم من البروتين يوميًا؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          أطعمة ممنوعة للمرضع: قللي منها لصحة طفلك! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          مكملات البروبيوتيك: كل ما تحتاج معرفته! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          التخلص من التوتر: دليلك لحياة متوازنة! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          أطعمة مفيدة لمرضى الربو: قائمة بأهمها! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          كيفية التعامل مع الطفل العنيد: 9 نصائح ذكية! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          كيف يؤثر التدخين على لياقتك البدنية وأدائك الرياضي؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          كل ما تحتاج معرفته عن لقاح السعال الديكي للأطفال والبالغين! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          لمرضى السكري: 9 فواكه ذات مؤشر جلايسيمي منخفض! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-01-2021, 05:11 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,695
الدولة : Egypt
افتراضي العفة والاستعفاف

العفة والاستعفاف (1)

الشيخ د. : محمد عبد الكريم الشيخ


عناصر الخطبة

1/ الجنة محفوفة بالمكاره 2/ نصوص تدعو للعفة وأسبابها 3/ أنواع النفس الإنسانية 4/ العفة من صفات النفس اللوامة والمطمئنة 5/ من مظاهر النفس الأمارة بالسوء العشق والحب 6/ وسائل الإعلام وأثرها في إبراز المفاتن 7/ قصة في سوء الخاتمة 8/ حكم الاستمناء 9/ أجر العفة والاستعفاف


اقتباس


والعفاف هذه الخصلة إذا كان الإنسان متمتعًا بها فإنه إذا دخل حياة الزوجية فإنه يدخلها في سعادة وتستمر حياته في كرامة وفي طمأنينة، أمّا من دنس حياته بالرذيلة وارتكب الفواحش والموبقات فإنه قد لا يدخل هذه الحياة أبدًا، وهذه نعمة قد حرمها من دخلها وقد تلوث بهذه الموبقات فإنه يدخلها وهو…









الخطبة الأولى:


(قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [آل عمران: 26، 27].

أخرج الإمام أحمد في مسنده والحاكم في مستدركه وأبو داود وغيرهم بإسناد صحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لما خلق الله الجنة والنار أرسل جبريل إلى الجنة فقال: انظر إليها، قال: فرجع فقال: وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها، فحُفت بالمكاره، قال: ارجع فانظر إليها. قال فرجع فقال: وعزتك لقد خفت ألا يدخلها أحد. ثم قال: اذهب إلى النار فانظر إليها. فرجع فقال: وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها فحُفت بالشهوات قال: ارجع فانظر إليها فقال: وعزتك لقد خشيت ألا ينجو منها أحد".

الجنة سلعة الله الغالية لا تُنال إلا بأن تتجاوز المكاره التي حفها الله -عز وجل- بها، وإذا أردنا النصر من الله رب العالمين ينبغي أن تكون النفوس طاهرة، ولن تكون النفوس طاهرة إلا بالاستقامة، ولن تكون هناك استقامة وثبات على الاستقامة إلا بالمجاهدة، إلا بمجاهدة النفس.

فإلى الذين يريدون النجاة من النار والفوز بالجنة عليهم أن يرجعوا إلى أنفسهم فيزكوها، وإلى قلوبهم فيحيوها، أي ينظروا إلى أبدانهم فيشغلوها بطاعة الله، وإلى عقولهم فيخضعوها لعبودية الله رب العالمين، عندها ينال العزة في الدنيا والجوار، جوار النبيين والصحابة والصديقين -رضوان الله عليهم أجمعين- في جنات النعيم.

وإن مما ينبغي للشباب أن يجاهدوا فيه ويصرفوا عقولهم عنه مصارعة شهوة الفجرة التي قال عنها -صلى الله عليه وسلم-: "من ضمن لي ما بين لحييه وفخذيه ضمنت له الجنة"، هذه الشهوة تحتاج إلى مجاهدة وتحتاج إلى عفة وتحتاج إلى استعفاف، وما أشرفها من خصلة وما أكرمه من خلق!! خلق العفة التي قال الله -عز وجل- عنها: (وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) [النور:33]، ليستعفف: ليطلب العفة كل من كان غير قادر على الزواج إما لقصور نفقة وإما لأي سبب آخر، والعفة كما هي مطلوبة من غير المتزوج فهي في حق المتزوج آكد، لذلك كانت العقوبة أشد على المتزوج، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة"، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم -ذكر منهم عليه الصلاة والسلام- أشيمط زان"، وفي رواية: "شيخ زان".

لماذا خص هذا بالعذاب الأليم وبعدم النظر إليه يوم الدين؟! لأنه غير مستعفف، وقد بلغ من الكبر عتيًّا.

والعفاف هذه الخصلة إذا كان الإنسان متمتعًا بها فإنه إذا دخل حياة الزوجية فإنه يدخلها في سعادة وتستمر حياته في كرامة وفي طمأنينة، أمّا من دنس حياته بالرذيلة وارتكب الفواحش والموبقات فإنه قد لا يدخل هذه الحياة أبدًا، وهذه نعمة قد حرمها من دخلها وقد تلوث بهذه الموبقات فإنه يدخلها وهو يعاني فيها ما يعاني.

والله -سبحانه وتعالى- قد ذكر لنا النفس والهوى ومنبع الركون إلى شهوة الفرج الحرام إنما هو عن طريق الهوى وعن طريق النفس التي قال الله عنها: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) [الشمس:7-9]، ويقول ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "النفس منها ما يدعوك إلى الطاعة، ومنها ما يدعوك إلى المعصية، والقلب بين ذلك، تارة يكون إلى هذا، وتارة يكون إلى ذلك"، سيد الأعضاء ملك الأعضاء تارة يكون إلى النفس المطمئنة، وتارة يكون إلى النفس الأمارة بالسوء.

والله -عز وجل- وصف نفس الإنسان الواحدة بثلاثة صفات في القرآن الكريم: وصفها بأنها نفس مطمئنة: وهذه النفس المطمئنة هي التي ينادى صاحبها عند الوفاة، قال الله تعالى: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي) [الفجر: 27 – 29]، يناديها ملك الموت نداء تشريف وتكريم.

والأنفس الأخرى: هي النفس الأمارة بالسوء وهي ضد النفس المطمئنة، تلك -أي المطمئنة- سكنت واستقرت بذكر الله وطاعته، أما الأمارة فهي التي تأمر صاحبها بمعصية الله وتأمره بترك الطاعات، والقرآن ما سمّاها آمرة وإنما سمّاها أمّارة، فهي لا تكتفي بأمر أو أمرين في معصية الله، بل هي مداومة على الأمر بالمعصية، قال -سبحانه وتعالى- حكاية عن امرأة العزيز التي راودت يوسف عن نفسه: (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي)، (إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ)، أي تأمر بالسوء والفحشاء، إلا ما رحم ربي، إلا من عصم الله -عز وجل-.

والنفس الثالثة: هي النفس التي أقسم الله بها في سورة القيامة فقال: (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) اختلف فيها، فقيل: هي المترددة بين المعصية والطاعة، وقيل: هي التي تلوم صاحبها، وهذا هو الأرجح، وفي هذا يقول ابن عباس: "ما من نفس إلا وتلوم نفسها يوم القيامة؛ فإن كانت طائعة فإنها تلوم نفسها على قلة الطاعة، وإن كانت عاصية فإنها تلوم نفسها على المعصية".

ويقول الحسن البصري -رحمه الله تعالى-: "ما يزال المؤمن بخير مادام له واعظ من قلبه"، المؤمن مازال بخير مادام هناك واعظ في قلبه يعظه، إذا كان قد فعل طاعة استقصر هذه الطاعة وذكر التفريط فيها، وإن فعل معصية حدثته هذه النفس أنه قد أذنب فينبغي عليه أن يتوب إلى الله رب العالمين.

العفة تكون في النفس المطمئنة، وتثبتها النفس اللوامة، النفس اللوامة هي التي تثبتك على العفة وعلى الاستعفاف.

وإن من مظاهر التلوث في مجتمعاتنا والانهزام أمام النفس الأمارة بالسوء؛ من هذه المظاهر بين مجتمعات المسلمين -للأسف الشديد- مظهرين أقتصر عليها:

الأول: مظهر العشق: مظهر الحب، هذا المظهر استشرى في مجتمعنا، فترى الشباب الذين ليسوا متمسكين بالدين أو نقول وفق تعبيرنا: ليسوا بملتزمين، نرى حديثهم، ما هو؟! عن الحب، أنت من تحب؟! والفتاة تقول أيضًا لصاحبتها: أنتِ من تحبين؟! من هو حبيبك؟! من تراسلين؟! الحب والخنا العشق، من أين جاء ذلك؟! جاء من وسائل الإعلام المدمّرة التي قلّ أن يكون هناك مسلسل إلا وفيه دور للعشق والحب، كانت الأسرة في الماضي لا تعرف الغزل، وأيضًا كان الأبوان لا يحبان أن ينظر أولادهما إلى غزل أو أن يتلفظا بكلمات حب أو عشق، وأصبحت ترى الأسرة بكاملها بينهما الأب والأم والفتاة والفتى يجلسون على شاشة التلفاز وأمامهم تمثيلية أو مسلسل، وفي هذه التمثيلية رجل يقول لفتاة: أحبك، وفتاة تقول لرجل: أحبك، واسمع إلى تلك الكلمات التي تخرج منهما، والأب والأم ينظران والفتى والفتاة ينظران، فأصبح المنكر معتادًا، بسبب ماذا؟! بسبب أن القلوب استشربت هذه المناظر، فأصبحت النظرة إلى الحرام غير منكرة، تمر على بعض الأسواق وتمر على بعض البضاعات فترى صورًا للنساء المتبرجات، فتقول لصاحب المحل: ما هذا؟! أزل هذه المنكرات، فيقول: وأي منكر في هذا؟! هذه دعاية تجارية، هذه دعاية حتى يأتي الزبون إليها.

أصبح النظر إلى الحرام من وسائل التجارة، من وسائل ترويج البضاعات، والله سبحانه يقول: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ)، لن يكون هناك حفظ للفروج إلا بعد غض الأبصار، هل سيكون هناك حفظ للفروج والأبصار تتطلع إلى الحرام؟!

وكذلك الغناء حدّث عنه ولا حرج، كلمات الهوى، كم تسمع من كلمات تتداول بين الشباب في الأغاني من كلمات الهوى، الهوى ذمّه الله في القرآن فقال: (أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ)، هؤلاء يمدحون الهوى ويمدحون الليل الذي تكون فيه المعصية.

إذًا الأغاني والمسلسلات والروايات الساقطة التي فيها كذلك العشق والغرام، أدى كل هذا إلى أن تخترم العفة، وإلى أن تكون العفة في كثير من الأسر نادرة، فأصبح الإنسان الذي يريد أن يتزوج من أسرة ما يتخوف من أن تكون هذه الفتاة تراسل رجلاً ويراسلها، أو تحدث رجلاً في التليفون، أصبح الرجل يخاف، بسبب ماذا؟! بسبب ندرة العفة والاستعفاف، هذا مظهر من مظاهر الانهزام لمجتمعاتنا أمام النفس الأمارة بالسوء.

وإن الذي يقع في هذه الحفرة -حفرة الحب والغرام- لا يكاد يرى دينًا، وكذلك لا يكاد يصلح دينًا، فإن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أخبرنا أن الإنسان لا يحصل على حلاوة الإيمان إلا إذا حصل على ثلاثة شروط، الأول: أن يكون الله والرسول أحب إليه مما سواه، الثاني: أن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار.

ويقول الله تعالى: (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ)، إي والله، من الناس من يعشق فتاةً فيصل به الحب والغرام أن يسجد لها أو أن يتوسل بها، وسمعت من ثقة عن فتى مسلم ذهب إلى بلاد الغربة، وكان في غرفته فجاءت إليه عشيقته، فطرقت عليه الباب فوجدها في كامل الزينة والجمال، فما تمالك نفسه إلا أن سجد لها، ويا سبحان الله كان هذا وقت أجله، لقد أخذه الله -عز وجل- فإذا هو صريع ميت، نعوذ بالله من سوء الخاتمة، ماذا كانت خاتمته؟! خاتمته أنه كان ساجدًا، لمن؟! لفتاة. ما السبب في ذلك؟! السبب في ذلك هو العشق والغرام.

أسأل الله تعالى أن يقينا الزلات، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية:


(الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * مَا يَفْتَحْ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، والصلاة والسلام على خير خلق الله إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين الذي كان يقول في دعائه: "اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى"، والذي كان يسأل ربه أن يزكي نفسه فكان يقول: "اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها".

أذكر مظهرًا آخر من مظاهر خرم العفة والاستعفاف، هذا المظهر يظهر بين بعض الشباب ألا وهو ما يسمى: "بالعادة السرية"، أو ما يسمى: "بالاستمناء"، وهذه عادة رذيلة ذكرها العلماء كثيرًا وذكروا الأدلة على حرمتها، وما ذلك إلا لأسباب؛ من هذه الأسباب: الصور التي تعرض للشباب صباح مساء والتي فيها ما ذكرت، وكذلك الغناء والموسيقى الذي يؤدي إلى استفزاز النفس وإلى أن تخضع للشيطان كما قال تعالى عن الشيطان: (وَاسْتَفْزِزْ مَنْ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ)، أي بالغناء.

وكذلك بسبب معوقات الزواج والتي هي كثيرة -وليس المقام هنا لتعدادها إنما المقام هنا لذكرها كسبب من أسباب خرم العفة والاستعفاف-، فمن أسباب هذه العادة الرديئة والتي لها مضار صحية، والتي فيها إثم، والتي فيها حرمان من الوصف الذي ذكره الله -عز وجل- للعباد الخاشعين حين قال -سبحانه وتعالى- في سورة المؤمنون: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ)، من هم؟! (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ).

قال الشافعي -رحمه الله-: يستدل بهذه الآية على تحريم الاستمناء؛ لأن الله تعالى عَممّ فقال: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ)، أي يحفظون فروجهم عن كل شيء، ثم استثنى من ذلك فقال: (إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ)؛ ولذلك قال الفقهاء: الأصل في الفروج الحرمة، والشارع هو الذي يذكر لنا النواحي التي تباح فيها، ولذلك أباح الله -عز وجل- لنا الزواج وما ملكت أيماننا، واستدل العلماء كذلك على تحريم هذه العادة السيئة بقول الله تعالى: (وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ)، الذين لا يستطيعون الزواج يقول الله لهم: إذا لم تستطيعوا الزواج فاستعفوا، فاطلبوا العفة، احفظوا فروجكم عن الحرام، فلو كان هناك بديل للزواج لذكر الله -عز وجل- هذه العادة.

واستدل العلماء كذلك على تحريمها بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء"، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- هنا ذكر البديل لمن لم يستطع الزواج، ألا وهو الصوم، ولو كانت هذه العادة السيئة مرخصة لرخصها النبي -صلى الله عليه وسلم- ولذكرها؛ لأنها أسهل من الصوم، ولكنه -عليه الصلاة والسلام- ما ذكرها بل ذكر الصوم، فدل ذلك على أنها داخلة في عموم الآية: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ)، فدل ذلك على حرمتها.

وكذلك هناك قاعدة "أن ما أدّى إلى الضرر فهو حرام"، وهذه العادة ثبت بالطب إلى أنها تؤدي إلى أمراض شتى وإلى معوقات للزواج، وهذا يؤكد على حرمتها ويؤكد على عدم حِلِّيتها، فإلى الذين يتهاونون في هذه العادة السيئة نصيحتي أن يتقوا الله تعالى.

وإن العفة والاستعفاف تحتاجان إلى طاعة وإلى إخلاص لله رب العالمين، فإن بعض الناس لربما يتورع عن الولوج في المعاصي والفواحش من أجل صحته، هؤلاء لا ينالون الأجر الذي يناله الذي يستعف ويعف نفسه من أجل الله رب العالمين، ولهذا أخبرنا -صلى الله عليه وسلم- عن ثلاثة نفر آواهم المبيت إلى غار فانطبقت عليهم الصخرة ففرج الله -عز وجل- عنهم هذه الصخرة بصالح أعمالهم، وكان من بين هؤلاء رجل كان يحب ابنة عم له كأحب ما يحب الرجال النساء، فلما تمكن منها وجلس بين فخذيها قالت له: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فتركها -وهو قادر على الفاحشة- لله رب العالمين، فإذا بالصخرة انفرجت بنصيبه هذا من الإخلاص.

وكذلك انظروا إلى سلفنا الصالح الذين كانوا كما قال ابن عباس -رضي الله عنه-: "التقي هو الذي إذا خلا بالحسناء خاف الله -عز وجل- وحصّن فرجه".

أكتفي بهذين المظهرين وأتحدث في خطب قادمة عن الأسباب التي تؤدي إلى خرم الاستعفاف والعفة.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 02-01-2021, 05:12 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,695
الدولة : Egypt
افتراضي رد: العفة والاستعفاف

العفة والاستعفاف (2)


الشيخ د. : محمد عبد الكريم الشيخ




عناصر الخطبة

1/ عفة يوسف عليه السلام 2/ الاعتصام بالله والحذر من الغرور 3/ جرأة المسلمين على حدود الله سبب لكثير من مشاكلنا 4/ الاختلاط مع الخدم والأجانب 5/ عفة عثمان بن طلحة قبل إسلامه 6/ التربية الإيمانية تهذب وتمنع خائنة الأعين 7/ الإيمان بصفات الله ودوره في التهذيب 8/ التربية الأخلاقية 9/ تجنب المثيرات الجنسية 10/ صحبة الصالحين



اقتباس


هناك بعض الأسس التي لابد أن ينتبه المرء إليها إذا أراد أن يكون عفيفًا، وليست العفة كما قدمت للرجل الذي لم يتزوج، بل العفة كذلك للمتزوج، المتزوج العفة في حقه أبلغ، وينبغي عليه أن يكون أعف من غير المتزوج، هذه الأسس وهذه القواعد التي ألقيها عليكم لابد لها من شرط مهم، هذا الشرط هو…









الخطبة الأولى:


اللهم إنا نسألك العافية في ديننا ودنيانا وأهلينا وأموالنا، اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا، اللهم احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا، اللهم عالم الغيب والشهادة، فاطر السموات والأرض، رب كل شيء ومليكه، لا إله إلا أنت، نعوذ بك من شر أنفسنا، ونعوذ بك من شر الشيطان وشركه.

أما بعد:

تحدثنا في الخطبة الماضية عن العفة والاستعفاف، وذكرنا فضلهما وما ذكر الله -عز وجل- فيهما من الآيات في كتابه الكريم، وما ذكر النبي –صلى الله عليه وسلم- من الأحاديث الشريفة في الاستعفاف والعفة، ونتكلم في هذه الخطبة عن النماذج الرائعة التي وجدت في القرآن أو في سيرة سلفنا الصالح والذين تمثلت فيهم العفة واقترن بهم الاستعفاف.

أولى هذه النماذج: نموذج رائع في القرآن الكريم عن شاب امتلأ شبابًا وفتوة ويعمل خادمًا لعزيز مصر، هذا الشاب غلقت الأبواب دونه، وجاءت امرأة جميلة ذات منصب تغريه وتطلب منه أن يقع في الفاحشة، هذا النموذج مسطّر في سورة يوسف، يقول الله -عز وجل-: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتْ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ -وعلى قراءة: قالت: هئت لك، أي تهيأت لك- قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ * وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ).

هذا النموذج الرائع يضربه الله تعالى لنا حتى نتعظ ونعتبر، وحتى يعلم الناس أجمعين أن العفة لا تكون هكذا بمجرد الخاطرة، وإنما لابد لها من همة وإرادة، هذه القصة التي يضربها الله -عز وجل- في سورة يوسف نقف فيها وقفات:

الوقفة الأولى: أن الاستعانة بالله واللجوء إليه والاستعاذة به والفرار إليه هو من أقوى الأسباب التي تنال بها العفة؛ يقول الله -سبحانه وتعالى-: (وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ)، من الذي يحفظك من الفتنة؟! من الذي يحفظك من الزنا؟! من الذي يغض بصرك حقًّا؟! من الذي يجعلك تغض بصرك؟! هو الله -عز وجل- رب العالمين، ولذلك فلا يغتر إنسان بنفسه، لا يغتر إنسان بثقته، بل ينبغي عليه أن يتهم نفسه دومًا بقلة الهمة وبضعف الإرادة، وأن يستعين بالله -عز وجل- لكي يصرفه عن السوء والفحشاء.

فهذا النبي الكريم يوسف -عليه السلام- لما طلبت منه امرأة العزيز وهمت به وهم بها التجأ إلى من؟! ماذا قال؟! (قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ)، أي أستعيذ بالله منكِ ومن شرك، (قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ).

وربي هنا إما هو العزيز الذي أحسن إليه، وإما هو الله -عز وجل-، وهذا هو الراجح؛ لأنه قال: معاذ الله، فذكر نعمة الله عليه بعده، فقال: (إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ).

والوقفة الثانية: عدم الاغترار بالنفس والركون إليها، وأن الإنسان لا يعتمد على الثقة الزائدة بها، لما جاءت النسوة إلى امرأة العزيز ولُمنها على فعلتها قالت: (وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَ مِنَ الصَّاغِرِينَ)، ماذا فعل يوسف عليه السلام؟! التجأ إلى الله رب العالمين، (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ)، أن أسجن وأن أحبس، أن تقيد حريتي، هذا أحب إليّ من أن أقع في الفاحشة، (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ)، إذا لم تصرف ربي أنت عني كيدهن سأصغي إليهن وستذهب قوتي وستخور عزيمتي وسأستمع إلى ما تقول، فأسألك ربي أن تصرف عني كيدهن، فماذا كان الجواب؟! (فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)، وهكذا فإن الإنسان إذا ألمّت به فتنة ينبغي أن يلجأ إلى الله -عز وجل-، ولا ينبغي أن يخوض هذه الفتنة بغير استعانة بالله.

انظر ماذا يقول ربنا في الذين اتقوا إذا جاءهم الشيطان وسوَّل لهم سوء الأعمال، قال -سبحانه وتعالى-: (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)، الذين اتقوا إذا مرّ عليهم طيف أو خاطرة من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون، وكيف يكون التذكر؟! يكون بالاستعاذة من الشيطان وبالاستعانة بالله -عز وجل-.

الموقف الرابع: أن التساهل من المسلمين في دخول الرجال والخدم في البيوت من أكثر أسباب وقوع الكثير من الحوادث التي تسببت في انتهاك الأعراض، قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- وهو يذكر لنا هذا العزيز الذي كان بالفعل ديوثًا، يقول الحافظ ابن كثير: كان زوجها -أي العزيز- ليّن العريكة وكان سهلاً أو أنه عذرها لأنها رأت أنها لا صبر له عنها، ولذلك تجرأت المرأة على أن تطلب هذا الطلب علانية بين النساء، تطلب من يوسف -عليه السلام- أن يفعل فيها الفاحشة، ولذلك فإن الإنسان ينبغي عليه أن لا يدخل الخدم على النساء، ليتقي الله -عز وجل- هذا الذي يركب ابنته مع السائق فيوصل السائق ابنته إلى الجامعة أو إلى المدرسة، ما هذا؟! أين الغيرة؟! أما تغار على عرضك -أيها المسلم-، لا ينبغي للمسلم أن يفعل هذا، لا ينبغي للرجل أن يترك خادمه يباشر النساء أو أن يدخل عليهن، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "إياكم والدخول على النساء"، قال رجل: يا رسول الله: أرأيت الحمو؟! -أي قريب الزوج أيدخل على المرأة- قال: "الحمو الموت"، أي: إذا أدخلت الحمو إلى بيتك كأنك أدخلت الموت على أهلك.

الموقف الخامس: في هذه القصة أن الصحبة السيئة من أسباب الوقوع في الفواحش، ألا ترى أن امرأة العزيز لما انتشرت هذه الفضيحة بين النساء ماذا فعلت النساء اللاتي كن حولها؟! شجعنها على ذلك وذهبن إلى يوسف يطلبن منه أن يرضخ لكلامها، فقال يوسف -عليه السلام-: (إِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ)، وقال يوسف: (مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ)، أي في اشتراكهن في هذه الجريمة.

هذا نموذج في القرآن للعفة والاستعفاف.

نموذج آخر في سيرة سلفنا الصالح: هذه القصة لرجل صالح عفيف يهاجر مع امرأة أيامًا متتالية لا أحد معهما، ويضرب مثالاً عاليًا للعفة والاستعفاف، تلك هي أم سلمة -رضي الله تعالى عنها- تقول:

"لمّا فرّق قومي بيني وبين ابني، وهاجر زوجي إلى المدينة، مكثت أيامًا أبكي، أخرج إلى خارج داري ثم أعود إليه، فقام رجل من بني المغيرة رآني على حالي فرق لي، وقام إلى قومي وقال: ألا تخرجون هذه المسكينة؟! فرقتم بينها وبين زوجها وابنها، قالت: فتركوني أهاجر إلى المدينة، وأعطتني بنو أسد -قوم زوجها- ابني، فأخذت ابني فوضعته على حجري، وركبت بعيري وسرت وليس معي أحد إلا الله، حتى إذا أتيت إلى التنعيم -موضع قريب من مكة تجاه المدينة- لقيني عثمان بن أبي طلحة أخو بني عبد الدار، فقال: إلى أين يا ابنة أبي أمية؟! فقلت: أريد المدينة، فقال: أو ما معك أحد؟! فقلت: لا، قال: ما لك من مترك؟! أي كيف أتركك تسافرين وحدك، فأخذ بخطام بعيرها فسار معها، قالت أم سلمة: فما رأيت قط رجل أكرم في العرب من عثمان بن طلحة، كان إذا جئت إلى مستراح أوقف بعيري وتأخر عني، فإذا نزلت عن بعيري أخذ ببعيري وتأخر بالبعير فربطه في الشجرة واضطجع تحت الشجرة، فإذا حان موعد الرحيل جاءني بالبعير فترك البعير وتأخر عنّي، فإذا ركبت البعير جاء وأخذ البعير وسار بي على ذلك أيامًا متتالية حتى قرب من المدينة، فرأى قرية عمرو بن أبي عوف فقال: يا ابنة أبي أمية: زوجك في هذه القرية، فقالت: فدخلت القرية فوجدت أبا سلمة، قالت أم سلمة -تحفظ الجميل لهذا الرجل-: فما رأيت رجلاً أكرم من عثمان بن طلحة قط في العرب".

هذا نموذج رائع في سلفنا الصالح في العفة والاستعفاف، الرجل لا ينظر إلى المرأة، ولا يبالغ في الحديث معها، بل يكلمها على قدر الحاجة، اركبي، انزلي، جاء البعير… على هذا النحو لا يبالغ معها في الحديث، هذه هي الرجولة حقًّا، هذه هي العفة حقًّا، لا أن تخضع المرأة بالحديث للرجل، وأن يتكسر الرجل كذلك في الحديث مع المرأة، أهذه من العفة؟! لا، ليست هذه من العفة، وإن لكم فيهم لعبرة، وإن لكم فيهم لعظة.

أسأل الله تعالى أن ينفعنا بما سمعنا وأن يغفر لنا ذنوبنا إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية:


الحمد لله على كل حال، الحمد لله الذي كفانا وآوانا وهدانا، فكم ممن لا كافي لهم، الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيد الخلق أجمعين محمد بن عبد الله، صلوات الله وسلامه عليه.

هناك بعض الأسس التي لابد أن ينتبه المرء إليها إذا أراد أن يكون عفيفًا، وليست العفة كما قدمت للرجل الذي لم يتزوج، بل العفة كذلك للمتزوج، المتزوج العفة في حقه أبلغ، وينبغي عليه أن يكون أعف من غير المتزوج، هذه الأسس وهذه القواعد التي ألقيها عليكم لابد لها من شرط مهم، هذا الشرط هو العزيمة والإرادة على التنفيذ؛ لأن هذه الأسس بغير عزيمة وبغير إرادة على التنفيذ تصبح وبالاً علينا ويسألنا الله -عز وجل- عنها:

الأساس الأول: التربية الإيمانية: أن تربي نفسك تربية إيمانية، أن تقوي صلتك بالله رب العالمين، أن تعلم أن الله تعالى يراك في السر وفي العلن، يقول تعالى: (وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ)، ويقول تعالى: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)، قال ابن عباس في قوله تعالى: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ)، قال: "هو الرجل يكون بين الرجال فتمر المرأة فيتظاهر بأنه يغض بصره، فإذا وجد فرصة نظر إلى المرأة، والله إنه ليحب أن ينظر إلى عورتها"؛ (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)، وقال تعالى: (يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى)، وقال تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)، ولذلك شرع الله لنا هذه العبادات حتى نقوي صلتنا به، وحتى نقوي التقوى، قال -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ).

وهناك بعض الوسائل التي تقوي الإيمان والتي تحد من الشهوة:

أولى هذه الوسائل: الصيام، قال -صلى الله عليه وسلم-: "فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء".

ثانيًا: أن يحول معتقده الإسلامي في ذات الله وأسمائه وصفاته وكذلك في وجود الجنة والنار إلى معان محسوسة في نفسه، أن يعلم أن معنى السميع أن الله تعالى يسمع كلماته، أن يعلم أن البصير هو أن الله -عز وجل- يُبصر حركاته، أن يعلم أن الله شديد العقاب بأنه يعاقب على المعصية، فهذه الأسماء والصفات لكي تتربى بها.

يقول الربيع بين خثيم -وهو من التابعين-: "إذا تكلمت فاذكر سمع الله لك، وإذا هممت فاذكر علم الله بك، وإذا نظرت فاذكر نظره إليك، وإذا تفكرت فانظر اطلاعه عليك، فإن الله يقول: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً)".

وكذلك من الوسائل التي تقوي الإيمان الإكثار من ذكر الله، ليحصل لك الوجل من الله؛ قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ)، يحصل لك الاطمئنان، قال تعالى: (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).

كذلك الأساس الثاني: لابد أن نهتم بالتربية الأخلاقية، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم أخلاقًا، وخياركم خياركم لنسائكم". أخرجه الترمذي بإسناد صحيح.

وإذا نظرنا في العفة وجدنا كتلة من الأخلاق الرفيعة العالية، فتجد فيها الصبر، ألا يصبر الإنسان على حر الشهوة؟! يقول الله -عز وجل-: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ).

القاعدة السادسة: تجنب المثيرات الجنسية: أن يتجنب الإنسان المثيرات، لا ينبغي للإنسان أن يوقع نفسه في أوساط المثيرات الجنسية، وهذا يتأتى كما أسلفت بغض البصر والابتعاد عن مواطن كثرة النساء، واختلاط الرجال بهن كالأسواق مثلاً، لا ينبغي عليك -أخي الشاب- في هذه الأيام أن تذهب للأسواق لمجرد بضاعة لا خير فيها أو منفعتها زهيدة، بل ينبغي عليك أن تتورع عن أن تكون في هذه الأسواق؛ لأنها والله موئل للشيطان، وما أكثر الفساد فيها، فإن الفساد تراه بأم عينك ولا تستطيع -للأسف الشديد- أن تغيّره، فينبغي عليك أن تبتعد عن هذه المواطن، الأسواق، ومواطن اللهو التي فيها الاختلاط، ليتجنب المثيرات.

الوقاية السابعة: الصحبة الصالحة، فإن الصحبة الصالحة تعينه على أن يحفظ بصره وعلى أن يحفظ فرجه وإن لم يستحِ من الله فإنه سيستحي من الصحبة الصالحة الذين هم حوله والذين يذكرونه إذا نسي ويعينونه إذا ذكر.

هذه هي الوقايات التي يجب أن نلتفت إليها.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 87.84 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 85.70 كيلو بايت... تم توفير 2.13 كيلو بايت...بمعدل (2.43%)]