|
ملتقى القصة والعبرة قصص واقعية هادفة ومؤثرة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() في زمن الضجيج: ماذا تسمع؟ هنادي الشيخ نجيب طلب أحدُ الأساتذة من تلاميذه أن يصمتوا لدقائقَ معدودة، وأن يركِّزوا على الأصوات من حولهم، ثمَّ سأل كلَّ واحد منهم: ماذا تسمع؟ منهم من قال: (سمعت أصواتَ السيارات في الشارع). وآخر سمع صوت الهواء يعصف خارج النافذة. وثالث سمع تَمْتمات صديقِه الجالس بقربه. ورابعٌ سمع صوتَ خطوات الناظر الذي يتفقَّد الطابق. وخامسٌ ظريفٌ قال للأستاذ مداعبًا: (سمعت يا أستاذ صوتَ دقات قلبي!) ولو أنّ كلَّ واحدٍ منَّا جلس مع نفسه، في مكانٍ يختاره؛ ليمتحِنَ قدرتَه على التركيز، ومهارته في التقاط الأصوات من حوله - تُرَى ماذا سيسمع؟ هناك من يسبقُ إلى سمعه الألحانُ والأغاني، وأصواتُ المطربين والمطربات، وهناك من يسترعي انتباهَه صوتُ التلفزيون فيُهرَعُ ليُتابِعَ الحلقة (5327) من المسلسل التركي، أو المكسيكي، أو حتى العربي! منتظرًا نهايةً مشرِّفة للبطل المجرم، أو خاتمة كريمة يرجوها للبطلة الخائنة! ومن الناس مَن يَقفِزُ إلى مسامعه صوتُ التكبيرات في الشارع؛ لأنَّ فريق الكرة اللامع مع لاعبه البارع سدَّد هدفًا، وحقق شرفًا يستحق التهليل والتكبير!! وفئة أخرى: تنتظر سماع الأذان؛ لتُسرِعَ إلى طاعة الرحمن، وتجدُ منهم سابقًا للصوت، كحال الذي سئل: لماذا تأتي إلى المسجد قبل الأذان؟ فأجاب: (لأنَّ الأذان لتنبيهِ الغافلين، وأرجو ألا أكون منهم). وتجد أيضًا من أصحاب الحسِّ المرهف من لا يطغى على أنَّات المعذَّبين عنده أيُّ صوت، يسمع آهاتهم، يتألَّمُ لمصابهم، يحترق قلبُه على أحوالهم، فيجودُ ذات اليمين وذات الشمال، لا يتوقَّفُ إحسانه معهم، إلى أن يسمع ضحكات الأطفال، ودعوات الشيوخ والنساء. وقد تتفاجَأُ بأناس لا يسمعون إلا صوتَ أنفسهم، ومطالبهم، وشهواتهم، ورغباتهم! أولئك امتلكوا الحاسَّة لكنَّهم فقدوا الإحساس، هم (عايشين) لكنهم (غير أحياء)! لقد أسمعتَ لو ناديت حيًّا ♦♦♦ ولكن لا حياة لـمن تنادي إذًا، أعزائي القراء، ما هي الرسالة التي أريدُ أن أوصلها إليكم بعد أن صنَّفت الناس بحسب ما يسترعي سمعهم؟ رافقوني في هذه المحطة القصيرة تحت عنوان (الاهتمام الأول)، ثمَّ أعود إلى بداية البداية: يُحكى أنَّ رجلاً من سكَّان الغابات ذهب في زيارةِ صديقٍ له يسكن في مدينة مزدحمة، وبينما كان سائرًا معه في أحد الشوارع، إذا به يلتفتُ إليه قائلاً: (إنني أسمعُ صوتَ إحدى الحشرات)! تعجب صديقهُ! كيف؟ ماذا تقول؟ كيف تسمع صوتَ الحشرات وسط هذا الجو الصاخب؟! أجابه رجل الغابة: (إنني أسمع صوتها، صدِّقني). ثمَّ استدرك قائلاً: (سأُريك بعينك دليلاً يُثبتُ صدقي). أخرج من جيبه قطعةَ نقودٍ معدنية ثمَّ ألقاها بقوة على الأرض... في الحال التفت مجموعة من السائرين؛ ليتتبعوا قطعةَ النقود التي سقطت على الأرض. تابع رجلُ الغابة حديثه متوجِّهًا إلى صديقه: (وسط الضجيج، لا ينتبهُ الناسُ إلا للصوت الذي يَنسجِمُ مع اهتماماتهم، لقد رأيتَ بنفسك، كيف انتبه هؤلاء إلى صوت النقود؛ لأنَّ اهتمامهم الأول هو المال، أما أنا فأهتمُّ بالأشجار، وأختصُّ بالحشرات التي تضرُّ بها؛ لذلك يثير اهتمامي صوتُها ويسترعي انتباهي وجودُها). أعزائي القراء، ألا ترون أنَّ السؤال عن نوعية الأصوات التي تجذبُنا هو سؤال ضمني عما نهتمُّ به أولاً؟ فهل يستوي الذي يسمعُ صوتَ التسبيح قبيل الفجر وسط زخَّات البثِّ الأرضي والفضائي، ليستوي قائمًا لله تعالى، مناجيًا إيَّاه، مع الذي لا يسمع إلا الطنين والرَّنين والأغاني والألحان المنبعثة عبر الأثير الواسع؟ وهل يتكافَأُ عند ربِّ العباد من انشغل بملاحقة رجاءات المستضعفين، ودعوات المكروبين، واستجارات المظلومين، وصرخات المهمومين، مع من لا يشُدُّه إلاَّ توشيحة (وصوف) أو ترنيمة (ميادة) أو موال (عاصي)؟! إننا نسألُ وبكل شفافيَّة: (هل يستوي الذين يسمعون والذين لا يسمعون)؟ باعتبار أنَّ من لا يسمع إلا ذبذبات نفسه لا يُعَدُّ مستمعًا أصلاً! أعزائي، إنَّ العالم بأسره يفسحُ الطريق للشخص الذي يعرف ماذا يسمع؟ ولمن يستمع؟ ولماذا يسمع؟ فهل أنتم يا قومي مستمعون؟
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |