|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الأخوة الحقيقية هي أخوة الدين يحيى بن إبراهيم الشيخي الخطبة الأولى الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، أحمده وأشكره على نعمه وإحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، الذي بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين. أما بعد: عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، وطاعته ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]. عباد الله، إن الإنسان ليغبط أشد الغبطة عندما يراه الآخرون وقد أصبح لديه عدد من الإخوة يؤازرونه ويقفون بجانبه عند الشدائد، وينصرونه إذا ظلم، وخاصة من حرموا الإخوة، أو لديهم إخوة لا خير فيهم، مفككين فيما بينهم ومشتتين كل في جهة، لا يهتم الواحد منهم إلا بنفسه، فهل هذه الأخوَّة التي يتمناها كل إنسان، أم أن هناك أخوَّة غيرها هي التي يبحث عنها ويشعر بالأمن والسعادة معها؟ وهنا يجيب الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا السؤال مبينًا لنا أن الأخوّة الحقيقية ليست أخوة النسب، وإنما هي أخوة الدين، فكم من أخ من النسب لا قيمة له، يتخلى عن أخيه وقت الشدائد، ويخذله عند المهمات، ويفقده عند الحاجة، بل ربما يكون مع عدو أخيه على أخيه، ويبيع أخيه بعرض من الدنيا، كل ذلك من أجل إكرام لعين حبيب، أو خوف من بعيد أو قريب، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وهنا نستمع لحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو يبين لنا نوع هذه الأخوّة. عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة؛ متفق عليه. إذًا الأخوة الحقيقية يا عباد الله هي أخوة الدين: المسلم أخو المسلم يعني في الدين، كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ﴾ [آل عمران: 103]. وقال الله تعالى: ﴿ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ﴾ [الأحزاب: 5]. وهذه الأخوة هي أوثق الأخوَّات، فهي أوثق من أخوَّة النسب، فإن أخوة النسب قد يتخلف مقتضاها، فيكون أخوك من النسب عدوًّا لك كارهًا لك، وذلك يكون في الدنيا وفي الآخرة؛ قال الله تعالى: ﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾ [الزخرف: 67]. أما أخوة الدين فإنها أخوة ثابتة راسخة في الدنيا وفي الآخرة، تنفع الإنسان في حياته وبعد مماته، لكن هذه الأخوة لا يترتب عليها ما يترتب على أخوة النسب من التوارث ووجوب النفقة وما أشبه ذلك. ثم قال: لا يظلمه ولا يسلمه، (لا يظلمه) لا في ماله، ولا في بدنه، ولا في عرضه، ولا في أهله، يعني لا يظلمه بأي نوع من الظلم، (ولا يسلمه) يعني لا يسلمه لمن يظلمه، فهو يدافع عنه ويحميه من شره، فهو جامع بين أمرين: الأمر الأول: أنه لا يظلمه. والأمر الثاني: أنه لا يسلمه لمن يظلمه، بل يدافع عنه. الله أكبر ما أجمل هذه الأخوة، إنها أخوة حقيقية! ولهذا قال العلماء - رحمهم الله -: يجب على الإنسان أن يدافع عن أخيه في عرضه وبدنه وماله؛ في عرضه: يعني إذا سمع أحدًا يسبه ويغتابه، يحب عليه أن يدافع عنه، وكذلك أيضًا في بدنه: إذا أراد أحد أن يعتدي على أخيك المسلم وأنت قادر على دفعه، وجب عليك أن تدافع عنه، وكذلك في ماله: لو أراد أحد أن يأخذ ماله، فإنه يجب عليك أن تدافع عنه. ثم قال عليه الصلاة والسلام: (والله في حاجة العبد ما كان العبد في حاجة أخيه)، يعني أنك إذا كنت في حاجة أخيك تقضيها وتساعده عليها، فإن الله تعالى يساعدك في حاجتك ويعينك عليها جزاءً وفاقًا. إن في قضاء حاجات إخواننا في الدين ثوابًا لا يعلمه إلا الله، والله لو استشعر أحدنا النتائج المثمرة التي يحصل عليها في الدنيا والآخرة، لقضى وقته وحياته من أجل قضاء حاجات الناس، وفي خدمة الناس، ولشعر بسعادة لا يعلمها إلا الله، فإن من يعيش من أجل الناس، يعيش كبيرًا ويموت كبيرًا، ومن يعيش لنفسه فإنه يعيش صغيرًا ويموت صغيرًا، وكلنا قادرون أن نساعد ونخدم الآخرين، كلٌّ باستطاعته، فاستمع لبشارة المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهرًا...)؛ حسنه الألباني. الله أكبر، دقائق معدودة تقضيها مع أخيك المسلم لقضاء حاجته، أحب من اعتكاف شهر في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم الذي تعدل الصلاة فيه ألف صلاة في غيره إلا المسجد الحرام، فهل يقصر أحدنا بعد سماعه لهذا الفضل العظيم، ويُفهم من ذلك أن الإنسان إذا ظلم أخاه، فإن أخوته ناقصة، وإذا أسلمه إلى من يظلمه، فإن أخوته ناقصة، وإذا لم يكن في حاجته، فإن هذا يفوته الخير العظيم، وهو كون الله تعالى في حاجته! ثم قال: (ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا، فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة)، والكرب ما يضيق على الإنسان ويشق عليه، ويجد له في نفسه همًّا وغمًّا، فإذا فرجت عن أخيك هذه الكربة، فرج الله عنك كربة من كرب يوم القيامة. وتفريج الكربات يكون في أمور متعددة: إن كانت كربة مالية؛ فبإعطائه المال الذي تزول به الكربة، وسواء كان هذا المال من مالك أو جمعته من أهل الخير، ففرجت كربته، يشملك الأجر، وإن كانت كربة معنوية؛ فبالحرص على رد معنويته ورد اعتباره حتى تزول عنه الكربة، ومن ذلك أيها الأخوة الكرام أن كثيرًا من الناس يتورط في مشكلة، أو يحتار عقله في اختيار مشروع ما أو زواج، أو تعثَّر هو أو أحد أفراد أسرته في الحصول على وظيفة معينة، أو ما أشبه ذلك، وليس عنده خِبرة في حل مشكلته أو اختيار ما ينبغي له اختياره، ثم جئت إليه وأبديت له مشورتك وخبرتك، وبيَّنت له العيوب التي لولا مشورتك بعد الله، لربما ظل حائرًا مهمومًا بما هو فيه، أو شفعت له في وظيفة فقبِلت شفاعتك، أو أصلحت بينه وبين زوجه وأولاده، فجمعت الشمل وأفرحت الأسرة، وأدخلت عليهم السرور، فقد فرجت كربته وكربة أهله، وإذا كان الذي به كربة هم وغم من مرض أو مصيبة، أو غير ذلك، فبأن توسع عليه وتنفس له، وتبين له أن الأمور لا تدوم، وتبين له ما في هذا من الأجر والثواب العظيم، حتى تهون عليه الكربة! ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، (من ستره) يعني: غطى عيبه ولم يُبينه للناس، فإن الله يستره في الدنيا والآخرة، وهذا ليس على إطلاقه، فهناك نصوص تدل على أنه غير مطلق، فالستر قد يكون مأمورًا به محمودًا، وقد يكون حرامًا، فإذا رأينا شخصًا على معصية، وهو رجلٌ شرير منهمك في المعاصي، لا يزيده الستر إلا طغيانًا، فإننا لا نستره، بل نبلغ عنه حتى يُردع ردعًا يحصل به المقصود. أما إذا لم تبدر منه بوادر سيئة، ولكن حصلت منه هفوة، فإنه من المستحب أن تستره ولا تُبينه لأحد، لا للجهات المسؤولة ولا لغيرها، فإذا سترته ستر الله عليك في الدنيا والآخرة. ومن ذلك أيضًا أن تستر عنه العيب الخلقي، إذا كان فيه عيب في خلقته كجروح مؤثرة في جلده أو برص، أو ما أشبه ذلك، وهو يتستر ويحب ألا يطلع عليه الناس، فإنك تستره، فإذا سترته سترك الله في الدنيا والآخرة، ومن هنا نوجه التحذير الشديد للأطباء ومغسلي الأموات أن يستروا عيوب الناس التي يرونها بأعينهم، فإنها أمانة تقلدوها، فليتقوا الله فيها! أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين. ♦♦♦♦ الخطبة الثانية الحمد لله رب العالمين، أحمد حمد الشاكرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا. أيها المؤمنون إذا كانت هذه هي الأخوة الحقيقية، فدعونا نشخص واقعنا الذي نعيش فيه، هل نحن بالفعل نطبق هذا الحديث في واقعنا؟ وهل بالفعل نحن متحابون فيما بيننا، كما حث عليه هذا الحديث الشريف؟ وهل يبذل أحدنا كل ما في وسعه من أجل رضا أخيه المسلم؟ وهل يتمنى لأخيه من الخير ما يتمناه لنفسه؟ وهل يغض الطرف عن هفواته ويستر ما يراه منه من عيب أو هفوات؟ أم ينشر أسراره بين الناس، ويتشفى بما يسمع عنه من بلايا ونكبات؟ هل فكر أحدنا أن يساعد أخاه إذا احتاجه؟ وهل يفرح لفرحه ويهنئه من كل قلبه ويبارك له بفرحه؟ وهل يحزن لحزنه ويشاركه أحزانه إذا حزن؟ ومن أعظم ذلك الحب أن تذبَّ عن عرضه وتدافع عنه في غيبته، فكم نسمع في المجالس من الغيبة والتهم لإخواننا، ولكن للأسف لا ندافع عنهم ولا نذب عن عرضهم، مع أن في الذب عن عرضهم والدفاع عنهم ثوابًا عظيمًا نحن بحاجة إليه يوم القيامة؛ يقول صلى الله عليه وسلم: (من ذبَّ عن عرض أخيه، ذبَّ الله عن عرضه يوم القيامة)، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فلماذا كل هذا الجبن والخذلان الذي يمنع أن يدافع أحدنا عن أخيه المسلم إذا سمع أحدًا يغتابه أو يتهمه بما لا يليق به، فاتقوا الله عباد الله وصلوا وسلموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |