تجربة مع المرض - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 873 - عددالزوار : 119469 )           »          الوصايا النبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 27 - عددالزوار : 8862 )           »          البشعة وحكمها في الشريعة الإسلامية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          الألباني.. إمام الحديث في العصر الحديث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 4 - عددالزوار : 1197 )           »          لا تقولوا على الله ما لا تعلمون (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          نصائح وضوابط إصلاحية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 50 - عددالزوار : 21978 )           »          اصطحاب الأطفال إلى المساجد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          صلة الرحم ليس لها فترة زمنية محددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          الدعاء بالثبات والنصر للمستضعفين من المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          الأسباب المعينة على قيام الليل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصور والغرائب والقصص > ملتقى القصة والعبرة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القصة والعبرة قصص واقعية هادفة ومؤثرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17-10-2020, 12:52 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,280
الدولة : Egypt
افتراضي تجربة مع المرض

تجربة مع المرض


عبدالعزيز كحيل





ليس راءٍ كمَن سمِع، ولا يُنبِّئك مثل خبير!


مكابدة المرض على الفراش تجربةٌ مغايرة للقراءة عنه، أو سماع أنَّات المصابين عند زيارتهم، هنا يتَّعِظ المؤمن بنفسه بأبلغ مِمَّا تنفعُه موعظة غيره، تنزلُ به الوعكة المفاجئة حادَّة ضارية، فيرى في ذاته عجائب القدرة الإلهية، فقد صمت اللسان الذي كان يهزُّ أعواد المنابر بالتدريس والمحاضرة، ولم يعُد قادرًا إلا على الهَمْهَمة وبجهدٍ بليغ، وثقُلَت اليد التي ألِفَت الإمساك باليراع بقوَّة ويسرٍ تُدبِّج المقالات بغير كلل.

نظر المسكين إلى نفسِه فوجدها محرومةً من اللسانَيْن الناطق والصامت، فكيف حال مَن فقَد مقوِّمات وجوده وغدا كمًّا مهملاً وجثَّة متثاقلة؟!
وإنما أشفق على نفسه لِما عهِده من طول لطف الله به، فلم تكن وعكاته الصحية إلا خفيفة قصيرة، وبعد الدهشة التَفَت إلى حالتِه ينتفع منها، فكان أوَّل ما قفز إلى ذهنه وامتلك مشاعرَه هذا الضعفُ الذي ليس سوى الصفةِ الملازمة للإنسان، مهما امتلك من عوامل القوة والصحة والتمكين، أليس يرى قول الله تعالى: ﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 28] منطبقًا عليه تمامًا، فجرَّه هذا إلى الاعتبار بنفسه كما أمره ربُّه: ﴿ وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الذاريات: 20]؟.
بلى، أبصر قدرة الله، وضعفه هو رأي العين، وعايشهما، وأيقن صدق السنّة الماضية في الخلق، فلم يسَعْه إلا أن يردِّد مع أولي الألباب: ﴿ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 191]، كان يعرف كلَّ هذا لطول معاشرته للقرآن والسنة، ولطول مراقبة أحوال الناس، لكنه اليوم برمَّته داخل مدرسة المرض التي تُحوِّل الكلام إلى واقع، والنظرية إلى تطبيق، فما أصدق الخالقَ عز وجل: ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ﴾ [فصلت: 53]، كان المريض يعرفُ كلَّ هذا، ويجعله محورًا لدروسه، لكنه اليوم تلميذٌ صغير، يتعلم اليقين؛ لأنه تجاوز المعلومة، وها هي سياط الأسقام تُلقِّنه الحقائق تلقينًا، وتنثر بين أعضاء جسمه المُنهَك آيات ودروسًا، وثمرات تربوية رفيعة المستوى كبيرة الوقع، فسكنت نفسه؛ لأنه لم يعُدْ يعبأ كثيرًا بألم المرض ولا دواء الطبيب، بل يرى يدَ الله تعالى تعمل، وكلُّها حكمة وخير وفلاح، وما عسى المرض أن يفعل بقلب معلَّق بربِّه يعبُّ الرَّوْح والرَّيحان ويَكرَع في نفحات السماء؟

وانتبه من غفلته، وعرَف أنها فرصة سانحة للتخفف من الذنوب، والتقرُّب من المعبود، فعفَّر جبينَه في بستان السنة النبوية الوارِف:
((ما يزال البلاء بالمؤمن في نفسه وولده حتى يخرج من الدنيا وليس عليه ذنب))؛ رواه الترمذي.

((ما يُصيب المسلمَ من نصبٍ ولا وَصَبٍ، ولا همٍّ ولا حزن، ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يُشاكُها إلا كفَّر الله بها من خطاياه))؛ رواه البخاري ومسلم.

((ما من مسلمٍ يُصِيبه أذًى من مرض فما سواه، إلا حطَّ الله به من سيئاته، كما تحط الشجرة ورقها))؛ متفق عليه.

عن جابر بن عبدالله أن رسول الله دخل على أم السائب، فقال: ((ما لك يا أم السائب تزفزفين؟)) - أي ترتعدين - قالت: الحمى لا بارك الله فيها، فقال: ((لا تسبِّي الحمى؛ فإنها تُذهِب خطايا بني آدم كما يُذهِب الكير خبث الحديد))؛ رواه مسلم.

إذًا؛ دَعِ الخلق جانبًا واتخِذِ الله صاحبًا، فمتى تتميَّز إن لم تتميَّز اليوم؟
هل ذهبَت تلك العبارات، سقطت تلك الشارات التي عمرت بها ساعات العافية وأيام الهناء؟
هل النائحة الثكلى كالمستأجرة؟
متى تتضرَّع بين يدي ربِّك الكريم، إن لم ترتَمِ اليوم بكُلِّيَّتك على عتبة بابه، تشكو ضعف قوَّتك وقلَّة حيلتك؟

أليس في مناجاته في ظروف الوَحدة وهجعة الليل وتحرُّك الألم، لذَّة لا يعرفها إلا من حَظِي بالتخرُّج من مدرسة البدايات المحرقة التي لا تنفع فيها عبادة التجَّار، ولا عملةٌ فيها سوى الإخلاص والصدق والتواضع للخالق والخلق، والإقبال على النفس باللائمة والتوبيخ؛ لقلَّة أدبها مع الله، واستعجالها الفرج بعد ابتلاء عادي، صارت تعُدُّه قاصمةَ العمر، وقد تقلَّبت في أعطاف النعمة والعافية طول حياتها، ولم ينَلْها من البلاء في الجسم إلا اللَّمَم، والحمد لله؟

ثم لِمَ تُبصِرُ أيها المشتكي العسرَ يرفلُ إليك، ولا تبصر اليسر خلفَه وإلى جانبه؟

قال الله تعالى: ﴿ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 7]، وكأن هذا الوعد الربّاني لم يُرِح بعض النفوس المتعَبة رغم إيمانها ويقينها فزادها تثبيتًا، فقال: ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 5، 6]، فالفرج لا يأتي هنا بعد الشدَّة، ولكنّه بفضل الله يصاحبها، لكن العين الضعيفةَ المستعجلة لا تبصره، ومتى يغلب عسرٌ يُسرَيْن؟!

طال الليل على المريضِ حتى ردَّد مع امرئ القيس:
ألا أيها الليل الطويلُ ألا انجَلِ
...................


ثم ما لبث أن أتمَّ الشطر الثاني:
.................
بصبحٍ وما الإصباح منك بأمثل


بعدها هدأت النفس، واشتغلت بالأوراد والأذكار، والتفكُّر في العمر، وما انقضى منه، وما يدَّخره له الغيب من امتداد أو قِصَر، وهاجت عواصف الندم على التفريط في جنب الله، وتفويت الأوقات في غير طائل، والاحتطاب من حبل الزخارف الفانية، وشيء من الاغترار بالعلم والعمل وبسطة الدنيا، فما وزن كلِّ هذا أمام لدغة الآلام وترقُّب الموت؟

ها هي آي الذكر الحكيم ماثلة ناطقة خرجت من المصحف، وارتسمت عند طريح الفراش: ﴿ مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ﴾ [الحاقة: 28، 29]، عسى ألا ينطبق باقي الآية على الصادق في حبِّه، المفرِّط في حقه.

﴿ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ﴾ [الصافات: 61].

﴿ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ﴾ [الزمر: 56].

لو لم يكن من فوائدِ المرض إلا هذه الإنابة الخاشعة لكفى المؤمن، فهو أوثق في وعد الله، أكثر منه في مهارة الطبيب الذي احتار وخانته العقاقير، وماذا فقَد إن خرج من مرضه برصيد وافر من الإيمان الصادق، أو غادر الدنيا وهو مُخبِتٌ منيب، يُحسن الظنَّ بربِّه، قد تخلَّى عن المزاعم والادعاءات، ورأى الحقائق رأي العين، فعرَف قدره وأيقن بحجمه الضئيل، فتخفَّف من الأسباب، وأقبل على معاني التجريد، مناديًا ربّه بما يحبُّ سماعه من عباده:
﴿ مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 83].

﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87].

((يا حيُّ يا قيُّوم، برحمتك أستغيث)).

((إن لم يكن بك غضب عليَّ فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي)).

ويستعذب المشتكي طريحُ الفراش دعاءَ إخوانه له بظهر الغيب، ويأنس به، لَيْتَهُم يذكرونه في صلواتهم؛ لعلَّه في حال صحته ذكَّرهم بالله ولو مرة واحدة.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 54.36 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 52.69 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (3.07%)]