|
ملتقى حراس الفضيلة قسم يهتم ببناء القيم والفضيلة بمجتمعنا الاسلامي بين الشباب المسلم , معاً لإزالة الصدأ عن القلوب ولننعم بعيشة هنية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() ضبط النفس ناصر بن سليمان العمر إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده، ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله، وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ). (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً). أما بعد أيها الأخوة المؤمنون: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. احمد الله، وأثني عليه، وأشكره - جل وعلا - أن يسر لهذا اللقاء، وأسأله أن يبارك فيه، وأن يتمه على خير وبركة، وأشكركم - أيها الأخوة - على مجيئكم وحضوركم، وأسأل الله أن يجعل ذلك في موازين حسناتكم يوم القيامة. موضوعنا كما قرأتم بعنوان "ضبط النفس"، وهذا الموضوع من الموضوعات المهمة جداً، وبخاصة في هذه الأزمان، خاصة في زمن الفتن الذي تكاثرت على المسلمين، ولو تأملنا في موضوع ضبط النفس لوجدنا أن القلة من الناس من يتقن هذا الأمر، ومن يوفق له، وموضوع ضبط النفس ليس خاصاً بفئة دون فئة، بل هو للرجال وللنساء، للصغار وللكبار، للعلماء والدعاة، وطلاب العلم وللعامة. وإنه بسبب عدم ضبط النفس، وبسبب أنفاذ الغيظ، والانسياق وراء الغضب، والتصرفات المفاجئة، كم حدثت من محن وفتن سواء على مستوى الخاصة أو العامة. فلو جئنا للخاصة مثلاً: لوجدنا عدداً من جرائم القتل أكثرها كان بسبب عدم ضبط النفس روي أن رجلاً جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقود رجلاً فقال: يا رسول الله!! إنه قتل ابني، فقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((أقتلته؟)) قال: نعم. قال: ولما؟ قال: كنت أحتطب أنا وإياه، فسبني وشتمني، فأهويت بالفأس على رأسه فقتلته. أو كما ورد في الحديث. وكثير من جرائم القتل تقع بسبب نزوة شيطان، وبسبب غضب لا يكتم فيه الإنسان غيظه، ولا يضبط نفسه، فيقع ما يقع، وعندما تقرؤون كثيراً من البيانات التي تتلى عند القِصاص تجدون أن نسبة عظمى من أولئك كانت بسبب شجار، أو خصام توصل في النهاية إلى القتل والقتال. لو نظرنا إلى داخل البيوت، وتتبعنا حالة واحدة وهي حالة الطلاق، ولو سألنا القضاة عن هذا الأمر، وعن أكثر أسباب وقوع الطلاق، لقالوا: إنه الغضب، أو نزوة لم بضبط الإنسان فيها نفسه، فوقع الطلاق. إذاً هذه المسألة وهي حالات الطلاق أكثرها يقع لعدم ضبط الخصمين، وبالذات عدم ضبط الزوج تصرفاته، فيقع الطلاق - والعياذ بالله -. فأقول: إن كثيراً من مسائل الطلاق تقع بسبب عدم ضبط النفس، وكثير من البيوت أصابها الخراب والدمار بسبب تصرفات هوجاء كانت تحتاج إلى مسألة واحدة وهي: قضية ضبط النفس. أما على المستوى العام: على مستوى الدعاة، وعلى مستوى طلاب العلم؛ فلو تأملنا في الواقع المرير لكثير من الدعاة، وبخاصة في بعض البلاد الإسلامية؛ لوجدنا أن من أعظم أسبابها أن الأعداء قد استفزوا أولئك الدعاة الصالحين، فوقع كثير منهم في الاستفزاز، ولم يتمكن من ضبط نفسه، ثم انجرت الويلات تبعاً لذلك كالسبحة إذا انقطعت تتوالى حباتها الواحدة تلو الأخرى. فموضوع ضبط النفس نحن في أمس الحاجة إليه سواء على المستوى الخاص في داخل بيوتنا، ومع أقاربنا، ومع أهلينا، ومع جيراننا، ومع أصحابنا، وكذلك نحن بحاجة إليه على المستوى الدعوة إلى الله - جل وعلا -. نحن بأمس الحاجة إليه، وبخاصة في هذه الأيام التي نلحظ فيها كثرة الفتن، وكثرة مراحل الاستدراج، وينصب الفخ لكثير من الدعاة، فقد يقع، وقد يقعون في ما ينسب لهم من أعدائهم، فمن أجل بيان هذا الأمر، وخطورة هذا الأمر؛ نقف هذه الليلة - بإذن الله - مع هذا الموضوع المهم، وما أشرت إليه من حيث الأهمية ما هو لا نزر يسير يبين أهمية هذا الموضوع. * ضبط النفس هو بمعنى كظم الغيظ، ولذلك أثنى الله - جل وعلا - على الكاظمين الغيظ فقال - جل من قائل -: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، فالمتقين هنا من صفاتهم أنهم يكظمون الغيظ، فكظم الغيظ هو أحد معاني ضبط النفس، جنة عرضها السماوات والأرض، ولو لم يأتنا إلا هذه الآية لكفانا بها - والله - فضلاً وشرفاً، قال القرطبي في معناها: "(كظم الغيظ) رده في الجوف، يقال: كظم غيظه أي سكت عليه، ولم يظهره مع قدرته على إيقاعه بعدوه، وكظمت السقاء أي ملأته وسددت عليه، والكظامة ما يسد به مجرى الماء، ومنه الكظام للسير الذي يربط به فم الزق والقربة، وكظم البعير جرته إذا ردها في جوفه، وقد يقال لحبسه الجرة قبل أن يرسلها إلى فيه كظم، وكظم البعير والناقة إذا لم يجترا. فكظم الغيظ هو منعه من أن يقع، فنستطيع أن نعرف ضبط النفس بالكلمات التالية: فضبط النفس هو منعها من التصرف خطأ في المواقف الطارئة، والمفاجئة التي تتطلب قدراً من الشجاعة، والحكمة، وحسن التصرف. وقد أوضحت لكم أن بين كظم الغيظ وبين ضبط النفس ترادف وتشابه، فالذي يضبط نفسه هو الذي يكظم غيظه، وهو الذي يحبس غضبه، وقد ورد أحاديث كثيرة عن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - فيها بيان فضل كظم الغيظ، وبالتالي ضبط النفس، وأقرأ عليكم بعضها: قال - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من جرعة أحب إلى الله من جرعة غيظ يكظمها عبد، ما كظمها عبد لله إلا ملأ الله جوفه إيماناً)). وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((من كظم غيظاً وهو قادر أن ينفذه؛ ملأ الله جوفه أمناً وإيماناً)). وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه؛ دعاه الله على رؤوس الخلائق، حتى يخيره من أي الحور شاء)). وعنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((ما تجرع عبد من جرعة أفضل أجراً من جرعة غيظ كظمها ابتغاء وجه الله - جل وعلا -)). وكما أسلفت أن الأحاديث في هذا الباب كثيرة جداً. * مظاهر عدم ضبط النفس: كيف نعرف أن هذا الإنسان لم يضبط نفسه؟ هناك مظاهر عدة ودلالات أذكر هنا أبرزها: - سرعة الغضب، والانفعال، والتأثر. حدوث أفعال وردود أفعال لم تدرس عواقبها، نسمع أحياناً أن هناك تصرفات تحدث كرد فعل لم تدرس عواقبها، وهذه هي التي قلت قبل قليل أنها تجر علينا الويلات، مثلاً قد يؤذى أحد الدعاة، ويطلب منا في هذا المقام أن ننصر أخانا نصراً مؤزراً ((أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً))، لكن ما الذي يحدث بسبب الحماس والانفعال، وبسبب عدم ضبط النفس؟ قد يتصرف البعض تصرفات تجر إلى ويلات، وتجر إلى مصائب، وتجر إلى أمور لا تحمد عقباها، وهذا- أيها الأخوة - يحتاج منا إلى نظر، وإلى تبصر. وحينما أشير إلى ذلك لا لكونها واقعة، ولكنني أتحدث عنها لكي لا تقع، لأن معالجة المرض قبل وقوعه أولى من معالجته بعد وقوعه. لنأخذ مثلاً واحداً: عند مسجد من المساجد جاء رجال الأمن لمنع بيع أشرطة التسجيل عند المسجد، وهؤلاء الرجال جاءوا ينفذون أمراً قد صدر لهم، فبسبب الانفعال والحماس تحمس بعض الحضور، ووقع احتكاك بين رجال الأمن وبين هؤلاء الشباب الذين لا نشك في حماسهم، وخيرهم، وصدقهم، ولكن ماذا تكون النتيجة؟ هل هذا التصرف منهم قد منعَ اتخاذ مثل هذه القرارات؟ لا بل زاد الأمر سوءاً، وجر على هؤلاء الشباب أموراً نحن في غنى عنها. هناك وسائل مشروعة نسلكها لإلغاء مثل هذه القرارات، بالكتابة للعلماء، بالاتصال بالعلماء، بالكتابة للمسئولين، والوسائل متعددة ليس المقام لحصرها. ولكن أن نستفز بمثل هذه الأمور هذا ما يريده الأعداء، وهذا ما يتمناه الأعداء، وهذا ما يسعى إليه الأعداء، فردود الأفعال غير المدروسة يكون لها من الآثار كما وقع في بلاد كثيرة ما لا يخفى على أمثالكم. - إطلاق اللسان: بالسب أو الشتم أو نحو ذلك كما سمعتم قبل قليل في الحديث الذي رواه البخاري لما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - للرجل: ((أقتلته))، قال: نعم، قال: ((ولما؟)) قال: لأنه سبني وشتمني، فلم يتمكن هذا من ضبط نفسه، فأهوى عليه بالفأس فقتله. كم من البيوت خربت لأن الزوج لا يتمكن من ضبط لسانه، فيقع الطلاق، تتصرف المرأة تصرفاً خاطئاً وقد تثير زوجها بانفعال أو غيره، فأقرب ما يتجه إليه الزوج هو أن يطلقَ لسانه بالطلاق، وأمر الطلاق ليس بالأمر اليسير، ولا بالأمر الهين، وكم جاء للعلماء وجاء للمشايخ من يقول" إنني كنت في انفعال، إنني كنت مغضباً، وطلقت وأنا لا أشعر. نعم المرأة تخطئ، والمرأة ضعيفة، لكن كيف نقابل هذا الأمر؟ هل نقابله بالضرب، أو بإطلاق اللسان، لا. اسمعوا إلى هذه القصة لنعرف كيف نقابل مثل هذه الأحداث التي تقع في البيوت: كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - عند عائشة في يوم من الأيام، فأرسلت إحدى زوجاته - رضي الله عنهن جميعاً - طعاماَ للرسول - صلى الله عليه وسلم - قد أصلحته بصحفة مع جارية لها، فلما جاءت بالطعام والرسول - صلى الله عليه وسلم - عند عائشة؛ أخذت الغيرة عائشة - رضي الله عنها -، تأتي بطعام واليوم يومها، والرسول عندها. الغيرة شديدة بالنسبة للنساء، فقامت عائشة وأخذت الصحفة، وكسرتها، وانتثر الطعام، فقام - صلى الله عليه وسلم - يجمع ما انتثر من الطعام، ويقول: ((غارت أمكم، غارت أمكم))، وهو يبتسم - صلى الله عليه وسلم -، وأخذ صحفة جديدة، وأرسلها إلى أم المؤمنين بدل ما كسر، الله أكبر ما هذا الأسلوب. هل نتعامل مع زوجاتنا بهذا الأسلوب؟ هل غضب - صلى الله عليه وسلم - وضربها؟ هل غضب - صلى الله عليه وسلم - وتكلم عليها؟ هل غضب أقل شيء، وخرج من عندها؟ لم يفعل ذلك - صلى الله عليه وسلم -، إنما قام هو يجمع ما انتثر من الطعام، ويقول: ((غارت أمكم))، ويعطي المرأة الأخرى صحفة بدل الصحفة التي انكسرت. هذا هو خلق المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، وهذا هو الخلق. كم من المتحادثين وبسبب كلمة قالها أحدهم، فرد عليه الآخر حتى تصل أحياناً إلى أن يلعن الرجل أباه وأمه، قيل: كيف يا رسول الله يلعن الرجل أباه وأمه؟ قال: ((يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه)) أو كما قال - صلى الله عليه وسلم -. إن القلوب إذا تناثر ودها *** مثل الزجاجة كسرها لا يجبر فهذه بعض مظاهر عدم ضبط النفس، وهنا يأتي أهم باب في هذا الموضوع فأقول: أدركنا من خلال ما ذكرت أهمية ضبط النفس، وضبط الأعصاب، وأن نتصرف التصرفات الحميدة التي نحسب نتائجها قبل أي تصرف. كل منا يقول: أتمنى ذلك، كل واحد يقول: أتمنى أن أضبط نفسي، ولكن لا أستطيع، كل منا يقول: أريد ن أكتم غيظي، ولكن لا أقدر. فنقول: لا، تقدر - بإذن الله -، تقدر إذا التزمت بأسباب سيأتي ذكر وبيانها: يقول الشاعر: وإذا غضبت فكن وقوراً كاظماً *** للغيظ تبصر ما تقول وتسمع فكفــــــــــى به شرفاً تصبر ساعة *** يرضى بهـــــا عنك الإله وترفع ويقول عروة بن الزبير: لن يبلغ المجد أقوم وإن شرفوا *** حتى يذلوا وإن عزوا لأقوام ويُشتموا فترى الألوان مشرقة *** لا عفو ذل ولكن عفو إكرام * الأسباب والدواعي المضادة لضبط النفس: بعبارة أخرى: ما هي العوامل التي تثير الإنسان؟ الحقيقة أن هناك عدة أسباب تؤدي إلى كون الإنسان لا يضبط نفسه، وكون الإنسان قد يغضب، وكون الإنسان قد يثور، وكون الإنسان قد يستفز، وهي أسباب عامة وخاصة، وأذكر هنا أهم تلك الأسباب: - تحريش الشيطان: ولا شك فالشيطان جاهز، فالشيطان ينزغ في مثل هذه المواقف لأنه يريد أن يُقع المرء في مثل هذه المهلكات من الاستعجال، أو التصرفات التي لا تحمد عقباها. استفزاز المنافقين وأعداء الله: وقد أشرت إلى ذلك، وهذا يكون بمثل الاستفزازات التي تسمعون عنها في أنحاء العالم الإسلامي من استفزازات الأنظمة، والأفراد؛ سواء بالقول، أو الفعل، فهناك استفزازات الآن تجري في الكثير من الدول، وفي كثير من البلاد، يتولاها منافقون، ويتولاها علمانيون، وتتولها أنظمة معادية للإسلام لتوقع الدعاة في الفخ، لأن المستعجلين منهم قد لا يصبروا، فيستعجلوا ويتحمسوا، ولا يضبطوا نفسهم. الإهانات والضربات الموجه للمسلمين: وحقيقة أن المسلمون يعيشون في وضع لا يحسدون عليه من الذل والمهانة، وهذا يحتاج إلى شيء من ضبط النفس، والتبصر بالعواقب، والنظر في مئآلات الأمور، وعدم جعل هذه الأسباب العامة سبباً لهذا الأمر. ولو تأملنا كيف كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - في مكة، وكم مرة يقول الصحابة له - صلى الله عليه وسلم -: أنقبل الدنية في ديننا، ولكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يوجههم بالصبر وبضبط النفس، وعدم التحمس والاستعجال. - ارتفاع صوت الباطل، وخفوت صوت الحق. - تخاذل بعض القادرين على نصرة دين الله من قول كلمة الحق: فهناك من القادرين من يستطيع أن يقول للظالم: يا ظالم، من يستطيع أن ينصر الدعاة، من يستطيع أن يقف مع المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، ولكنه يسكت ويتخاذل، فما الذي يحدث عندها؟ يأتي بعض الشباب، ويتحمسون، ولا يستطيعون الصبر ولا التحمل، فيتصرفون بعض التصرفات التي تكون نتائجها غير محمودة. - إفشاء وتشجيع الفساد بجميع الوسائل، وحمايته: فهذا سبب من الأسباب التي قد تؤدي إلى عدم ضبط النفس، وإلى الاستعجال أو إلى التصرفات التي قد لا تحمد عواقبها. - مضايقة الدعوة والدعاة، مع تشجيع الضد، وحماية الضد. - الأراجيف والإشاعات: وخاصة أن البعض يتعجلون بتصديق هذه الإشاعات، وهذا مسألة يجب أن نأخذ منها بياناً، أذكر مثلاً: أنه منذ فترة قريبة أوقف بعض الدعاة، فما علم الناس إلا وإعلانات توزع في بعض الأماكن أنه ستكون هناك مسيرة من المسجد الفلاني إلى الإمارة، وبعد التتبع، والاستقصاء، واهتمام العلماء بهذه المسألة؛ تبين أن طلاب العلم والدعاة ليسوا هم من قام بهذا الأمر، وأن هناك أيدي مغرضة تريد الإيقاع بطلاب العلم، تريد الإيقاع بالشباب، وترديد مثل هذه التصرفات التي لا تحمد عقباها. فهناك إشاعات، وهناك تصرفات تكون مكتوبة أو غير مكتوبة يقصد بها إحداث فوضى، يقصد بها إحداث خلل، يقصد بها إيقاع الطيبين في الفخ، فلننتبه. إذاً الإشاعات والأراجيف وألاعيب بعض العابثين قد تكون سبباً رئيساً في وقوع بعض الأمور التي تضاد ضبط النفس. - الأحداث المتلاحقة في العالم الإسلامي: نعم الأحداث التي تجري على المسلمين من التعذيب، والأذى، والامتهان كما في الصومال، والبوسنة والهرسك، وفلسطين وغيرها، يجعل بعض الناس قد لا يتحمل، وقد ينفجر، وقد يتصرف تصرفات غير محمودة العواقب. - الطبائع الفردية: فالناس يختلفون، فهناك من أعطاه الله سعة في الصدر، وتحملاً وقدرة على ضبط النفس، وهناك آخرون سريعو الغضب، سريعو الثورة، فأي سبب يقع في بيته قد يطلق معه زوجته، قد يسيء إلى ابنه، وقد يتعدى هذا الأمر إلى ما يتعلق بأمور المسلمين العامة، فبسبب طبيعته المتعجلة، وبسبب طبيعته الشخصية التي لا تتحمل؛ قد يجني على المسلمين ما لا يحمد عقباه. إذاً هذا اختصار بعض الأسباب التي قد تؤدي إلى ما يضاد ضبط النفس. * وسائل ضبط النفس: وسائل ضبط النفس كثيرة جداً، وأذكر منها هنا ما يناسب المقام، فأقول مستعيناً بالله: - العلم حصن حصين: نعم فالعلم حصن حصين يمنع من التصرفات الهوجاء، وإليكم الدليل: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)، ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدوة، انظروا كيف كان يتصرف في الشدائد، كيف كان - صلى الله عليه وسلم - في الملمات، كيف كان إذا استفز، ولطالما استفز - صلى الله عليه وسلم -؛ ولم يقبل الاستفزاز. ثم انظروا إلى أولئك الذين تحدث منهم ردود أفعال، وغضب؛ ستجدون أن أقل نسبة في هذا هم العلماء، فالعلم شرف، والعلم حصانة، والعلم مانع- بإذن الله - من الوقوع في مثل هذه الأمور: ما الفضل إلا لأهل العلم إنهمُ *** على الهدى لمن استهدى أدلاء العلم أولاً بعاقبة عدم كظم الغيظ، وبعاقبة كظم الغيظ أيضاً، العلم بمئالات الأمور، العلم بفضل كظم الغيظ، بعض الأحاديث التي ذكرتها قبل قليل قد يكون عدد منا يسمعها لأول مرة، وقد يكون مضى من عمره ثلاثين، أو أربعين، أو خمسين سنة. إذاً عندما نتعلم - ومن العلم الذي نتعلمه فضل كظم الغيظ -؛ هذا يكون مساعداً لنا، وقد سماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جُرعَة، نعم تجرّع كما يتجّرع البعير، فأنتم ترون البعير يتجرعها أولاً، ثم يعيدها مرة أخرها، فكذلك ضبط النفس، وكظم الغيظ، وكأن الإنسان يبلعها. وقد ترون بعض العامة أحياناً حينما توجه له إهانة فيقول: بلعتها، أي لن أظهرها، ولم أعدها، فكذلك في الأحاديث سماها رسول - صلى الله عليه وسلم - جرعة يتجرعها الإنسان، فالعلم حصانة - بإذن الله - من الوقوع في الغضب أو آثاره. - تحري الحكمة: نعم أن نتحرى الحكمة: (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ)، واقرءوا سورة لقمان: (ولَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ)، فالوصايا التي أوصى بها ابنه تدل على عقل وعلى حكمة، وعلى بعد نظر: (وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ). والحكمة هي فعل ما ينبغي كما ينبغي في الوقت الذي ينبغي، فضبط النفس هو الحكمة، فهذا الذي نريده أن تفعل: ما ينبغي، في الوقت الذي ينبغي، وكما ينبغي. فمن تحرى الحكمة هُدِيَ إليها: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)، فإذا كنت تتحرى الحكمة في أفعالك، وفي تصرفاتك؛ فاطمئن فستوفق إليها: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً). - رجاحة العقل: مما يمنع من التصرفات التي لا تحسب نتائجها: رجاحة العقل، والرزانة، ولذلك يقول الله - جل وعلا -: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس الشديد بالصُرعة، إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب))، ومما ورد في أهمية العقل ما قال بعض الشعراء: لولا العقول لكان أدنى ضيغم *** أدنى إلى شرف من الإنسان ولربما طعــــــــــــــــــــــن الفتى أقرانه *** بالرأي قبـــــــل تطاعن الأقران ويقول آخر: ألم ترى أن العقل زيـــــــــــن لأهله *** ولكن تمام العقل طول التجارب يقول لك العقل الذي زيّن الفتى *** إذا لم تكن تقـــــــــــــدر عدوك داره ويقول آخر: يعد رفيع القوم من كان عاقلاً *** وإن لم يكن في قومه بحسيب وإن حل أرضاً عاش فيها بعقله *** وما عاقل في بلـــــــــدة بغريب ويقول آخر بيتاً هو نص في موضوعنا: ذوي العقل في معترك الأقدار مقتدر *** لكن ذا الجهـــــــل مغلوب ومغلول وعقل ذو الحزم مرآة الأمور بهــــــــــــــــــــــا *** يرى الحقائق والمجهول مجهول فالعقل أيها الأخوة مرآة، ومانع من الوقوع في المحظور. - ضبط اللسان: يقول - صلى الله عليه وسلم -: ((أمسك عليك لسانك))، ولما قال له معاذ - رضي الله عنه -: وإنا يا رسول الله مآخذون بما نتكلم؟ قال: ((ثكلتك أمك، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم))، وقال - صلى الله عليه وسلم - وقد أمسك بلسان نفسه: ((كف عليك هذا)). ودخل عمر - رضي الله عنه - على أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - وهو آخذ بلسانه يجره، وكأنه يريد أن يقلعه، قال له: "يا أبا بكر حسبك"، قال: "هذا الذي أوردني الموارد". أبو بكر الصديق يقول عن لسان نفسه: "هذا الذي أوردني الموارد"، ماذا نقول نحن عن ألسنتنا، فالمحافظة على اللسان، وضبط اللسان؛ مما يمنع من التصرفات التي لا تحمد عقباها. يصاب الفتى من عثرة بلسانه *** وليس يصاب المرء من عثرة الرجل فعثرته في القول تذهب رأســـه *** وعثرته بالرجل تبرأ على مهــــــــــــــــــــــــل احفظ لســـــــــــــــــــــانك أيها الإنسان *** لا يلدغنك إنه ثعبـــــــــــــــــــــــــان كم في المقابر من قتيل لسانه *** كانت تهاب لقاءه الشجعان الصمت زين والسكون سلامة *** فإذا نطقت فلا تكن مكثاراً فإذا ندمت على سكوتك مـــــرة *** فلتندمن على الكلام مـــراراً احفظ لسانك واستعذ من شــره *** إن اللســــــــــــان هو العدو الكاشح وزن الكلام إذا نطقت بمجلس *** فإذا استوى فهناك حلمك راجح والصمت من سعد السعود بمطلع *** تحي به والنطق سعد الرابــــــــــح عود لسانك قول الخيـــــــــــــر تنج به *** من زلة اللفظ أو من زلة القدم واحذر لسانك من خلٍ تنـــــــــــــــــــادمه *** إن النديــــــــــــــم لمشتق من الندم فالمحافظة على اللسان، وضبط اللسان؛ سبب لضبط النفس، بل هو جزء من ضبط النفس. - التجرد لله - جل وعلا -: وهذا سبب أوجهه لأحبتي من الدعاة، ومن طلاب العلم بصفة خاصة، وللأمرين بالمعروف، والناهين عن المنكر، وللقائمين بحدود الله. التجرد من حظوظ النفس، فعند التأمل والتحقيق قد يكون الغضب ليس لله، كيف؟ كم من الناس يغضبون، ثم يتصرفون، ثم يقولون غضبنا لله، ولو درسنا المسألة دراسة حقيقة مجردة لثبت لنا أنه في الحقيقة لم يكن الغضب لله، بمعنى أنه قد يكون أصل الغضب لله نعم، مثلاً: قد تأتي لإنسان فتقول له: قم للصلاة جزاك الله خيراً، فيتلفظ عليك بكلمات، فقد لا تحتمل أعصابك، فتتصرف إما بالضرب، أو بالشتم، أو بغير ذلك، نعم يحدث هذا، وعندما يقال لك: لماذا هذا التصرف؟ تقول: إنني غضبت لله. تأمل أخي الكريم!! تأمل أخي الداعية!! أأنت غضبت لله أم غضبت لنفسك؟ كثير من الناس يقع في هذا البلاء، وقد غضب لنفسه، ولم يغضب لله - جل وعلا -، صحيح أنه كان يأمر بالأمر بالمعروف، صحيح أنه كان ينهى عن المنكر، وكان أمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر لله؛ لا نشك في ذلك، لكن ما حدث بعد ذلك من ثورة، وغضب، وفوران، وتعدٍ لم يكن لله - جل وعلا -، ولكن لأن هذا الشخص أساء إليك، فغضبت لنفسك. فالتجرد من حظوظ النفس - وهو أمر لا يقدر عليه إلا من أعطاه الله قوة وعزماً -: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) فأقول أن نتجرد لله - جل وعلا -، وأن يكون غضبنا لله لا لأنفسنا، ولو تأملنا، وأخذنا الأمور بهدوء، وناقشنا أنفسنا بعد ذلك؛ لوجدنا أن الغضب الذي كثيراً ما يحدث لم يكن أثره غضباً لله؛ وإنما هو لحظ النفس. إذن فالتجرد من حظ النفس يعين على ضبط النفس - بإذن الله -. - التربية الجادة وحسن الخلق: وهنا كلمة للآباء والأمهات، وإلى المربين - بصفة خاصة - بالتربية على التحمل، ربوا أبناءكم، ربوا تلاميذكم على تحمل الإساءة من الآخرين، إننا لا نستغرب الإساءة من الآخرين، ولكننا نستغرب ردود الأفعال من الصالحين. يقول - صلى الله عليه وسلم -: ((اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن)) فالتربية الجادة، والتربية الصالحة؛ تؤدي - بإذن الله - إلى ضبط النفس. وأشير هنا إلى أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يشجع أصحابه على ضبط النفس قال لأشج عبد قيس: ((إن فيك خصلتين يحبهما الله - جل وعلا -: الحلم، والأناة)). فالحلم - كما سيأتي بعد قليل - كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يربي على ذلك، والتربية على التصرف في الأزمات مما يساعد على التخلص من هذا البلاء. - معرفة مئالات الأمور: من أعظم الأسباب التي تمنع من التصرفات الخاطئة معرفة عواقب الأمور، وإتقان قاعدة المصالح والمفاسد، الله - جل وعلا - يقول للصحابة: (ولا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ)، إذا كان سب الأصنام سيؤدي إلى سب الله - جل وعلا -؛ فلا تسبوا الأصنام، هذه قضية نغفل عنها. الرسول - صلى الله عليه وسلم - جاء ليحطم الأصنام، وجاء لينقل الناس من عبادة الأصنام إلى عبادة الله، ومع ذلك نجد أن الله ينهى الصحابة من أن يسبوا الأصنام، لماذا؟ لأن سب الأصنام يؤدي إلى أن المشركين يسبون الله - جل وعلا -، فالمعرفة بمئآلات الأمور أمر عظيم جداً. معرفة النتائج أمر مهم جدا،ً الآن قد يأخذنا الأنفعال بتصرف أهل السوء تصرفات هوجاء، ومع زحمة الانفعال والغضب، والغيرة على دين الله، وعلى محارم الله؛ قد نتصرف ولا نعرف ماذا سيترتب على ذلك، ونحن يجب أن نكون أكثر حكمة. وإليكم هذا المثال: قصة أصحاب القرية التي وردت في سورة ياسين: أرسل الله - جل وعلا - لقرية رسولين، ثم عزز بثالث، فقالوا: إنا إليكم مرسلون، ودامت القصة بين أهل القرية وبين الرسل، وفي آخر المطاف قال أهل القرية: (لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم) هذه نهاية القصة. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |