|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() أدب الجوار عبدالله بن عبده نعمان العواضي الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وعلمنا القرآن خير الكلام، وجعله نوراً للعقول، وحياة للقلوب، وشفاءً لما في الصدور. أحمده على جزيل إنعامه، وأشكره على جليل إحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله, إله واحد، ورب شاهد، ونحن له مسلمون. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، نبي خاتم، ونور هادٍ، ونحن له متبعون. هدى الله به من الضلالة، وعلّم به من الجهالة، فصلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً. أم بعد: اعلموا - عباد الله - أن خير القِيْل قيلُ الله، وخير الهدي هدي رسول الله محمد بن عبد الله، وأن كل محدثة في الدين بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم اعملوا بتقوى الله: بفعل أوامره واجتناب زواجره سامعين مطيعين لقوله في محكم التنزيل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]. أيها المسلمون، اعلموا أن الأيام والليالي عِبرٌ تتوالى؛ لتربي الإنسان على الرشُد، وتلقِّنه دروس الحكمة والنضج. ومن عبر الزمان ودروسه النافعة: أن أصدقاء الإنسان أيام نعمته: - أيام صحته وغناه وجاهه وقوته - كثير، وأن أصدقاء محنته قليل. وأن الإنسان - مهما علت منزلته في الدنيا بالجاه أو المال أو القوة - محتاج إلى غيره، ولا يمكن أن يستغني بنفسه عن حاجته للآخرين، فالقريب محتاج إلى قريبه، والزميل إلى زميله، والصديق إلى صديقه، والجار إلى جاره، وإن حصل التفاوت بين هؤلاء في أعراض الدنيا وأسباب القوة فيها. وهذه الحياة ميدان فسيح، تربط بين ساكنيه أواصر وروابط، وصلات ووشائج، فهناك رابطة القرابة، ورابطة النسب والمصاهرة، وهناك رابطة الصداقة والزمالة، وهناك رابطة الجوار، وغيرها من الوشائج والعلائق، وعلى هذه الروابط تقوم الأمم وبها تتكون الممالك والدول، ومتى ما قامت هذه الروابط على أساس من الدين، استمر بقاؤها وزاد نماؤها، وصارت تلك الأمة التي شِيد بنيانها عليها منيعةَ الجانب، عزيزة المكانة، مهيبة القدر. عباد الله، إن من بين تلك الروابط التي دعا الإسلام إلى الاعتناء بها، والوفاء بحقها: رابطةَ الجوار. فقد اهتم الإسلام بها أيما اهتمام، وأولاها آداباً وحقوقاً تضمن لها الديمومة والبقاء، وجعل الله تعالى حق الجوار من الحقوق العشرة التي أمر بالإحسان فيها، فقال تعالى: ﴿ وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً ﴾ [النساء: 36]. ومما يدل على اعتناء الإسلام بهذه الرابطة: أن جبريل عليه السلام- كان كثير الوصية لرسول الله بها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) [2]. لقد كانت هذه الرابطة مفخرة إنسانية عربية قبل أن تكون مفخرة إسلامية؛ لأنها تنبع من التمسك بالأخلاق الكريمة التي كانت موجودة بين الناس في ذلك الوقت، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق) [3]. ولهذا كلما تلاشت الأخلاق الحسنة والقيم الحميدة في أي مجتمع ذهب أداء حق الجوار كما ينبغي. و المتأمل بيننا - نحن المسلمين - في عصرنا المتحضر يجد ذوبان هذه الرابطة يوماً بعد يوم، خصوصاً في المجتمعات المدنية والأحياء الراقية، حيث صار الجار لا يعرف من يسكن بجواره، ولا يدري عن أحواله، وقد يجاور جاره سنين طويلة ثم يموت، وجاره القريب منه لا يعلم! ولا شك أن الأوضاع القروية أحسن بكثير مما عليه الحواضر والمدن. لقد كان العربي في الجاهلية يفتخر بإحسانه إلى جاره، ويعتز بثناء جاره عليه، خصوصاً إذا كان الجار ضعيفا. فيصير بهذه الرابطة قوياً بعد الضعف، وعزيزاً بعد الذلة، وغنياً بعد القلة، قال الشاعر العربي: تعيِّرنا أنا قليلٌ عديدُنا ![]() فقلتُ لها إن الكرام قليل ![]() وما ضرّنا أنا قليل وجارنا ![]() عزيزٌ وجار الأكثرين ذليل ![]() لنا جبل يحتلّه من نُجيره ![]() منيعٌ يردُّ الطرفَ وهو كليل ![]() ويتمدّحون بكف الأذى عن الجار حيث يقول شاعرهم: ولا نخذل المولى ولا نرفع العصا ♦♦♦ عليه ولا نزجي إلى الجار عقربا وإذا أصاب الهوانُ جارَهم تألموا لذلك، وعدّوه فاقرة من الفواقر، قال الشاعر: وإنّ هوانَ الجار للجار مؤلمٌ ♦♦♦ وفاقرة تأوي إليها الفواقر أيها المسلمون، إن مما ينفع الإنسان قبل سكنى الدار أن يختار الجار، ومن أعظم السعادة أن يوفق المسلم لجار صالح؛ فقد قال عليه الصلاة والسلام ![]() قال بعض العلماء: لقد اختارت زوجة فرعون المؤمنة آسية بنت مزاحم عليها السلام الجارَ قبل الدار، كما قوله تعالى: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [التحريم: 11]. قال الشاعر: يقولون قبل الدار جار موافق ♦♦♦ وقبل الطريق النهج أُنسُ رفيقِ وقال الآخر: اطلب لنفسك جيراناً توافقهم ♦♦♦ لا تصلح الدار حتى يصلح الجار فإذا ابتلي الإنسان بجار سوء يؤذيه فعليه أن لا يرد الإساءة بمثلها، بل يردها بالصبر والعفو، والإحسان وبذل المعروف. يروى أن رجلاً جاء ابنَ مسعود رضي الله عنه فقال: "إن لي جاراً يؤذيني ويشتمني ويضيق علي، فقال: اذهب، فإن هو عصى الله فيك فأطع الله فيه". أيها المسلمون، إن الجوار الذي تعارف عليه الناس هو الجوار في المنزل الذي يعيش فيه الإنسان فحسب، وهذا مفهوم قاصر؛ فإن الجوار العام يشمل من يجاورك - أيها المسلم - في دارك، ومن يجاورك في العمل أو المتجر أو المسجد أو الطريق، وكل من يليك في البلدة التي تعيش فيها وما يجاورها، والدولة المسلمة وما يجاورها. ويعتبر الجوار بين الدول مثل الجوار بين الأفراد حيث يطلب فيه الإحسان وعدم الاعتداء، وما قامت الحروب بين الدول المتجاورة إلا بسبب انتهاك حقوق الجوار. عباد الله، إن للجار على جاره حقوقاً يجب الوفاء بها، وعدمُ التقصير فيها والتماطلِ في أدائها. ويتفاوت الجيران في استحقاق هذه الحقوق زيادة ونقصاناً؛ لاختلاف الروابط والعلاقات الزائدة على هذه الرابطة. فإن من الجيران من له حق، ومنهم من له حقان، ومنهم من له ثلاثة حقوق: فالأول: هو الجار الكافر، والثاني: هو الجار المسلم الذي ليس من الأقارب، والثالث: هو الجار المسلم القريب. معشر المسلمين، إن أداء هذه الحقوق -الآتي ذكرها- لا يرتبط بصلاح الجار وعدم صلاحه؛ ولذلك تؤدى هذه الحقوق لجميع الجيران، فالجار يشمل: الجار المسلم والكافر، والعابد والفاسق، والصديق والعدو، والبلدي والغريب، والنافع والضار، والقريب والأجنبي. وللجوار مراتب فليؤدَّ لكل جارٍ حقُّه. إخوتي الأفاضل، إن حقوق الجوار كثيرة متعددة، قد تختلف باختلاف الزمان والمكان والبيئة، ولكنها تعود إلى أصول جامعة تنضوي تحتها، ومن تلك الأصول: كف الأذى عن الجار بجميع صوره وأشكاله، سواء كان أذى قولياً أم أذى فعلياً، مباشراً أم غير مباشر. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره) [5]. فمن الأذى: سلاطة اللسان بالسباب والشتائم والهمز واللمز، وهذا الأذى خطره على صاحبه كبير، فعن أبي هريرة رضي اللهعنه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن فلانة تصلي الليل وتصوم النهار، وفي لسانها شيء يؤذي جيرانها؟ قال: (لا خير فيها، هي في النار). وقيل له: إن فلانة تصلي المكتوبة، وتصوم رمضان، وتتصدق بالأثوار-اللبن المجفف- وليس لها شيء غيره، و لا تؤذي أحداً قال: (هي في الجنة) [6]. الله أكبر! إنه فرق شاسع بين المرأتين، وجزاء شديد لمن يؤذي الجيران بلسانه، وإنْ أكثر من العمل الصالح، وإنه جزاء عظيم في الخير لمن أحسن المعاملة ولم يؤذِ الخلق، وإن قل عمله. ومن الأذى: التعدي على أرض الجار وحدود بيته والسطو على ممتلكاته، وهذه صورة مشاهدة عند بعض الجيران أورثت أحقاداً ومشكلات وصلت إلى آثار خطيرة. ولو تأمل الجار المتعدي- وكان عنده إيمان- في عقوبة ذلك لانكف عن هذا الأذى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً طَوَّقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين) [7]. ومن الأذى: وضع القاذورات في طريقه ومضايقته فيها، وتسليط الزوجة أو الأولاد لإيذائه أو إيذاء أهل بيته، وإزعاجه بالأصوات المؤذية من أجهزة المسجل وغيرها. ومن الأذى: هجره وقطعه، وحسده في نفسه أو زوجته وأولاده، أو في وسائل راحته، وسعة دنياه. ومن الأذى: احتقاره والسخرية منه: بمأكله أو مشربه، أو ملبسه أو مسكنه، أو خَلقه أو خُلقه قال حسان رضي الله عنه: فما أحدٌ منا بمهدٍ لجار ![]() أذاةً ولا مُزرٍ به وهو عائد ![]() لأنا نرى حقَ الجوار أمانة ![]() ويحفظه منا الكريم المعاهد ![]() ومن الأذى: كشف أسراره، والبحث عن عيوبه، والفرح بزلاته ومصائبه؛ فالجار أقرب الناس إلى جاره و أعرفهم بأخباره، فمن اللؤم والحرمة كشف خبره وهتك سره، قال الحطيئة: لعمرك ما المجاور من كليب ![]() بمقصى في الجوار ولا مضاع ![]() همُ صُنعٌ لجارهمُ وليست ![]() يد الخرقاء مثلَ يد الصَّناع ![]() ويحرم سرُّ جارهم عليهم ![]() ويأكل جارهم أنف القصاع ![]() أي: أول الطعام. والجار الصالح لا يتتبع عثرات جاره، بل يسترها، ولا يفرح لهفواته بل يحزن إن وصل علمه إليها، قال الشاعر: لا يفطنون لعيب جارهمُ ♦♦♦ وهمُ لحفظ جواره فطُن معشر المسلمين، إن إيذاء الجيران ذنب كبير يذهب من الإيمان جزء كبيراً، وإذا ذهب كمال الإيمان تعرّض صاحبه للعقوبات، وتخلى الله عن عونه ومعيته له. قال النبي صلى الله عليه و سلم: (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن ). قيل: ومن يا رسول الله؟ قال: (الذي لا يأمن جاره بوائقه )[8]. فانظروا رحمكم الله! إلى هذا التكرار في نفي الإيمان عن الجار المؤذي. بل أعظم من ذلك أن الجار المؤذي متوَّعَد بعدم دخول الجنة، إذا استمر على إيذائه، أو استحل ذلك، ومات على هذه الحالة السيئة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه) [9]. والبوائق: الشرور. فاتقِ أيها الجار في جيرانك، واحذر الأذية؛ فإنها إلى النار مطية. أيها المسلمون، ومن حقوق الجار على جاره: حمايته من كل سوء يعرض له، والدفاع عنه، وحفظه في أهله وماله حال غيبته، والتضحية من أجله، في حدود المقدور عليه، ما عدا غير المستطاع. وهذا الحق-إن كان من حق المسلم على المسلم- فالجار من أحق الناس به، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم: لا يظلمه، ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته) [10]. فمعنى (لا يسلمه) أي: لا يخذله، ولا يتركه لعدوه، بل ينصره وينجده. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |