|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() السنة الهجرية الرهواني محمد الخطبة الأولىبعد أيام قلائل سيُطوى سجل هذا العام ويُختم عليه، وسنستقبل بحلول شهر المحرم المبارك سنة هجرية جديدة، وذكرى حدث عظيم القدر والمعنى والمغزى، وهو حدث الهجرة النبوية، التي ما زالت وستبقى تَرِف على الأمة الإسلامية بالدروس والعبر إلى قيام الساعة. فنسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يُدخل علينا هذه السنة وعلى الأمة الإسلامية باليمن والإيمان والسلامة والإسلام والرشد والخير والصلاح والتوفيق. والواجب الأول علينا معاشر المؤمنين حيال هذه الذكرى، هو الوقوف والتعرف على أسباب الهجرة النبوية، وهي أوسع بكثير في تفاصيل أحداثها ووقائعها المعلومة في كتب السيرة. لكن غايتنا في هذا الموضوع هي الوقوف على بعض ما تجود به الهجرة المباركة من الدروس والدلالات والعبر التي نحن في حاجة إلى تمثلها والعمل بمقتضاها في إصلاح أحوالنا الدينية والدنيوية. وأول ما يجب الوقوف عليه التنبيه إليه، هو أن هجرة النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن في شهر المحرم كما يعتقد ذلك غالبية الناس، وإنما كانت في شهر ربيع الأول. فالتاريخ السنوي الهجري لم يكن معمولاً به في أول الإسلام، حتى كانت خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث كتب إليه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه يقول له: إنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ"، فجمع عمرٌ الصحابةَ رضي الله عنهم فاستشارهم، فقال بعضهم: أَرِّخوا كما تُؤرخ الفرس بملوكها كلما هلك ملِك أَرَّخوا بولاية من بعده، فكره الصحابة ذلك، فقال بعضهم: أرخوا بتاريخ الروم، فكرهوا ذلك أيضاً، فقال بعضهم: أرخوا من مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وقال آخرون من مبعثه، وقال آخرون: من مهاجره. فقال عمر: الهجرة فرقت بين الحق والباطل فأَرِّخوا بها فأَرَّخوا من الهجرة، واتفقوا على ذلك.. ثم تشاوروا من أي شهر يكون ابتداء السنة؟ فقال بعضهم: من رمضان لأنه الشهر الذي أنزل فيه القرآن وقال بعضهم: من ربيع الأول لأنه الشهر الذي قدم فيه النبي صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجراً. واختار عمرٌ وبعض الصحابة رضي الله عنهم أجمعين أن يكون من المحرم لأنه شهر حرام يلي ذي الحجة، وفيه أعظم موسم تعبدي، ألا وهو الحج، والذي به تمام أركان الإسلام، فكان ابتداء السنة الإسلامية الهجرية من الشهر الحرام. فرضي الله عن عمرَ ومن معه من الصحابة الذين فتح الله عليهم هذا الفتح المبين، فجعلوا مُنطلق التاريخ الاسلامي مرتبطا بحدث الهجرة النبوية مع شهر من الأشهر الحُرم، ولم يجعلوه مرتبطا لا بولادة النبي صلى الله عليه وسلم ولا بوفاته ولا ببعثته، ليلتقي الحدث العظيم في حجمه وأبعاده بشهر عظيم في قدره وثوابه.. ولا غرابة في ذلك، فالإسلام دين الحكمة البالغة والمقاصد النبيلة السامية في كل شيء من شؤونه، والتأريخ للهجرة هو تأريخ لميلاد الأمة الاسلامية والدولة الإسلامية والمجتمع الإسلامي، كما هو ميلاد لتاريخ إسلامي متميز بين تواريخ الأمم جميعا، فهو تاريخ الدعوة الى الله ونشر أنوار الهداية في الأرض لفتح الآذان الصم والأعين العمي والقلوب الغلف على التوحيد والحق والعدل والمحبة والأمن والسلام وخيري الدنيا والاخرة.. فقولوا لي بربكم، أية أمة هي أجدرُ بمدارسة تاريخها من هذه الأمة الاسلامية ذاتُ التاريخ العريق في المجد والشرف والفضل؟. فالتاريخ الهجري، الذي يضم بين دفتي سجله بطولاتِ أجدادنا، وأحداثَ أمتنا ومعاركَها المظفرة، هو من أهم عناصر هوية أمتنا والذي يجب علينا أن نحافظ عليه، ونحول دون محاولات طمسه التي يبذلها ناس مغرضون. وإننا لنأسف حقا حين نرى أكثر المسلمين اليوم يَعدلون عن التاريخ الإسلامي الهجري إلى تاريخ النصارى الميلادي الذي لا يمت إلى دينهم بصلة، ولئن كان لبعضهم شبهةٌ من العذر حين استعمر بلادهم النصارى وأرغموهم على أن يتناسوا تاريخهم الإسلامي الهجري، فليس لهم الآن أي عذر في البقاء على تاريخ النصارى الميلادي وقد أزال الله عنهم كابوس المستعمرين وظلمهم، ولقد سمعتم ما قيل عن الصحابة رضي الله عنهم حين كرهوا التأريخ بتاريخ الفرس والروم. الخطبة الثانية أقول: لعل من الحكم أن عمر، والذي جعل التاريخ الهجري مرتبطا بحركة إيجابية، حركة هادفة مُنطلقها الإخلاص، وغايتها الخير والنفع والرحمة والعطاء، أراد أن يُذكّر بضرورة السلوك وبضرورة التعامل الحسن مع الهجرة على أساس دائم، وكأن عمرَ أراد منا أن نَذْكر ونَتَذكر الهجرة وأن نُسقطها على أنفسنا في كل يوم على كل حركاتنا وعلى كل سلوكياتنا، وأن نجعلها هجرة دائمة مستمرة ملازمة لحياتنا عن كل ما نهى عنه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.. وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (المهاجرُ من هجَر ما نهى اللهُ عنه). أن نجعلها هجرة دائمة مستمرة من الذنوب والسيئات. هجرة من الشهوات والشبهات. هجرة من مجالس المنكرات. هجرة من السيء في الفعل والقول، إلى الحسن والأحسن في الفعل والقول. هجرة من صورة الإيمان إلى حقيقته، من الإيمان التقليدي الذي ورثناه عن آباءنا وأجدادنا إلى الإيمان الحق الذي ينبع من قلوبنا ووجداننا. هجرة من الذنوب إلى التوبة النصوح. هجرة من الكذب إلى الصدق. هجرة من الجهل إلى العلم. هجرة من العناية بالجسد إلى العناية بالروح. هجرة من الكسل والتواكل إلى الجد والاجتهاد في طاعة الله، وخاصة في هذه الأيام التي كثرت فيها الفتن، قال صلى الله عليه وسلم: (العبادةُ في الهرْج - أي زمن الفتن - كهجرةٍ إلي). أن نجعلها هجرة من الخيانة والتقصير في المسؤولية إلى الأمانة وتحمل المسؤولية. هجرة من الظلم إلى العدل. هجرة من التفرقة والتنازع إلى التعاون والاتحاد والاعتصام.. فنحن نصلي الجمعة ومع الجماعة، والجماعة تعني التعاون والتآزر والتضامن والتراحم والتآخي، والله يقول: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ﴾ [آل عمران: 103]. وختاما أن نجعل حياتنا كلَّها هجرةً إلى الله ورسوله. هجرةً إلى الله بالتمسك بحبله المتين وتحكيم شرعه القويم، وهجرةً إلى رسوله صلى الله عليه وسلم باتباع سنته، والاقتداءِ بسيرته.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |